id
int64
1
2.4k
title
stringlengths
6
118
description
stringlengths
1
273
content
stringlengths
0
61k
url
stringlengths
43
248
image
stringlengths
77
252
datePublished
timestamp[s]
dateModified
timestamp[s]
section
stringclasses
14 values
2,301
إسرائيل عالقة في الحرب وما بعدها
فيما تؤَمن الولايات المتحدة الدعم الكامل لهذه الحرب، فإن القراءة الموضوعية التي تصدرها تشكيلاتها الاستخبارية، تؤكد أن الاحتلال لا يزال عالقًا في غزة، ويفشل في تحقيق أهدافه التي وضعها
رغم استمرار نتنياهو في إطلاق مصطلح النصر الكامل، وترويج قادة الاحتلال لشجاعة جنودهم وتحقيقهم الإنجازات في أنحاء قطاع غزة، فإن الخلافات وحجم الديمقراطية الانتقائية المتاح في الكيان دائمًا ما يكشفان عن صورة مغايرة على الأرض، فيما تستمر المقاومة في بث الفيديوهات التي تؤكد إيقاعها الخسائر في صفوف جيش الاحتلال في كافة مناطق تواجده، بما يثبت أن هذا الأخير ما زالَ بعيدًا عن فرض سيطرته على الأرض التي يحتلها. وفيما تؤَمن الولايات المتحدة الدعم الكامل لهذه الحرب، فإن القراءة الموضوعية التي تصدرها تشكيلاتها الاستخبارية، تؤكد أن الاحتلال لا يزال عالقًا في غزة، ويفشل في تحقيق أهدافه التي وضعها لهذه الحرب، وهي النتيجة التي تبني عليها الإدارة الأميركية في دعوتها لإسرائيل للموافقة على خطة اليوم التالي المتمثلة بتمكين السلطة الفلسطينية ضمن إطار حل إقليمي يستند لقيام دولة مستقلة. لا شك أن ضربة السابع من أكتوبرتشرين الأول أفقدت حكومة الاحتلال توازنها، ذلك أنها جاءت من حركة محدودة الموارد، وتعاني من حصار في منطقة جغرافية محدودة، حيث كانت أجهزة الأمن تعتقد أنها مردوعة بعد سلسلة من الحروب مع الاحتلال. كما أن حجم ونوعية خسائر الاحتلال خلال ساعات محدودة، كانا لهما تأثير الصدمة على جميع شرائح كيان الاحتلال، ما أدى إلى تشكل رغبة جامحة وعارمة للانتقام للكرامة الوطنية، الأمر الذي ترجم إلى تصريحات مغرقة في الاحتقار والتهديد لكل ما هو فلسطيني، وجرائم وصلت حد التطهير العرقي والإبادة الجماعية، أوصلت الكيان إلى الإدانة في محكمة العدل الدولية، بعد أن وفرت لها واشنطن سياج الأمان في مجلس الأمن الدولي. إلا أن هذا لا يقلل من دور التشكيلة المتطرفة التي تقود كيان الاحتلال، والتي عبرت عن نفسها بممارسات التهجير، والإفراط في استهداف المدنيين والمؤسسات التي تخدمهم كالمستشفيات والمدارس، فضلًا عن الأفعال الفردية والجماعية لجنود الاحتلال التي عبّرت عن وحشية وسادية غير مسبوقتين كشفت عنهما الفيديوهات المسربة لوسائل الإعلام، بما فيها تلك التي سرّبها الجنود أنفسهم. يلاحظ أن عودة الجيش الإسرائيلي لاحتلال مستشفى الشفاء والمنطقة المحيطة به جاءت بعد نجاح هذه الحركة بالتفاهم مع العشائر والأونروا لحراسة وتنظيم قوافل الإغاثة في الشمال، ومن ثم الإشراف على توزيعها للمحتاجين من خلال مراكز الأونروا ورأت إسرائيل أنها في حِل من أي التزام قانوني أو أخلاقي في حرب اعتبرت أنها تدافع فيها عن وجودها وليست حربًا دفاعية أو هجومية عادية، وساعدها في ذلك الدعم اللامحدود الذي تلقته من إدارة الرئيس الأميركي بايدن، سواء بإمدادها بجسر جوي من المساعدات العسكرية، أو بالوقوف في مجلس الأمن 4 مرات ضد أي قرار يدعو إلى الوقف الشامل للحرب، فضلًا عن عدم ممارستها أي ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف المجازر الفظيعة ضد المدنيين، أو التصدي لحرب التجويع ضد الفلسطينيين. ولذلك يمكن القول؛ إن هدفَي القضاء على حماس والإفراج عن الأسرى بالقوة، لم يكونا واقعيين؛ لأنهما صدرا عن غريزة الانتقام التي لا مكان لها في التفكير السياسي والخطط الحربية، إذ لا يمكن القضاء على حركة لها جذورها التاريخية والواقعية، ولها امتداداتها داخل وخارج أرض فلسطين. ولا يمكن لإسرائيل لمجرد أنها ترى أنه لا يمكن التعايش مع حماس، أن تتمكن من القضاء عليها بالوسائل العسكرية، بل إنها تحتاج لجهد سياسي موازٍ، هو ما تحدثت عنه الإدارة الأميركية معها تحت عنوان اليوم التالي للحرب، وعن دور محدد للسلطة تحلّ به محل حماس في حال التمكن من إضعافها ولعلنا نلاحظ أن أكثر الانتقادات من جنرالات الحرب ورؤساء الحكومة السابقين لدى الاحتلال، ولدى الشركاء الحكوميين مثل غانتس وآيزنكوت، تتركز على الانتقال لمرحلة تبادل الأسرى، وتأجيل الهدف الأول المتعلق بحماس لمرحلة لاحقة، ما دام أنه لم ينجح حتى الآن، وهو الأمر الذي يتعارض مع طموحات نتنياهو باستمرار عجلة الحرب حتى يتجنب الدعوة لانتخابات جديدة، ولمحاكمته في حال التوصل لأي وقف إطلاق للنار. وبعد الاقتراب من إكمال الحرب شهرها السادس، لا يزال الشارع الإسرائيلي يجمِع على استمرار الحرب على حماس، وهو ما يستند إليه نتنياهو. غير أن ذلك لا يعني استمرار هذا الإجماع بصرف النظر عن نتيجة الحرب. وبدون شك فإن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها ناتج في جزء منه إلى عدم تقديرها حجم قوة حماس وتحصينات الأنفاق لديها، وفشل التكنولوجيا في اكتشافها، واضطرارها للاعتماد على العنصر البشري لتحقيق هذه الغاية، حيث تحدثت مصادر الاستخبارات الأميركية عن أن الاحتلال لم ينجح إلا في تفكيك ثلث هذه الأنفاق التي يزيد طولها على 500 كيلومتر. وتؤشر مجريات الحرب إلى أن جيش الاحتلال عاجز حتى الآن عن الخروج بصورة نصر تؤهله للدخول في تسوية سياسية تحقق أهدافه. ولكن من الممكن بوجود معارضة فاعلة تنجح في استبعاد نتنياهو، أو تجاوز أهدافه الشخصية، وتأخذ العبر لمصلحة تجنب هزيمة إستراتيجية للكيان، أن يتم التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار، قد يفضي في المستقبل لوقف دائم للحرب. ولكن لا يبدو أن غانتس الذي يتفوق بضعف الأصوات على نتنياهو في حال أجريت الانتخابات، قادر حتى الآن على إسقاط نتنياهو الذي يتحالف مع بن غفير وسموتريتش، كما أنه لا يمكن للضغوط الأميركية التي تتوافق مع معارضة بعض أجزاء اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، أن تكون قادرة على تشكيل ضغط حقيقي يؤدي لخلخلة حكومة المتطرفين في الكيان. غير أن هناك معضلة كبرى تواجه الكيان، وليس حكومة نتنياهو وحدها، وتتمثل بخطة اليوم التالي. فأميركا تستند في هذه الخطة إلى سلطة فلسطينية معدلة أو محسنة عن السلطة الحالية، من خلال تحويل عباس إلى رئيس شكلي وإيكال صلاحياته لرئيس وزراء فلسطيني يتم التوافق عليه أميركيًا وإسرائيليًا وعربيًا، بحيث يقود الضفة والقطاع وفقًا للمطالب الإسرائيلية، ويعمل بالتالي على تعميم نموذج سلطة رام الله على غزة. وبطبيعة الحال، فإن هذا التصور يقضي بأن تكون حماس في حالة من الضعف، بحيث لا تستطيع منع امتداد حكم السلطة لغزة، إلا إذا عولت واشنطن على قبول حماس بالانضواء تحت هذه السلطة والاستعداد للتخلي عن المقاومة المسلحة لصالح استمرار بقائها السياسي. ولا يبدو أن هذا التصور واقعي، في ضوء الفشل الإسرائيلي في إنهاء أو إضعاف حماس، إذ لا تزال كتائبها عاملة في الشمال والجنوب، وتتمتع بحضور كامل في رفح جنوب قطاع غزة، وترفض الاندماج في برنامج السلطة، وإن أعربت عن قبولها بحكومة وحدة أو حكومة تسيير أعمال، على أن تشكل بتوافق فلسطيني. ويبدو أن الولايات المتحدة محبطة من ضعف إنجازات الاحتلال، بما يؤدي إلى تقليل فرص نجاح تصور اليوم التالي، إلا إذا أرادت الاعتماد على التمكين التدريجي لهذه السلطة من خلال الاستمرار في الحرب وإنهاك حماس بحرب استنزاف قد تطول لسنوات أو أشهر، والاعتماد أيضًا على إغلاق معبر صلاح الدين فيلادلفيا وخنق حماس من خلال منع أي إمداد لها بالسلاح والعتاد. ورغم أن هذا التصور هو ما تحاول إدارة بايدن إقناع نتنياهو به بدلًا من اجتياح رفح بالكامل، فهذا الأمر من المشكوك فيه أن ينجح سواء على صعيد المدة الزمنية أو النتيجة المتوقعة له. وقد حاول بلينكن خلال زيارته الأخيرة واجتماعه مع مجلس الحرب تحذير نتنياهو من مخاطر اجتياح رفح، قائلًا أمن إسرائيل ومكانتها الدولية في خطر. إن لم تفهموا ذلك بعد، فإنكم تخاطرون بالتعثر في غزة، وتخاطرون بالعزلة العالمية. وقال له حتى لو قمتم بعملية في رفح، فسيظل في غزة تحدٍّ كبير يسمّى حماس. ولكن نتنياهو رد عليه بالقول حتى سكان غزة الذين ليسوا من حماس لا يريدون السلام. الجمهور في إسرائيل لن يكون مستعدًا لدولة فلسطينية. وهذا الأمر يؤكد إصرار الاحتلال على موقفه وأنه يشن حربًا على الشعب الفلسطيني وليس على حماس وحدها. كما يدل على فشل إدارة بايدن بإقناع نتنياهو بمزايا الموافقة على اليوم التالي والدولة الفلسطينية، حتى ولو كانت شكلية ومنزوعة السلاح كما أكد بايدن نفسه. ومن المعلوم أن الهدف الأهم لتصور اليوم التالي بالقبول بالدولة الفلسطينية هو تسهيل عملية التطبيع مع العالم العربي، وهو الإنجاز الذي سينقذ بايدن من تدهور سمعته وتراجع شعبيته أمام منافسه ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستتم هذا العام. ولا يحظى التصور الأميركي بقبول حكومة نتنياهو بتركيبتها الحالية، حيث لا تزال تصر على رفض أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، وتستمر في التأكيد على أنها لن تقبل إلا بسلطة لا تعمل على التحريض على الكيان، وهذا الأمر يصَعب على الولايات المتحدة المضي بتصور اليوم التالي، ويؤدي لضرب إستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، والتي تشكل جزءًا من إستراتيجية شاملة تركز على التصدي للنفوذ الصيني، وهزيمة روسيا في حربها ضد أوكرانيا. وفي إطار سعي حكومة الاحتلال لتقديم تصور لليوم التالي، فقد تواصلت مع زعماء العشائر الفلسطينية لإيكال توزيع المعونات الإنسانية في أنحاء قطاع غزة لها، وذلك كمقدمة وتمرين واختبار لهذه العشائر لتولي حكم غزة، فكانت المفاجأة برفض معظم هذه العشائر هذا الدور بدون التفاهم مع حماس وحكومتها. ولكن بعضًا من نشطاء هذه العشائر تعامل مع الاحتلال، ما دفع حماس لفرض نفوذها عليهم بوسائل مختلفة أدت إلى إفشال المخطط الإسرائيلي. ويلاحظ أن عودة الجيش الإسرائيلي لاحتلال مستشفى الشفاء والمنطقة المحيطة به جاءت بعد نجاح هذه الحركة بالتفاهم مع العشائر والأونروا لحراسة وتنظيم قوافل الإغاثة في الشمال، ومن ثم الإشراف على توزيعها للمحتاجين من خلال مراكز الأونروا، وهو ما أشعل الضوء الأحمر لدى الاحتلال، فقام باغتيال المسؤول الأول عن هذا العمل، وهو العميد فائق المبحوح مدير العمليات في جهاز الشرطة في غزة. ثم ما لبث الاحتلال أن استهدف تجمعًا للجان شكّلها وجهاء العشائر الذين رفضوا التعامل مع الاحتلال لتأمين توزيع المساعدات جنوب شرق مدينة غزة، ما أدى لاستشهاد أكثر من 20 منهم. ومع كل هذا، فلا تزال العشائر ترفض التعامل مع الاحتلال، فيما تظهر حماس تحكمًا جيدًا في الميدان الاجتماعي، رغم الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لكوادرها. وفي مقابل ذلك، برزت محاولات داخل حكومة الاحتلال لإدماج جزء محدد من السلطة الفلسطينية متمثلًا برئيس جهاز المخابرات الفلسطينية التابع لسلطة رام الله، ماجد فرج في معادلة ما بعد حماس، إذ سوق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لاتفاق مع فرج على تشكيل قوة فلسطينية من 5000-7000 فرد من عناصر فتح كنواة بديلة عن حماس لحكم غزة، بحيث لن تكون هذه القوة جزءًا من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ويتم تدريبها في الأردن من قبل الجنرال الأميركي مايك بنزل. إلا أن نتنياهو مدعومًا بشريكيه المتطرفين بن غفير وسموتريتش أجهض هذه الخطة، الأمر الذي أعاد الأمور بالنسبة للاحتلال إلى نقطة الصفر. وفي هذا السياق، طرح القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان تمكين حكومة تكنوقراط لا تضم حماس وفتح. ولكن القناة 14 الإسرائيلية ذكرت أن هناك خطة يسوقها دحلان نفسه، وتدعو لدخول قوات عربية من الأردن والمغرب ومصر، بدعم الجامعة العربية، وبدعم خليجي في المرحلة الأولى، وتتضمن إعادة الإعمار، على أن تعلن السعودية إنهاء الصراع مع الاحتلال، وإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية في حال نجاح الخطة. وبصرف النظر عن مدى مصداقية هذه المعلومات، ورغم أن الاحتلال يرحب بدور عربي، باعتبار أن ذلك يعني إضعافَ الكينونة الفلسطينية بل إلغاءها، فإن الدول العربية في مجملها لا يبدو أنها راغبة في التورط في غزة؛ لأنها غير متأكدة أصلًا من نجاح الاحتلال في مهمة القضاء على حماس، ولا هي في وارد الدخول في تعقيدات الشأن الفلسطيني، التي قد تنعكس عليها سلبًا. وهكذا، فإن هذه المحاولات اليائسة من الاحتلال لفرض تصورات على الشعب الفلسطيني، تنبع أساسًا من رفض حكومة المتطرفين الاعترافَ أصلًا بأي حقوق للشعب الفلسطيني، والتركيز على الخطط التي تؤدي في النهاية لاستمرار محاولات إخضاعه، والسعي لتهجيره من غزة والضفة بشتى الوسائل، وهي مخططات لم تغب عن أذهان أقطاب الحكومة. وهذا يؤكد أن الصراع ذاهب لمعادلة صفرية، بما يستبعد أي إمكانات لتسوية سياسية أو تعايش بين الشعبين، ما يمنع بالتالي التوصل لأي تفاهمات لما بعد حماس. ولا يريد الكيان القبول بأي كينونة فلسطينية، بما يجعل الخطط الأميركية لتسوية الصراع غير قابلة للتنفيذ، رغم أنها بالأصل شكلية وليس لها قيمة سياسية حقيقية. وحتى لو تغيرت حكومة الاحتلال، فإن الخطوط العريضة التي تتفق عليها أحزاب الاحتلال، ترفض بشكل عام تقرير الشعب الفلسطيني لمصيره بما في ذلك دولة على جزء من أرضه. وهذا يؤكد أن الاحتلال عالق في الحرب التي يشنها على الفلسطينيين، ليس في غزة وحدها، وإنما في الضفة والقدس أيضًا، فهو عاجز عن تحقيق انتصار يذكر يدخل من خلاله لخطة ما بعد الحرب، وهو في نفس الوقت يرفض أي حل سياسي أو خطة لما بعد الحرب، حتى ولو كانت هذه الخطة شكلية غير أن النتيجة الأهم، هي تآكل قوة هذا الاحتلال، وخسارته مكانته في العالم كقوة إقليمية، وتحول صورته في أذهان العالم- والتي حرص على إظهارها بالبكائيات- من ضحية إلى كيان إرهابي متعطش للدماء، وهو ما يحاول أصدقاؤه في أميركا منع وقوعه، بدون فائدة. والمحصلة هي أن الصراع مستمر في غزة والضفة والقدس، وله أشكال معينة في أراضي 48، وستكون معركة غزة هي إحدى روافعه، بصرف النظر عن الشكل الذي ستنتهي إليه، أو حتى تستمر فيه. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/27/%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af%d9%87%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-03-27T09:56:29
2024-03-27T09:56:29
مقالات
2,302
حادثة معبر رفح.. الدلالات القانونية وتبعاتها السياسية
وقع الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن معاهدة سلام في 26 مارس (آذار) 1979 برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، في قمة تاريخية عُقدت في كامب ديفيد قرب واشنطن.
ألقت حادثة استشهاد جندي مصري على الأقلّ وإصابة آخرين على يد جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي عند معبر رفح اليوم 2752024 ظلالًا كثيفة على مستقبل العلاقة بين مصر وإسرائيل والتي تربط بينهما اتفاقية سلام منذ عام 1979. كما طرحت سيطرة جيش الاحتلال على الجهة الفلسطينية من معبر رفح، وعلى مساحة واسعة من محور فيلادلفيا في وقت سابق من هذا الشهر، بما ينتهك بنود اتفاقية كامب ديفيد، أسئلة كبيرة حول مستقبل هذه الاتفاقية. نعالج في هذه المقالة الأبعاد القانونية والتبعات السياسية المحتملة لحادثة إطلاق النار التي وقعت بين جنود مصريين وجنود إسرائيليين. في محاولة لامتصاص غضب القاهرة، قال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير جندلمان إن العملية العسكرية التي تشنها القوات الإسرائيلية عند معبر رفح، لا تؤثر على معاهدة السلام مع مصر وقّع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن معاهدة سلام في 26 مارس آذار 1979 برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، في قمة تاريخية عُقدت في كامب ديفيد قرب واشنطن. نظمت الاتفاقية في فقرتها الثانية ضمن ما تسمى الحدود النهائية الأنشطةَ العسكرية في سيناء ورفح؛ إذ تم تقسيمهما وفق الخريطة في الملحق الثاني إلى 4 مناطق أ- ب ج د. تنصّ معاهدة السلام هذه على التزام إسرائيل بانسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين إلى حدود ما قبل يونيوحزيران 1967. وتحظر على إسرائيل وضع أي دبابات أو معدات ثقيلة عند الشريط الحدودي مع مصر، وعرضه ثلاثة كيلومترات والمسمى بالمنطقة د. تعدّ سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري يوم السابع من مايو أيار، انتهاكًا صارخًا لمعاهدة كامب ديفيد، حيث يشكل اجتياح المعبر انتهاكًا للمادة الثانية من اتفاقية السلام والملاحق الأمنية، التي تلزم الطرفين بعدم اللجوء إلى التهديد، أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي للطرفين. كما يعتبر السلوك الإسرائيلي انتهاكًا للمادة الرابعة، وكذلك ما ورد في الملحق الأول من اتفاقية كامب ديفيد، والتي أنشأت مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود المصرية الإسرائيلية، إذ انتهكت قوات الاحتلال هذه الاتفاقية بالاجتياح، وإدخال المعدات الثقيلة إلى هذه المناطق. كذلك فقد انتهك الاحتلال، باقتحام معبر رفح، اتفاقية فيلادلفيا الموقّعة بين إسرائيل ومصر عام 2005، وهي الاتفاقية التي أعطت السلطات المصرية والسلطة الفلسطينية مع الاتحاد الأوروبي، دور تنظيم الحركة على المعبر حتى سيطرة حركة حماس على المعبر عام 2007، وفرضت إسرائيل حصارًا اقتصاديًا وسياسيًا على قطاع غزة. يمتدّ محور فيلادلفيا، المعروف أيضًا بمحور صلاح الدين داخل قطاع غزة من البحر المتوسط شمالًا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا بطول الحدود المصرية، التي تبلغ نحو 14 كيلومترًا. لم تعد منطقة محور فيلادلفيا خالية من السكان الفلسطينيين، كما كانت خلال فترة الوجود الإسرائيلي؛ أي قبل الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، فالمنازل الفلسطينية اقتربت بشكل كبير من السياج الحدودي، وفي بعض النقاط التصقت به باستثناء المناطق الشرقية لمعبر رفح، والمنطقة القريبة من شاطئ البحر. كانت مصر قد أحكمت قبضتها في نهاية عام 2013 على المنطقة الحدودية، وبنت جدارًا فولاذيًا، قالت إن الهدف منه منع تسلل المسلحين والمتطرفين إلى أراضيها. وفي وقت لاحق حفرت قناة عرضية من ساحل البحر شمالًا حتى معبر رفح جنوبًا؛ لإقامة منطقة حدودية عازلة، تمتد لنحو 5 كيلومترات؛ بهدف القضاء على أنفاق محور فيلادلفيا. وَفق مصادر إسرائيلية متعددة، فإن عدم ثقة إسرائيل بمصر، هو الذي دفعها للسيطرة على معبر رفح البري؛ لإنهاء قدرة حماس السلطوية من جهة، وكذلك منع إدخال الأسلحة إلى قطاع غزة، رغم أن أية شاحنة نقل تمرّ في معبر رفح، تخضع لفحص الجيش الإسرائيلي قبل دخولها إلى القطاع. في محاولة لامتصاص غضب القاهرة، قال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير جندلمان إن العملية العسكرية التي تشنها القوات الإسرائيلية عند معبر رفح، لا تؤثر على معاهدة السلام مع مصر. وأوضح جندلمان عبر منصة إكس، أن إسرائيل تعي الحساسية المتعلقة بإجراء عمليات عسكرية ضد حماس قرب الحدود المصرية. رغم الانتهاك الصارخ لهذه الاتفاقية، فقد امتنعت مصر حتى الآن عن اتخاذ موقف حاسم وعلني حيال هذا الانتهاك؛ لأن مثل هذه الخطوة قد تؤثر على دور مصر بصفتها وسيطًا يمكن أن يتحدّث للطرفين. كانت الخارجية المصرية، قد أدانت بأشد العبارات العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، وما أسفرت عنه من سيطرة إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، واعتبرت أن هذا التصعيد الخطير، يهدّد حياة أكثر من مليون فلسطيني يعتمدون اعتمادًا أساسيًا على هذا المعبر. ودعت الخارجية المصرية إسرائيل إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى. كما طالبت جميع الأطراف الدولية المؤثرة بالتدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية لتحقق نتائجها المرجوة. ظهر يوم السابع والعشرين من الشهر الجاري، وقع تبادل إطلاق نار بين الجيش المصري وجيش الاحتلال الإسرائيلي عند الحدود الفاصلة بينهما بمنطقة معبر رفح أدت إلى استشهاد جندي مصري على الأقل وإصابة آخرين، فيما لم يصب أي جندي إسرائيلي بحسب مصادر رسمية إسرائيلية. وهذه الحادثة كانت متوقعة؛ بسبب سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على جزء كبير من محور فيلادلفيا بما فيها معبر رفح. وقال المتحدث العسكري المصري، في بيان له، إن القوات المسلحة تجري تحقيقات بواسطة الجهات المختصة حيال حادث إطلاق النيران بمنطقة الشريط الحدودي برفح، مما أدى إلى استشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين. رسميًا، أكد الجيشان المصري والإسرائيلي أنهما يجريان تحقيقات في الحادثة، وأن ثمة تواصلًا بين الجانبين بهذا الخصوص. صحيح أنها ليست الحادثة الأولى من نوعها، لكنها الأخطر؛ بسبب أن إسرائيل سيطرت على معبر رفح، وتعمدت تحدي القاهرة، وانتهكت بشكل فاضح معاهدة السلام بين الطرفين. ما يعني أن مثل هذه الأحداث من الممكن أن تتكرر. الجانب المصري في وضع حساس سياسيًا وشعبيًا؛ بسبب أن إسرائيل قد انتهكت اتفاقية كامب ديفيد، رغم التحذيرات المصرية الكثيرة بهذا الخصوص، وها هي اليوم تقتل جنديًا مصريًا وتصيب آخرين. ومن الناحية السياسية فإن السيطرة على معبر رفح تعتبر أكثر خطورة على الأمن القومي لمصر منه من حادثة استشهاد الجندي المصري التي يمكن أن تبرره إسرائيل على أنه سلوك فردي، أو رد فعل انفعالي أو ما شابه. من غير الممكن أن تكون سيطرة إسرائيل على معبر رفح دون ضوء أخضر أميركي، ما يعني أن رد فعل القاهرة سوف يكون محكومًا بالتفاعلات الدولية التي ستدعو للتهدئة وتجاوز هذه الحادثة وفتح قنوات اتصال أكثر فاعلية بين الجانبين. وعليه فلا يتوقع أن تكون ردة فعل القاهرة دراماتيكية، أي تعليق العمل بالمعاهدة أو سحب السفراء أو اتخاذ أية إجراءات عسكرية مماثلة. وإذا ما بقيت قوات الاحتلال مسيطرة على معبر رفح ومحور فيلادلفيا، فمن المتوقع أن تحصل احتكاكات مسلحة بين الطرفين. وسوف تبقي القاهرة على الجهود الدبلوماسية لمواجهة انتهاك اتفاقية كامب ديفيد، أو معالجة الاحتكاكات المسلحة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/28/%d9%85%d8%a7%d9%87%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%84%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-05-27T22:47:05
2024-05-27T22:59:50
مقالات
2,303
هل يمكن أن تفجّر حماس قنبلة سياسية نووية؟
الحركة اليوم بحاجة ماسّة أكثر من أي وقت مضى، إلى استغلال الانتصارات العسكرية الجارية والتقدم بقوة على الصعيد السياسي لترتيب المرحلة القادمة مع القوى السياسية الفلسطينية الوطنية.
حقّقت حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينيّة المسلحة في قطاع غزة انتصارات عسكرية على الكيان الصهيوني، عجزت عن تحقيقها الدول العربية مجتمعة منذ اغتصابه فلسطينَ، وإعلان دولته قبل 75 عامًا. هذا الانتصار العسكري بحاجة إلى تحرّك سياسي يستثمره في وضع حدٍّ لحرب الإبادة الجماعية الصهيو أميركية في قطاع غزة، ويتغلّب على مخططات التهجير والضم. فهل تطوّر حركة حماس أطروحاتها السياسية لتخرج القضية الفلسطينية من مأزقها، وتقلب الطاولة على رؤوس المتربصين بالقضية والمتجاهلين عذابات الشعب الفلسطيني، خصوصًا أنها الوحيدة القادرة على تفجير القنبلة السياسية النووية القادرة على تحقيق ذلك؟ إذا تبنّت حركة حماس حل الدولة الواحدة الديمقراطية للشعبَين الفلسطيني واليهودي، فإن ذلك سيكون بمثابة قنبلة سياسية نووية تقلب الموازين والمعادلات، وتوفر مخرجًا لجميع الأطراف تحدثت في المقال السابق عن المآزق والتحديات التي أوجدتها عملية طوفان الأقصى وسببتها حرب الإبادة التي يشنّها التحالف الصهيو- أميركي على قطاع غزة منذ أكثر من مئة يوم، ومن بينها التحدي متعدد الجوانب الذي تواجهه حركة حماس، وسأقصر حديثي في هذا المقال على الجانب السياسي منه، حيث أصبحت حماس في المرحلة الراهنة بحاجة ماسّة إلى معالجة نقاط الضعف الكامنة في أطروحاتها السياسية الحالية، وفي مقدمتها غياب المشروع السياسي القادر على التأقلم مع السياق الإقليمي والدولي الراهن، وتعقيدات القضية الفلسطينية المتلاحقة وواقعها المرير؛ فلسطينيًا وإسرائيليًا، والمأساة الدامية المتفاقمة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ حوالي 100 سنة. فقد اقتصر ميثاق الحركة التأسيسي على رؤية سياسية عامة انسجامًا مع طبيعة المرحلة آنذاك؛ تشدد على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وترفض الاعتراف بالكيان الصهيوني، ثم تطوّرت هذه الرؤية بفعل تحديات الواقع، فعدلت حماس ميثاقها عام 2017م تعديلًا بدا حائرًا، حيث أعلنت موافقتها على دولة مستقلة كاملة السيادة على حدود 1967م وعاصمتها القدس، مع حقّ العودة للشعب الفلسطيني، ولكن دون الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، ومع التأكيد على حقّ الشعب الفلسطيني في كامل أرض فلسطين التاريخية. فخرج الطرح السياسي ليناقض بعضه بعضًا، وغير قابل للتنفيذ، ويستحيل قبوله إسرائيليًا ودوليًا، كما يتعارض مع موقع حماس في خارطة القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية الراهنة. وحتى هذه اللحظة، ورغم التطورات الكبرى على الأرض، تتبنى حماس طرح 2017م، ويردده قادتها على المنابر، مشددين على رفض حلّ الدولتين والاعتراف بالكيان الصهيوني، وعلى أن هناك إجماعًا فلسطينيًا أو شبه إجماع على ذلك. وهذا يعني غياب أي حل سياسي سوى الاستمرار في المقاومة المسلحة، الأمر الذي يستخدمه الكيان الصهيوني لتبرير التشدد في موقفه، وتعزيز موقفه الداخلي والخارجي، وإقناع العالم بأن حماس ترفض السلام، وتصرّ على القضاء على الشعب اليهودي في فلسطين. هذا الخطاب التعبوي الذي يلهب مشاعر الجماهير؛ شوقًا إلى نصر مثالي يقضي على الكيان الصهيوني، وفي ظل انسداد الطرق المؤدية إلى حل ضمن السياق العربي والإسلامي والدولي الراهن، كل هذا يوفر العوائق التي تجعل حماس أقل قدرة على تلبية هذا الاستحقاق، كما يحيد ديناميكيات العمل السياسي البراغماتي؛ لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، كما يعطّل القدرة على البحث عن حلول قابلة للتطبيق على المدى المتوسط دون أثمان باهظة، ويجعلها تحت ضغط الأجندات الخارجية. يكشف ما سبق ملامح التحدي السياسي الذي تواجهه حركة حماس، ويدعوها إلى البحث عن أطروحات سياسية جديدة قادرة على تحقيق رؤيتها الإستراتيجية وأهدافها التنفيذية بوسائل تكون أكثر انسجامًا مع مكونات السياق الراهن. قد يرى البعض في هذه الأفكار أوهامًا أو أحلامًا ساذجة مستحيلة، لكنها محاولة للتعامل مع حقائق التاريخ والواقع في آنٍ واحد، ولا تتسمّر عند التاريخ وحده الحركة اليوم بحاجة ماسّة أكثر من أي وقت مضى، إلى استغلال الانتصارات العسكرية الجارية والتقدم بقوة على الصعيد السياسي لترتيب المرحلة القادمة مع القوى السياسية الفلسطينية الوطنية، عن طريق طرح غير تقليدي، يحرك المياه الدموية الراكدة في المشهد السياسي الفلسطيني، ويتجاوز سقف التوقعات الإقليمية والدولية، وظني أن الأهداف التي يتطلع لها الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق حل الدولة الديمقراطية الواحدة للشعبَين الفلسطيني واليهودي، وسيكون تبنّي حركة حماس هذا الحلَّ الآن، بمثابة القنبلة النووية السياسية التي ستقلب الموازين وتغيّر المعادلات، وتوفّر مخرجًا لجميع الأطراف من المآزق التي أوجدتها حرب طوفان الأقصى. فهذا الحل يمكنه أن يضع حدًا للعداءات المتسلسلة التي لم تحقق نتائج حاسمة منذ 75 عامًا، كما يوفر حالة من السلام لكلا الشعبَين الفلسطيني واليهودي على السواء، وهو فوق ذلك يحقق رؤية حماس القائمة على حق العودة إلى فلسطين الكاملة الحرة من البحر إلى النهر، وسيفشل مخططات التهجير والضمّ التي تسعى إليها إسرائيل في غزة حاليًا. من شأن هذا الحل أيضًا أن يضع حدًا لحمى التطبيع العربي الصهيوني على حساب القضية والشعب الفلسطيني، ويعالج إشكاليات الانقسام الجغرافي للشعب الفلسطيني والتحديات الاستيطانية التي تواجهه، وهو ينسجم مع الركائز السياسية التي تقوم عليها الدول الغربية الحديثة، كالمساواة الدستورية بين المواطنين بغضّ النظر عن الدين، أو العرق، أو اللون، أو الجنس، وهي الركائز التي لا تستطيع الدول الغربية التنصل منها وإدارة ظهرها لها. وقد دعوتُ إلى هذا الطرح مرارًا من قبل، وظني أن الفلسطينيين اليوم بحاجة ماسة إليه، وهو بطبيعة الحال ليس أمرًا يمكن الوصول إليه في يوم وليلة، بل قد يحتاج تنفيذه سنوات، يجب أن تتحمل الولايات المتحدة خلالها مسؤولية تعويض الشعب الفلسطيني عما فقده، وإعادة إعمار ما تم تخريبه، كما تحتفظ المقاومة الفلسطينية خلال تلك السنوات بسلاحها وبحكمها لمدينة غزة. سيكون هذا الطرح مدويًا، وسيحدث حراكًا سياسيًا ضخمًا في المستويات المحلية والإقليمية والدولية كافةً، وسيستغرق وقتًا ليس بالقصير حتى تتم دراسته والتأكد من جديته وجدواه ومدى تفاعل الأطراف المختلفة معه. ومراعاة لذلك يمكن تقسيم المراحل التنفيذية إلى ما يأتي قد يرى البعض في هذه الأفكار أوهامًا أو أحلامًا ساذجة مستحيلة، لكنها محاولة للتعامل مع حقائق التاريخ والواقع في آنٍ واحد، ولا تتسمّر عند التاريخ وحده، خروجًا من دُوامة لم تحقق لكل من الفلسطينيين واليهود سوى معاناة لأكثر من 100 سنة. وكما أسلفت، لن يتم هذا المشروع -إن كتب له أن يرى النور- بين عشية وضحاها، وإنما يحتاج إلى عقود، ولكنها ستكون عقودًا حافلة بالعمل والبناء والاستقرار، واستثمار الطاقات الفلسطينية الإبداعية في خلق واقع جديد قادر على التفوّق والريادة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/22/%d9%87%d9%84-%d9%8a%d9%85%d9%83%d9%86-%d8%a3%d9%86-%d8%aa%d9%81%d8%ac%d9%91%d8%b1-%d8%ad%d9%85%d8%a7%d8%b3-%d9%82%d9%86%d8%a8%d9%84%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-01-22T15:54:09
2024-01-22T15:54:09
مقالات
2,304
السودان..متى تتوقف الحرب..وماذا بعد انتصار الجيش؟
تشير بعض القراءات إلى أن الحرب سوف تنتهي بالطريقة نفسها التي بدأت بها، على نحوٍ مفاجئ وبلا استئذان، لاسيما أن الجانب الاستخباراتي في هذه الحرب يطغى على الجوانب الأخرى.
لو أنّ العالم بأسره شاهد فيلم الهجوم على دارفور للمخرج الأميركي أوي بول- عندما صوّر، بكاميرا الواقع المُبين، الطريقةَ التي تهاجم بها مليشيا الجنجويد، قرى ومدن دارفور، والمذابح البشعة التي ترتكبها أثناء الحروب، من قتل للرجل والأطفال واغتصاب للنساء بلا هوادة، وحرق للبيوت والحيوانات وكل ما ينبض بالحياة- لأدرك خطورة ما يحدث في السودان. كما استبان له على وجه الدقّة ما يجري في الخرطوم، التي تتعرض منذ تسعة أشهر تقريبًا، لدمار غير مسبوق، وهجمات وحشية أخمدت فيها جذوة الحياة، وربما تحتاج هذه المدينة، إلى سنين طويلة لتتعافى من جراحها. ربما لم يتفاجأ أهلُ دارفور- الذين عرَفوا حرب المليشيات وخبِروها- بما يحدث الآن، وهم الذين ورثوا الحكمةَ وآمنوا بكثير من الأساطير الشعبية. ومن هذه الأساطير بالطبع أم كواكية، أي غُصُب كي، وهي فوضى عارمة- ينال فيها الناس من دماء وأعراض وممتلكات بعضهم بعضًا- تحدث كل مائة عام، وأحيانًا أقل من ذلك، وتسبقها إرهاصات مقلقة. لذلك يتحفّز الناس للقتال تحت وطأة عصبية القبيلة، في ظل غياب الحكومة والأحزاب السياسية، لكن السؤال المحير بالضرورة كيف انتقلت أم كواكية من دارفور إلى الخرطوم، وماهي سيناريوهات ما بعد الحرب؟ قبل أن نجيب عن تلك الأسئلة، أو بالأحرى نستشرف مستقبل العملية السياسية في السودان، من المهم الإجابة عن السؤال المحوري، الذي يشغل بال معظم السودانيين، وهو متى ستنتهي الحرب؟ وإن كنت أظن أن السؤال المهم هو كيف ستنتهي الحرب، أي بالقتال أم بالتفاوض؟ في وقتٍ تشير بعض القراءات إلى أن الحرب سوف تنتهي بالطريقة نفسها التي بدأت بها، على نحوٍ مفاجئ وبلا استئذان، لاسيما أن الجانب الاستخباراتي في هذه الحرب يطغى على الجوانب الأخرى. فضلًا عن أن الجهة الخارجية التي تمدّ حركة التمرد بالأسلحة والأموال لديها أهداف من وراء هذه الحرب، ومتى تحققت أهدافها، أو شعرت بعدم جدوى ما تقوم به، فسوف تتوقف بالضرورة، أو من الممكن أن تغيّر نهجها في التعاطي مع الشأن السوداني. لا بد أن الحكومة السودانية فطنت إلى ذلك الأمر، وأدركت أن قوات الدعم السريع مجرد قطع على رقعة الشطرنج، يتم تحريكها وَفقًا لتقديرات خارجية، ولذلك بدأت الحكومة توجه الاتهامات بصورة مباشرة لحلفاء الدعم السريع في الخارج. وفي الوقت نفسه أيضًا ثَمة ضغوط دبلوماسية وخطوط مخابراتية مفتوحة بين السودان وتلك الدول، ربما تفضي إلى تفاهمات ونتائج مُرضية للطرفين، وتلك على ما يبدو، لعبة مصالح، آخذة في تقرير وضعيتها، للتعامل معها بجدية. من المهم تحديد الأطراف الفاعلة على الأرض، وتلك التي اختارت الحياد المُخادع، لكنها في الوقت نفسه تتحرك تحت ستار إيقاف الحرب. وأعني بالأطراف الفاعلة، القوى العسكرية في مناطق العمليات، تحديدًا، وهي الجيش السوداني من جهة، والدعم السريع من جهة أخرى، ولكل طرف حلفاء من القوى المدنية. الجيش السوداني، بلا شك، حصل على دعم التيار الإسلامي العريض، إلى جانب الاصطفاف الوطني الذي دخلَ فيه أحزاب ذات ثقل جماهيري، مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بقيادة مولانا محمد عثمان الميرغني، ومؤتمر البجا، فضلًا عن الحركات المسلحة التي وقّعت على سلام جوبا، ولديها جيوش مقاتلة، جميعها الآن تحت قيادة عسكرية موحّدة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بمن فيهم قوات تابعة لعبد الواحد محمد نور. أمّا الدعم السريع فهو يعتمد على حاضنة سياسية لحمتها وسداها قوى الحرية والتغيير، ويقود خطها الخارجي رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك، وإن كان حمدوك أقل حماسًا، ويحاول فقط كسب ودّ أميركا وحلفائها، وبعض المنظمات الدولية، وهي كل ما يهمها السيطرة على موارد السودان، أو بالأحرى منع روسيا والصين الاستفادةَ من هذه الموارد، وعلى رأسها الذهب. السيناريوهات المستقبلية للسودان ترتبط بصورة أساسية بنتيجة الصراع بين هذه القوى، ومفتاح ذلك هو تحرير العاصمة الخرطوم. ففي حال انتصر الجيش على الدعم السريع، وهو السيناريو الأقرب- خصوصًا بعد حصول الجيش على أسلحة نوعية واستنفار آلاف المقاتلين، وتصدع الجبهة السياسية المساندة للدعم، مع ارتفاع وتيرة الإدانات الدولية لانتهاكات قوات الدعم السريع، واختراقات عديدة في السياسة الخارجية، أهمها إنهاء مهمة يونيتامس في السودان، التي انحازت لطرف دون الآخر، فضلًا عن اقتراب تحديد مصير قائد الدعم السريع حميدتي، حيث يذهب كثير من المؤشرات إلى احتمالية مقتله- فإنَّ هذا الانتصار لا يعني فناء قوات الدعم السريع بالكامل، ولا حتى نهاية قوى الحرية والتغيير. وهي قوى لا يرغب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في تلاشيها، وإنما يحرص، من خلال عدم قطع خطوط التواصل معها، على أن تكون موجودة في المرحلة المقبلة، لتوازن الملعب السياسي، وهي نفسها باتت على قناعة، بأنها لن تستأثر بالحكومة مرة أخرى، وما لا يدرك كله لا يترك جله. أمّا القوى الإسلامية، التي ساندت الجيش وقاتلت إلى جانبه، فإنها سوف تلقي بعد نهاية الحرب عن كاهلها السلاح، وتستعد للانتخابات، باصطفافات جديدة، ونزعة أيديولوجية أكثر مرونة. وهي لترتيبات تنظيمية تخصها، قرّرت عدم المشاركة في الحكومة خلال المرحلة الانتقالية. لكن هذا السيناريو الذي سوف يتوج بغلبة الجيش، يحتاج إلى مفاوضات، لا سيما أنه نادرًا ما توجد حرب لا تنتهي على طاولة التفاوض، وهي ضرورية حتى لترتيبات عملية الاستسلام، وتحديد التزامات الأطراف المتقاتلة، وضمان توفير الدعم المالي، وتعويض المتضررين، وتلك عقبات يصعب تجاوزها دون ضمانات دولية وممولين، ما يعني أن العودة إلى منبر جدة ممكنة، ولكن بصورة مختلفة هذه المرة، بعد إخفاقات صاحبت الجولات السابقة. وإن كان لا أحد يعرف، أيضًا، ما سيحدث بالضبط قبل أو بعد منبر جدة، فإن غير المتوقع يحدث دائمًا، وَفقًا لمثل فرنسي شائع استخدمه الكاتب أندريه موروا عنوانًا لإحدى رواياته، خصوصًا أن الإشكالية السلطوية المزمنة في بلاد النيلَين تتعلق بطموحات الأشخاص والقبائل، والانقلابات العسكرية. ولربما نفاجأ كذلك بقيادة جديدة للدعم السريع تنقلب على آل دقلو وتأخذ بزمام الأمور، في طاولة حوار مع قيادة عسكرية أخرى على رأس الدولة. وهو أمر غير مستبعد أيضًا، وسط هذه الرمال المتحركة، وإن لم تكن تلك التغيُّرات على مستوى الأشخاص، فهي، قطعًا، ستصيب التحالفات والسياسات، وستقوم بتصفير العداد بالمرّة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/9/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d9%88%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86-%d9%85%d8%aa%d9%89
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-09T05:01:56
2023-12-09T05:42:53
مقالات
2,305
الناشر والمؤلف في مصر.. حكاية عن الظلم والسرقة
يدفع المبدع المساهمة المالية، ويطبع الناشر الكتاب، ويوقع عقد إذعان مع المبدع أو المؤلف، يشترط فيه عدم انتقاده على “شبكة الإنترنت”، وعدم إلزامه بموعد محدد لنشر الكتاب.
في زمن مضى، كتب الدكتور طه حسين، رسالة إلى دار المعارف العريقة التي أسّسها في مصر واحدٌ من المثقفين الشوام في القرن الماضي، شكر فيها إدارة الدار على اهتمامها بنشر أعماله، وطلب سلفة مالية من الدار، حتى يستطيع الوفاء بنفقات رحلته السنوية إلى فرنسا. وفي مسلسل زينب والعرش المأخوذ عن رواية فتحي غانم، ظهرت علاقة الناشر بالكاتب، وكانت علاقة راقية؛ الناشر ممسك بنسخة من عقد نشر، والكاتب الصحفي جالس جلسة اعتزاز بالنفس، والنديةُ واضحة في علاقة الطرفَين، ولكن كل هذا انتهى. لقد أتى زمان على المؤلفين، جعلهم مساكين يتسوّلون النشر في الهيئتَين الحكوميتَين الخاضعتَين لوزارة الثقافة المصرية الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة؛ لأنَّ النشر فيهما يعني الحصول على مبلغ مالي، يستطيع به المؤلف الفقيرـ وغالبية المبدعين والمؤلفين فقراءـ التصديَ لمطالب الحياة اليومية من طعام وشراب وكساء. وأصبح الفساد متحكمًا في السلاسل التي تصدر عن الهيئتين، فلو أنّ شاعرًا أو روائيًا تربطه علاقة مع رئيس الهيئة وهو دكتور من المَرْضيّ عنهم من جانب السلطة الثقافية فإنّ ديوانه أو روايته أو كتابه، يجد طريقه للنشر بسهولة، والعكس صحيح. علامات الفساد في النشر في هاتَين الهيئتين، تجدها واضحة في فاترينات العرض الموجودة في منافذ بيع الكتب الخاصة بهما، على هيئة أغلفة قبيحة، رديئة التصميم والطباعة، وعناوين تافهة لا تضيف للقارئ شيئًا جديدًا. وهي في أغلب الأحوال رسائل جامعية لأكاديميين من أبناء أجهزة الأمن الثقافي الذين حصلوا على الدرجات العلمية بطرق ملتوية، تقوم على الاستلطاف والمصالح والهدايا. ونشرُ هذه الرسائل في كتب، يمثل لهم وجاهة وأبّهة تزيد من وزنهم الاجتماعي والإداري داخل أسوار الجامعات التي يعملون فيها. وهيئة قصور الثقافة، هي في الأصل هيئة مهمتها تقديم الثقافة للجماهير، ولم يكن النشر من الأعمال المكلفة بها، فهي كانت تحمل اسم الثقافة الجماهيرية وفكرتها استوردها الدكتور ثروت عكاشة ـ الضابط بسلاح الفرسان ـ من دولة يوغسلافيا في زمن ناصر وتيتو، وكان توليه منصب وزير الثقافة مواكبًا لزمن تعبئة الجماهير، وحشدها في صف النظام الحاكم في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وجاء فاروق حسني وجلس على مقعد وزير الثقافة، وجعل هيئة قصور الثقافة تنشر آلاف الكتب سنويًا، وهو الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للكتاب. وابتلعت ميزانية نشر الكتب، ما كان مخصصًا للمسرح والفن التشكيلي والأنشطة الأخرى، فأصبحت عملية نشر الكتب، مربحة للمبدعين العاملين في هيئة قصور الثقافة، والهيئة نفسها تحولت إلى جهاز لامتصاص جيش العاطلين من المبدعين وأنصاف المبدعين والذين لا يجيدون صناعة أو حرفة يتكسّبون منها. كان الزمن زمن إرهاب مسلح يواجه النظام المباركي الحاكم، وكان فاروق حسني يلعب لعبة أطْعم الفَم تستحي العين، ونجحت اللعبة في خلق تيار من الكَتَبة والمتعلمين الذين يسبّحون بحمد النظام المدني الحاكم، وهو لم يكن مدنيًا، بل كان بوليسيًا صريحًا. ولم يكتفِ ـ وزير الثقافة ـ بما فعل، بل قال بكل وضوح في حديث صحفي مسجّل أنا وزير الثقافة الوحيد الذي أدخل المثقّفين حظيرة وزارة الثقافة، وهي بالفعل كانت حظيرة تسمين وعلف لمنتحلي صفة مثقف. والمدهش في أمر هاتين الهيئتين أنهما توظفان رقباء على الإبداع، فلا تنشران إلا ما يجيزه هؤلاء الرقباء، وهذه الرقابة جعلت المبدعين الذين يحترمون أنفسهم وإبداعهم يلجؤُون للنشر الخاص، وهنا اتّضح الظلم وظهرت السرقة، فالناشر الخاص يطلب من المبدع مساهمة مالية، كانت في تسعينيات القرن الماضي حوالي ألف جنيه مصري، وبلغت في هذه الأيام أرقامًا ضخمة. يدفع المبدع المساهمة المالية، ويطبع الناشر الكتاب، ويوقع عقد إذعان مع المبدع أو المؤلف، يشترط فيه عدم انتقاده على شبكة الإنترنت، وعدم إلزامه بموعد محدد لنشر الكتاب. وفي حال فوز الكتاب بجائزة مالية، يكون من حق الناشر الحصول على نصف قيمتها المالية، ولو أن الكتاب رواية مثلًا تم تحويله إلى فيلم أو مسلسل، لكان من حق الناشر، الحصول على نسبة مما يتقاضاه الكاتب من جهة الإنتاج. كما أنَّ مدة العقد لا تقل عن خمس سنوات، ويتولى المبدع أو الكاتب الدعاية للكتاب، مستفيدًا من شبكة علاقاته ومعارفه من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، ولا توجد آلية تمكّن الكاتب أو المبدع من معرفة عدد النسخ التي طبعها الناشر، أو معرفة المتحقّق من أرباح، رغم نصّ العقد على يحصل الطّرف الثاني على نسبة كذا من الأرباح، والطّرف الثاني، لا يعرف عدد النسخ المطبوعة أو التي بِيعت بالفعل. وإن امتلك الجرأة وسأل ـ الناشر الكبيرـ عن نسبة الربح حسب المنصوص عليه في العقد، تهّرب الناشر، وقال ببساطة الكتاب ما باعْش ولا نسخة، هو موجود في المخزن وأنا خسرت فيه. ومع تضخّم أعداد الكتّاب والراغبين في الحصول على لقب روائي وكاتب، اتّسع مجال الظلم والسرقة في سوق النشر الخاص، ومع تقدم الصناعة في الصين- وظهور مطابع من نوع جديد، تطبعُ عشرَ نسخ أو خمسًا- تحوّل الأمر إلى خداع ونصب، فالمساهمة المالية التي يدفعها المؤلف للناشر، يدفعُ الناشرُ منها تكلفةَ عددٍ من النسخ يعطيها للمؤلف، ويستولي لنفسه على بقية المبلغ، ويعود المؤلف إلى بيته سعيدًا، فيوقّع النسخ لعائلته وأصدقائه ويحتفل بطباعة ونشر كتابه، الذي لم تطبع منه غير مجموعة النسخ التي حملها في حقيبته. بعض الناشرين ـ من اللصوص المحترفين ـ يضع عدة نسخ من الكتاب لدى بائع صحف في وسط القاهرة أو لدى اثنَين، فيرى المؤلف نسخة من كتابه لدى هذا البائع، ويتوّهم أن كتابه يغرق الأسواق ويحتلّ أرفف المكتبات في كل القرى والمدن والمحافظات والنجوع والقِفار كل هذا يحدث في سوق النشر في مصر، وما زال دولاب النشر يعمل وَفق قانون الظلم والسرقة وما زال النيل يجري، وما زال الناشرون يأكلون لحوم أبدان المؤلفين، والقائمون على النشر في هيئة الكتاب وهيئة قصور الثقافة ينشرون الكتب التافهة ويتقاضون الأموال، وما زالت الفئران في مخازن الهيئتين الحكوميتين تلتهم ما طُبِعَ من كتب لا تحمل أفكارًا، ولا تضيف للثقافة شيئًا، وكأنَّ الهيئتين اتحدتا على هدف واحد، هو تسمين فئران الوطن الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/30/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b4%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b8%d9%84%d9%85
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2023-11-29T21:06:15
2023-11-29T21:06:15
مقالات
2,306
الشوك والقَرنْفُل.. رواية يحيى السنوار المسكونة بالألم والأمل
كتب السنوار روايته هذه في السِّجن، ولأنها كُتبت في هذا المكان البائس كان عليه أن يحفر في ذاكرته عميقًا، لاستدعاء التفاصيل الدقيقة للحياة؛ لمساعدته على ترويض الوقت الثقيل، وكسر الملل، ومواجهة النسيان.
لم تخلُ السرديات الروائية والقصصية لأي أمة من تناول طرف من يومياتها وحولياتها، وذكر أحداثها ووقائعها، سواء الجارية في زمانهم والتي عركها أدباؤُها، حين أنصتوا إلى صانعيها ورأوهم وشاهدوا أفعالهم، أو شاركوا فيها هم أنفسهم، أو تلك التي وقعت في زمن سابق، وقرؤُوا عنها في كتب التاريخ، فاستعادوها حوادث تحمل أمثولة راسخة، سواء كان التعبير عنها قد تهادى في إبداع فردي حديث ومعاصر، أو أنتجته القريحة الشعبية أو المخيلة والعقل الجمعي من حكايات وأساطير. ليس الشعب الفلسطيني استثناءً من هذه القاعدة، بل هو يقع في قلبها، وقد كتبَ في رحابها بدمه أشعارًا وروايات وقصصًا ومسرحيات عديدة، أو سردتها الجَدات على مسامع الأطفال، بما صوَّر معاناته ومكابداته وأشواقه إلى الحرية والعدل، بشكل أعمق مما تذكره الصحف اليومية السيارة، أو يأتي المؤرخون والمحللون السياسيون على ذكره. وحين تقع في أيدينا رواية ليحيى السنوار قائد حماس في غزّة، والعقل المدبر لـ طوفان الأقصى، فإن أوّل ما يشغلنا بها هو مضمونها، الذي سيقرّبنا من دخيلة مؤلفها، لنتبين إدراكه لذاته وقضيته وأمته والعدو الذي يجابهه والعالم الذي يحيط به. وهنا نغض الطرف عن الشكل الروائي، حيث جماليات النص وبنيته، خاصة أنَّ مؤلفه- وإن لم يخلُ سرده مما يهتم به الشكلانيون، من بناء خطي وتعبيرات وتركيبات ومجازات لُغوية وجاذبية واحتفاء بالتفاصيل، فإنه دافعه، كما يبدو من مفتتح نصه ومساره فيما بعد- قد اهتمَّ بأن يُهدي لأعيننا موضع أقدام أهل النضال على أرض فلسطين، ويشرح، عبر شخوص وحكايات ووصف تفصيلي للوقائع والأماكن والنفوس، كيف تطورت القضية في ثلث قرن امتدَّ من هزيمة 1967 حتى انتفاضة الأقصى عام 2000. كتب السنوار روايته هذه في السِّجن، الذي قضى فيه ثلاثة وعشرين عامًا بعد أحكام بالسَّجن المؤبد، إثر اتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين، وقتل أربعة فلسطينيين كانوا عملاء للاحتلال. ولأنها كُتبت في هذا المكان البائس، وفي وقت كان مؤلفها يواجه خيار البقاء في السجن إلى أن يموت، كان عليه أن يحفر في ذاكرته عميقًا، لاستدعاء التفاصيل الدقيقة للحياة التي قضاها أحمد بطل الرواية وراويها العليم، كي يتوسل بها لمساعدته على ترويض الوقت الثقيل، وكسر الملل، ومواجهة النسيان، أو التشبث بأهداب الحياة، التي تجري خارج الأسوار على حالها. يقول السنوار في مفتتح روايته هذه ليست قصتي الشخصية، وليست قصة شخص بعينه، رغم أن كل أحداثها حقيقية .. الخيال في هذا العمل فقط في تحويله إلى رواية، ليخبرنا بهذا أنه قد اختار الرواية، كنوع أدبي، لسرد تاريخ المجتمع الفلسطيني الذي عاشه منذ أن وَعِي على الدنيا وحتى ختام روايته، وهي فترة تمتد من حرب 1967 وحتى انتفاضة الأقصى 2000، وتغوص أحيانًا، على سبيل الاستدعاء والاستشهاد والتأصيل، أبعد في الزمن حتى النكبة في 1948. يبدو للوهلة الأولى أنَّ السنوار يسرد تجربته، أو سيرته الذاتية، لكنه فضل أن يقدمها في قالب روائي، لأسباب عدة، فالقول؛ إنها رواية يعفيه من ذكر أشخاص بأسمائهم، لم يستأذنهم وهو في سجنه كي يكتب عنهم، وهناك شخصيات مدانة من عملاء الاحتلال وجواسيسه، ومن القاعدين أو خائري العزم. كما أن القالب الروائي يعفيه من عرض أسرار مجتمعه، لاسيما أهل المقاومة منه، ويحميه من أن تتخذ السلطات الإسرائيلية من هذا المضمون دليلَ إدانة جديدًا ضده، لمشاركته في العمل الفدائي منذ ريعان شبابه، وربما يسهل عليه في السجن أن يقال؛ إنه يكتب رواية، عن القول؛ إنه يسجل سيرته. السنوار، غالبًا، هو الراوي أحمد الذي نتتبع سيرته منذ طفولته وحتى انخراطه في صفوف حماس، وهو الشاهد على كل شيء حوله، منذ لحظة الانكسار حين احتلت إسرائيل قطاع غزة في حرب 67، والتي عبر عنها بمشهدَين الأول هو تبدل معاملة الضابط المصري معه، فبعد أن كان يعطيه الحلوى ويربت عليه، نهرَه ليبتعد حتى لا يؤذَى بعد اندلاع الحرب. والثاني هو قيام إسرائيل بجمع كل من تزيد أعمارهم عن 18 سنة في مخيم الشاطئ، ودفعهم أمام ضابط مخابرات ليتفحصهم ليختار الأشداء منهم، فتُطلق عليهم النار، أمّا البقية فإنهم يؤخذون إلى الحدود المصرية، ويؤمرون في غلظة اجروا إلى الأمام، ومن يلتفت خلفه سنطلق عليه النار. ثم تتوالى تفاصيل حياة أحمد وإخوته وأمه وأبناء عمه وجَده، لنقف معهم على حالة لأسرة غزاوية عانت طويلًا من القهر والفقر، فقاومته بتعليم الأولاد، حتى حصلوا على شهادات جامعية، وبالانخراط في صفوف المقاومة، اتكاءً على القاعدة التي رسخها أخوه الأكبر محمود، حين قال ذات يوم إذا تحقق عزم الرجال واستعدادهم للموت، فإن شيئًا لا يمكن أن يقف في وجههم، ولابد للنصر أن يكون حليفهم. تقدم الرواية، من خلال هذه الأسرة وجيرانها بل وسكان مخيم الشاطئ كله، وامتدادًا لبقية غزة وأهل الضفة الغربية والشتات الفلسطيني في الأردن ولبنان- تسلسل وقائع القضية الفلسطينية، سواء على مستوى قادتها الكبار الذين تأتي الرواية على ذكر بعض أسمائهم، مثل ياسر عرفات، وأحمد ياسين، وأحمد جبريل من الفلسطينيين، أم على مستوى القوى السياسية والنضالية التي حملت القضية على أكتافها، مثل حركة فتح، وحركة حماس، والجبهة الشعبية. ومع السرد نحاط علمًا بتوزع أيديولوجيات الشباب الفلسطيني على الاتجاهات القومية واليسارية والإسلامية، وما بينهم من منافسة تمتد من النقاش إلى الجدل والمواجهة في المدارس والجامعات، والسجون، التي حوّلها الفلسطينيون إلى مدارس لتعلم السياسة ودراسة تاريخ بلادهم وأيام كفاحها، وكذلك ما يجمعهم من هموم تجعلهم يتقاربون بل يتوحدون في الملمّات إلى حد كبير. وبلغَ مشهد التوحد ذروته، كما تخبرنا الرواية، حين اندلعت انتفاضة الحجارة 1987، حيث خرج إلى الشوارع ملثمون من كتائب عزالدين القسام بلباسهم الأخضر المعروف، يصطفّون في صفوف لا نهاية لها، ومعهم خرج أتباع كتائب شهداء الأقصى براياتهم الصفراء، وكتائب سرايا القدس براياتهم السوداء، يحملون أسلحة مختلفة الأنواع ويلوحون بها في الهواء. وخارج الفصائل نعرف كيف التحم عموم الناس مع الانتفاضة، لتصورها الرواية في ذلك الأب الذي كان يمنع ابنه من المشاركة في النضال؛ تجنبًا للأذى، فإذا به يقتحم غرفته ليوقظه عند العاشرة صباحًا كي يخرج وينضم إلى الغاضبين، وهو من أبيه في اندهاش شديد، يجعل الراوي نفسه، يقول إذا أزفت الساعة انطلق المارد من جديد. وهناك ما يجرح هذه الروح الوطنية الجارفة، حسبما تخبرنا الرواية، بسبب المتعاونين مع الاحتلال، الذين يصفهم الراوي بـ مستنقع العملاء، ثم ينشغل بكيفية التخلص منهم. وبدرجة أقل- لكن يمكن تفهمه في ضوء الضعف الإنساني- يأتي أولئك الذين لا يريدون للمقاومة أن تثير غضب الاحتلال كي لا يمنعهم من مواصلة الدخول إلى إسرائيل ابتغاء عمل يعينهم على إعالة ذويهم. ويوجد أيضًا الخائفون على أولادهم من السجن أو القتل، فيدفعونهم إلى تجنب الانخراط في المقاومة. تسرد الرواية أيضًا التحولات التي شهدتها القضية، فمن أولئك الذين كانوا يضعونها في قالب قومي وإنساني عام، باعتبارها قضية تحرير أرض وبشر، إلى أولئك الذين أضفوا عليها البعد الديني، فها هو الراوي يقول حين أنصت إلى شرح أخيه إبراهيم المنضم إلى مجموعة الشيخ أحمد ياسين بدأنا نفهم أن للصراع وجهًا آخر غير ما كنا نعي وندرك من قبلُ. فالمسألة ليست فقط مسألة أرض وشعب طُرد من هذه الأرض، وإنما هي عقيدة ودين، معركة حضارة وتاريخ ووجود. ثم يزيد على هذا قائلًا أتساءل في نفسي هل من صلاح الدين لهذه المرحلة؟، وينصت بإمعان إلى قول إبراهيم جاء دورنا في المقاومة. وينبئنا إبراهيم باختلاف القضية الفلسطينية عن غيرها من قضايا الكفاح المسلح الذي خاضته حركات في مشارق الأرض ومغاربها، فيقول قصتنا مختلفة عن الأيرلنديين والفيتناميين والخمير الحمر؛ لأن بها المسجد الأقصى، يتربع في قلبها. في ركاب هذا تحولت أسماء المناضلين من الفدائيين إلى المقاومين، وتطور التسليح من عبوات بسيطة تُقصف لها أعواد الكبريت وتختلط بشظايا حديد مبرود، وسلك اشتعال يستعار من مصباح كهربائي، إلى زجاجات المولوتوف والقنابل البدائية، ومن بنادق قديمة متهالكة يتم إصلاحها وخلفها ذخائر محدودة، إلى بنادق آلية ورشاشات خفيفة، تمدها صناديق ذخائر جديدة. وتبين الرواية كيف حوّل الفلسطينيون انكسارهم إلى عزة بعد معركة الكرامة 1970 التي هزموا فيها الجيش الإسرائيلي، وكيف انتشوا بعد انتصار 1973، وابتهجوا لوصول أول صواريخ عربية إلى تل أبيب أطلقها الجيش العراقي خلال حرب الخليج. ورغم أن هذه الصواريخ لم تحمل سلاحًا كيماويًا كما زعم صدام حسين، ولم تكن دقيقة في تصويبها فإن رعب الإسرائيليين منها جعل الفلسطينيين ينتبهون إلى ضعف الدولة الإسرائيلية، وهنا يقول الراوي صورة الهلع الذي هز عمق الكيان المغتصب قد زادت قناعة الناس بهشاشة هذا العدو. وبين لحظات الانتشاء تصور الرواية أخرى للإحباط والقنوط الذي ساد غزة والضفة إثر اندلاع مواجهة بين الفلسطينيين والأردنيين في معركة أيلول الأسود، وإبرام مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979، وإجبار المقاومة على مغادرة لبنان بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لها 1982، ثم اتفاقية أوسلو التي عدّها كثير من الفلسطينيين إطفاء لكفاحهم من أجل بلوغ أهداف أبعد. لكن هذه المحطات لم تمنع الفلسطينيين من مواصلة الكفاح، فهم، وبإمكانات بسيطة، كانوا حريصين على إبقاء جذوة القضية مشتعلة، من خلال ترصُّد جنود الاحتلال وجرحهم أو قتلهم والاحتفاظ بجثثهم أو أسرهم أحياء، ليفاوضوا من أجل الإفراج عن أسراهم في سجون الاحتلال. ترسم الرواية ملامح حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، فنعرف طقوس أتراحهم وأفراحهم، وعلاقتهم بالمنظمات التي تمنحهم المساعدات، ونقف على مدارسهم، وألعاب أطفالهم، ومعمار بيوتهم وأثاثه البسيط، وأصناف طعامهم وشرابهم، ونشعر بآلام الأمهات وخوفهن حين يُعتقل أبناؤهنّ أو يسجنون ويجرحون أو تكسر عظامهم ويستشهدون. بالتزامن مع هذا نرى جيدًا الممارسات القسرية التي يتبعها الاحتلال معهم، من الرقابة الصارمة، بأنفسهم من خلال دوريات التفتيش أو بعملاء زرعوهم وسط الناس، ونطّلع على بعض تفاصيل التحقيقات والمحاكمات والتعذيب فيما وصفت بـ المسالخ، ونعرف الكثير عن استباحة البيوت وهدمها، وعن استعلاء الاحتلال واستغلاله للشعب الفلسطيني من خلال جلبه فقراءه عمالةً رخيصةً في المصانع والمزارع والأسواق. فضلًا عن هذا تصور لنا الرواية تجريف الأرض وحرق الزرع واقتلاع الأشجار، والاستيلاء على أرض الفلسطينيين وبيوتهم، وهو ما يصوره أحد شخصيات الرواية ويدعى جمال، متسائلًا ثم ماذا مع هؤلاء المستوطنين، لقد ابتلعوا الأرض، ولا يكتفون، ولا يتوقفون عند حد. في المقابل نرى أعمال النضال والكفاح التي بدأت بمن تبقى من جيش تحرير فلسطين، وانتهت إلى فصائل المقاومة الراهنة. ويسهبُ الراوي في شرح كل هذا، فيجعلنا نعيش اللحظات التي مرّوا بها، ونحس بمشاعر الغضب التي كانت تسري في أوصالهم، ونقف على ردّ الفعل المبالغ فيه للإسرائيليين كلما طُعن أو قُتل واحد منهم، أو أُعطبت عربة أو آلية عسكرية لهم. لا تخلو الرواية من شق إنساني، إلى جانب هواجس الأمهات ودموعهن السخية، فتضعنا في صورة العلاقات العاطفية التي تنشأ بين الفتيان والفتيات في المخيمات، وينقسم الشباب فيها بين من يرون أن الثوار هم العشاق، وأولئك الذين يتساءلون هل من حقنا أن نحب، ويرون أن هذا النوع من الحب قد يشغلهم عن الحب الأكبر، حيث يقول أحدهم يبدو أن قدرنا هو أن نعيش حبًا واحدًا فقط، حب هذه الأرض ومقدساتها وترابها وهوائها وبرتقالها، ثم يضيف قصتنا قصة فلسطينية مريرة، لا مكان فيها لأكثر من حب واحد وعشق واحد. إن من يقرأ هذه الرواية يقف على يوميات الوجود الفلسطيني تحت الاحتلال، سواء أيام الحروب المتقطعة بين العرب وإسرائيل أو ما بينها من مناوشات ومواجهات خاطفة واجتياحات، ليدرك أن العدوان الإسرائيلي على غزة الآن، هو مجرد جرعة مكثفة من الأذى، فإسرائيل لم تتوقف أبدًا، على مدار خمسة وسبعين عامًا، عن قتل المدنيين العزل، وهدم البيوت وطرد سكانها منها، وسرقتها والاستيلاء على أرضهم، لكن كل هذا لم يكسر عزيمة الفلسطينيين، بل العكس تمامًا، زاد من تحدّيهم، وعلمهم كيف يوزعون جهدهم بين التحايل والمسايرة إلى التحدي السافر، كي يحافظوا على قضيّتهم حيّة عفيّة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/10/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%88%d9%83-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8e%d8%b1%d9%86%d9%92%d9%81%d9%8f%d9%84-%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%89
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-09T21:17:57
2023-12-09T21:17:57
مقالات
2,307
هل القرن الأفريقي هو ساحة الصراع الجديدة في العالم؟
إن المشكلة الرئيسية وراء الأزمات في الشرق الأوسط، إسرائيل فقد رأينا التأثير الأول هو تحوُّل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لصراع ساخن في سوريا والعراق ولبنان واليمن والآن هناك خطر صراع بالقرن الأفريقي.
قال مسؤول أمني في أنقرة- بينما كان يشرح مبررات اتفاقية الدفاع بين تركيا والصومال- التطورات في القرن الأفريقي لا تقتصر على اتفاقية إثيوبيا أرض الصومال فقط. هناك تطورات خطيرة لا يمكنني الكشف عنها الآن؛ وكان صوته قلقًا بعض الشيء. من جانبه، قال البروفيسور أحمد كافاس، الذي شغل منصب سفير تركيا في تشاد والسنغال ويعتبر من أبرز الخبراء في الشؤون الأفريقية، فور سماعه بالاتفاقية هذه الاتفاقية السريعة ليست طبيعية. هناك تطورات كبيرة تحدث. ثم توالت الأخبار تباعًا. أخيرًا، عندما قررت الصين إرسال سفن حربية إلى البحر الأحمر، أصبحت خطورة الوضع أكثر وضوحًا. إن المشكلة الرئيسية وراء جميع الأزمات في الشرق الأوسط هي إسرائيل؛ فقد رأينا التأثير الأول هو تحوُّل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى صراع ساخن في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن. والآن هناك خطرٌ من صراع ساخن في منطقة القرن الأفريقي. هذا أمر يجب أن يخيف الجميع؛ لأنه ساحة صراع جديدة في العالم، كما أن أي انسداد في هذه المنطقة وهي المنطقة الأكثر إستراتيجية في التجارة البحرية العالمية سيؤثر على العالم كله، من إنجلترا إلى الصين. بالإضافة لذلك، 12 بالمئة من تجارة العالم البحرية تتم عبر هذه المنطقة. ففي العام الماضي؛ مرت 23 ألف سفينة عبر مضيق باب المندب واستخدمت قناة السويس، وبمقابل ذلك كسبت مصر 8 مليارات دولار، من هذه السفن العام الماضي. ولكن الحجم الاقتصادي لـ 23 ألف سفينة هائل. تذكر أنه في عام 2021، جنحت سفينة إيفر غيفن أثناء دخولها القناة بسبب الرياح، مما أدى إلى إغلاق حركة المرور أمام السفن؛ حينها في غضون 15 يومًا، ارتفعت أسعار النفط، وارتفعت أسعار التجارة البحرية بنسبة 30 بالمئة. الآن هناك فكر في كيفية تأثير الصراع في هذه المنطقة على التجارة العالمية. يجب أن يكون الصينيون قد فكروا في ذلك، حيث قرروا إرسال ثلاث سفن حربية إلى المنطقة. أينما وجد عدم الاستقرار؛ فاعلم أن هناك دولًا أجنبية موجودة. وأينما وجد إرهاب عالمي؛ فاعلم أن هناك منظمة استخبارات تقف وراءه. وأينما وجدت بيئة فوضوية؛ فاعلم أن تجار السلاح وأمراء الحرب وتجار المخدرات قد ظهروا. لذلك، إذا لم تنتهِ الأزمة والفوضى والاضطرابات في مكان ما، فاعلم أن هناك صراعًا على المصالح بين الدول الكبرى، والسبب الرئيسي لوجود هذه الفوضى في جميع هذه الأراضي هو الثروة الباطنية والسطحية، والمكاسب التجارية، والهيمنة الجيوسياسية. كل الأسباب التي يتم ذكرها مثل حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب والديمقراطية كاذبة تمامًا، فالقرن الأفريقي هو منطقة تشمل كل ما تحدثت عنه، وهو مهم للغاية من الناحية الجيوسياسية، والثروة الباطنية والسطحية الغنية. حتى صراع البحارة اليابانيين والصينيين للحصول على المنتجات البحرية الرائعة قبالة سواحل الصومال، يكفي لشرح هذا الوضع. لقد سقطت في يدي مؤخرًا خريطة تُظهر فقط المجموعات العرقية والمنظمات والقبائل والمليشيات المسلحة في الصومال؛ حيث سيطرت حركة الشباب وتنظيم الدولة والقاعدة على مناطق محددة في البلاد؛ وهذا وحده أخافني. وإذا قمنا بتكبير هذه الخريطة ستشمل كينيا، وإريتريا، وجيبوتي، وإثيوبيا، واليمن، والسودان، وهذا هو المشهد بالضبط الذي تريده الدول الأجنبية التي لديها أعين في المنطقة؛ حيث تُظهر الخريطة وجود العديد من المنظمات الإرهابية التي يمكن استخدامها، والقبائل التي يمكن شراؤها، والصراعات التي يمكن تأجيجها، وعدم وضوح الحدود، والجهل، والفقر، وعدم الاستقرار. الآن، إسرائيل وأميركا، وإنجلترا، وفرنسا، وروسيا، والصين، ومصر، وإيران، والسعودية، والإمارات، وتركيا، هي أطراف صراع القوة في القرن الأفريقي. ولا يوجد الكثير مما يمكن للدول الفقيرة وغير المستقرة أن تفعله في وجود دول كبيرة وقوية. ومع ذلك، فإن معظم الدول والشعوب المتضررة من الأزمة في المنطقة هم من المسلمين. والآن يمكننا طرح سؤال آخر لا يمكننا أبدًا العثور على إجابة له لماذا لا تتّحد الدول الإسلامية لحل هذه المشكلة؟ يميل الضغط الخارجي للحرب الإسرائيلية الفلسطينية إلى الانتشار من الشرق الأوسط إلى القرن الأفريقي الآن، وسيؤدّي هذا الصراع السّاخن إلى احتلالات جديدة وهجرات وأزمات اقتصادية. والآن سنرى كيف ستسير الحرب العالمية الثالثة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/28/%d9%87%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a-%d9%87%d9%88-%d8%b3%d8%a7%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-02-28T05:56:55
2024-02-28T05:56:55
مقالات
2,308
لِمَ لم تثمر الديمقراطية في البلاد العربية؟
ركّزت الأنظمة الانتخابية التي جاءت بها قوى الثورة على الوصول برئيسٍ منتخَبٍ للحكم، لكنها لم تكن تعي أهمية تمكين الرئيس المنتخب من الحكم الحقيقي فلا حكمَ لرئيسٍ دون أن تكون الدولة العميقة تحت توجيهاته.
على أرض الواقع، لم تنجح الديمقراطية حتى الآن في بلادنا العربية، ولم تؤتِ ثمارها، بل بقيت البيئة السياسية العربية حالةً نشازًا غير قادرة على الإثمار. يرى البعضُ ويبرّر ذلك بأن الديمقراطية نظام غربي لا يناسب البيئة العربية، وأن التاريخ العربي قد أثبت أن ما يناسبنا هو الدكتاتور العادل، فهل هذا التوصيف صحيح؟ قد تكون فكرة الدكتاتور العادل منطقية للوهلة الأولى، إذ يقوم هذا الطرح على فكرة وجود الدكتاتور الحازم صاحبِ الرأي الثاقب، الذي يملك الحكمةَ والقوة والضمير الحي والحسّ الإنساني المرهف القادر على العدل والإنصاف، والقدرةَ على تجديد الفكر والبرامج والمشروع، لكن هذه الشخصية قد لا تكون سوى حالة طوباوية حالمة لا يمكن وجودها على أرض الواقع. وفي الوقت ذاته، السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، والدكتاتورية أول درجة في سُلم الظلم والفساد؛ فالدكتاتورية وحكم الفرد هما البيئة المثالية التي يعيش ويتفشّى ويتمدد فيها الظلم والفساد وسوء الإدارة والفوضى، والانهيار بعد ذلك، والتاريخ شاهد على كل ذلك. عند البحث وتتبع التجارب العربية الحديثة في محاولة خلق حياة ديمقراطية حقيقية، وجدنا أسباب التعثر والفشل والانتكاس التي أصابت تلك التجارب العربية الحديثة محصورةً في كثير منها، بالتالي عدم وضوح الفكرة الديمقراطية في نفوس الشعوب التي تُعَد الركيزةَ الأساسية في العملية الديمقراطية، فالشعب هو أساس العملية الديمقراطية التي تعني حكمَ الشعبِ نفسَهُ. عدمُ وضوح فكرة الديمقراطية في الحكم والتداول السلمي للسلطة زَهد الشعوب العربية في الديمقراطية والنضال من أجلها حتى وجدنا بعض الشعوب تهتف ضد المؤسسات والسلطات التي انتخبَتْها عندما حرضَتْها القوى المستبدة ضد المؤسسات الديمقراطية. عدم وضوح فكرة الديمقراطية لدى النخب العربية التي تقود الشعوب، فالنخبُ العربية التي وُلدت في حقب الاستبداد العربي- في غالبها نخبٌ أيديولوجية غير برامجية، مقسومةٌ بين نخبٍ عِلمانية ليبرالية، كل هدفها تعظيم الحريات الشخصية، وعلى رأسها الحريات الجنسية، ومحاربة البيئات المحافظة، ونخبٍ إسلامية لا تهتم بالحريات الشخصية، وتحاول فرض نمط محدد من السلوك الاجتماعي على حياة الناس ومعاشها. ظلت هذه النخب لزمن طويل تنظر إلى الديمقراطية على أنها نوع من الغزو الثقافي الغربي الذي تجب مقاومته، وتتمسك بفكرة المتقابلات ما بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. فيما تنظر نخب عربية يسارية إلى الديمقراطية بازدراء، وتُؤمِن بأن قوة الدبابة هي الوسيلة الأكثر أمانًا والطريق الأسهل للحكم والاستقرار. أيضًا تَختزل هذه النخبُ الديمقراطيةَ بأنها الصندوقُ ونتائجه، وترفض فكرة أن الديمقراطية كما هي الصندوق وحكم الأغلبية، فهي أيضًا الانتخابات المبكرة في حالات الاستعصاء السياسي، والاستقالة والاعتذار المبكر في حالات الفشل. وينظر معظم النخب العربية إلى بعضهم بعضًا على أنهم خصوم يدخلون فيما بينهم بصراع صفري، كل ما يهمهم هو كيف يُفشلون بعضهم بعضًا، حتى وصلوا إلى مرحلة من الاستعانة بالاستبداد على بعضهم. أغرت هذه الحالة المتردية التي تعيشها النخب وعدم وضوح فكرة الديمقراطية وممارساتها الاستبدادَ العربي، ومكّنت له، ومنحته الفرصة الذهبيّة لإحكام سيطرته على مقاليد الحكم بعد الثورات العربية. قابلية النخب السياسية للاستعمال لم يعش كثير من النخب العربية حالة من النضال السياسي الحقيقي من أجل الديمقراطية والتضحية في سبيلها، فنجد كثيرًا من منتسبي الحركات الأيديولوجية يشاغبون بالفكر الديمقراطي من أجل لفت انتباه الحاكم لهم، وما أن يلوح المستبد لهم بالمشاركة معه في الحكم وتقاسم المغانم حتى ينقلبَ كثيرٌ منهم على فكرة الديمقراطية ويحاولوا أن يزينوا حالة الاستبداد ويبرروها بين أبناء الشعب بمسميات مختلفة مُبدينَ تفهمًا لها. تخلّف الأنظمة الانتخابية في الدول العربية بعد أن جاءت الشعوب العربية بالثورة، اتضح أن النخب السياسية والقانونية لا تملك تفاصيل ما تريد، فهي نخب تعلم ما لا تريد، لكنها لا تعلم ما تريد. هذه الحالة نتيجة طبيعية لحالة الفقر السياسي الكبير الذي خلفته الأنظمة المستبِدة وأصاب كل طبقات المجتمع، فكل ما كانت تقوم به تلك الأنظمة المستبدة هو تجريف أي حالة وعي أو قيام حياة ديمقراطية مستقبلًا حتى بعد رحيلها، وقد نجحت في ذلك. كانت هناك حالة فقر في إدراك وفهم أهم قواعد الحكم في الأنظمة الجمهورية، إذ تقوم فلسفة الأنظمة الجمهورية الديمقراطية على فكرة أن الرئيس مَن يباشر مهام الحكم بنفسه، وحتى يستطيع ذلك، لا بد من أن تنسجم كل مؤسسات الدولة العميقة معه في البرنامج والرؤية. ركّزت الأنظمة الانتخابية التي جاءت بها قوى الثورة على كيفية الوصول برئيسٍ منتخَبٍ إلى الحكم، لكنها لم تكن تعي أهمية كيفية تمكين الرئيس المنتخب من الحكم الحقيقي، فلا حكمَ لرئيسٍ دون أن تكون الدولة العميقة تحت توجيهاته وقراراته وتعيينه وعزله لقادتها. أما في أنظمة الحكم البرلماني العربي، فقد وجدنا كيف فُرغَت فلسفة الحكم البرلماني من جوهرها، تلك الفلسفة التي كانت تقوم على فكرة أن الأغلبية هي التي تحكم وتشرع وتحمي وتدعم خطة من يحكم، وأن الأقلية هي التي تراقب وتعارض، وكل هذا لا يمكن أن يكون إلا من خلال نظام انتخابي يفرز أغلبية وأقلية داخل البرلمان. غابت هذه الحالة عن الأنظمة البرلمانية العربية التي أنتجت في معظمها برلمانات -معلقة بالمعنى السياسي- لا يملك فيها أي حزب أغلبية برلمانية، مما دفع القوى السياسية للذهاب إلى الحكومات الائتلافية وحكومات المحاصصة، فكانت نتائج التطبيق أبشع صورة للحكم البرلماني. كل ذلك كان نتيجة خللٍ في التشريعات والنظم الانتخابية، وغيابِ العتبة الانتخابية أو نسبة الحسم المرتفعة في الأنظمة الانتخابية من الأساس، فوُلدت برلمانات أقليات سياسية مبعثرة غير قادرة على الحكم. اختطاف التجارب الديمقراطية العربية من قبل الفئات المفسدة للعمل الديمقراطي، فلا يمكن للديمقراطية أن تعطي نتائج حقيقية إلا إذا كانت قائمة على حالة من التدافع بين مَن يقدم الأفضل لجمع المال العام وإدارته وإعادة توزيعه، وهذا لا يكون إلا بخطاب برامجي بعيدًا عن فئاتٍ أربع تفسد الديمقراطية والفلسفة التي قامت من أجلها الديمقراطية، وهي من يملك القوة الخشنة، ومن يملك الشوكة الروحية، ومن يملك نفوذ القبيلة ورابطة الدم، ومن يقدم الخطاب الشعبوي. يُفسد الديمقراطيةَ كل من يستطيع استخدام القوة الخشنة في حسم الصراع وحالة التدافع مع منافسه في السباق الديمقراطي، فكل من يملك القدرة على تسخير القوة الخشنة والبندقية في حسم صراعه مع خصومه، وحسم التنافس لصالحه وصالح مَن يدور في فلكه وتحالفه، سواء كان من خلفية عسكرية أو مدنية، سيُفسِد ديمقراطيته، فعندما تحضر البندقية والقوة الخشنة تغيب قوة البرنامج والطرح، وتفرغ الديمقراطية من قيمتها وفلسفتها. أيضًا يمكن تعريف رجل الدين بأنه كل مَن يملك شوكة روحية في نفوس الجمهور، فمن يملك الشوكة الروحية في نفوس الأتباع، تكون منافسته مختلة ومحسومة لصالح القداسة والشوكة الروحية، وتغيب حالة التدافع على صلاحية البرنامج ومن يستطيع خدمة الناس، فوجدنا كيف سقطت الديمقراطية العراقية وفُرغَت من هدفها وغايتها. حكم القبائل القبائل مكونات اجتماعية هدفها التعاون والتعاضد الاجتماعي، وقد كان لتسخير رابطة الدم والقبلية في المعارك الانتخابية العربية ما يناقض فكرة الديمقراطية وفلسفتها؛ فاستعمال القبيلة لإثبات سطوة القبيلة ونفوذها وقوتها وبسط سيطرتها، وتحويلها من كيانات اجتماعية إلى كيانات سياسية موسمية في المعارك الانتخابية، أفقد العملية الديمقراطية علتها وأفسد مخرجاتها. أيضًا كان لتنامي الشعبوية السياسية وتفشيها بين الشعوب العربية- ومحاولة تصوير الديمقراطية على أنها عصا سحرية لحل مشكلات الناس ومتطلباتها وما تطمح إليه سريعًا- أثرٌ في هدم العملية الديمقراطية برمتها، فوجدنا كيف استطاعت الشعبوية السياسية في حالات المد أن تصل ببعض شعوب الثورات العربية إلى أن تهتف ضد الديمقراطية، وتؤيد وتصفق لحكم الرجل الواحد، وتؤيد تفكيك مؤسسات الدولة لصالح حكم الفرد. استطاعت الديمقراطية الغربية أن تضع معايير واضحة لإبعاد استخدام القوة ورجال الدين عن اختطاف العملية الديمقراطية، ولم تكن لديها مشكلة القبيلة نظرًا إلى التركيبة السكانية الغربية، لكنها لم تتمكن حتى الآن من تحييد المال وحماية نفسها من رجال الأعمال حمايةً فاصلةً، وإن كانت هناك محاولات تشريعية تلطّف الحالة، لكنها لم تقضِ على دور المال في إفساد العملية السياسية، فوُضِعت التشريعات التي تفرض حدًا معينًا للدعاية الانتخابية، مع إعلان مصادر التمويل، ومنع التمويل الخارجي للحملات الانتخابية، وتجريم شراء الذمم والمال السياسي الأسود... إلخ. ولا تزال الشعبوية لدى الغرب تؤثر بين الحين والآخر في العملية الديمقراطية، وفي نتائج الانتخابات بنسب مختلفة، لكنْ بالتأكيد لم تصل الشعبوية لديهم إلى معاداة الديمقراطية وتقويضها كما حصل في الدول العربية، باستثناء محاولة ترامب التي وُوْجِهَت بحكم المؤسسات الراسخة وملاحقة القضاء. لبناء حالة ديمقراطية عربية حقيقية ومؤثرة، نحتاج إلى تحويل الديمقراطية إلى ثقافة وسلوك حياتي من خلال نشر معارفها وعلومها في كل المراحل التعليمية المدرسية والجامعية، وإنضاج النخب السياسية العربية لتكون الديمقراطية لديهم المسار الإستراتيجي في التعبير عن أفكارهم ومشاريعهم. وفي الوقت ذاته، نحتاج إلى وضع التشريعات والمبادئ السياسية الصارمة التي تحصن العملية الديمقراطية من مفسداتها الأربع استخدام القوة الخشنة، ورجال الدين، والقبيلة، والشعبوية السياسية الرخيصة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/20/%d9%84%d9%90%d9%85%d9%8e-%d9%84%d9%85-%d8%aa%d8%ab%d9%85%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%84%d8%a7%d8%af
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-01-20T10:17:57
2024-01-20T10:17:57
مقالات
2,309
يحيى السنوار أديبًا وقائدًا.. قراءة في رواية الشوك والقَرنْفُل
كتب السنوار روايته في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وحرص أن يستخدم لقب “الأسير” في تقديم نفسه، وهذا التعريف، وحده، يعد مدخلًا مهمًا لفهم رموز القصة، وما يعنيه من ورائها.
لا يمكن النظرُ في رواية الشوك والقرنْفُل باعتبارها عملًا أدبيًا.. كاتبها نفسه، لم يكتبها لهذا الغرض، ولم يستعرض فيها قدراته التقنية في الحبكة والسرد والتشويق، لكنه تحرّى الصدق، والأمانة المعلوماتية، كما كان يفعل رواة الأحاديث، وإذا كنا لا نستطيع أن نقرأها فقط كعمل أدبي، فماذا يمكن أن نقرأ فيها؟ حسنًا، يمكننا أن نقرأ فيها رواية السنوار، أحداثَ وطنه، ومسيرتَه الشخصية والفكرية والوجدانية غير معزولة عما يمرّ به هذا الوطن وشبابه، وعما جربه فنجح فيه أو فشل.. هذا القائد الحمساوي الشاب الأسير في ذلك الوقت- يخبرنا كيف وصلنا، وكيف وصل إلى هنا. كتب السنوار روايته في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وحرص أن يستخدم لقب الأسير في تقديم نفسه، وهذا التعريف، وحده، يعد مدخلًا مهمًا لفهم رموز القصة، وما يعنيه من ورائها. اللقب الذي يعرف به نفسه على الغِلاف هو جزء من قصة المعاناة التي ترويها صفحات الشوك والقرنفل، وهي معاناة يعرفها الكاتب ويعيشها ويصورها، ويعرفها زملاؤه الأسرى الذين اعتبروا الرواية مشروعًا يعبّر عنهم، فساهموا في نسخ الصفحات وتهريبها خارج السجن، ليكونوا بذلك قد شاركوا في تجرِبة مقاومة مبدعة، لتوصيل صوت أريد له أن يكون مكتومًا. اختار إبراهيم أن ينضم إلى المقاومة، كما اختار أن يعمل في البناء كمهنة لكسب الرزق، ولا تخفى رمزية المهنة التي اختارها المناضل هنا، فهو رجل يختار البناء، وقيامه بأعمال المقاومة لا يتعارض مع ذلك، بل يدعمه وبهذا الفعل التعبيري القادم من وراء الجدران عام 2004، حوّل السنوار ومن ورائِه زملاؤه الأسرى الذين نقلوا الرواية للخارج- تاريخَ المقاومة إلى قصة حية تشكل مصدرًا مهمًا لقوة شعب فلسطين، الذي يقدم بدوره نموذجًا للكفاح طويل المدى، يتشارك فيه الأبطال مشاعرَ الحزن والأمل، وقصص الحب. يمكننا أن نتلمّس في هذه الرواية بعيدًا عن النقد الأدبي- ملامح القيادة لدى شاب يحمل قضية، يعيشها كأنه يراها حتى وهو في غياهب السجون، فهل يكون غريبًا أن يقود كاتب هذه الرواية كفاحَ شعب فلسطين للحريّة والتحرير؟ وأن يكون هو القائد الذي يواجه قوة جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة، ويقود ثورة العقول الفلسطينية للتخطيط الصبور طويل النفس لتطوير قوة المقاومة لتحقق انتصارات لم يتوقّعها العدو؟ أول ما نلاحظه في الرواية من ملامح القيادة في هذا العمل الروائي، أن الكاتب يمتلك خيالًا جغرافيًا، فهو يحرّك أبطاله على أرض وطنه، الذي يعرف خصائص كل شبر فيه، وما يميّز كل قرية أو مدينة، الوطنُ- الذي يناضل من أجله- مترابطٌ في خياله، لم يتمكن الاحتلال من تغيير معالمه التاريخية، فخيال الكاتب القائد يحتفظ بالخارطة الحقيقيّة للوطن التي تطوّرت عبر التاريخ. هو أيضًا يملك خيالًا اجتماعيًا، وذاكرة تحفظ عادات شعبه وتقاليده، ومزاجه ومفاتيحه، ومكامن قوته وضعفه، وما يمكن أن يقوم به هذا الشعب إذا أُحسن توجيهه. فهو يقدم كيف يتميز هذا الشعب بارتباطه بأرضه، وقدرته على تحمل المعاناة، وتكافله الاجتماعي، قدّم ذلك من خلال الأُسرة التي اختار أن تكون بطلة أحداثه، منطلقًا من مخيم الشاطئ ذي الظروف البائسة في قطاع غزة، ونحن نرى كيف صمدت هذه الأسرة في وجه المحنة، وإصرارها على التغلب عليها. كما نرى كيف أنّ اختلاف الآراء والاتجاهات السياسية داخل تلك الأسرة لم يدفع جلّ أولادها للبحث عن حل فردي، يحققون به سعادتهم الشخصية على حساب أسرتهم، لم يفعل ذلك في أحداث الرواية إلا شخصٌ وحيد من أبناء الأسرة، فنبذه أفرادها وعملوا على التخلّص منه. لا يجد قارئ هذه الرواية صعوبة في تفسير رموزها، فالأسرة هي الوطن، وأبناؤها أبناؤه، واتجاهاتهم الفكرية هي ما تمور به الساحة الفلسطينية من آراء واجتهادات، هدفها الأخير هدف واحد، والكاتبُ يستخدم روايتَه، من خلال بطلَيها أحمد الراوي، وإبراهيم القائد الحمساوي المناضل، ليشرح رؤيته الشخصية للواقع ولطبيعة المعركة وللحلول.. هو يخوض عبرهما حالة من النقاش السياسي والفكري مع التيارات الأخرى في المجتمع الفلسطيني، يسعى أن يشرح لهم فكرة ويوضحها، ويسوق الحجج لدعمها. وهنا نلاحظ حضور السنوار صاحب الرؤية والقضية غالبًا على حضور الروائي.. الرواية بالنسبة له هي حكاية الوطن، وما يقوله فيها محاولةٌ لشرح رؤيته لأبناء الوطن الفلسطيني أولًا، ثم العربي والإسلامي ثانيًا؛ لجمعهم وراءها. لا يغرق الكاتب في تعقيد الحبكة أو السرد والأحداث؛ لأن الهدف هو وضوح الرسالة، والرواية هي القضية والرسالة. ملحوظة أخرى تؤكد أن الرواية في الحقيقة هي رسالة للأمة كل الأمة لتفهم القضيةُ، كما يريد السنوار أن يشرحها.. فهو وهو الدارس للغة العربية في الجامعة الإسلامية- اختار أن يستخدم الفصحى وحدها في السرد والحوار، وعندما يضطر لاستخدام اللهجة الفلسطينية، يعيد شرح التعبير باللغة العربية، وهذا في رأيي يعود إلى سببَين؛ الأول أنه- وهو ابن الحركة الإسلامية الفتية في ذلك الوقت- يريد أن تصل رسالته إلى كل الجماهير العربية، فيشرح لهم ما قد يبهم عليهم، والثاني أنه انعكاس لأصالته كقائد شاب في ذلك الوقت، ينتمي لحركة إسلامية تعتبر اللغة الفصحى من أهم مكونات الهُوية. تبدأ أحداثُ القصة بعد عام 1967، لتصوّر حياة أسرة في مخيم الشاطئ بغزة، في بيت تتساقط مياه الأمطار من سطحه على الأسرة في الشتاء. الابن الأكبر محمود يدرس في مصر، ويعود مهندسًا، ينضم إلى حركة فتح، يسجن ويعذب بسبب ذلك، لكنه يقود المساجين في إضراب ينجح من خلاله في الحصول على بعض حقوقهم، ثم يخرج من السجن ليصبح رمزًا نضاليًا محبوبًا للأسرة، ولكنه يظل مدافعًا شرسًا عن رؤية فتح للحل، ولا سيما الحلول التي برزت في تلك الفترة التي شهدت اتفاق أوسلو. الابن الأصغر أحمد هو راوي القصة، وهو يقلب نظره بين أخيه الذي يحمل أفكار فتح، وبين أفكار الحركة الإسلامية التي يحملها ابن عمه إبراهيم، ليتأثر في النهاية بأفكار الأخير، وينضم إلى حركة حماس. وهناك إبراهيم، البطل الآخر للقصة، قيادي طلابي نشط يحمل أفكار الحركة الإسلامية، ويعرض رؤيتها على مدار الرواية بفعله وقوله. اختار إبراهيم أن ينضم إلى المقاومة، كما اختار أن يعمل في البناء كمهنة لكسب الرزق، ولا تخفى رمزية المهنة التي اختارها المناضل هنا، فهو رجل يختار البناء، وقيامه بأعمال المقاومة لا يتعارض مع ذلك، بل يدعمه.. ظل كلام إبراهيم صادقًا ومؤثرًا وملهمًا على طول العمل، وقد اختار البقاء في غزة لا يفارقها، رغم العروض والإغراءات؛ لأنه يؤمن بقضية وطنه. الأم الفلسطينية حاضرة أيضًا، فنحن نرى كيف تلعب أم محمود دورًا مهمًا في المحافظة على الأسرة، ودفع كل أفرادها لتحقيق النجاح، وهي تصر على أن تختار زوجات أبنائها، اللاتي سيصبحن جزءًا من أسرتها الممتدة بقَبولهنّ الزواج في غرفة واحدة من غرف المنزل، وتقاسم أعباء الحياة مع بقية أفراد الأسرة. في مرحلة مهمّة من الرواية يخوض محمود الفتحاوي جدلًا مع ابن عمه إبراهيم حول جدوى مفهوم التربية والإعداد الذي تتبنّاه الحركة الإسلامية إستراتيجيةً لها، ثم نكتشف من أحداث القصة كيف نجحت تلك الإستراتيجية في إعداد كثير من الشباب لمقاومة الاحتلال، ولذلك يشكل هذا المفهوم مِفتاحًا لفهم كثير من الأحداث، ولفهم رؤية حركة المقاومة الإسلامية حماس في نضالها من أجل تحرير فلسطين، كما أنه يساعدنا أيضًا في فهم كيف وصلنا إلى طوفان الأقصى. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/15/%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a3%d8%af%d9%8a%d8%a8%d9%8b%d8%a7-%d9%88%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%af%d9%8b%d8%a7-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2023-12-15T08:30:14
2023-12-15T08:30:14
مقالات
2,310
الفراغ السياسي .. قضية لم تحظَ بدرس عربي كافٍ
إنَّ التعمية على أي فراغ في القوة السياسية تؤدي إلى تفاقمه، من دون شك، فالثغرات المتروكة في التفكير والأداء السياسي، طالما قادت إلى كوارث، يستيقظ الناس عليها، ويبدون بعدها ندمًا شديدًا.
يبينُ استعراض ووصف وتحليل قضية الفراغ السياسي كمْ هي مهمة وضرورية في تشخيص جانب من أمراض العرب السياسية في زماننا، وهم ليسوا في هذا استثناء، فالفراغ يصيب أقاليم أخرى في عالم، يعاني من تفاوت في القوّة بين أجزائه، وفي دول لم تستطع إتمام الناقص في قدرتها، بسبب الاستبداد والفساد، وكل العوامل الأخرى، التي تؤدّي إلى صناعة الخلل الهيكلي الذي يمتد من السياسة إلى الاقتصاد، وأحوال المجتمع، وثقافته، بل وأحوال أفراده النفسية، وعقله الجمعي، وذائقته. ولعلّ الذين يُشار إليهم في أي مكان وزمان بأن لديهم فراغًا سياسيًا، يجب عليهم أن يسارعوا إلى سدّه، بدلًا من المكابرة حياله، فأي فراغ يطرأ أو يستمر ويصير مزمنًا يجب عدم إغفاله وتجاهله، سواء كان في الخطاب المعني به إبلاغ الناس أو إفهامهم وكسب ودّهم، أو حتى التلاعب بعقولهم ومشاعرهم، أو كان في الممارسات والتصرّفات والسلوكيات، المرتبطة بهندسة المسرح السياسي على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي، وكذلك أساليب توزيع وانتشار القوّة في المجتمع. ويرى كثيرون أن تحديد المستوى الممتلئ أو المكتمل في السياسة هو الذي يجب أن تنشغل به النخبة السياسية وعموم الناس، وليس تضييع مزيد من الوقت في تقدير حجم الفراغ ومداه. وهؤلاء قد لا يعنيهم النظر إلى الفراغ أصلًا، إما لجهل أو تعجل أو غفلة أو تواطؤ من أصحاب المصالح الذاتية والحالية، لأن تقدير الفراغ يكشف، أو يفضح، أنظمةَ حكمٍ، وحقبًا تاريخية، ويعرّي كثيرًا من الممارسات. ولهذا فإن أصحاب هذا الاتجاه يتحدثون دومًا عما يسمّونه الجزء المملوء من الكوب؛ لإثبات الشرعية السياسية أو تعزيزها، عبر تسويقها بين الناس، ويبقى من مصلحتهم هنا أن يغطوا أو يغمّوا على أي حديث عن الفراغ، لأن في هذا فضحًا لمزاعم الاكتمال أو الإنجاز الفائق أو الولاء الكامل للمصلحة العليا. لكن التعمية على أي فراغ في القوة السياسية تؤدي إلى تفاقمه، من دون شك، فالثغرات المتروكة في التفكير والأداء السياسي، طالما قادت إلى كوارثَ، يستيقظ الناس عليها، ويبدون بعدها ندمًا شديدًا. فمن بيدهم القرار كلما تأخروا في سد الفراغ أو تلافيه، كان الثمن أفدح، والقدرة على التعويض والخروج من المأزق أضعف. في المقابل يظنّ متعجلون وغائبون عن الوعي غير الزائف أن بيدهم تحديد إدراك الناس للملء والتفريغ، والنور والظلام، والنفع والضر، والإغفاء والصحو، والتعمية والإبانة، وأنهم يقدرون على أن يضعوا طوال الوقت كل ما يريدون، ومن يريدون، في دائرة الضوء، وأن يستبعدوا أهل الخبرة والمعرفة، أو يسوقوا كل تقصير أو نقص في السلوك السياسي، على أنه أفضل ما يكون. لكن كل هذا قبض الريح، فالناس تعرف، وتدرك، وتضحك، وتتجاهل، وتذهب إلى الامتلاء، أو بمعنى أدقّ، تسعى إليه، حتى وإن طال مسعاهم، أو تأخر، أو تعثر. إن المثل السابق يدل على أن مسألة الفراغ السياسي لا تقف عند حدود القضايا الكبرى، التي تهم الدول، بل إنها تنسحب إلى الأفراد أنفسهم، في إطار الصراع السياسي، أو التنافس على المكانة والنفوذ، وهذا الوضع لا يقلل من قيمة الموضوع، رغم أن أغلب الأبحاث والدراسات، ركّزت على الموضوع في صيغته أو شكله الأكبر، المتعلّق بحال الدول والنظم الإقليمية والدولية، مع أن الإحساس بالفراغ يبدأ بالفرد، وينتهي بالجماعة، ثم الكتلة السياسية، ليس بوصفها وحدة جغرافية صماء، إنما تتخللها المشاعر والأحاسيس والتخيلات والآمال والأوهام، التي تنتاب الفرد، بصرف النظر عن الأحوال أو الظروف أو السياقات الاجتماعية والسياسية القائمة. ولعل تشريح وتوضيح الفراغ السياسي يفتح بابًا في الدراسات السياسية العربية، لفهم الكثير من المسارب التي ترتبط بقضايا الديمقراطية وما يعتورها أو يشوبها من نقائص، وورطة الأمن التي تشكل تحديًا شديدًا للنظام الإقليمي العربي؛ لأسباب عديدة وبأشكال وصيغ مختلفة، تتوزع، متناثرة ثم تنتظم، من المحيط إلى الخليج، وكذلك المسائل المرتبطة بالشرعية السياسية، التي تثار حولها في كثير من البلدان أسئلة لا يمكن تجاهلها، والخطاب الإعلامي المطروح، والذي يسعى أصحابه أو منتجوه إلى تسويقه، وإدراك الجمهور أو الرأي العام أو عموم الناس، موقف السلطة وانحيازاتها وتوجهاتها وتصرفها وتصورها، عن الحال والمآل. من أجل هذا فإن دراسة الفراغ السياسي يجب ألا تقف عند حدّ التصوّرات المألوفة التي تم رصدها وتوصيفها وتحليلها في التاريخ السياسي، والعلاقات الدولية، والسياسة الخارجية، وفق ما هو معتاد، إنما تصلح في حد ذاتها مدخلًا معتبرًا لتحليل الكثير من التصورات والقرارات السياسية، أو هي تمثل، في حد ذاتها، اقترابًا مهمًا في فهم كل ما يعتمل في أذهان المنشغلين بالفعل السياسي، بدءًا من المواطن العادي وانتهاء بمتخذ القرار الأخير في أعلى هرم نظام الحكم. إن التعامل مع السياسة على أنها بالضرورة امتلاء أو هي الجزء المرئي الملموس المحسوس المتعارف عليه بين أيدينا، هو أمر ينقصه الكثير من الحصافة، والفاعلية. فالسياسة، فكر وممارسة، لديها جوانب واسعة وعميقة مرتبطة بالمجازي والمتخيل، وما يدخل في باب الأمنيات والإيهام، وكثير مما لا يمكن تعيينه، على النقيض مما يذهب بعض أساتذة هذا العلم، حين يسعون إلى إلقائه في بحر من المعادلات الرياضية، والأشكال الإحصائية، بدءًا من المنوال البسيط، وانتهاء بمعاملات الارتباط، وما بينهما من أرقام وحسابات، ضمن كل المحاولات التي ترى أنها معنية بضبط العلوم السياسية، كعلم إنساني، وتقريبه، وفق الدراسات الميدانية أو التجريبية، من العلوم البحتة. فدراسة الفراغ ليست خصمًا من الحقيقة الموجودة، بل إضافة إليها. فنحن حين نقول إن وعي الناس ينقص بنسبة ما، فهذا معناه، بكل بساطة، أننا نريد أن نحدد نسبة الوعي أو مقداره. فبضدّها تتميز الأشياء، والناقص إن حددناه نعرف البقية، أو نصل إلى المكتمل أو تفهمه على الأقل، فما بالنا لو كان الفارغ ليس بفارغ، إنما نحن ندركه هكذا، كما تخبرنا الفيزياء، التي هي الشاهد الأكبر على هذا، أكثر من الفلسفة، ومن العلوم السياسية التي تتحدث عن هذا الأمر من باب المجاز. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/12/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%BA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D8%AD%D8%B8-%D8%A8%D8%AF%D8%B1%D8%B3-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-05-12T06:30:48
2024-05-12T06:30:48
مقالات
2,311
محنة المقاومة الإجماع المعاكس
في الخمسين عامًا الأخيرة، تغيرنا من النقيض إلى النقيض، تغيرنا إلى الأسوأ، لكن لم تتغير إسرائيل، ولم يتغير الغرب، بل ازدادت أطماع إسرائيل وجرأتها علينا، وزاد استخفاف الغرب بنا واستهانته بردود فعلنا.
المقاومة الفلسطينية تحارب على جبهتين 1- جبهة الصليبية الجديدة مُستترةً خلف قناع الصهيونية تطوي صدرها ويحرك وعيها ميراث ألف عام من الحروب الصليبية والاستعمارية وترتيبات الهيمنة والسيطرة. 2- ثم جبهة الإجماع المعاكس العربي الإسلامي الذي تشكل في العقود الخمسة الأخيرة حول أمرَين كانا محظورين حتى نهاية عقد الستينيات من القرن العشرين، أولهما الاعتراف بإسرائيل، وثانيهما الانضواء تحت هيمنة الأحلاف الغربية. فعند منتصف القرن العشرين بات مؤكدًا أن الاستعمار القديم أي الأوروبي دخل طور النهاية، وأن الاستعمار الجديد أي أميركا سوف يرث تركته، وكان شرط التسليم والتسلم من الاستعمار القديم إلى الاستعمار الجديد له وجهان مقاومة المد الشيوعي بالانخراط في الأحلاف الغربية، ثم الاعتراف بإسرائيل. صمدت الحركة الوطنية التقليدية بكل أطيافها ضد الترتيبات بكاملها، كانت الحركة الوطنية تستمد شرعيتها وشرفها من مكافحة الاستعمار كله قديمه وجديده، فلا فرق بين هيمنة أوروبية وأخرى أميركية. ثم هذه الحركة رغم تناقض مصالحها مع المد الشيوعي، ورغم أنها كانت تراه خطرًا عليها كرأسمالية وبرجوازية صاعدة، فإنها لم تكن ترى في ذلك الخطر مبررًا كافيًا للانضواء تحت حماية الأحلاف الغربية التي لم تكن أكثر من تغيير قناع الاستعمار، كذلك فإن الحركة الوطنية التقليدية رفضت الاعتراف بإسرائيل بأي وجه من الوجوه. ثم جاءت القيادة الناصرية التي لم تكتفِ بمجرد رفض الأحلاف ورفض الاعتراف، وإنما شاركت في قيادة حركة تحرر عالمي ضد الاستعمار بكافة تجلياته بما في ذلك الصهيونية التي صارت دولة في فلسطين المحتلة. ثم حدث انقلاب كبير، هادئ، بالتدريج، ضد التراث الثوري للحركات الوطنية التي واجهت الاستعمار، وضد مفاهيم التحرر الوطني، حدث على مدى خمسين عامًا من مطلع سبعينيات القرن العشرين حتى يومنا هذا، تلاشت فيها أفكار المقاومة، حتى صار الاعتراف بإسرائيل ليس محرمًا ولا عبئًا ولا عيبًا، العكس صحيح، صار الاعتراف بإسرائيل في السر أو في العلن جواز العبور للمستقبل؛ مستقبل أنظمة الحكم التي فقدت تعدد الخيارات، وبات المسار الإسرائيلي هو الحل الذي لا يمكن الاستغناء عنه. لقد جاء طوفان الأقصى 7 أكتوبرتشرين الأول 2023م مثل ليلة قدر خير من ألف شهر، لكن ما أعقبه من حرب إبادة كاملة وشاملة كشفت حقيقة ما قد جرى من تطويع وترويض للعالمين العربي الإسلامي في أنفاق الاعتراف والأحلاف على مدى خمسين عامًا. بينما بقيت إسرائيل ترجمة صادقة أمينة للصليبية الجديدة، مجرد واجهة صهيونية، يحتشد من أمامها، ويحتشد من خلفها، ويحتشد عن يمينها، ويحتشد عن شمالها وعي وروح وهمة وحقد وغلّ وسموم ألف عام من عدوان الغرب على الشرق الإسلامي تحت مسميات شتى مختلفة بينما جوهرها واحد. وبينما احتشد الغرب بكل قوته عن يمين الصهيونية وشمالها ومن أمامها ومن خلفها، حدث العكس والنقيض تمامًا في حالة المقاومة الفلسطينية، انفضّ الأشقاء عنها، انفضّ عنها العرب، انفض عنها المسلمون، انفضوا عنها من كل الجهات، انفضوا عنها في السر والعلن. هو انفضاضٌ كاملٌ، يقابله التزام كامل بأمن إسرائيل والتزام كامل بالانضواء تحت هيمنة الغرب، التزام لا فكاك منه سواء كانت تفرضه نصوص تعاقدات ملزمة أو تفرضه موازين الأمر الواقع. في هذه الخمسين عامًا الأخيرة، تغيرنا من النقيض إلى النقيض، تغيرنا إلى الأسوأ، لكن لم تتغير إسرائيل، ولم يتغير الغرب، بل ازدادت أطماع إسرائيل وجرأتها علينا، وزاد استخفاف الغرب بنا واستهانته بردود فعلنا. في مثل هذه اللحظة تقف المقاومة مفردة وحيدة، الأقربون من عرب ومسلمين ليسوا معها، والأبعدون من أعدائنا في كل العصور يحتشدون ضدها. هذه لحظةٌ حاسمة، كاشفة لما هو قائم فلم يعد مجهولًا ولا خبيئًا منشئة لما هو قادم، وهو مجهول أكثره. هذه لحظة من النوع الذي يصعب أن يُطوى ويمر، والأرجح أنها سوف تفتح بابًا تزدحم على عتباته الأسئلة الوجودية الكبرى. أسئلة حول وجودنا كأمة، وأسئلة حول وجودنا كدول وشعوب، أسئلة حول وجودنا كمِلّة وحضارة وثقافة، وأسئلة حول وجودنا كشركاء أو كخاضعين لحضارة غربية قاهرة ظافرة. أسئلة قلقة مقلقة لا يهرب منها فرد ولا مجموع، أسئلة تستحضر التاريخ وتستبصر المستقبل . جوهر الصراع واحد من اقتحام الصليبية القديمة القدس 1097م حتى اقتحام الصليبية الجديدة غزة 2024م، هذه الصليبية الجديدة تحت قناع الصهيونيّة امتداد طبيعي للصليبية الأولى، والصهيونية ليست أكثر من اختراع أوروبي أملته الضرورة واستدعته الحاجة وقبلته المصلحة. ويمكنك أن تقارن بين الأدوار التي لعبها كبار رجالات أوروبا خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر حيث الحملات الصليبية ضد المشرق الإسلامي، تقارنها مع أدوار كبار رجالات أوروبا خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، حيث الحروب الصليبية ضد الغرب الإسلامي فيما عرف بحروب الاسترداد. ثم تقارنها مع أدوار كبار رجالات أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث الكشوف الجغرافية وتطويق البرتغال، وإسبانيا، وهولندا للعالم الإسلامي، ثم تقارنها مع أدوار كبار رجالات أوروبا خلال القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين من غزو الهند عند منتصف القرن الثامن عشر، حتى اقتسام ممتلكات الخلافة العثمانية بما فيها القدس وفلسطين في العقد الثاني من القرن العشرين. قارن بين كل هؤلاء الرجال الذين قادوا الحملات ضدنا على مدى ألف عام سوف تجد نفسك في داخل فصول متعددة لكن في مدرسة واحدة لها رؤية واسعة وإطار جامع يشمل كل تفاصيلها في نسق منظم مفهوم له أول وليس له آخر. فقد بدأ ومازال مستمرًا صراعٌ وجوديٌّ ضخم كان ومازال مفتوحًا على كل الآفاق والاحتمالات. 1- في ص 130 من كتابه حضارة أوروبا العصور الوسطى ، ترجمة قاسم عبده قاسم، يقول موريس كين وفي 15 يوليو 1099م، تم اقتحام المدينة المقدسة يقصد القدس، وإذ كان الصليبيون يشهقون من شدة الفرح، وأيديهم ملطخة بدماء المذابح التي ارتكبوها في الشوارع، أدوا صلاة الشكر في تلك الليلة بكنيسة القيامة . 2- في ص 31 من كتاب الأخبار السنية في تاريخ الحروب الصليبية يقول مؤلفه سيد علي الحريري دخلت العساكر الصليبية المدينة أي القدس في 15 يوليو 1099م، لسبع بقين من شعبان 492 هجرية، وكانت مدة الحصار أربعين يومًا. ثم إن العساكر الصليبية فتكوا بالمسلمين فتكًا ذريعًا، وصاروا يقتلون الرجال والنساء والكبار والصغار والبنين والبنات، وقتلوا داخل المسجد يقصد المسجد الأقصى ما ينوف أي ما يزيد عن سبعين ألفًا من المجاورين، فيهم العلماء والزهاد والعباد، حتى كانت الجثث ملقاة في الأزقة والأسواق، وانعقد مجلس مشورة الصليبيين وقرر أن يقتل كل مسلم أو يهودي باقٍ في المدينة، فخرج المسلمون بعد الاستئمان أي طلب الأمان، والتجأ اليهود إلى كنيسهم، فحرق الصليبيون جميع الحي بما فيه الكنيس ومن فيها . 3- في ص 45 من كتاب مفاتيح أورشليم القدس، حملتان صليبيتان على مصر 1200 1250 م ، يقول مؤلفه ريمون ستامبولي انتصر صلاح الدين على الفرنجة في حطين في 4 يوليو 1187م، فعادت القدس، المدينة المقدسة، والرمز الأخير للمسيحية، إلى السلطان المنتصر، وقد عرف صلاح الدين كيف يتعامل مع المسيحيين بإنسانية وشهامة الفرسان، مما أجبر المؤرخين اللاتين على الكتابة عنه بكل التقدير والإعجاب، ويقول ريمون ستامبولي وقد كان من السهولة أن تتم مقارنة سلوك صلاح الدين بالمذابح التي جرت عند غزو الصليبيين لأورشليم القدس عام 1099م . 4- في أثناء الحرب العالمية الأولى، أخلى العثمانيون مدينة القدس، انسحبوا منها دون قتال مع قوات الحلفاء، اختار العثمانيون الانسحاب حتى لا يقع قتال يترتّب عليه تدمير المدينة المقدسة، حدث ذلك في 9 ديسمبر أيلول 1917م، فانتهى بذلك الحكم العثماني للقدس الذي استمر 673 عامًا. وهنا يقول رولف شتاينجر، في كتابه ألمانيا والشرق الأوسط منذ زيارة القيصر فيلهلم الثاني إلى المشرق في العام 1898م حتى الوقت الحاضر ، يقول في ص 37 وفي التاسع من ديسمبر حصل البريطانيون على القدس، حصلوا عليها من دون أي مقاومة، وقد ارتفعت في روما أصوات أجراس الكنائس، ما عدا كاتدرائية القديس بطرس، احتفالًا بهذا الحدث ، ثم يقول ودخل الجنرال اللنبي إلى مدينة القدس بتاريخ 11 ديسمبر 1917م، دخل القدس ماشيًا على قدميه، مثلما يفعل الحجاج المسيحيون، دخل ماشيًا تنفيذًا لتعليمات الأركان العامة للجيوش البريطانية في لندن. منذ دخل الصليبيون القدس 15 يوليو تموز 1099م، ودخل الفرنسيون القاهرة 24 يوليوتموز 1798م، ودخل صلاح الدين القدس 4 يوليوتموز 1187م، ودخل الإنجليز القدس 9 ديسمبركانون الأول 1917م، وانعقدت إرادة إسرائيل على إبادة آخر قلاع المقاومة في غزة شتاء 2024م. محطات متعددة في صراع مفتوح، هذا الصراع يقف الآن على عتبات لحظة مصيرية حاسمة، إسرائيل والغرب أوروبا وأميركا يريدون هذه المحطّة الأخيرة نهايةَ صراع الألف عام . فهل يكون لهم ما أرادوا ؟. ذلك موضوع مقال الخميس المقبل بمشيئة الله . الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/22/%d9%85%d8%ad%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%83%d8%b3
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-22T12:34:44
2024-02-22T12:34:52
مقالات
2,312
هل يمكن للجنائية الدولية الصمود في السنوات الأربع المقبلة؟
تواجه المحكمة الجنائية الدولية خطر التعرض لعقوبات أمريكية في السنوات القادمة، بهدف التأثير على استقلاليتها، فهل تستطيع الصمود، وما الدور الحاسم المطلوب من الدول الأعضاء لدعم بقائها؟
المحكمة الدولية الوحيدة الدائمة المكلفة بمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، تواجه أكبر تحدٍّ لها حتى الآن. مع قدوم إدارة ترامب والعقوبات التي تلوح في الأفق ضد المحكمة وموظّفيها، يبرز سؤال بسيط هل يمكن للمحكمة الجنائيّة الدولية أن تصمد خلال السنوات الأربع المقبلة؟ طرحتُ هذا السؤال بعد حضور جمعيّة الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، وهو المؤتمر الدبلوماسي السنوي للدول الأعضاء في المحكمة. انعقد الاجتماع بينما كانت الغيوم السوداء تتجمع مجازيًا وحرفيًا فوق لاهاي، حيث مقرّ المحكمة الجنائية الدولية. العقوبات قادمة، وربما أسرع مما يتوقعه البعض. تبين أن الولايات المتحدة قد لا تنتظر حتى يتم تنصيب دونالد ترامب لفرض العقوبات. بدلًا من ذلك، قد يربط الجمهوريون العقوبات بمشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، وهو القانون الذي يحدد الميزانية السنوية لواشنطن ونفقاتها الدفاعية. الأمل بين أنصار المحكمة، هو أن تستهدف العقوبات كبار المسؤولين في المحكمة، وليس المحكمة ذاتها. فالمحكمة تستطيع أن تصمد أمام العقوبات المفروضة على بعض موظفيها. ولكن إذا استهدفت العقوبات المؤسسة ذاتها، فقد تكون التأثيرات أسوأ بكثير وأكثر شمولًا. على سبيل المثال، كيف سيتمكن محققو المحكمة والمسؤولون من السفر؟ كيف يمكن للمحكمة دفع رواتب موظفيها إذا امتنعت البنوك والمؤسسات المالية عن التعامل معها خشية عدم الامتثال للعقوبات؟ ماذا عن الأدوات البرمجية مثل Microsoft Word التي يحتاجها القضاة لكتابة أحكامهم؟ هذه ليست المرّة الأولى التي تواجه فيها المحكمة الجنائية الدولية عقوبات أميركية. في الأشهر الأخيرة من إدارة ترامب، فرضت عقوبات على عدد من موظفي المحكمة، بمن فيهم المدعية العامة آنذاك فاتو بنسودا من غامبيا. ولكنْ الآن، المحكمة ومناصروها يواجهون أربعة أعوام محتملة من الإجراءات القسرية من واشنطن. وحتى لو كانت العقوبات تستهدف موظفين معينين في المحكمة، فإنها ستبرز مرة أخرى التفكير التمييزي والعنصري في الإدارة الأميركية الجديدة. موظفو المحكمة من حلفاء الغرب لديهم فرص أفضل للتفاوض واستثناء مواطنيهم من العقوبات، مقارنة بنظرائهم من دول الجنوب العالمي. التحدي الذي تواجهه المحكمة شديد للغاية. عليها أن تتجنب التصعيد مع الولايات المتحدة، مع الحفاظ على استقلاليتها، وفي الوقت نفسه تجنب إضفاء الشرعية على سياسات ترامب. في هذه المرحلة، من الصعب تخيل كيفية تحقيق ذلك. تخيل السيناريو التالي في الأسابيع المقبلة، تصدر إدارة ترامب عقوبات ضد كبار موظفي المحكمة الجنائية الدولية. تفعل المحكمة ما يجب أن تفعله، وتؤكد أن ذلك لن يردعها. تتكاتف الدول الأعضاء لدعم المؤسسة. يستمر عمل المحكمة، ويطلب المدعي العام إصدار مذكرة اعتقال بحق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير؛ لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الضفة الغربية. يُنظر إلى هذه الخطوة على نطاق واسع على أنها القرار الصحيح والمستقل الذي يجب أن تتخذه المحكمة. ولكن البيت الأبيض الغاضب يرد بتصعيد العقوبات ضد المحكمة ككل، ويطالب حلفاءه بفرض عقوبات مماثلة على المحكمة، مهددًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 على التجارة مع الدول التي ترفض الامتثال. هذا السيناريو ليس مجرد تخيل؛ بل هو احتمال واقعي تمامًا. السيناتور الأميركي ليندسي غراهام زعم بالفعل أن دولًا، مثل كندا، وفرنسا، وألمانيا يجب أن تُعاقب بسبب دعمها للمحكمة الجنائية الدولية. إذا حدث ذلك، فهل تستطيع المحكمة أن تصمد؟ وهل تستطيع الدول الأعضاء أن تتحمل هذه الضغوط؟ في الماضي، استطاعت المحكمة أن تصمد أمام التدخلات الأميركية، خصوصًا في سنواتها الأولى عندما واجهت عداء إدارة الرئيس جورج دبليو بوش. في نهاية المطاف، أدركت الولايات المتحدة أن المحكمة لا تشكل تهديدًا لمصالحها، خاصة عندما استهدفت المحكمة قادة، مثل جوزيف كوني، زعيم جيش الرب للمقاومة، أو الرئيس السوداني السابق عمر البشير. على العكس، كانت المعارضة الأميركية الصاخبة لمحاكمة مرتكبي الفظائع الشهيرة تعيق مصالحها أكثر مما تخدمها. حتى إن وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس وصفت نهج إدارتها تجاه المحكمة الجنائية الدولية بأنه كان أشبه بإطلاق النار على أقدامنا. ولكن الوضع الآن مختلف؛ إذ تقف المحكمة في مواجهة مباشرة مع المصالح الأميركية، خاصة بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. هذه المذكرات لن تختفي، كما أن المعارضة الأميركية لن تزول. كيف يمكن للمحكمة أن تضمن بقاءها؟ بقاء المحكمة يعتمد في النهاية على الدول التي أنشأتها. أولًا وقبل كل شيء، يجب أن تعترف الدول بهذا الظرف كتهديد وجودي لمؤسستها. يجب أن تعترف بأن التهديدات الصادرة عن واشنطن حقيقية، وستظل قائمة في المستقبل القريب، وأن ترد بإجراءات استباقية؛ لحماية المحكمة. ينبغي أن تفعل كل ما في وسعها لعزل المحكمة وموظفيها عن العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول أن تذكّر الولايات المتحدة بأن معاقبة المحكمة بسبب مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ستقوض الجهود المبذولة لتحقيق العدالة في الحالات التي تتفق فيها المصالح الأميركية مع المحكمة مثل أوكرانيا، ميانمار المدعومة من الصين، وفنزويلا. كلما فرضت واشنطن تدابير قسرية جديدة على المحكمة، يجب أن يسمع صانعو السياسة الأميركيون أصوات الضحايا الأوكرانيين، الروهينغا، والفنزويليين الذين ستتضرر جهودهم من العقوبات المفروضة على المحكمة. أما بالنسبة للمحكمة، فيجب ألا تخضع لدولة سعت لفترة طويلة لتحديد قابليتها واستقلالها. لكنها تستطيع أن تبقى قوية وتواجه العداء الأميركي بطرق إستراتيجية. على سبيل المثال، يمكن للمحققين دراسة إمكانية رفع قضايا ضد قادة إيرانيين بسبب ارتكابهم فظائع. هذا الأمر ليس فقط الخطوة الصحيحة، ولكنه يجعل من الصعب على ترامب وغراهام وآخرين انتقاد المحكمة ككل. ستبقى المحكمة الجنائية الدولية خلال السنوات الأربع المقبلة. السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستخرج كظل باهت لنفسها، أم كهيئة أكثر كفاءة وفاعلية؟ الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على قيادتها وعلى الدول التي تدعي دعم المحكمة، والتي يجب عليها الآن إثبات ذلك بكل الوسائل الممكنة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/21/%d9%87%d9%84-%d9%8a%d9%85%d9%83%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%85%d9%88%d8%af-%d9%81%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-12-21T11:26:23
2024-12-26T05:56:52
مقالات
2,313
ثقافة الصمود.. كيف يتحايل أهل غزة على العيش؟
مع بدْء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، صار أهلها أمام تحديَين هائلين: الأول هو البقاء في المكان، تعبيرًا عن الرفض القاطع للتهجير والشتات، والثاني يتمثل في ضرورة تحقيق الانتصار الفلسطيني الثاني.
مع بدء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، صار أهلها أمام تحديَين هائلَين الأول هو البقاء في المكان، تعبيرًا عن الرفض القاطع للتهجير والشتات، والثاني يتمثّل في ضرورة تحقيق الانتصار الفلسطيني الثاني، لكنه الأوضح والأعمق، على الجيش الذي غزا أرضهم، بعد أن خطفت المقاومة نصرًا في معركة الكرامة عام 1970، بما يجدّد ويعزز آمالهم في التحرير. هذان تحديان كبيران جدًا في ضوء القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي، المفتوح مدده على القوة الغربية الرسمية عسكرية، وسياسية، واقتصادية، بينما يزداد الحصار على قطاع غزة، ويزيد معه العبء على المقاومة، عليها أن تدبّر أمرها ذاتيًا من حيث الحصول على سلاح يمكنها من الاستمرار في القتال طويلًا، وتوفير الدعم اللوجيستي لأفرادها، وعدم التفريط في إدارة شؤون الناس، في ظلّ الأهوال التي انهمرت بعد يوم 7 أكتوبرتشرين الأول. وإذا كان صمود المقاومين يكمن في قدرتهم على مواصلة القتال بالكفاءة نفسها، فإن صمود الشعب يتمثل في التكيف السريع مع ظروف قاهرة، وإدارة كل فرد، أو أسرة، أو عائلة، حياتهم اليومية بما لا يُمكّن المحتل من تحقيق هدفه في تهجير سكان القطاع، أو تحقيق انتصار كاسح على المقاومة، ثم تحديد من يدير شؤون أهل غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها. هكذا صار كل يوم جديد يمثل فصلًا قاسيًا في عملية تعبئة الموارد النفسية والمادية التي تمكن الغزيين من تجاوز المحن المتواصلة، بعد تشريدهم من بيوتهم، والإفراط في قتلهم، وشنّ حرب معنوية ضدهم، ومحاولة بث الفرقة بينهم، وإزاحتهم إلى النقطة التي يعلنون عندها ضجرهم وضيقهم وتبرمهم، ثم استسلامهم في النهاية. استعان الغزيّون بذاكرة محتشدة بالمواقف والصور المؤلمة، ألفوها على مدار الحروب السابقة، وعركوها جيدًا في سنوات الاحتلال التي امتدت نحو أربعة عقود، ثم بالخبرة اليومية المتجددة في ظل الحرب الراهنة، التي لم يشهدوا لها مثيلًا من قبل، والتي فرضت عليهم التعامل مع التفاصيل الصغيرة للحياة على أنها شيء جوهري وثمين، وليست مجرد وقائعَ عابرةٍ، وأيامٍ ضائعة، مثلما يعيشها غيرهم في شتى أرجاء العالم. استنهض الغزيون قدرة البشر على التكيف مع الألم عند حده الأقصى، ثم تحويل المشكلة إلى فرصة، والتحدي إلى استجابة، والمحنة إلى منحة، والمأساة إلى ملحمة، واليأس إلى رجاء. وتطلب هذا منهم أن يعتنوا بإدارة الشأن اليومي، كأن كل يوم هو الحياة بكاملها، وأن يعترفوا ويقروا بأن دفع الثمن الباهظ هو جزء أصيل من العيش، وأنّ عليهم أن يعتبروا ما هم فيه ليس استثناء عابرًا، إنما قاعدة حياتية مقيمة، وكأن هذه هي الحياة الطبيعية، التي عليهم أن يحيوها، مادام أن وقف القتال ليس بأيديهم. وتبرهن بعض التدابير اليومية البسيطة على تحقيق القدرة على هذا التكيف، فصار أهل غزة ينتجون كل يوم جديدًا في مسار التحايل على العيش، ويعرضون، بشكل عفوي، صورًا لذلك أمام عيون العالم كله، ولا سيما أمام إسرائيل، التي راهنت طويلًا على تفريغ حياة أهل غزة من كل أسباب التمسّك بها، بعد تدمير كل هذا العدد من المباني، وضرب البنية التحتية، من خزانات المياه، والمخابز، والمستشفيات، والموارد غير المادية مثل المدارس، والجامعات، والمساجد، والكنائس. في إدارة الشأن اليومي وفق الإمكانات المتاحة، رأينا مدرّسين يصرون على مواصلة تعليم الصغار، وسط البيوت المدمرة، وخيام الإيواء المعلقة في مساحات فارغة غير آمنة، وبأدوات بسيطة، كانت موجودة في الحياة التعليمية قبل قرنين من الزمن. فالتلاميذ يفترشون الأرض، والمعلم يكتب الحروف والأرقام على سَبّورات مسنودة إلى أحجار أو معلقة على جُدر متآكلة. وعلى التوازي، رأينا مَن جمع الصغار في كتاتيب لحفظ القرآن الكريم. ورأينا نسوة يسارعن إلى بناء أفران الخبز البسيطة، التي كان يعرفها الريف العربي قبل عقود من الزمن، تعتمد على الحطب وقودًا. وهكذا أيضًا يتم إنضاج الطعام، ليجد الناس ما يسد رمقهم. ورأينا صغارًا يقفون أمام أماكن توزيع الطعام وكل منهم يمسك آنيته ليأخذ فيها أي شيء تأكله أسرته، وكذلك أمام صهاريج الماء. ورأينا صيادين يغامرون بالتقاط أرزاقهم من البحر المسكون بزوارق القتل الإسرائيلية، وفلاحين يصرون على مواصلة الزراعة لإمداد الأسواق بأي شيء من الخضراوات والفاكهة. ورأينا نساء أخريات يجلسن إلى ماكينات الخياطة لتفصيل ملابس لذويهن، أو يمارسن دورهن التقليدي في التهدئة من روع الصغار، أو مواصلة التعبير عن الرضا بفقدان أولادهن، رغم أن الألم يعتصر قلوبهن. ورأينا أستاذ موسيقى يصنع نايًا من خراطيم بلاستيكية، وينفخ فيه ليخرج موسيقى لافتة، يُسرّي بها عن النفوس المكلومة. ورأينا قبله الرجل الذي اشتهر في العالم كله باسم روح الروح يدور على الخيام ليوزع ألعابًا بسيطة على الأطفال، ويجلس إليهم يلاعبهم، ويقصّ على مسامعهم الحكايات. ورأينا صيدلانيًا هُدمت صيدليته، يرتّب أدويته في كوخ تكاد تهزّه الريح، ليس أكثر من أحجار رصها بعناية، ويضع في مقدمته لافتة مكتوبًا عليها صيدلية الدكتور إبراهيم. ومثله رأينا أطباء، يستعملون إمكانات متواضعة في إسعاف مصابين بجروح بسيطة، وآخرين يجرون عمليات جراحية معقّدة في البيوت بلا مخدّر. ورأينا رجالًا يتعاونون في نصب الخيام في العراء، معتمدين على أدوات بسيطة، تعينهم على إقامتها كي تأوي إليها الأسرُ المشرّدة، وغيرهم يتعاونون في حفر قبور جماعية يرصون فيها مئات الجثث لموتى مختلفي الأعمار، ثم يهيلون عليها التراب، داعين للراحلين بالرحمة والسكينة، واللحاق بقوافل الشهداء في جنة الخلد. ورأينا رجالًا آخرين يسارعون إلى دخول بيوتهم المتضررة قليلًا، حتى في شمال غزة، يرممون شروخ الجدر، ويسوون الأرضيات على قدر الاستطاعة، ويعيدون ترتيب ما تبقى من أثاث، كي تعود صالحة لأي عيش في قادم الأيام. ورأينا حفلات عرس بسيطة تُقام بين الخيام، لا يبحث فيها أهل غزة عن فرحة عابرة فقط، بل أيضًا يعلنون ولاءهم للقاعدة التي رسخوها على مدار عقود من الزمن والتي تقول إن أقوى سلاح هو رحم المرأة الفلسطينية. على النقيض، رأينا النسوة يمارسن دورهن التقليدي في مواساة كل من فقدت ذويها. ومن قلب الأعراس والمآتم تنتج القريحة الفلسطينية الثرية الجديد من الأغاني والتعديد. هذه الأفعال اليومية البسيطة، وغيرها الكثير، تشكل تفاصيلها المعنى الحقيقي لـ ثقافة الصمود، وتقدم للإنسانية كلها درسًا بليغًا وتجربة عميقة، لا يمكن أن تسقط من ذاكرة المنشغلين بهموم الناس، ومعهم أولئك المعنيون بالبحوث الاجتماعية والنفسية والأنثروبولوجية، أو بالتجليات الروحية، وكذلك من المتحمسين للدراسات الثقافية، التي ترى في اليومي والاعتيادي تعبيرًا حقيقيًا عن ثقافة البشر. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/13/%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%85%d9%88%d8%af-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%8a%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d9%8a%d9%84-%d8%a3%d9%87%d9%84-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-07-13T08:38:20
2024-07-13T08:38:20
مقالات
2,314
لماذا يعيد الأسد هيكلة الجيش السوري؟
النظام السوري يغيّر بنية الجيش بالتحول إلى الاحترافية والاعتماد على المتطوعين، مدفوعًا بالنفوذ الإيراني والروسي، وسط ضغوط اقتصادية وسياسية ودفع نحو التطبيع مع الدول العربية والأوروبية.
ينهي النظام السوري صورةً نمطية تقليدية لمؤسسته العسكرية، وفق خطة تقوم على توسيع شريحة المتطوعين وربما المتعاقدين على حساب الخدمة الإلزامية العامة، وقد بدأ كبار ضباط وزارة الدفاع في حكومة النظام الإعلان عن الخطة تحت عنوان جيش احترافي متطور، حيث أعلن اللواء أحمد سليمان مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع التابعة لحكومة النظام، عبر لقاء أجراه التلفزيون الرسمي معه منتصف عام 2024 أن الوزارة ستتابع تسريح عشرات الآلاف من الملتحقين بالخدمة الإلزامية والاحتياطية على مراحل خلال عامي 2024 و2025. يتيح التغيير الجديد للمواطنين السوريين دون سن 32 عامًا بمن في ذلك المتخلّفون عن الخدمة ومن هم ضمنها حاليًا، التعاقدَ مع وزارة الدفاع، في مقابل مغريات مادية تتعلق بالراتب المادي الشهري، وتوفير السكن، والامتيازات الاجتماعية الأخرى. يعتمد قوام الجيش في سوريا منذ تأسيسه رسميًا عام 1946 على الخدمة الإلزامية والاحتياطية المفروضة على جميع المواطنين الذكور، إلى جانب المتطوعين من الضبّاط وصفّ الضباط والجنود، وقد ركّز حزب البعث منذ تسلّمه السلطة في سوريا عام 1963 على تثبيت مبدأ عقائديّة الجيش، وطبعه بالأيديولوجيا القومية العربية وَفق مبادئ البعث وأفكاره. الجدير بالذكْر أن التغيير الجذري في طبيعة الجيش السوري، وفي بنيته يتزامن مع تغيير كبير يجريه النظام في حزب البعث الحاكم، بدأه منذ عام 2017، وبالتزامن أيضًا مع الحديث عن تغييرات قد تشمل الأجهزة الأمنية وفروعها وآليات التنسيق فيما بينها، وبالتالي فإننا نتحدث عن تغيير يجريه بشار الأسد لنظامه الحاكم على مستوى البنية السياسية والأمنية والعسكرية، وربما يلي ذلك تخطيطه لتغييرات في بنية النظام الحكومية والإدارية، وفي السلطة التشريعية، ليخرج ويقول للعالم الذي يطالبه بالتغيير وأي تغيير أكثر من ذلك؟ كان أداء الجيش في مواجهة الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2011 مخيبًا لآمال قيادة النظام، سواء على مستوى الفاعلية أم مستوى الولاء والتماسك. فخلافًا للأجهزة الأمنية، فإن الجيش شهد انشقاقات واسعة، فعمل النظام على استدراك الموقف بالمزيد من القبضة الأمنية داخل صفوف الجيش، وبالمزيد من التنكيل والترهيب؛ لإيقاف الانشقاقات وإنهاء هذه الحالة، بالتزامن مع الاعتماد الكامل على المجموعات الأمنية، بما في ذلك بعض تشكيلات الجيش النخبوية الأشبه بالقوات الأمنية منها إلى الجيوش التقليديّة، وفي مقدّمتها الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري. كما أن أداء الجيش عسكريًا كان مخيبًا للآمال أيضًا، إذ لم يتمكّن من حسم المعارك وحدَه، رغم أنه كان في مواجهة مجموعات مسلحة معظم قوامها من المدنيين، المسلحين بأسلحة صغيرة أو متوسطة لا أكثر، ويفتقرون لسلاح الطيران. ولم يتمكن النظام من حسم المعارك إلا بفعل القوى الأجنبية، وخاصة الروسية في الجو، والمليشيات الطائفية التي أحضرتها إيران على الأرض. كان النظام قد استدعى بشكل متصاعد القوى العسكرية من حلفائه، وكانت إيران أول المستجيبين، حيث أحضرت حزب الله اللبناني أولًا، ثم أحضرت لاحقًا المليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية والباكستانية، ولم تكن هذه القوات كافية، الأمر الذي استدعى دخول القوات الروسية بشكل رسمي في سبتمبرأيلول 2015. شيئًا فشيئًا أصبحت القواعد والنقاط العسكرية الأجنبية هي صاحبة القرار في الميدان، وأصبح قرار النظام مرتبطًا بحجم النفوذ للقوات الروسية والقوات الإيرانية التي حمتْه من السقوط، ولكل واحدة منهما وحدات ومجموعات من الروس أو الإيرانيين، ومن معهم من الجنسيات المتعددة. لكن نظر موسكو وطهران كان دائمًا على بناء البديل المحلي المستدام، الموالي ولاء تامًا لكل منهما، والمرتبط تنظيميًا وتسليحًا وتوجيهًا بهما، ثم إدماج هذه البدائل المحلية في جسم ما بقي من الدولة ومؤسساتها، وبالتالي فإن نصيب روسيا وإيران محفوظ؛ بل ربما هو الأساس ضمن الخطط الجديدة التي يعتمدها النظام لأي تغيير في هيكليته وبنيته. تشكل المليشيات المحلية التابعة لإيران وروسيا الدافع لإعلان النظام تغيير بنية الجيش وتنظيمه، فبعد سنوات من هدوء الجبهات بتفاهمات إقليمية ودولية منذ توقيع اتفاق موسكو بين روسيا وتركيا في مارسآذار 2020 تنفس النظام الصعداء، ولم يعد مستنزفًا عسكريًا كما السنوات السابقة، لكنه غارق في الاستنزاف الاقتصادي وبشكل كبير، بالتالي فلا بد أن يكون تغيير الجيش استثمارًا مدفوع التكاليف من جهات خارجية. اليوم، وبعد استقرار الخريطة الأمنية والعسكرية لدى النظام، بقي الاستنزاف الاقتصادي يؤرقه، وهو الأمر الذي لا يمكن علاجه إلا بالمزيد من الانفتاح السياسي. في هذا السياق، دعمه أيضًا حلفاؤه في مسار التطبيع الذي أعاده إلى الجامعة العربية، وفتح له أبواب جميع الدول العربية تقريبًا باستثناء قطر التي بقيت متحفظة على سلوكه وتصرفاته. بالتوازي، كانت روسيا تعمل على فتح باب التطبيع التركي مع النظام، والذي سيخدم أيضًا مسار التطبيع الأوروبي معه، إلى جانب الخرق الذي يمكن أن تحدثه بعض الدول، وفي مقدمتها إيطاليا. فضلًا عن ذلك، فإن ضغط اللاجئين يجعل الأوروبيين يفكرون بمعزل عن الولايات المتحدة وأولوياتها الأمنية والسياسية. وربما لا نبالغ إذا توقعنا أن النظام سيحاول ابتزاز دول أوروبا لدفع تكلفة التغيير في الجيش، لِمَ لا وكابوس الخدمة الإلزامية، هو في مقدمة العوائق التي تمنع عودة اللاجئين. كان من ضمن النقاشات التي خاضتها دول خليجية مع النظام لتطوير مسار التطبيع معه جملة من القضايا تتعلق بالسياسة والأمن والاقتصاد، كما تتعلق بالجيش والأجهزة الأمنية، فدول الخليج العربيّ لا يناسبها جيش عقيدته الارتباط بإيران ومشروعها. في المقابل كان النظام وسيبقى يناقش أدوات إقناع العرب بالاستقلال عن إيران مع إيران ذاتها، إيران التي إلى جانب ما تتركه لحلفائها من هوامش الحركة وتحقيق المصالح، فإنها تضمن قدرتها على التأثير الواسع، وأن يراعي الحليف مصالحها قبل مصالحه حتى، هذا مع دول المنطقة، أما مع دول الاتحاد الأوروبي فإن إيران تدرك أن النظام يتقن استنزاف هذه الدول في المفاوضات، وتحقيق مكاسبه منها دون أن يخضع لمطالبها أو يخفف آلامها. أمام كل هذا المشهد المتداخل من التغيرات الداخلية في سوريا؛ لكن بشكل أكبر أمام الضغوط الخارجية أو الاستثمارات الخارجية إن صحت التسمية، يخطط النظام لإعفاء عموم الشعب، أو من بقي من شبابه داخل البلاد من الالتحام بشرف الخدمة العسكرية، وتلبية نداء الدفاع عن الوطن، والإيمان بعقيدته، واستبدل ذلك كله ليصبح الجيش نخبويًا قائمًا على التطوع. وبذلك يدمج النظام في مؤسسته مختلف القوى والمجموعات المحلية التابعة لطهران أو لموسكو، كما يضمن أن جمهور المتطوعين سيكون ممن بقي في سوريا بعد عمليات التغيير الديمغرافي والترحيل التي أشرفت عليها روسيا وإيران، والتي أعلنها النظام صراحة بقوله المجتمع المتجانس الذي يريده، ولا يسمح لمن هم خارج الوطن أن يفسدوا عليه صفوته. ولا يتوقع أن يلغي النظام مبدأ الخدمة الإلزامية، بل سيحولها إلى مجرد معسكر تدريبي، محققًا من خلال ذلك عددًا من الأهداف الأمنية، كما أن بقاءها سيمثل تغذية لشريحة الاحتياط التي يتوقع أن يهتم بها النظام أيضًا. وإلى جانب الاستثمار الأمني والسياسي من النظام وحلفائه بالتنظيم والهيكلية الجديدة في الجيش، فإن النظام سيبقي الخدمة العامة؛ الإلزامية منها والاحتياطية، موردًا لضباطه والمنتفعين الذين يعتمد عليهم، وفي نفس الوقت هو ليس مضطرًا أن يمولهم من موارده، ويمنّ عليهم أن يتيح لهم هذه الموارد ويغض الطرف عنها. أخيرًا، فإن النظام السوري لن يوفر الأمر في المتاجرة الإعلامية والسردية الرسمية وغير الرسمية أمام جمهوره والموالين له، وعلى مستوى الخطاب الخارجي، فهو بروايته يتخذ خطوات جادة في الإصلاح والتغيير، وتشجيع عودة اللاجئين، وهو يواكب التطور والدول المتقدمة في الاعتماد على الجيوش الاحترافية التي تعتمد على النخبة المتطوّعة، وعلى النوع وليس العدد في القوام العسكري. لكن تبقى أمامه مشكلة رئيسية، وهي أن هذا النوع من الجيوش يعتمد على التسليح العالي والمتطور، وهنا يُعتقد أن النظام جاهز؛ بل وبدأ منذ زمن في تثبيت أن سوريا لن تستغني عن بقاء جيوش الحلفاء روسيا وإيران على أرضها، ولمدة زمنية ليست بالقليلة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/17/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%af-%d9%87%d9%8a%d9%83%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-09-17T11:38:47
2024-09-17T11:38:47
مقالات
2,315
خيارات حماس في مواجهة الاستئصال
منذ شهرين، والمحادثات جارية بين الكيان الصهيوني وحركة حماس عن طريق الدوحة والقاهرة للتوصل إلى هدنة إنسانية؛ تهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإفراج عن الأسرى، إلا أن المحادثات وصلت إلى حائط مسدود.
تحدثتُ في المقال السابق عن التهديد الوجودي الذي تمثله حرب غزة على المستقبل السياسي، لكل من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي جو بايدن وحركة حماس، وهذا التهديد يدفع الأطراف الثلاثة لمواصلة الحرب حتى تحقيق الانتصار، وهذا الأمر يمثّل مشكلة كبيرة بالنسبة لحركة حماس التي تواجه تحديات كبيرة داخلية وخارجية من حولها تزيد من صعوبة تحقيقها الانتصار، وخاصّة تعدد الأطراف التي تعمل على هزيمتها، وتسعى لاستئصالها. وفي مواجهة هذا التهديد الوجودي تقف حركة حماس ومن ورائها المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة أمام خيارات محدودة غاية في التعقيد والصعوبة، فأي هذه الخيارات سيكون الأكثر ملاءمة بالنسبة لها والأقل تكلفة؟ رغم التكلفة الباهظة لخيار المقاومة حتى الرمق الأخير، فإنه الخيار الوحيد لدى حماس، القادر على تحقيق النصر للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع غزة أشرنا في المقال السابق إلى ثلاثة خيارات تفرض نفسها على حركة حماس، سنتناول كلًا منها من زاويتين إمكانية تحققها، والتكلفة المترتبة عليها. منذ أكثر من شهرين، والمحادثات جارية بين الكيان الصهيوني وحركة حماس عن طريق الوسطاء في كل من الدوحة والقاهرة، للتوصل إلى هدنة إنسانية؛ تهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإفراج عن الأسرى، إلا أن هذه المحادثات وصلت إلى حائط مسدود؛ بسبب إصرار حركة حماس على شرط إيقاف نهائي وشامل لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الصهيوني إلى خارج قطاع غزة، وبسبب رفض الكيان الصهيوني المبدئي هذا الشرط، لا تزال المحادثات جارية للتغلب على هذا الشرط، فهل ستنتهي بموافقة حماس على الهدنة المؤقتة؟ لا تستطيع حماس التنازل عن هذا الشرط؛ لأنه ببساطة يعني موافقتها على حكم الإعدام، وإعطاء التحالف الصهيو-أميركي الحق في مواصلة العمليات العسكرية لتحقيق هدف القضاء عليها. التنازل عن هذا الشرط أمر باهظ التكلفة يتمثل فيما يأتي تمكين التحالف الصهيو-أميركي من فصل المدنيين في مناطق إيواء خارج ساحات المعركة، ومناطق الاشتباك، وإنهاء الدور الإداري والأمني لحركة حماس والمقاومة في صفوف النازحين الذين سيخضعون لترتيبات خاصة لم يتم الإعلان عن تفاصيلها بعد، تشارك فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبعض الدول العربية. تمكين التحالف الصهيو-أميركي من إحكام الخناق على حركة حماس والمقاومة من كافة الجوانب. إخلاء ساحة المعركة من المدنيين، وإفساح المجال أمام الكيان الصهيوني للانفراد بحركة حماس والمقاومة، في عمليات قتالية تعتمد على تكتيكات جديدة وإستراتيجية عسكرية تعتمد على طول النفس، قد تمتد لسنة أو سنتين على الأكثر، حسب تقديرات قادة الجيش الصهيوني؛ إستراتيجية تراعي مطالب الإدارة الأميركية ومحكمة العدل الدولية والأمم المتحدة في الحفاظ على المدنيين، وتوفير المساعدات اللازمة لهم. لا تستطيع حماس التنازل عن شرط الإيقاف النهائي والشامل لإطلاق النار؛ لأنه يعني موافقتها على حكم الإعدام، وإعطاء التحالف الصهيو-أميركي الحق في مواصلة العمليات العسكرية لتحقيق أهدافه هذا الخيار كان مطروحًا أمام حركة حماس منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وقد أدارت له ظهرها في حينه، ولم تتجاوب مع الجهات التي نادت به. وهو خيار مازال العديدُ من الجهات الرسمية وغير الرسمية، يطرحه، كخيار سريع لإيقاف إطلاق النار، وإنهاء الأزمة المتفاقمة في قطاع غزة، على غرار ما حدث مع حركة فتح ومنظمة التحرير، عندما قبلت بإيقاف الحرب، مقابل الانسحاب من لبنان في حرب عام 1982م بعد أكثر من 80 يومًا من القتال. من المستبعد تمامًا أن يكون واردًا في حساباتها في هذه المرحلة، لأنه يمثل انتحارًا تنظيميًا وعسكريًا وسياسيًا وفكريًا واجتماعيًا، وسيكون قبولها به اعترافًا مباشرًا بارتكابها خطأ سياسيًا وعسكريًا فادحًا، يحمّلها مسؤولية الثمن الباهظ الذي دفعه قطاع غزة في الشهور الثلاثة الماضية على الأقل. ستكون خسارة حماس والمقاومة في هذا الخيار باهظة جدًا، يتمثل أبرزها فيما يأتي انتصار التحالف الصهيو-أميركي في المعركة وتمكينه من قطاع غزة، وإفساح المجال أمامه لتنفيذ مخططات اليوم التالي في القطاع بما يتوافق مع مصالحه القريبة والبعيدة، والتحكم الكامل بتفاصيل ما سيجري دون السماح بأي تدخل عربي أو إسلامي. تصفية كاملة للوجود الإداري والأمني والاجتماعي لحماس والمقاومة في قطاع غزة. حل فصائل وكتائب المقاومة المسلحة. حدوث انشقاقات تنظيمية في الكيانات العسكرية والسياسية. انهيار الأسس الفكرية التي قامت عليها هذه الكيانات. تحمّل المسؤولية عن كل الخسائر التي تكبّدها قطاع غزة في هذه الحرب والحروب السابقة. تراجع المكانة السياسية في المشهد السياسي الفلسطيني، والمكانة الاجتماعية في صفوف المجتمع الفلسطيني، والمكانة العاطفية في صدور الشعوب العربية والإسلامية. هذا الخيار يقتضي مواصلة حماس التمسك بشروط الإيقاف الدائم والشامل لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الصهيوني من جميع أراضي قطاع غزة، ومواصلة المقاومة لإجبار الكيان الصهيوني على القبول بهذه الشروط. رغم التكلفة الباهظة لهذا الخيار، فإنه الخيار الوحيد المتوفر في يدها، وتسيطر عليه بصورة كاملة حتى الآن. وهو الخيار الوحيد الذي سيصنع النصر للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع غزة ولحماس والمقاومة المسلحة، وسيحافظ لها على زخمها السياسي والعسكري والفكري والاجتماعي. فضلًا عن أنه الخيار الوحيد أمامها لتأكيد التمسك بالحقوق وشرعية المقاومة وجريمة الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والمحافظة على التأييد الشعبي العالمي للقضية الفلسطينية ومطالبها العادلة، وهو الخيار الوحيد الذي سيواصل تحريك التفاعلات والتداعيات الإقليمية والدولية المفتوحة حاليًا على الكثير من الاحتمالات والتوقعات. ستكون الخسارة المادية في هذا الخيار هي العليا بين بقية الخيارات، ويتمثل أبرزها فيما يأتي استمرار عمليات القصف والتدمير الصهيونية وبمعدلات أكثر ضراوة وهمجية مما سبق، بهدف زيادة الضغط على حماس والمقاومة وإجبارهما على الخضوع لشروط التحالف الصهيو-أميركي. استمرار الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، والتي بلغت معدلات غير مسبوقة إلا في حالات الأوبئة والزلازل والقنابل الذرية. استمرار معاناة المدنيين من النازحين، ومن الصامدين وسط ركام بيوتهم المدمّرة، بلا ماء ولا غذاء ولا كساء ولا دواء. زيادة الضغط اللوجيستي على فصائل المقاومة، مما سيزيد من قسوة ظروف العمليات العسكرية، وخاصة مع طول المدة، وانعدام الإمداد. قيام التحالف الصهيو-أميركي بتنفيذ عملياته العسكرية في مدينة رفح، والتي ستفتح المجال أمام سيناريوهات جديدة خاصة بالنازحين، تبدو حاليًا مجرد تكهّنات ومعلومات غير مؤكدة. تظلّ هذه الخيارات الثلاثة ليست نهائية، ولكنها حاليًا الأكثر حضورًا أمام حماس والمقاومة المسلحة في قطاع غزة، في محاولة لمواجهة عمليات الاستئصال التي يقوم بها التحالف الصهيو-أميركي وشركاؤه الإقليميون والدوليون، وذلك في ظلّ سير العمليات العسكرية والإنسانية والجيوسياسية على الأرض في قطاع غزة، وفي ضوء السياق الإقليمي والدولي الذي يخضع حاليًا لعوامل عديدة، قد تعيد ترتيب المعادلات والأولويات لدى جميع الأطراف، وقد تقودُه إلى الانفجار. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/4/%d8%ae%d9%8a%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%ad%d9%85%d8%a7%d8%b3-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a6%d8%b5%d8%a7%d9%84
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-04-04T02:56:59
2024-04-04T06:09:33
مقالات
2,316
المسؤولية الأممية عن اللاجئين بعد القانون الإسرائيلي بحظر الأونروا
هل ينقلب السحر على الساحر ويتم الضغط على الأمم المتحدة لتعطي اللاجئين الفلسطينيين عبر المفوضية العليا للاجئين ما عجزت عنه وكالة “الأونروا” خلال 75 سنة، أم أن موازين القوى ستخذلهم مجددًا؟
تصريحات جدّ مستهجنة تتحدث عن مسؤولية إسرائيل كقوة احتلال عن تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية في حال تنفيذ قانون الكنيست بحظر عمل وكالة الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هدف القانون وبحسب الكنيست، فإن القانون الذي صدر في 28 أكتوبرتشرين الأول 2024 يهدف إلى منع أي نشاط لوكالة الأونروا في أراضي دولة إسرائيل، وينص على ألا تقوم الأونروا بتشغيل أي مكتب تمثيلي، ولا تقدم أي خدمة بشكل مباشر أو غير مباشر في أراضي دولة إسرائيل، على أن يدخل القانون حيز التنفيذ بعد 90 يومًا من إقراره. وبناءً عليه يفترض ابتداء من آخر يناير كانون الثاني 2025، ألا تقوم وزارتا الخارجية والداخلية الإسرائيليتان، بإصدار تصاريح دخول أو عمل لموظفي الوكالة وأن تمتنع عن معالجة طلباتهم، كما ستواجه البنوك الإسرائيلية صعوبات في تقديم خدمات بنكية للوكالة، وسيتوجب على الجيش الإسرائيلي قطع علاقات العمل مع الوكالة، ومن ضمنها مكتب منسّق أعمال الحكومة مع جهات فلسطينية، عبر الأونروا. وقد اعتبر كورتيناي راتراي رئيس مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن إسرائيل، بهذا الإجراء، تكون قد قررت رسميًا سحب اعترافها بـالأونروا، وباتفاقية كوماي ماكليمور للعام 1967، التي تنظم عمل الهيئة في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مشيرًا إلى أنه ليس من مسؤولية الأمم المتحدة إحلال بديل للأونروا وليس بمقدورنا هذا، وبأن الأمم المتحدة لا تتحمل أي مسؤولية عن إيجاد بديل لعمليات الوكالة في غزة والضفة الغربية، وأن هذه المشكلة تقع على عاتق إسرائيل بوصفها قوة احتلال. وقال الناطق الرسمي للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للصحفيين تعليقًا على رسالة الخارجية الإسرائيلية إلى المنظمة الدولية بشأن هذا القانون إنه في حال لم تتمكن الأونروا من تقديم خدماتها، فإن على إسرائيل تقديم ذات الخدمات التعليمية والصحية، وغيرها، مما توفره الأونروا. وقال المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني إنه في حال غياب الأونروا أو المؤسسات الفلسطينية الرسمية، سيتعين على دولة إسرائيل كقوة احتلال توفير المساعدات والخدمات للسكان في جميع الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك غزة، واستخدام لازاريني مسمى السكان بدلًا من اللاجئين فيه من الدلالات السياسية الخطيرة؛ بأن فحوى القانون وفق تصريح المفوض العام في حال طبق يعني نزع صفة اللجوء عن الفلسطيني والتي يحملها منذ نكبة فلسطين في العام 1948، أو نكسة فلسطين في العام 1967. تعتبر تلك التصريحات استهتارًا بمنظومة الأمم المتحدة، وبخبراء وفقهاء القانون الدولي، وتتناقض وبشكل منهجي مع ما حددته وتحدثت عنه مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة UNHCR، تجاه اللاجئين الفلسطينيين، فقد نصَّت المادة الأولى د من اتفاقية العام 1951، على أنه لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص الذين يتمتعون حاليًا بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. والمقصود هنا اللاجئون الفلسطينيون، وتضيف المادة أنه إذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوّي نهائيًا طبقًا لما يتصل بالأمر من القرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، يصبح هؤلاء الأشخاص، جرّاء ذلك، مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقية. وقد شدّدت المادة 29 من الخطوط التوجيهية التي أصدرتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بتاريخ ديسمبر كانون الأوّل لسنة 2017، وتم إعدادها بتعاون وثيق بين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ووكالة الأونروا، وتمت الموافقة عليها من قبل الدول الأعضاء، على أنه عندما تتوقف حماية الأونروا أو مساعدتها، فإن اللاجئ الفلسطيني سيكون بصورة تلقائية له الحق في التقديمات بحسب معاهدة 1951. غرابة تصريحات فريق الأمم المتحدة، تنبع من أن غوتيريش وقبل تعيينه أمينًا عامًا للأمم المتحدة، قد عمل مفوضًا عامًا للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين لمدة 10 سنوات، ويعلم تمام العلم ما تضمنته المادة الأولى د من الاتفاقية حول حماية اللاجئين الفلسطينيين، حال تم توقيف الأونروا لخدماتها. وذلك بالإضافة إلى أن دعوة الأمم المتحدة لأن تتحمل إسرائيل كدولة محتلة المسؤولية الإنسانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، هي دعوة متناقضة كليًا مقابل ما يجري على أرض الواقع من قبل الاحتلال تجاه غزة والضفة والقدس من انتهاكات يومية لحقوق الإنسان يندى لها الجبين بشهادة القاصي والداني. علاوة على أن إسرائيل متورطة في أعمال إبادة جماعية، بسببها أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها باعتقال كل من نتنياهو ووزير الدفاع السابق غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، بينها استخدام التجويع كسلاح، والتهجير الجماعي للفلسطينيين، وغيرها من أعمال غير إنسانية. كما أنّ لازاريني وهو الرجل المخضرم والمتدرج في المسؤوليات في مناصب مختلفة في الأمم المتحدة يعلم بفحوى المادة المذكورة، لكنه لم يُشر إليها، فهو يتولى منذ العام 2020 منصب المفوض العام للأونروا، وعيّنه غوتيريش في منصب وكيل الأمم المتحدة، وقبل تعيينه في الأونروا عمل نائبًا لمنسق الأمم المتحدة الخاص، والمنسق المقيم والإنساني في لبنان. حالة الاستغراب تصبح أوسع وأشمل حين يصمت المفوض السامي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، عن فحوى الاتفاقية، وهو الذي عمل سابقًا مفوضًا عامًا لوكالة الأونروا منذ العام 2005، وحتى عام 2014، ودافع عنها لسنوات، ودعا وبشكل دائم إلى عدم استبدالها بأي منظمة أخرى. جميع مسؤولي المنظمات الأممية الآخرين، لم يأتوا أيضًا على ذكر هذا المصير للاجئين الفلسطينيين حال تم توقيف الأونروا، واكتفت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية بالقول إن هذا القانون غير المعقول يشكل اعتداءً صريحًا على حقوق اللاجئين الفلسطينيين. ومن الواضح أن الهدف منه هو جعل عمل الوكالة في الأرض الفلسطينية المحتلة، مستحيلًا عن طريق فرض إغلاق مقرّها في القدس الشرقية، وإنهاء تأشيرات الدخول لموظفيها. إنه يرقى إلى تجريم المساعدات الإنسانية، وسيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية المتفاقمة أصلًا. موقف إسرائيل الرسمي لم يأتِ على ذكر هذه الاتفاقية؛ لأن دولة الاحتلال تريد بإستراتيجيتها التخلص من مسمى لاجئ؛ كي تُعبِّد لها الطريق بغسل يديها من نكبة فلسطين، وتمهد الطريق لشطب القرار 194 لسنة 1948، الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، وتثبيت شرعيتها في الأمم المتحدة، وبالتالي لا يكون هناك عودة، وتتكرس سرقة واغتصاب الممتلكات، وحرمان اللاجئين من التعويض، ولهذا تحاول أن تجد بدائل لعمل الأونروا بأي طريقة للتدرّج في نزع صفة اللجوء. وقد تجاهل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أيضًا هذه الحقيقة حول دور المفوضية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، عندما أصدر تقديرًا للموقف تحدث عن أن وقف عمل الأونروا خطوة لائقة تتطلب تجهيزات مسبقة، وقال إنّ قطع العلاقات بين إسرائيل والأونروا هو حدث معقد يجب إدارته بشكل عقلاني، وستكون المسؤولية في نظر العالم على إسرائيل التي سيتوجب عليها أن تستبدل الأونروا، وهو ما سيحدث في قطاع غزة، حيث الوجود العسكري الإسرائيلي مثل الضفة الغربية، إذ تُعتبر قوة احتلال مسؤولة عن السكان، بالإضافة إلى القدس، حيث تقع المسؤولية كلها على إسرائيل. حظر عمل الأونروا في حال تنفيذه من شأنه أن ينتهك القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة التأسيسي واتفاقية الأمم المتحدة المعتمدة في عام 1946. فوفقًا للاتفاقية واستنادًا إلى أن الأمم المتحدة تعتبر غزة والضفة الغربية أراضي فلسطينية محتلة من قبل إسرائيل؛ فإن القانون الدولي يتطلب الموافقة على برامج الإغاثة لمستحقيها، وتسهيل ذلك بكل الوسائل المتاحة لها. كما أن الاتفاقية تتناول الامتيازات والحصانات الدبلوماسية الممنوحة لعمليات الأمم المتحدة، ويؤكد القانون الدولي أن إسرائيل لا يمكنها استخدام القانون الوطني الذي يحظر الأونروا، كمبرر لعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي. بمعنى أنه إذا كان هناك تعارض بين القانون الوطني والقانون الدولي، فالثاني مقدم على الأول. وفق القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 بتاريخ 8121949، أُنشئت وكالة الأونروا كوكالة مؤقتة معنية باللاجئين الفلسطينيين كتعبير عن المسؤولية السياسية الدولية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، بخلاف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تعبر عن المسؤولية الإنسانية تجاه جميع اللاجئين في العالم، ولكن مع فقرة المادة الأولى د، وما تضمنته التوجيهات لسنة 2017 سيحصل 2.7 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في سجلات الأونروا 1.7 مليون في غزة، ومليون في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، على مستوى جديد وأكبر من الحماية الدولية من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والتي يتمثل الحل الأفضل بالنسبة إليها في حالات اللجوء طويلة الأمد أكثر من 7 عقود ونيف في تطبيق حق العودة إلى الوطن. وليس هذا فحسب، بل حينها سيحصل اللاجئون الفلسطينيون على حقوقهم كاملة القانونية والإنسانية والحماية الجسدية التي تفتقر إليها وكالة الأونروا، كما أن اللاجئ الفلسطيني لن يفقد صفته كلاجئ، بل سيبقى يحمل هذه الصفة مع أبنائه وأحفاده إلى حين العودة وفق قانون جمع الشمل، تمامًا كما يحدث مع وكالة الأونروا، وتراكم البيانات وحفظ عمليات التسجيل لملايين اللاجئين. فهل سينقلب السحر على الساحر، ويتم الضغط على الأمم المتحدة، كي تعطي اللاجئين الفلسطينيين من خلال المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ما عجزت عنه وكالة الأونروا بعد أكثر من 75 سنة، أم إن موازين القوى ستخذُل اللاجئين الفلسطينيين مرة أخرى؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2025/1/21/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%a6%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%b9%d8%af
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2025-01-21T18:18:16
2025-01-21T18:18:16
مقالات
2,317
سؤال خطير من يدير الدعم السريع الآن؟
تحوّلت بندقية المليشيا إلى أداة يلوح بها كل طرف كما يريد، ويتبرأ كل طرف من أفعالها، بينما الطرف المعادل لكل ذلك هو الشعب السوداني الذي دفع ثمن هذه المغامرات والمناورات وهو من يحقّ له أن يحدّد خاتمتها.
بعد أكثر من عام من الحرب، وتداعياتها، وتأثيراتها، ومتغيرات الواقع السوداني والمحيط الإقليمي والدولي، يدور سؤال مهم من يدير الدعم السريع أيًا كانت الأوصاف والمسميات؟ وما هي المرجعية المؤسسية هيئة القيادة العسكرية أو التراتيبية الإدارية؟ وما هي المرجعية السياسية التي تحدد الخيارات وتطوّر المواقف وتبلور الرؤى؟ لا شيء يبدو للعيان، وهذا أخطر ما في الأمر، فهي الآن بندقية مختطفة، كلٌّ على هواه، تحت قاعدة تفلت من الجلي أنّ قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ليس بكامل لياقته الذهنية والجسدية، سواء لتطاول المعركة وظروفها أو الإصابات التي لحقت بقواته، كما أن عبدالرحيم دقلو نائبه وأخاه منبوذ عالميًا ومطارد داخليًا وغير مستقر، وقدراته لا تمكّنه من التعامل مع إستراتيجيات كبيرة وانتقالات متعددة، كما لا يتوفر انعقاد دائم للاستشارات السياسية مع كثرة المستشارين وقلة خبراتهم وهو ما يظهر من خلال حواراتهم وأطروحاتهم. فمن هو القائد الفعلي أو الجهة الذي يوظّف هذه البندقية لتحقيق مطامعه ومآربه؟ هناك دعم مستمر بالمال والرجال والعتاد، وتنويع في الأسلحة، وحركة إمداد، ومسارات تخزين تتطلب الكثير من الأموال والترتيبات، كما أنّ هناك توظيفًا سياسيًا ومنابر ومنصات إعلامية وبيانات، كل ذلك يشير إلى أن هناك جهات أخرى ذات مصلحة. كما أن التنسيق الدولي والإقليمي والحركة الدبلوماسية الدؤوبة، أكبر من قدرات مليشيا متمردة ذات سجل حافل بالانتهاكات وجرائم الحرب الموثقة، ومع ذلك تتسلل خطاباتها لمنصات ومنابر أممية ودولية.. وهو ما يكشف أن هذا وراءه عمل منظم. فمن وراء كل ذلك؟ هل هناك مجموعة تحالف دولي تخطط لذلك وتديره؟ وما مصلحتها من استمرار الجرائم والانتهاكات والإبادة والتطهير العرقي، وما أهدافها من غمس يدها في هذا الجنون؟ هل تحولت الحرب إلى خدمة مصالح عائلة دقلو، أم هي ظاهرة فزع، أو مشروع استيطان فعلي، وما يسمى بعرب الشتات؟ كما أن توظيف كل هذا والتغطية عليه وربطه بالتحول السياسي والمدني والاتفاق السياسي يثير الكثير من التساؤلات، فليس من المعقول أن تتوافق قوى سياسية سودانية واعية مع مليشيا نفّذت أسوأ الجرائم في التاريخ السوداني. يبدو أن هناك خفايا، وليس بالضرورة ثمّة هدف واحد، ففي زمن الفوضى يسهل الاستثمار في الخراب.. وما أقبحه من خيار يمكن القول الآن إن الحرب التي خطط لها في صبيحة 15 أبريلنيسان 2023م بأن تكون خاطفة وسريعة، وتنتهي بإخضاع قيادة الجيش السوداني لم تعد بذلك الهدف، وقد خرجت الأمور عن السيطرة، ولكنها لم تبتعد عن إمكانية التوظيف لمآرب شتى. لقد كان الهدف المعلن القبض على قيادة الجيش وفق المخطط المتفق عليه بين فولكر وحميدتي وقحت، وإجبارهم على السير في طريق الاتفاق الإطاري، وقبل ذلك تفتيت المؤسسة العسكرية كليًا. كل ذلك يعيدنا لإعادة النظر مرة أخرى، في البحث عمن له مصلحة في إحداث هذا الدمار، دون أن تطرف له عين. والحقيقة أن الدعم السريع أصبحت الآن مختطفة، ويتم توظيفها وفق مصالح وأجندات متعددة، ولذلك يراد لها البقاء لقد تحوّلت بندقية المليشيا إلى أداة يلوح بها كل طرف كما يريد، ويتبرأ كل طرف من أفعالها، بينما الطرف المعادل لكل ذلك هو الشعب السوداني الذي دفع ثمن هذه المغامرات والمناورات، وهو من يحقّ له أن يحدّد خاتمتها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/18/%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%ae%d8%b7%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b9%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d9%86
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-08-18T07:38:31
2024-08-18T07:55:39
مقالات
2,318
ما هي خيارات تل أبيب الآن بعد قرار اعتقال نتنياهو؟
تناقش المقالة مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه، وما تعكسه من تحول سياسي وقانوني خطير. كما تبرز استغلال نتنياهو للأزمة لصالحه، وتداعياتها على إسرائيل داخليًا ودوليًا.
شمشون لم يكن جبارًا في الأرض، بل كان نرجسيًا يملك فائضًا من القوة، قوة سوّقها بكونها ربّانية لا متناهية، وعندما مسّت نرجسيته بسوء، وشعر أن الخناق حول رقبته بدأ يشتدّ، دمّر البيت فوق ساكنيه، إمّا أنا ومن بعدي فليكن الطوفان. صدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائيّة الدوليّة ضد بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، يعكس تحولًا قانونيًا وسياسيًا هامًا، حيث اتُّهم الاثنان بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما في ذلك استهداف المدنيين والتسبب في معاناة جسيمة. القضية تواجه تعقيدات قانونية وسياسية عديدة. إسرائيل، التي ليست عضوًا في المحكمة، تعترض على اختصاص المحكمة في التحقيق مع مسؤولين إسرائيليين، وتصرّ على أنّ القضاء الإسرائيلي يجب أن يكون المسؤول الأول عن المحاكمات. من جانبها، تدافع المحكمة الدولية عن حقها في النظر في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية؛ كون فلسطين عضوًا في المحكمة منذ عام 2015. في السياق الدولي، هناك انقسام بشأن هذه المذكرة. فالولايات المتحدة رفضت بشدة الخطوة، معتبرةً أنها تضع إسرائيل على قدم المساواة مع حماس، بينما تدعو دول أخرى، مثل بريطانيا إلى الالتزام بالقانون الدّولي، واحترام استقلال القضاء. حتى الآن، القرار النهائي بشأن تنفيذ المذكرة لا يزال غير واضح، في ظلّ محاولات من قبل إسرائيل وحلفائها لتعطيل الإجراءات القانونية. مصدومًا، محبطًا ومرتبكًا يخرج نتنياهو مرتديًا ربطة عنق زرقاء، يتحدث بالعبريّة، يخاطب مواطني إسرائيل، يحاول أن يلعب دور الضحية، موظفًا الأزمة للالتفاف على النكبات المتتالية التي تحيط به في الدّاخل السياسي الإسرائيلي، من تجنيد الحريديم، وملفاته الجنائيّة، إلى تمرير ميزانية في ظل أزمة اقتصادية، وطبعًا وصولًا إلى احتجاجات إعادة الأسرى. وهذا كلّه في ظل وجود جبهتين بلا خطة خروج وأهداف سياسية معلنة وواضحة، فيحاول توظيف هذه الأزمة ليلعب ما يجيده هو وإسرائيلُه دورَ الضحيّة والاستهداف الشخصي، متلاعبًا بالوقائع، فالاستهداف لم يكن لأن إسرائيل تحاول الدفاع عن نفسها، متناسيًا أكثر من 50 ألف شهيد جلّهم من الأطفال والنساء والمدنيين العزّل، فيما تقرّ حكومته منذ يومها الأول بأنّ الجوع والعطش هما وسيلة سامية لتحقيق أهداف الحرب، فتأتي هذه المذكرة لتذكّر دبلوماسية العالم بأن هناك مجازر ترتكب، وبأن هناك إبادة وجرائم حرب في غزتنا. ومن قبل نتنياهو انتفضت إسرائيل، من أقصى يسارها حتى أعتى يمينها، فعلى مدار عام كامل لم يكن هناك شريف فيها غير عوفر كسيف، عضو الكنيست اليساري الذي سمّى إسرائيل باسمها، مرتكبة جرائم حرب، وعلى هذا تحديدًا عاقبته لجنة التأديب مؤخرًا. فأكثر ما يزعج إسرائيل، أنها أضحت تحاكم في عقر ساميّتها، ومن المحكمة التي أنشئت لكي تحقّ الحق والعدالة لأسلافهم لما ارتكبته النازية من مجازر في حقهم، فمحاسبة الذات أكثر ما يؤلم، فاليوم ذات المحكمة تحاكم إسرائيل، دولة اليهود، لذات الجرائم والاستحقاقات الجنائيّة في حق أسلافهم تحديدًا. فلا حضيض ولا مذلةً ولا إهانة أكبر. ومن ناحية أخرى، وبالذّات في ظلّ العزلة الدّبلوماسيّة التي دخلت إليها إسرائيل في دولاب يعيدها إلى سنوات الثّمانينيات، خصوصًا في ظلّ حاجتها للعالم والأسواق العالميّة والعولمة، كي تحاول الصمود في ظلّ الأضرار والاضطرابات الاقتصادية المنوطة بالحرب، تجد نفسها في معزل دبلوماسيّ، بل أكثر، رقبتها باتت أكثر تعلّقًا بالولايات المتحدة، وليست أيّة ولايات متحدة بل ولايات ترامب المتحدة. فعلى رغم رومانسيّة علاقة هذه الإدارة مع حكومة تل أبيب، فإنّ تل أبيب تعلم جيدًا أنّ Dont ترامب تختلف كليًّا عن Dont بايدن، وبالتالي وتحديدًا في ظلّ ظلمة دبلوماسيّة كالتي تخيّم فوق رأس تل أبيب، باتت مساحة المناورة أصغر فأصغر أمام واشنطن، خاصة أنّ الابتزاز الأهمّ لنتنياهو للمكتب البيضاويّ الأخير كان يتواجد في مرمى قدرة إسرائيل على بناء تحالفات تناور بها أمام واشنطن. هذا المنحنى يبقي أمام إسرائيل بابَين لا ثالث لهما الباب الأول أفرز نتنياهو كعقبة أمام مسمى إسرائيل الأسمى، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تغنّى بها، فهذا القرار يشكّك بديمقراطية إسرائيل قبل أي شيء آخر، كما يشكّك باستقلالية القضاء الإسرائيلي وقدرته على محاسبة ذاتية منصفة. فعلى مدى سنوات أغمض الغرب عيونه عن أعتى ممارسات إسرائيل الاحتلاليّة، فقط لكونها تمارس هذا الاحتلال تحت عباءة الديمقراطية والقيم الليبرالية، ولكن الآن وبعد أن زجّت المحكمة اسم نتنياهو جنبًا إلى جنب مع البشير، تجد إسرائيل نفسها في اختبار حقيقي، وعليها أن تقرر من تفضل؟ سمعة إسرائيل أم سمعة رئيس حكومتها الذي جلب لها العار؟ هذه النقطة تحديدًا هي اختبار للدولة العميقة في إسرائيل، ومدى إحكام وسيطرة نتنياهو عليها، وهنا نستطيع القول إنّ هذه المجريات أعادت إسرائيل إلى المربع الأول، إذا أرادت الانتصار في الحرب، عليها الانتصار على نتنياهو، الأمر الذي تجاوزه نتنياهو حتى وصل إلى ما وصلنا إليه اليوم. والآن مرة أخرى توضع الدولة العميقة في إسرائيل في هذا الاختبار المصيري إمّا أن تنتصر هي، وإمّا أن ينتصر هو، ومن بعده فليكن الطوفان. أما الباب الثاني، فهو يعني الجزم بأنّ إسرائيل باتت دولة الرجل الواحد، وهنا يتوجب على الساحر الدبلوماسي بأن يمارس جهوده السابقة والتي قد أفلح بها مرات كثيرة بأن يخرج إسرائيل من عزلتها الدبلوماسية ضرب المحكمة الدولية بجهود استخباراتية قبل الدبلوماسية. وما ملف كريم خان إلا مجرد مقدمة، لما تجهز له إسرائيل لكل من يقف أمامها، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات أو حتى دولًا، تمامًا كما الدول المارقة الجانحة. وهنا لن يكون اختبارًا لنصر شمشون إسرائيل فحسب، إنما هو اختبار لكل القيم الدوليّة والديمقراطية، بل وسيكون مقياسًا ومعيارًا من معايير غزة الكاشفة لمواثيق حقوق الإنسان التي ضاقت على الفلسطيني. وعلى العالم أن يحدد ماهيّة تعريف حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بالأخص أنّ كل ممارساتها وكل ما ارتكتبه يصنّف اليوم بـ جرائم حرب وَفقًا لاعتراف محكمته الدولية. جملة التصريحات الإسرائيلية لم تبقِ أمام الخيارين الكثير من التخبط، فلم يبقَ إلا أن تعلن إسرائيل الحرب على لاهاي، وضرورة الاستيطان فيها بعد محوها كإجراء عقابي لكل من يجرؤ على الوقوف أمام هذا الشمشون. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/11/22/%d9%87%d9%84-%d8%ad%d9%82%d8%a7-%d8%b3%d9%8a%d9%84%d9%82%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a8%d8%b6-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-11-22T10:56:57
2024-11-22T11:31:56
مقالات
2,319
رفح تحت التهديد.. هل تنجح محكمة العدل الدولية في منع جريمة الإبادة؟
يأتي التهديد الإسرائيلي بعملية واسعة ضد سكان رفح قبل أيام من انتهاء موعد طلب محكمة العدل الدوليَّة من إسرائيل تقديم تقرير عن مدى التزام إسرائيل بالتدابير لمنع ارتكاب جريمة إبادة.
تقدّمت دولة جنوب أفريقيا بطلب إلى محكمة العدل الدولية للنظر فيما إذا كان القرار الذي أعلنته إسرائيل بتمديد عملياتِها العسكرية في رفح، يتطلب من المحكمة استخدام سلطتها لمنع المزيد من الانتهاكات الوشيكة لحقوق الفلسطينيين في غزة؟ هذا الطلب، جاء بعد تزايد المخاوف من عملية عسكرية إسرائيلية ضد منطقة رفح التي تؤوي أكثر من 1.4 مليون نازح فلسطيني معظمهم لاجئون مسجلون لدى وكالة الأونروا نزحوا من مناطق الشمال والوسط في قطاع غزة. هذه المخاوف عبّر عنها أكثر من مسؤول أممي وأميركي وأوروبي وإقليمي وعربي. ومع أن التحذيرات كانت كثيرة بهذا الخصوص إلا أن أيًا منها لم يشكل أداة ضغط حقيقية على جيش الاحتلال. إن السوابق التاريخية والحاضرة تقول؛ إن السلوك الأميركي حيال هذا الأمر واضح، ولطالما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد أي مشروع ينتقد أو يضغط على إسرائيل كما أنّ التحذير الأميركي لم يكن حاسمًا وواضحًا بمنع الاحتلال من إطلاق هذه العملية، وترافق في الوقت نفسه مع جهود من إدارة بايدن لتذليل كل العقبات على مستوى الكونغرس لتزويد إسرائيل بالذخائر والأسلحة الإضافية. والتحذير الأميركي لا يعني منع العملية العسكرية بل يدعو إلى ضرورة احترام قواعد القانون الدولي، وحماية المدنيين. دون أن يكون هناك آلية عملية للدعوة. والمخاوف من العملية العسكرية تركّزت عند حجم الخسائر البشرية المتوقعة في صفوف المدنيين، فضلًا عن المكان الذي يمكن أن يلجأ إليه النازحون؛ هربًا من القصف الإسرائيلي العشوائي. وقد عبر جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بالقول إلى أين يذهب سكان رفح؟.. هل نرسلهم إلى القمر؟ يأتي التهديد الإسرائيلي بعملية واسعة ضد سكان رفح قبل أيام من انتهاء موعد طلب محكمة العدل الدوليَّة من إسرائيل تقديم تقرير عن مدى التزام إسرائيل بالتدابير لمنع ارتكاب جريمة إبادة. وفي هذا السياق، ثمة مجموعة من الأسئلة توضح مسار عملية التقاضي ومستقبلها، منها هل سوف تقدم إسرائيل في 26 فبراير شباط 2024 تقريرًا إلى محكمة العدل الدولية بخصوص التدابير الواجب اتخاذها لمنع ارتكاب المزيد من جرائم الإبادة؟ وهل هي تمتلك الإجابات أساسًا، أم أنها تعاملت باستخفاف مع قرار المحكمة؟ وما تداعيات التصعيد الإسرائيلي في رفح على مسار المحاكمة، وما قد يتضمنه التقرير المرتقب؟ من الواضح، من خلال معطيات ومؤشّرات ميدانية، أن الاحتلال لم يتخذ أيَّ تدبير، ولم يلتزم بطلب محكمة العدل الدولية. فالحصار المحكم لا يزال مستمرًا وعمليات القتل والإعدام الميداني، تواصلت واستهداف طواقم الإسعاف وعدد الشهداء من المدنيين لا يزال مرتفعًا. لكن إسرائيل، وعلى الرغم من هذا سوف تقدم تقريرًا كي لا تعتبر كمن تنتهك القرار. ولكن من المتوقع أن يكون مضمون التقرير فارغًا، وفيه تبريرات لسلوكها الإجرامي بحقّ سكان قطاع غزة. وقد يشكل ردها تمييعًا للموضوع برمته. والرد سوف يعتبر من الناحية الشكلية احترامًا لقرار المحكمة بضرورة تقديم تقرير. وبخصوص طلب جنوب أفريقيا الجديد من محكمة العدل الدولية في 13 فبراير شباط 2024 حول رفح، فمن المتوقع أن تتفاعل المحكمة مع هذا الطلب، لكن ليس بالسرعة التي تتوقعها دولة جنوب أفريقيا. أما إسرائيل فهي تنتظر ردّ المحكمة على طلب جنوب أفريقيا منها كي تبني على الشيء مقتضاه؛ أي من المتوقع ألا تتجاهل إسرائيل طلب المحكمة الجديد المنتظر. هل سوف تقتنع محكمة العدل الدولية بالرد الإسرائيلي؟ الأمر قابل للنقاش والأخذ والرد؟. مع أنه يجب أن يكون محسومًا بسبب حجم الجرائم ضد السكان المدنيين. إن ثمة اعتبارات لاتخاذ قرار من طرف المحكمة، أههما أن الإرادة السياسية الدولية هي التي تحدد مسار العدالة، حتى لو تمتع القضاة بالنزاهة المطلقة. كما أن المحكمة- كأي محكمة وطنية- تحتاج للسلطة التنفيذية لتطبيق الأحكام الصادرة عنها. ومن المهم ذكره بخصوص البيئة السياسية أن موقف الدول العربية والإسلامية وخصوصًا الدول المتصلة بشكل مباشر بغزة ليس بالقدر الكافي الذي يوفر ضمانة وحصانة كافية لحماية سكان قطاع غزة من جريمة الإبادة، حتى لو اتخذت المحكمة قرارًا حاسمًا حيال إسرائيل، خصوصًا لجهة إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة والكافية. إذن، إن لم تقتنع المحكمة بالجواب الكتابي لإسرائيل فقد تحيل الأمر بعد ذلك إلى مجلس الأمن الذي يجب عليه نظريًا أن يتخذ كل الإجراءات اللازمة لتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية الاحترازي. وهنا نطرح السؤال التالي هل سوف يتخذ مجلس الأمن القرار المناسب حيال دولة رفضت الانصياع لقرار محكمة العدل الدولية، أم أن الولايات المتحدة سوف تستخدم حق النقض الفيتو؛ لمنع أي إجراء بحق إسرائيل الدولة المتهمة رسميًا أمام محكمة العدل الدولية بجريمة الإبادة؟ إن السوابق التاريخية والحاضرة تقول؛ إن السلوك الأميركي حيال هذا الأمر واضح، ولطالما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد أي مشروع ينتقد أو يضغط على إسرائيل. أما السؤال الأخير بهذا الخصوص فهو ماذا لو وقفت فعلًا الولايات المتحدة في طريق العدالة الدولية، ووفرت مظلة جديدة لحماية إسرائيل من المساءلة الدولية؟ وما هو مستقبل الأمم المتحدة التي عجزت عن تحقيق مقاصدها وفشلت عند الامتحان الأخلاقي المتعلق بمنع جريمة الإبادة ضد سكان غزة؟ وهل تُصبح الأمم المتحدة شاهدًا على جريمة إبادة جديدة أم تُعيد الاعتبار لمبادئها وتُحقق العدالة لسكان غزة؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/16/%d8%b1%d9%81%d8%ad-%d8%aa%d8%ad%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%87%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%87%d9%84-%d8%aa%d9%86%d8%ac%d8%ad-%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%84
https://www.aljazeera.ne…C1080&quality=80
2024-02-16T06:48:13
2024-02-16T06:48:13
مقالات
2,320
محمد أفندي وعلاقته بانهيار العلاقات التركية الإسرائيلية
إسرائيل، من جانبها، تفاجأت بعنف تحول الموقف التركي ضدها، خصوصًا أنها كانت قاب قوسَين أو أدنى من النجاح في إعادة علاقات البلدين السياسية والعسكرية إلى سابق عهدها
منذ اندلاع طوفان الأقصى، وتصاعد المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية، والتصريحات التركية، تتماهى معه بشكل تلقائي، إذ لوحظ في بداية المواجهة أن الموقف الرسمي التركي ارتكز على مبدأ ضبط النفس، ومحاولة التوازن في تعاطيه مع طرفي النزاع، واختيار موقف الحياد، عارضًا القيام بوساطة بينهما. إلا أنه مع إصرار الكيان المحتل على إطالة أمد الحرب على قطاع غزة- واستمراره في عمليات استهداف المدنيين من الأطفال والنساء والعجائز، وتركيز ضربات سلاح طيرانه على قصف المدارس والمستشفيات والأبنية المدنية- تحول الموقف التركي ليصطف مع حكومة حماس، وانهالت تصريحات المسؤولين والسياسيين الأتراك ضد هذه الممارسات الوحشية الممنهجة. فقد أعلن الرئيس التركي، بكل وضوح، أن إسرائيل دولة إرهابية، تمارس عملية إبادة ممنهجة ضد الفلسطينيين، وأن حربها على حكومة حماس المنتخبة في قطاع غزة هي أكثر الهجمات خسّة في تاريخ البشرية، وأن هذه الممارسات الوحشية تتم بدعم مطلق من الغرب والولايات المتحدة الأميركيّة، متهمًا الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكافة المنظمات الدولية التي تنضوي تحت لوائهما بالعجز والعمى حينما يتعلّق الأمر بقتل مسلمين. التعامل التركي مع تطورات طوفان الأقصى لم يقف عند حد تصريحات الإدانة، وتوجيه الاتهامات، وتوصيف الأعمال التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكنها بدأت في التحرك قانونيًا بالاشتراك مع أكثر من ألفَي محامٍ يمثلون منظمات حقوقية من مختلف أنحاء العالم بهدف عزل إسرائيل دوليًا، وضمان محاكمة قادتها السياسيين والعسكريين أمام المحاكم الدوليّة؛ لما ارتكبوه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني. إسرائيل، من جانبها، تفاجأت بعنف تحول الموقف التركي ضدها، خصوصًا أنها كانت قاب قوسَين أو أدنى من النجاح في إعادة علاقات البلدين السياسية والعسكرية إلى سابق عهدها بعد اللقاء الذي جمع بين الرئيس أردوغان ورئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر شهر سبتمبر أيلول الماضي. وقد جاء كأولى ثمار الزيارة التي سبق أن قام بها الرئيس الإسرائيلي لتركيا في مايو من العام الماضي، وهي الزيارة التي اعتبرتها دولة الاحتلال بداية جيدة يمكن البناء عليها لاستئناف العلاقات الحميمة التي طالما ربطت بين الدولتَين، خاصة أنها تأتي بعد قطيعة سياسية بين البلدين امتدت لمدة خمسة عشر عامًا، عقب الاعتداء الإسرائيلي على سفينة المساعدات التركية مافي مرمرة التي كانت في طريقها لإيصال مساعدات إغاثة إلى قطاع غزة المحاصَر عام 2010، وهو ما أسفر عن مقتل تسعة من الناشطين الأتراك برصاص الجيش الإسرائيلي على متن السفينة، بينما تُوفي آخر عام 2014 بعد أربع سنوات قضاها في غيبوبة. لقد دمر طوفان الأقصى أحلام دولة الاحتلال بشأن إمكانية استعادة علاقاتها الطبيعية مع تركيا، مع الأخذ في الاعتبار المخاوف التي طالما لازمت قادتها من موقف الرئيس أردوغان الداعم بشكل مطلق لحكومة حماس المنتخبة في قطاع غزة، وموقفه الثابت من وضعية القدس والمسجد الأقصى. وهي المخاوف التي ثبَتت صحتها مع استمرار طوفان الأقصى، وإصرار إسرائيل على إطالة أمد الحرب؛ هروبًا من الاعتراف بهزيمة جيشها الذي لا يقهر، وسعيًا لتحقيق أي انتصار على الأرض، حتى ولو كان زائفًا من أجل حفظ ماء وجهها فقط لا غير. تدرك إسرائيل جيدًا أن ارتفاع شعبية الرئيس التركي على الصعيدَين العربي والإسلامي يعني صعوبة إمكانية استعادة زخم علاقاتها بتركيا مجددًا، والعودة بها إلى ما كانت عليه قبل اندلاع طوفان الأقصى في المدى القريب على الأقل، ومن هنا كان التلاعب الإعلامي، الذي استهدف تشويه صورة القيادة السياسية التركية، وإثارة حالة من الشك والريبة حول الموقف التركي، وإشاعة الإحباط في نفوس الرأي العام العربي والإسلامي، المثمن الأول لجهود الرئيس التركي كونه الوحيد الذي اتخذ هذا الموقف الواضح والصريح تجاه حماس ومقاومتها الباسلة. الكيان المحتل قام بتداول عشرات الصور والأخبار الكاذبة التي تشير إلى وجود دعم تركي رسمي وشعبي غير معلن لدولة الاحتلال، وسعي حثيث من جانبها لرفع الروح المعنوية لجنودها، خلافًا للتصريحات النارية التي يطلقها قادتها في وسائل الإعلام ليلًا ونهارًا. إذ فوجئ الجميع بنشر صور على نطاق واسع لبعض جنود الاحتلال وهم يحملون منتجات أشهر شركة لإنتاج البن في تركيا، وهي المعروفة باسم قهوة محمد أفندي الجافة أو كورو كاهفه مهميت أفندي، كما ينطقها الأتراك، وقد كُتب تحتها هدية من تركيا لرفع الروح المعنوية لجنودنا، وأوضح الخبر المرافق للصور أنّ المنتج المذكور يتم توزيعه على الجيش الإسرائيلي من جانب أحد مراكز الإغاثة في إسرائيل، لدعم عدوانهم على غزة. لتثور ثائرة المواطنين الأتراك الذين يعتمدون مقاطعة منتجات كافة الشركات الداعمة لدولة الاحتلال، وتنهال المطالبات الشعبية بمقاطعة الشركة، والامتناع تمامًا عن التعامل معها أو شراء منتجاتها بعد أن أفصحت عن هُويتها الصهيونية الداعمة للكيان الإسرائيلي، مطالبين الشركة بإصدار توضيح حول ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تتفاقم الأزمة. الشركة، من جانبها، سارعت بإصدار بيان أوضحت فيه أن منتجاتها يتم تصديرها لأكثر من ستين دولة حول العالم، وأنها تفتخر بانتشار منتجاتها التي تحمل اسم صنع في تركيا على مستوى العالم، وهو البيان الذي زاد من حنق الأتراك وغضبهم، خاصة أن بيان الشركة اكتفى فقط بذكر عدد الدول التي يتم تصدير البن التركي إليها دون ذكر أسمائها، وهو ما اعتبروه دليلًا على صحة الادعاءات الإسرائيلية، وضعف موقف الشركة، لتزداد ضراوة الحملة ضدها، حتى وصل الأمر إلى توجيه السباب للقائمين عليها، ما أجبر الشركة على إصدار بيان آخر نفت فيه بشكل قاطع الأكاذيب الإسرائيلية، مؤكدة عدم قيامها بالتبرع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وموضحة أنها لم تقم بتصدير أي من منتجاتها لدولة الاحتلال منذ قرابة عامٍ ونصفٍ، وشددت على أنها تصطف إلى جانب الموقف التركي بشقيه الرسمي والشعبي، وتدين ممارسات الاحتلال ضد المدنيين في غزة، مؤكدة عزمها على رفع دعوى قضائية ضد من قاموا بحملة التشهير بها وتشويه سمعتها. لم تكتفِ إسرائيل بتشويه سمعة شركة من كبرى الشركات التركية وأشهرها في مجالها- والتي تعمل في السوق المحلي منذ أكثر من مائة وخمسين عامًا، وذاع صيتها في مختلف أنحاء العالم- بل ذهب الإعلام الإسرائيلي إلى أبعد من هذا، حيث تم تداول أخبار تتحدث عن قيام الحكومة التركية بإرسال سفينة محملة بأطنان من المواد الغذائية إلى إسرائيل، لدعم موقفها في الحرب على غزة، الأمر الذي أثار موجة من الغضب الشعبي دفعت مركز مكافحة المعلومات المضللة التابع لرئاسة الجمهورية هذه المرة للتدخل عبر بيان رسمي، نفى من خلاله وجود أية علاقة بين السفينة المشار إليها والحكومة، أو القيام بإرسال أي دعم إغاثي لإسرائيل. وأوضح البيان أن الشحنة المشار إليها في الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تسليمها بالفعل في إسرائيل، خرجت من إحدى الشركات التركية الخاصة العاملة في مجال التصدير، وأن الشحنة تم التعاقد عليها بين الجانبين قبل اندلاع طوفان الأقصى. ليجد محمد أفندي وغيره من الشركات التركية أنفسهم في مرمى أكاذيب دولة الاحتلال الإسرائيلي، الساعية لتشويه الموقف التركي، والتشكيك فيه، وليدفعوا من سمعتهم ثمن وقوف بلدهم إلى جانب الحق الفلسطيني، ورفضها الممارسات الوحشية التي يقوم بها الكيان المحتل ضد المدنيين الأبرياء. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/23/%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d9%81%d9%86%d8%af%d9%8a-%d9%88%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d9%87-%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%87%d9%8a%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-23T05:59:43
2023-11-23T05:59:43
مقالات
2,321
الضحية التي تعشق جلادها
عقدة ستوكهولم في العالم العربي تمثل تعاطف الضحية مع النظام القمعي، مدفوعة بالخوف من الفوضى والتبعية الاقتصادية. كسر هذه العقدة يتطلب التوعية والتعليم وبناء بدائل سياسية.
عقدة ستوكهولم ليست مجرد ظاهرة نفسية فردية، بل يمكن استخدامها مجازيًا لفهم العلاقة المعقدة بين الشعوب العربية وأنظمتها القمعية. في هذا التحليل، سنتناول الأسباب التاريخية والاجتماعية التي أدت إلى ظهور هذه العقدة وتأثيراتها على الشعوب العربية. سنستعرض أيضًا بعض الأمثلة من الأنظمة القمعية في العالم لفهم أعمق لهذه الظاهرة. تُعرّف عقدة ستوكهولم أو متلازمة ستوكهولم بأنها تلك الظاهرة النفسية التي تحدث عندما يتعاطف الضحية مع المعتدي. في السياق العربي، يمكننا إسقاط هذا المفهوم على العلاقة بين الشعب والنظام الحاكم. فبالرغم من القمع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تمارسه الأنظمة في العديد من الدول العربية، يظل الشعب متعاطفًا مع تلك الأنظمة أو حتى مدافعًا عنها. هذا التعاطف ينبع من عدة عوامل، منها الخوف من المجهول، والفوضى التي قد تلي سقوط النظام، وكذلك القناعة بأن القمع يضمن الاستقرار والأمان في ظل غياب عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع يضمن ذلك. أحد الأسباب التي تفسر هذه العقدة في السياق العربي هو التاريخ السياسي للشعوب العربية. فقد مرت بفترات طويلة من الاستعمار والحكم الاستبدادي، مما ساهم في تجذر هذه العقدة. على سبيل المثال، عانت الجزائر من الاستعمار الفرنسي لأكثر من 132 عامًا، وهو ما خلّف ندوبًا نفسية واجتماعية عمّقت الشعور بالعجز والخضوع. وبعد الاستقلال، تسلّمت العديد من الأنظمة المحلية زمام السلطة، لكنها احتفظت بأساليب القمع والدكتاتورية، مما جعل العلاقة بين السلطة والشعب تتخذ نمطًا مستمرًا من التبعية والخضوع. في ظل هذه الأنظمة، يُستخدم الإعلام كأداة للتحكم في الوعي الجماعي، وتوجيه الرأي العام بما يبرر أفعالها ويخدم مصالح النظام. في العديد من الدول العربية، تفرض الأنظمة رقابة صارمة على وسائل الإعلام وتستخدمها لبث الخوف في نفوس المواطنين، وتحريف الحقائق، وتصوير القادة على أنهم الأبطال الذين يحافظون على استقرار البلاد، بينما تُعرض المعارضة على أنها تهديد للوحدة الوطنية. هذا التوجيه الإعلامي يعزز من مشاعر الخوف لدى الشعوب، ويجعلها ترى في القمع ضرورة لضمان استمرارية الاستقرار. إلى جانب السيطرة على الإعلام، تحتكر الأنظمة القمعية الموارد الاقتصادية، وتربط استقرار الحياة اليومية للأفراد بالتبعية لها. يحصل المواطن على فرص عمل أو امتيازات مالية وخدمات اجتماعية فقط إذا كان مواليًا للنظام، ويخلق هذا نوعًا من الاعتماد المادي على النظام، بحيث يصبح الحفاظ على الوضع القائم ضروريًا لاستمرار حياته الاقتصادية. أحد الدوافع الرئيسية التي تكرس عقدة ستوكهولم هو الخوف من الفوضى والمجهول. في العديد من الدول العربية، يصور النظام الحركات الثورية أو الإصلاحية على السواء على أنها غير قادرة على تقديم بديل مستقر، وتتخوف الشعوب من أن تؤدي محاولة تغيير النظام أو الأوضاع القائمة إلى الانزلاق إلى حروب أهلية، أو تدخلات خارجية، كما حدث في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن. هذا الخوف يجعل الشعوب تتردد في المطالبة بالتغيير، وتفضل التعايش مع القمع على مواجهة مستقبل غير مستقر. تشبه هذه الظاهرة ما يحدث في بعض الأنظمة القمعية الأخرى حول العالم، مثل كوريا الشمالية. فهناك، يعيش الشعب تحت سيطرة كاملة من قبل الدولة، وتستخدم وسائل الإعلام للدعاية المستمرة للزعيم. ويعيش الشعب في عزلة عن العالم الخارجي، مما يؤدي إلى تعميق شعور الاعتماد على الدولة والخوف من التغيير. ورغم المعاناة اليومية التي يعيشها المواطنون، فإن الكثير منهم يعبرون عن تعاطفهم مع الحكومة التي تسيطر على كافة جوانب حياتهم. ورغم أن وسائل الإعلام التابعة لمراكز القرار الرأسمالي الغربي تلعب دورًا في تقديم صورة بشعة ومشوهة عن النظام في بيونغ يانغ، فإن تحول النظام إلى شكل من الأنظمة الوراثية ومركزية شخص الحاكم في القرار السياسي والاستسلام له يظهر جانبًا من الطبيعة الشمولية لمثل هذا النظام الذي يجعل الشعب يعيش إزاءه عقدة ستوكهولم. مثال آخر يمكن الاستشهاد به هو النظام السوفياتي السابق، حيث كان يتم قمع المعارضة بوحشية، وكانت الدولة تتحكم في الإعلام والاقتصاد. وكان المواطنون الذين عاشوا في تلك الفترة يرون في الدولة الحامي الوحيد من التهديدات الخارجية، مثل الإمبريالية الغربية. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عانت بعض المجتمعات من فوضى اقتصادية وسياسية، مما دفع بعض الأفراد إلى الحنين إلى تلك الحقبة، رغم قمعها. تأثيرات عقدة ستوكهولم على المجتمعات العربية تتجلى في عدة مظاهر لكن، كسر هذه العقدة ليس مستحيلًا. التعليم والتوعية هما المفتاح الأساسي لتحرير الأفراد من تأثيرات عقدة ستوكهولم. يجب تعزيز الفكر النقدي وتعليم الأفراد حقوقهم المدنية والسياسية، كما ينبغي على المؤسسات التعليمية أن تسعى لبناء جيل جديد يفهم أهمية الحرية والديمقراطية في الحياة الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا حيويًا في تغيير العقليات المجتمعية، فمنظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية المستقلة والجمعيات الأهلية، يمكن أن تساهم في نشر الوعي والمطالبة بالتغيير. وللتغلب على الخوف من التغيير والفوضى، يجب أن تنظر المجتمعات إلى تجارب دول أخرى نجحت في الانتقال من الأنظمة القمعية إلى الديمقراطية دون الوقوع في الفوضى. تعزيز الثقة في أن البديل يمكن أن يكون أفضل هو أمر أساسي لدفع المجتمعات نحو التغيير، وكسر تلك الحلقة المفرغة التي تبقيها في قبضة القمع. في الختام، يمكن القول إن عقدة ستوكهولم لدى الشعوب العربية ليست مجرد انعكاس للعلاقة النفسية بين الضحية والجاني، بل هي نتاج لظروف اجتماعية وتاريخية وسياسية معقدة. الأنظمة القمعية تستخدم الخوف والتحكم في الإعلام والموارد الاقتصادية؛ لتعزيز تبعية الشعوب لها. وهو ما يفسر في جوانب كثيرة منه فشل الربيع العربي، وعودة الدولة التسلطية لطبيعتها مثلما عادت حليمة لعادتها القديمة. ورغم ذلك، فإن حل هذه العقدة ممكن من خلال التعليم والتوعية، وإعادة بناء الثقة في البدائل السياسية والاقتصادية، وفي إمكانية التغيير السلمي للأوضاع، مهما بلغ سوؤُها واشتدت قسوتها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/27/%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d8%ac%d8%b9%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d9%81-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%aa%d8%af%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-10-27T06:22:30
2024-10-27T13:11:24
مقالات
2,322
مقاطعة السلع الغذائية.. هل ستشجع الحكومة المصرية للضغط على التجار؟
ما حدث في سوق أو تجارة الأسماك بسبب دعاوى المقاطعة فاق نتيجته كل تصور؛ لأن المبادرة بالمقاطعة جاءت شعبية، وكانت قصيرة المدة، كما كان لا ناقة ولا جمل للحكومة فيها.
تحت شعار خليها تعفن التي بدأت في النصف الثاني من أبريلنيسان، بدأت حملة مقاطعة شراء الأسماك في مصر. الحملة بدأت من بورسعيد المدينة الساحلية الأكثر استهلاكًا للأسماك على مستوى الجمهورية، إذ يتناول الفرد وجبة السمك نحو ثلاث مرات في الأسبوع الواحد. الشاهد أن حملة المقاطعة أتت بنتائج سريعة وجيدة، آية ذلك العديد من المؤشرات أولًا انخفاض حركة البيع في الأسواق؛ بسبب عزوف الكثير من المستهلكين عن الذهاب لحلقات أو أسواق الأسماك، نتيجة المقاطعة التي استجاب لها الكثيرون، وتفاعلوا معها بشكل إيجابي. ثانيًا الانخفاض الملحوظ في أسعار الأسماك، خاصة الشعبية، كالبلطي والبوري، إلى ما فوق الـ30، وقد وصلت النسبة حسب ما أشار إليه الكثير من التجار والمستهلكين والمنتجين، من خلال أحاديثهم المختلفة لوسائل الإعلام، إلى 50 في بعض الأحيان. ثالثًا انخفاض الكمّ المعروض من الأسماك في الأسواق إلى نسب تصل إلى 80؛ بسبب عزوف أصحاب المزارع السمكية والصيادين عن إمداد الأسواق بالأسماك؛ بسبب تدني الأسعار، والإقبال الضعيف على الطلب. ما حدث في سوق أو تجارة الأسماك بسبب دعاوى المقاطعة فاقت نتيجته كل تصور؛ لأن المبادرة بالمقاطعة جاءت شعبية، وكانت قصيرة المدة، كما كان لا ناقة ولا جمل للحكومة فيها. فهذه الأخيرة ما فتئت تراقب الموقف دون أي تدخل تجاه المحتكرين. وكانت معظم حالات الرقابة والمتابعة منها تجاه هؤلاء في الأشهر الماضية قد أخذت شكلًا إعلامًيا ودعائيًا واضحًا، بالقبض على هذا التاجر أو هذا المسؤول أو ذاك، وهو أمر لا يتناسب من حيث الكمّ والكيف مع ضخامة مشكلة الاحتكار في مصر، ناهيك عن أن الحالات المضبوطة لم تؤثر بسبب قلة عددها وقلة المضبوطات ونوع السلع المضبوطة، على مواجهة التضخم الكبير الذي تجاوز 35 في أسعار السلع والخدمات، وكان نصيب الغذاء وحده منها ما فوق الـ60. وهكذا فقد كشفت المقاطعة الحالية وتداعياتها أن السلوك الشعبي أثر على حركة تجارة الأسماك، وهو ما برهن ليس فقط على عجز الحكومة في اختراق واحد من أهم الملفات الاجتماعية، بل والأهم أنها برهنت على أن هناك جشعًا بالفعل، وإلا ما أقدم التجار والمنتجون صاغرين على خفض الأسعار. صحيح أن هناك تكاليف كثيرة يتحملها منتجو الأسماك سواء بشراء الزريعة السمكية أو العمالة مرتفعة الأجر، أو أسعار الأعلاف. لكن ما من شك أن توافر العملة الأجنبية في الآونة الأخيرة، والولوج الحكومي للمستوردين بالذهاب إلى الموانئ لتسلُّم شحنات الاستيراد المختلفة بعد توافر الدولار، أدَّى ذلك إلى خفض عديد السلع، وعلى رأسها أسعار الأعلاف. واحدٌ من الأمور التي أثبتت أن حملة المقاطعة آتت ثمارها، أن الحملة سرعان ما انتقلت كالنار في الهشيم إلى محافظات مصر الأخرى، إذ باتت أسواق كفر الشيخ وهي المحافظةُ التي تنتج 40 من الأسماك في مصر، وكذلك في محافظتَي الإسكندرية والبُحيرة وغيرها من محافظات الوجه البحري، تتأثر بالمقاطعة، بل إن القاهرة المصدر الرئيسي لحركة التجارة والاستهلاك بحكم زيادة عدد السكان بها نحو عُشر عدد السكان ويقدر بـ10,3 ملايين نسمة وفقًا لبيانات جهاز الإحصاء في ديسمبركانون الأول 2023 باتت متأثرة وتزداد تأثرًا يومًا بعد يوم. من الأمور التي قد تقف في وجه حملة المقاطعة، ما يهدّد به ملاك المزارع السمكية من خفض التوريد لتجار الأسماك، أو ما يسميه التجار تعطيش السوق. أهمية التهديد تكمن في كون تلك المزارع تمدّ البلاد بـ90 من الإنتاج المقدر بـ2 مليون طن سنويًا، والمعروف أن عدد تلك المزارع نحو7 آلاف مزرعة، وهي تشغل 320 ألف فدان، ويعمل بها قرابة نصف مليون عامل. لكن على ما يبدو أن هذا التهديد لحظي ووقتي؛ بمعنى أنه يمكن أن يستمر عدة أسابيع، ثم لا يلبث أصحاب المزارع أن يدركوا أن أسماكهم قد استوحشت، ولم يعد لهم القدرة على منع التوريد، وكذلك عدم القدرة على تغذيتها لأجل غير مسمى؛ لأن ذلك يرفع تكلفتها عليهم، ومن باب أولى هم ليس لديهم القدرة على وقف النشاط عقب انتهاء الدورة السمكية الحالية. ما يراهن عليه البعض لضرب المقاطعة هو قدوم موسم شمّ النسيم، وهو عيد مصري فرعوني يشتهر بتناول الأسماك، لكن حتى هذا الأمر يبدو أنه قاصرٌ على يوم واحد في العام، كما أنه قاصر على تناول أنواع محددة من الأسماك، وهي الأسماك المملحة، أو ما يسمى بالفسيخ والسردين المملح، وبعض تلك الأسماك يتم استيرادها كالرنجة. لذلك فمن المرجح أن تردع الحملة تجار ومنتجي الأسماك حتى لو انتهت يوم شمّ النسيم. من الأمور التي يمكن أن تدعم المقاطعة في الأيام القادمة، ومن ثم المزيد من رخص أسعار الأسماك، هو دخول بُحيرة البردويل بشمال سيناء على خط الإنتاج السمكي. فمنذ 27 أبريلنيسان الماضي بدأ موسم الصيد في تلك البُحيرة الغنية بالأسماك، وذلك بعد فترة 4 أشهر، وهي الفترة السنوية التي يمنع الصيد فيها من البُحيرة والتي تبدأ من نهاية ديسمبركانون الأول حتى نهاية أبريلنيسان من كل عام. بدء الصيد بـالبردويل سيزيد المعروض، وسيحبط أي محاولة لتعطيش السوق. على أي حال، فقد أثبتت الحملة نجاحها، ورفعت إنذارًا واضحًا لتكرارها بالنسبة للحوم، خاصة أن البلاد مقبلة بعد أقل من شهرين على موسم استغلال آخر، وهي لحوم الأضاحي، حيث بدأ البعض يردد الدعوة لحملة خلّيها تدوّد لمقاطعة لحوم عيد الأضحى. كلّ ما سبق يبرهن على أن هناك وعيًا شعبيًا كبيًرا؛ لأن شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورًا بارزًا في التعريف بالمقاطعة وبتداعياتها، حتى إنّ وسائل الإعلام التقليدية الصحافة والتلفزيون باتت تركض خلف شبكات التواصل؛ لمتابعة الحملة. على أن كافة تلك الأمور رغم أنها أشارت كما سبق القول- إلى ضعف الحكومة؛ بسبب تقاعسها أمام تجار ومنتجي المواد الغذائية، مقابل نجاح الضغوط الشعبية، فإن الحكومة يمكن أن تكمل ما بدأه المجتمع المدني من ضغوط للحد من التضخم في الغذاء. جدير بالذكر أن كثيرًا من الاقتصاديين والخبراء ومن هؤلاء وزير التموين السابق جودة عبد الخالق القيادي بحزب التجمع، وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، يعزون 30 فقط من التضخم لأسباب نقدية ومالية، بينما النسبة الباقية كسبب للتضخم والمقدرة بـ70 فترجع إلى الاحتكارات التي تعجز أو تهمل الدولة مواجهتَها. ورغم أن البعض يتذّرع بإهمال التدخل الحكومي؛ لكون الأمور متروكة لقوانين العرض والطلب، فإن من واجب الحكومة وفي ظل الحماية الاجتماعية، أن تتدخل لحماية الطبقتَين الدنيا والمتوسطة من موجة الغلاء. أحد الأمور المهمة أمام الحكومة هو تفعيل وتطبيق وثيقة ملكية الدولة بالضرب بيد من حديد على الفساد والمفسدين. والتفاعل الإيجابي مع المواطنين القائمين بمحاربة الغلاء، من خلال تشجيع الإبلاغ عن الفساد والجشع، وكذلك سرعة سنّ قانون لحماية المبلغين، والقيام على أرض الواقع وليس فقط من خلال القوانين، باتباع سياسات شراكة المواطن في الرقابة على المنتج ووضع السعر عليه وصلاحيته، وضمان جودته، ومعرفة المنشأ، وشهادة الضمان، وتسلّم فواتير البيع، وتسهيل وسرعة رفع وحسم الدعاوى القضائية التموينية، وأن تكون تلك الدعاوى بدون تكلفة، والحق في التعويض لجبر الضرر عن استخدام المنتج التالف. إن واحدًا من أهم الاستفزازات التي يتعرض لها المستهلك، ويُطلب من الحكومة أن التدخل لسرعة الرقابة عليها، هو تعدد أسعار السلعة الواحدة، وهو ما يختلف باختلاف المنطقة أو المكان. كل ذلك يحتاج إلى المتابعة الأمنيّة، وكذلك محاسبة المقصّرين من قبل الأجهزة السياسية، وأهمها بالقطع مجلس النواب. من أبرز الأمور التي تدعم المقاطعة أن تقوم الحكومة بتعديل ثلة القوانين التي تحارب الاحتكار وتدعم المنافسة، هنا يشير الكثيرون إلى تشديد العقوبات التموينية، بمضاعفة الغرامة، وتشديد سنوات الحبس، وغلق النشاط التجاري، كما أنه من المهم للغاية تحوُّل دعاوى الاحتكار إلى جرائم وليس قضايا جنح، بمعنى آخر أن يفقد من تثبت إدانته في قضايا الاحتكار حقوقَه المدنيةَ والسياسيةَ جراء أعمال الاحتكار والغلاء. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/4/%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b0%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d9%84-%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%ac%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-05-04T07:22:00
2024-05-04T07:22:00
مقالات
2,323
الضفة الغربية على شفا التحول التاريخي
رغم تواضع الأداء المقاوم فيها حتى الآن، تبقى الضفة الغربية ساحة فارقة في تحديد مآلات الحرب على غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فالتوازن في الصراع، يبقى مرهونًا بمستوى انخراطها فيه.
بعيدًا عن تواضع الأداء المقاوم فيها حتى الآن، تبقى الضفة الغربية إحدى الساحات الفارقة في تحديد مآلات الحرب على غزة بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول، إذ مهما بلغ أداء المقاومة في القطاع، فإنّ الاختراق الحقيقي وإحداث التوازن في الصراع، يبقى مرهونًا بمستوى انخراط الضفة الغربية فيه؛ إضافةً لباقي الساحات. يسلط هذا المقال الضوءَ على واقع الجيل الجديد من المقاومين في الضفة الغربية، واستشراف آفاق تطوّر الحالة التي يقودها، لا سيما أنَ مستوى الخذلان الذي يحيط بغزة شعبًا ومقاومةً فاق كل التصورات. يحاول البعض التهرب من هذا الاستحقاق بتعداد أعداد الشهداء الذين قدمتهم الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبرتشرين الأول، وكأنَ نجدة غزة بحاجة إلى أعداد أخرى من الشهداء في الضفة، بينما السؤال الحقيقي هو مستوى نجاعة أداء المقاومة في الضفة في مواجهة الاحتلال، فهذا ما تحتاجه غزة ومعركتها إذا أريد تسميتها معركة الكلّ الفلسطيني. يبرز أمام هذه الحالة الجيل الجديد من المقاومين في الضفة الغربية، والذي يقدم تضحيات جسيمة وشجاعة قلَ نظيرها، لكنها شجاعة ينقصها العقلانية والإمكانات والتدريب الناجع والقيادة، فغياب هذه العناصر جعل الاستنزاف في صفوف المقاومة في الضفة مرتفعًا للغاية، ومستوى الخسائر التي تلحقها بالاحتلال متواضعًا. أفرزت أحداث السابع من أكتوبرتشرين الأول، مئات المطلوبين في الضفة الغربية، أعمارُ غالبيتهم بين 18-25 عامًا، والأكثرية دون العشرين. كثير منهم اشتروا سلاحا من مالهم الخاص، وبعضهم يتبعون تنظيمات ويتلقون دعمًا ماليًا جزئيًا أو كليًا من فصائل المقاومة في الخارج. غالبية هذا الجيل الجديد غير مؤدلَج، وليست لديه انتماءات سياسية مسبقة، بقدر ما هو مؤمن بفكر المقاومة، ولا يشكلُ انتماؤه التنظيمي إلا وسيلةً للحصول على السلاح والموارد. تعتبر هذه ميزة فارقة هامة تختلف عن طبيعة تشكل مجموعات المقاومة تاريخيًا في فلسطين، لا يلغي ذلك وجود المقاومين ذوي الانتماءات السياسية والفكرية المختلفة للفصائل والقوى الفلسطينية، لكننا نتحدث عن السمة العامة لهذا الجيل. يعبّر هذا الجيل عن رفضه الواقعَ من خلال المقاومة، هو رافض لكل ما يجري سواء في علاقته مع السلطة الفلسطينية، أو في علاقته مع الاحتلال، لكنه ضحية لحالة الإفراغ الوطني التي عمّت الضفة الغربية بعد الانقسام عام 2007، وبالتالي فإن ضعف أدائه نتاج ظروف كان هو ضحيتها، وبينما أريد لمرحلة ما بعد الانقسام وفق تصور الفاعلين الدوليين والإسرائيليين أن تنتج جيلًا استهلاكيًا بعيدًا كل البعد عن قيمه الوطنية، فإذا به يعود إلى الجذور بهزات ارتدادية لافتة ليؤكد مجددًا أنَ هذه القضية لا يمكن تصفيتها بالحلول الاقتصادية. من حيث الجرأة والشجاعة لا يمكن المزايدة على هذا الجيل، فأنْ تجد شابًا في مقتبل العمر يحمل أداة حادة بسيطة، أو سلاحًا مصنعًا ضعيف الأداء ويهاجم ثكنة عسكرية بجسد عار، فهذه قمة الشجاعة، لكن مستوى التأثير أمر آخر. هو جيل يفتقر إلى القيادة، يتحرك بدافع ذاتي، صحيح أنه يتلقى دعمًا ماليًا وعسكريًا -وإنْ كان دون المستوى المطلوب- بسبب التعقيدات الأمنية، لكنَه ميدانيًا يتحرك بشكل ارتجالي، فهو جيل التك توك والسوشيال ميديا؛ من المفارقة أحيانًا أنْ تجد مقاومًا من هؤلاء يطلق النار، وهو يبثّ بثًا مباشرًا على السوشيال ميديا دون تقدير أو وعي أمني، ما يجعله في كثير من الأحيان لقمة سائغة لجيش الاحتلال وأجهزته الاستخبارية والتجسسية بشكل مناقض تمامًا لمقاومي قطاع غزة ذوي المهارات القتالية والأمنية العالية. ألحق هذا السلوك اللامبالي من الناحية الأمنية خسائر بشرية فادحة في صفوف الشبان المقاومين من هذا الجيل في الضفة الغربية، لكنَ اللافت أنه مع كل عملية اغتيال تنفذها قوات الاحتلال يزداد عدد المطلوبين ولا يتناقص، ولّدَ ذلك حالة جمعية من انغماس الشباب والفتية بفكر المقاومة والاستشهاد، ما جعلنا في مواجهة ظاهرة متنامية لا ينقصها سوى التأطير. من ناحية نقدية، يمكن القول؛ إن هذا الجيل تجاوز كل عقد الانقسام السياسي في فلسطين، واستطاع أنْ يشكل حالة مبادرة لتغيير الواقع حتى مع السلطة الفلسطينية، وليس فقط مع الاحتلال بسرعة أكبر بكثير من قدرة الفصائل والقوى السياسية، بمن فيها فصائل المقاومة، على تجاوز الحالة وتقديم سياق عمل جادّ لواقع الضفة الغربية بالغ التعقيد. تبرز، في هذا السياق، فجوة الأجيال، وفهم الواقع والقدرة على المبادرة؛ لتطوير نمط قيادي مرن يناسب حالة الضفة الغربية، ويستطيع في ذات الوقت التغلب على سياقات الحالة الأمنية التي لا يوجد لها مثيل في العالم في الضفة الغربية؛ إلى الآن يمكن القول وبكل موضوعية؛ إن تفكيك الحالة ما زال مستعصيًا على فصائل المقاومة، وما زال مشوارها طويلًا، رغم أنها تبذل جهودًا مضنية باتت ملاحظة ومتنامية، لاسيما بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول. شهدت أحداثُ ما بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول انغماسًا عدديًا غير مسبوق لهذا الجيل في الاندفاع نحو المقاومة، حتى إن بعض مظاهر الانغماس طالت أبناء هذا الجيل من عناصر الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، فعددٌ من العمليات شارك فيها أو نفّذها عناصر شابة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويعتبر ذلك طبيعيًا؛ لأنه نفس الجيل الذي لم يعد قادرًا على التعايش مع هذه المرحلة، حيث تداخلت انتماءاته مع ذات المجموعات التي تضم عناصر من فصائل المقاومة في سياق وحدوي مقاوم. هذا النموذج المستجد غير محبذ لجماعات المصالح في الضفة الغربية ولقيادات كثيرة في السلطة الفلسطينية؛ لأنه يؤسس لحالة جديدة وفكر جديد ستكون أول ضحية له هي كينونة السلطة الفلسطينية بشكلها الراهن. يتنازع الضفة الغربية حاليًا صراع متعدد المسارات؛ صراع أجيال بين القديم والجديد، صراع اتجاهات بين من يريد خط المقاومة ومن يريد الحفاظ على تماسك السلطة الفلسطينية بشكلها الراهن، حتى ولو بقيت شكلًا بلا مضمون، ولو كان ثمنُ ذلك مزيدًا من الانغماس في التّنسيق مع الاحتلال. صراع مصالح بين غالبية مسحوقة لم تعد قادرة على التعايش مع النمط الاقتصادي السائد بمن فيهم غالبية موظفي السلطة الفلسطينية الذين يمكن تصنيفهم اليوم ضمن فئة الناقمين، وبين أقلية أسست لمصالح اقتصادية يرتبط وجودها بوجود الاحتلال وتتشابك معه. يواجه كلَّ ما سبق سيلٌ عارمٌ من جيل الشباب الجديد المقاوم الذي يوصف بأنه جيش بلا رأس، سيل بشري بلا قائد يسعى لتغيير الواقع سواء على المستوى الداخلي أو في العلاقة مع الاحتلال. قصص وحكايات هذا الجيل المقاوم تقدِّم وجبات دسمة من اللعنة لقطاع عريض من النخبة الفلسطينية التقليدية التي أصبحت منعزلة عن الواقع وواجبة الاستبدال؛ فتى في السادسة عشرة من عمره يذهب لتنفيذ عمل مقاوم على نقطة عسكرية بآلة حادة في منطقة مكشوفة أمنيًا فقط؛ لأن ما استطاع أنْ يدخره من مصروفه الشخصي جعله يتدبر ثمن مواصلات التنقل لهذه النقطة، ولو تمكن من جمع ما يعادل خمسة دولارات لذهب إلى موقع آخر. شاب مقاوم ينفذ هجومًا بعد أنْ استطاع ادخار مبلغ 700 دولار مكَنه منْ شراء سلاح ناري صُنع في ورشة حدادة محلية ما إنْ يطلق النار منه حتى تصاب الآلة بعطل فني، وفي المقابل نخب اقتصادية وسياسية وثقافية يتنازعها إما الارتهان لمكاسب مالية وامتيازات حصلت عليها وتحارب حتى الرمق الأخير للدفاع عنها، وإما نخبٌ ثورية مهمشة تحاول أنْ تستعيد مكانتها في واقع الضفة، سرعان ما تتلقفها سجون الاحتلال أو التهميش الداخلي. إن الإشارة إلى التوصيف السابق لا تلغي أن مجموعات كثيرة من هؤلاء الشباب تتلقى الدعم المالي والعسكري من فصائل المقاومة بطرق مختلفة، والملاحظ أنَ هذا الدعم يتنامى بشكل كبير خاصة بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول، ترافقه محاولات لدعم تقني ينعكس أحيانًا في تطور الأداء، كما أنه لا يقلل من الجهد المضني في إدخال المال والسلاح للضفة؛ استشعارًا لأهمية ساحة الضفة في حسم الصراع في هذه المعركة، فالضفة ليست أكثر من سجن كبير مقفل من كل الاتجاهات. إن تحليل قوة هذا الجيل في التأثير ينبع أيضًا من أن المجتمع الفلسطيني مجتمع فتي، حيث إنَ 22 من المجتمع الفلسطيني تتراوح أعمارهم بين 18-29 عامًا. ونحو 43.7 أقل من 17 عامًا. يعني ذلك أنَ هذا الجيل قادر على تشكيل حالة ثورية مفاجئة تقلب الأوضاع وتستسلم لها النخب إذا ما أتيحت له الإمكانات المناسبة، واستشعر اللحظة التاريخية؛ وهذه إحدى نقاط القوة التي أشعلت الثورات والانتفاضات سابقًا حتى بدون مقدمات موضوعية أحيانًا. تقف الضفة الغربية اليوم بإرهاصاتها على شفا صناعة التحول التاريخي والولوج إلى حالة مغايرة تمامًا للسياق الراهن، لكنها تشهد حربًا شرسة لئلا يحدث ذلك. يتطلب الأمر إعادة قراءة الاستحقاقات المطلوبة للمرحلة المقبلة من وجهة نظر هذا الجيل، وليس الأجيال التي يفترض بها أن تعطي وقتًا أطول للاستعداد لآخرتها، ويتوجب التعامل باحترام مع تطلعات هذا الجيل؛ لأنه إذا امتلك الأدوات والموارد المناسبة لمواجهة تحديات المرحلة فسيصنع التغيير. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/6/%D8%A7%D9%84%D8%B6%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B4%D9%81%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A-2
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-04-06T01:23:45
2024-04-06T01:23:45
مقالات
2,324
الحرب على الفلسطينيين والصراع على روح الإسلام في الشرق الأوسط
برغم التطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى الرسمي، فإن قطاعات متسعة ترفض هذا التطبيع، كما يظهر في استطلاعات الرأي، وجاءت الحرب لتؤكد هذه الحقيقة وزادتها رسوخًا.
جدّدت معركة طوفان الأقصى التساؤل حول مستقبل الإسلامية والإسلاميين في المنطقة من زوايا عدة، هي حماس كانت -ولا تزال- أحد آخر تجليات جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. صحيح أنها استطاعت أن تعيد رسم صورتها باعتبارها حركة مقاومة؛ لكن يظلّ السؤال مطروحًا هل يمكن أن تمنح معركة طوفان الأقصى قبلة الحياة لهذه الحركات؟ في المحور الأول تساءلت مجلة إيكونوميست -في عددها المطبوع في الثاني من ديسمبر الجاري- عن تأثير الحرب في غزة على الثورة الدينية الجارية في الشرق الأوسط؟ ملامح هذا التدين الذي وصفته المجلة بالثورة، كانت كالآتي تشير المجلة إلى عدد من الظواهر التي تتفاعل فيما بينها زيادة التسامح الديني، مع تراجع التدين لدى الشباب، وتقلص العمليات الجهادية، مع تراجع حركات الإسلام السياسي. بعد التبشير بالثورة الدينية في زمن انتفت فيه الثورات تتساءل المجلة هل تستطيع -تقصد الثورة- النجاة من حرب غزة؟ قدّمت المجلة إجابتها، لكنها لم تخلُ -كعادة كثير من التحليلات الغربية للتغيرات الدينية في المنطقة- من التبسيط المخلّ، الذي يرصد ظواهر متفرقة لا نجد رابطًا بينها، وتحاول أن تصل إلى نتائج متسرّعة من غير فهم أعمق وتفسير حقيقي، وتحتفي -في أحيان كثيرة- بالغرائبي العجائبي فقط من الوقائع والتطورات.. إلخ، فهي تعتمد مصطلحات، وتنطلق من افتراضات تعوزها الدقة والقدرة على الاقتراب من الظواهر كما هي، وليس وفق تحيّزات الباحثين. ففي الوقت الذي يتصاعد ارتباط السياسي بالدين، أرجو ملاحظة استخدامي للفظ الديني وليس الدين، من مداخل جديدة؛ نتيجة تصاعد اليمين الشعبوي، ومزيد من حضور الهويات، وبحث فئات اجتماعية عن المعنى في ظل سيولة التحولات وغياب اليقين، في ظل هذه الظواهر مطلوب من المسلمين أن يفكوا الارتباط بين الديني والسياسي. تصاعدت في الحرب على الفلسطينيين خطابات دينية وثقافية لم يحاول قادة إسرائيل ولا الحكومات الغربية أن يخفوها عن الجمهور، مثل الاستشهاد بالمقولات التوراتية لتبرير التوحش الصهيوني، والوزير الذي جاء حاجًا لمجلس الحرب الإسرائيلي الكابينت باعتباره يهوديًا لا وزير خارجية الولايات المتحدة، وأيضًا استدعاء لأتون الحرب الحضارية كما ظهرت في حقبة سبتمبر، وغيرها، كما شهدناه. أبرزت الحرب على غزة والضفة أنها بين المسلمين واليهود في منافاة واضحة للواقع الذي انحاز فيه عدد معتبر من اليهود غير الصهيونيين ومن التقدميين للحقوق الفلسطينية، لكن على ما يبدو أنَّ أصحاب المصلحة من كل طرف أراد أن يدفع بهذا التصور قدمًا؛ ليحشد مناصريه على كل ضفة في حرب كانت -ولا تزال- حقيقتها تتعلق بحق شعب في تقرير مصيره وتحرير أرضه. صحيح أن بعض المؤسسات الرسمية أصابها الخرس مراعاة لموقف حكوماتها؛ لكن الخطاب الديني في مجمله كان مؤيدًا للقضية الفلسطينية عزّزت الحرب الجارية الوصل بين السياسي والديني، وهنا نقطة يجدر الإشارة إليها لم تلتقطها المجلة، وهي قدرة الأجيال الشابة -الذين يتصاعد تدينهم وفق استطلاعات الرأي على خلاف ما أشارت إليه المجلة- على الولوج إلى السياسة من مداخل جديدة لم نعهدها. تعد قضية فلسطين واحدة من هذه المداخل التي جددت وعيهم بالسياسة، وزادت من تفعيل أدوارهم فيها، قام جيل زد وواي وألفا بالحشد والتعبئة الوطنية وعبر الوطنية، وعرّف بالقضية وجذورها. كما ساعد هذا الجيل على تقديم السردية الفلسطينية لأقرانه، وقام بتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، مما أدهش الجميع، في ظل تصورات ساذجة بأن العولمة من شأنها أن تقضي على أي انتماء، وتدعس أي تجاوب مع السياسة. كانت -ولا تزال- قضية فلسطين قادرة على استعادة السياسة والحشد والتعبئة، كما جرى في الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة منذ مطلع الألفية الحالية، إلا أنَّ الجديد كان قدرتها على توحيد ساحات المطالبات. نادى متظاهرو القاهرة بالعيش والحرية والعدالة، وهم يرفعون أعلام فلسطين، كما اعترض متظاهرو المغرب على مشروع إصلاح التعليم، وأعلامُ فلسطين ترفرف فوقهم. تديُّن الجامعيين -من شباب وشابات ما بعد الانتفاضات العربية- ذو طبيعة فردية، نواته الصلبة لا تتكون بالتنظيمات وإنما بشبكية التفاعلات وكثرة المبادرات، وتتشكل ملامحه على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالممارسة العملية لا الخطاب الأيديولوجي؛ لذا فهو في تحول دائم، ويتميز بحضور نسائي طاغٍ. كما أنَّ موقفه من السياسة ترسمه السياقات وتطورها، فهو قادر على إعادة تعريف الفعل السياسي بشكل مستمر، وفي القلب منه توظيف الديني في التعبئة السياسية من مداخل جديدة، تقوم أساسًا على الإنساني والأخلاقي القيمي، لا الطائفي السلطوي. الأجيال الشابة لديها قدرة -تحتاج إلى استكمالها بالتنظير- على تقديم الديني لا باعتباره عنصريًا يخصّ أتباع دين محدد؛ بل له بعد إنساني وقيمي مشترك مع العالمين. في مقابل هذا النمط من التدين، تدفع الأنظمة والحركات والمؤسسات في المنطقة بنمط سلطوي إقصائي غير ديمقراطي لا يقبل بالتعددية داخله ولا مع الآخرين، نيوليبرالي على المستوى الاقتصادي، ويمزج القوة الناعمة بالصلبة لتحقيق أهدافه، كما يظهر في التدخلات العسكرية مباشرة، أو من خلال الوكلاء. يتشابه الجميع في جوهر روح الإسلام وقلبه الذي يريد أن يدفع به؛ برغم ما بين هؤلاء من صراع على النفوذ والمصالح. لم تشر المجلة إلى أن الثورة الدينية المزعومة نشأت في مجافاة بين تطلعات الجماهير وبين توجهات السلطة؛ فبرغم التطبيع مع الكيان الصهيوني على المستوى الرسمي، فإن قطاعات متسعة ترفض هذا التطبيع، كما يظهر في استطلاعات الرأي، فجاءت الحرب لتؤكد هذه الحقيقة وزادتها رسوخًا. لم تشر المجلة -أيضًا- إلى أن الثورة الدينية يتم إقرارها بعصا السلطان لا مقتضيات الدعوة. تم إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي في أكثر دول المنطقة بالقمع لا بالسياسة، في وقت نشهد فيه ترحيبًا بالعلاقة مع الكيان الصهيوني. يجري إقرار السياسات الاقتصادية لصالح تحالفات رأسمالية ضيقة لها امتدادات إقليمية ودولية، بما يؤدي إلى تفاقم الفقر، وزيادة التفاوتات في الدخول والفرص والثروات. عادة ما يتم الترحيب بكل إجراء مظهري كرنفالي تقوم به السلطات الحاكمة في المنطقة المتحالفة مع الحكومات الغربية دون تساؤل حقيقي عن الجدوى والتأثير. جدير بالذكر أن حضور النساء الكثيف وازدياده عن ذي قبل في المجال العام والوظائف والحفلات والمطاعم، قد لا يعني بالضرورة مزيدًا من المساواة بين الجنسين. أبرزت الحرب الدائرة نقطة الافتراق بين الأنظمة وبين حركة الإخوان في المنطقة، وهي المقاومة المسلحة للكيان الصهيوني؛ إذ رفضتها الأولى، وقبلت بها الثانية. كل أشكال التدين في العالم العربي يكاد يكون هناك إجماع بينها على نصرة الفلسطينيين، ومساندة القضية الفلسطينية، ودعم المقاومة. اتفق أهل التصوف كالجفري وشيخه بن حفيظ، مع شيخ الأزهر الذي قاد موقف المؤسسات الدينية في العالم العربي، بجوار مفتي عمان والشيخ عبد الله بن بيه. صحيح أن بعض المؤسسات الرسمية أصابها الخرس مراعاة لموقف حكوماتها؛ لكن الخطاب الديني في مجمله كان مؤيدًا للقضية الفلسطينية. من المتوقع أن يكون في قلب التدين بأشكاله كافةً كراهية للغرب لا أدرى إن كان قادرًا على الفرز بين مواقف الغرب أم سيتم التعامل معه باعتباره كيانًا واحدًا بالإضافة إلى اليهود، في خلط واضح بين اليهودية كدين سماوي معترف به لدى المسلمين، وبين الصهيونية كعقيدة سياسية. أخيرًا؛ فإن تغليب كلّ من تركيا وإيران مصلحتهما الوطنية على دعم الفلسطينيين، سيعيد صياغة موقعهما في القضية، كما سيلقي بظلال كثيفة على التقارب السني- الشيعي الذي انطلق على المستوى الرسمي، ولكنه لم يتأكد بعد على المستوى الشعبي. من المقدر للمنطقة أنَّ الاقتصاد سيسيطر على حساب الأيديولوجيا؛ لذا فإن المتوقع أن تستكمل العمليات التي بدأت خلال الأعوام الثلاثة الماضية لفكّ جميع الارتباطات بالأخيرة، لكن الرياح المعاكسة التي بدأتها طوفان الأقصى قد تعيد التفكير في هذه المسائل من زاويتَين هل تعطي معركة طوفان الأقصى قبلة الحياة للإسلاميين مرة أخرى؟ أم تكون أزمتهم الهيكلية غير قادرة على الاستفادة من الرياح المواتية، فينصرف المتدينون إلى التطرف العنيف؟ سيظل هناك إقبال على الإسلام السياسي في الشرق الأوسط خاصة لدى الشباب والشابات- لكن الشكل الذي سيأخذه سيكون له آثار كبيرة على الاستقرار الإقليمي، وتوازن القوى فيه، وهذا ما يتطلب مقالًا جديدًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/11/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b1%d9%88%d8%ad
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-11T09:58:24
2023-12-11T10:01:20
مقالات
2,325
استهداف الوسطاء تخبط الدبلوماسية الإسرائيليّة
تستهدف إسرائيل الوسطاء الدوليين كقطر ومصر إضافة إلى الإدارة الأميركية الديمقراطية، في مسعى لتضليل الرأي العام وإفشال جهود وقف إطلاق النار، ما يعقد الأزمة ويزيد من معاناة المدنيين، ويطيل أمد الصراع.
منذ السابع من أكتوبرتشرين الأوّل 2023، هناك تخبط واضح وفشل لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي في عدة مجالات، وأبرزها في المجال الدبلوماسي. وهناك العديد من المؤشرات على ذلك، بدءًا من الهجوم على أكبر منظمة دوليّة وهي الأمم المتحدة وفرعها الإغاثي الأونروا، وصولًا إلى قطع عدة دول علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال. ولكن ما برز بشكل فجّ وغير مسبوق هو هجوم دولة الاحتلال الإسرائيلي على الوسطاء الذين يبذلون مساعيَ حثيثة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. بشكل عام، يلعب الوسطاء دورًا حيويًا في حلّ النزاعات ويسهّلون الحوار للوصول إلى حلول توافقية. لذا، فإنّ الهجوم على الوسيط من قبل أحد أطراف الصراع يعكس 3 أمور رئيسية أولها أنه يعكس رغبة الطرف المهاجم في استمرار الصراع، وثانيًا يعكس عدم احترامه لدور تحثّ عليه الأعراف الدولية، وثالثًا يؤثر سلبًا على سمعة الطرف المهاجم دوليًا. بالرغم من أن قطر لعبت دورًا مهمًا في الأسابيع الأولى للحرب في السعي للوصول إلى وقف إطلاق النار، ونجحت في تحقيق قبول لإطلاق عدد كبير من المحتجزين الذين كانوا بيد المقاومة الفلسطينية في غزة، فإن مسؤولين من دولة الاحتلال هاجموا قطر على مدار أشهر، واعتبروها مسؤولة عما حدث. ومن بين هؤلاء رأس الدبلوماسية الإسرائيلية، وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك إيلي كوهين، الذي اتهم قطر بتمويل وإيواء قادة حماس، كما طالب كوهين أعضاء المجتمع الدولي بالضغط على قطر للضغط على حماس. أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، المعروف بتشدده، فقد اتهم في ينايركانون الثاني 2024، قطر بدعم الإرهاب وتمويله. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل اتهم سموتريتش الدول الغربية التي تحافظ على علاقات جيدة مع قطر بالنفاق، مطالبًا بمزيد من الضغط عليها. وبالطبع، فقد اعتبرت الخارجية القطرية هذه التصريحات غير مسؤولة ومدمرة للجهود المبذولة لوقف إطلاق النار. وفي أبريلنيسان 2024، هاجم وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، قطر، مشيرًا إلى أنه لا يثق في قيام قطر بدور الوسيط مع حركة حماس. من الواضح أن بركات انضم إلى زملائه في هذا الهجوم لجني ثمار موقف شعبوي وتعزيز مستقبله السياسي. ومن بين آخر المواقف كانت التعليقات على البيان الثلاثي الصادر عن الوسطاء في أغسطسآب 2024، الذي قال إنه ينبغي عدم إضاعة مزيد من الوقت، كما يجب ألا تكون هناك ذرائع من قبل أي طرف لتأجيل آخر.. حان الوقت الآن للإفراج عن الرهائن وبدء وقف إطلاق النار وتنفيذ هذا الاتفاق. وقد وصف سموتريتش بيان الوسطاء بأنه فخّ خطير، مؤكدًا أن الوقت لم يحِن بعد لفخّ يملي فيه الوسطاء صيغة اتفاق استسلام على إسرائيل. في الأيام الأخيرة، كثفت دولة الاحتلال الإسرائيلي هجومها على وسيط آخر، وهو مصر، التي ترفض بقاء دولة الاحتلال في محور فيلادلفيا. وقد اتهم مسؤولون من دولة الاحتلال، على رأسهم نتنياهو، مصر بتسهيل تهريب السلاح إلى حماس عبر رفح. وقد أعربت الخارجية المصرية عن رفضها هذه التصريحات، واعتبرت الزجّ باسم مصر محاولة لتشتيت انتباه الرأي العام الإسرائيلي، وتعقيد جهود الوساطة، وعرقلة التوصل إلى وقف إطلاق النار. يراهن بنيامين نتنياهو على عودة الحزب الجمهوري عبر دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددًا. ولذلك، وعلى الرغم من الدعم المفتوح من الإدارة الديمقراطية الحالية بقيادة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، والتي تخوض مواجهة حاسمة أمام ترامب، فإن ميل نتنياهو إلى فوز ترامب دفعه لاتخاذ خطوات تحرج الوسيط الأميركي الحالي بقيادة الديمقراطيين. ولعل 9 جولات فاشلة قام بها بلينكن إلى المنطقة دون أن تسفر عن أي نجاح، تظهر الإدارة الأميركية بصورة العاجز والضعيف. وقد تعمّد نتنياهو إحراج بايدن من خلال انتقاد أدائه بشأن شحنات السلاح، حيث قال نتنياهو توجهنا إلى أصدقائنا الأميركيين بطلب لتسريع إرسال الأسلحة، وتلقينا كل أنواع التفسيرات، لكن الوضع لم يتغير، بعض الأشياء وصلت بالتنقيط والكتلة الكبرى لم تصل. كما أن بايدن طلب عدم اقتحام رفح، ولا يزال الجيش الإسرائيلي يدمر في رفح منذ 5 أشهر. ولم يتجاوب نتنياهو بشكل عملي مع مقترح بايدن لوقف إطلاق النار الذي أقرّه مجلس الأمن، مما أظهر واشنطن مرة أخرى كضعيفة وعاجزة. صحيح أن دولة الاحتلال الإسرائيلي كانت ترفض قرارات الأمم المتحدة وتنكرها، لكن منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، وضعت حكومة الاحتلال نفسها في مواجهة مع أكبر منظمة دولية. فقد هاجم يسرائيل كاتس وزيرُ الخارجية الإسرائيلي، الأمينَ العامَّ للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وطالبه بالاستقالة، كما أن ممثل الاحتلال لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، مزّق ميثاق الأمم المتحدة علنًا، وأعلن رفض منح تأشيرات لمسؤولين في الأمم المتحدة، قائلًا بوضوح إن هذا القرار كان لتلقينهم درسًا. كما قامت دولة الاحتلال بشيطنة مؤسسات إغاثية دولية مثل الأونروا، وشنّت حولها حملة مضللة، ساهمت للأسف في قطع الدعم عنها في أكثر الأوقات التي احتاج فيها الشعب الفلسطيني إلى الدعم الإنساني والإغاثة. تتعامل دولة الاحتلال بفوقية وعجرفة عالية جدًا، حيث تريد أن توظف كل الأدوار لصالحها، بمن في ذلك الوسطاء والمنظمات الدولية. ولا تريد أن تستمع إلى النقد، بل هي مستعدة للهجوم والشيطنة لكل من يقوم بانتقادها على جرائمها المشهودة، التي جرت العادة أن تهرب من المساءلة عليها. من زاوية أخرى، تهدف حكومة الاحتلال إلى تضليل الرأي العام الدولي والداخلي من خلال الهجوم على الوسطاء وتحميلهم المسؤولية لتغطية موقفها المتعنت، الذي يعيق التوصل إلى وقف إطلاق النار. إن استهداف الوسطاء يعني تعقيد عملية التوصل إلى وقف الحرب، وزيادة معاناة المدنيين النازحين الذين باتوا قرابة العام في حالة كارثية؛ بهدف زيادة الضغط على الحاضنة الشعبية. وهو ما يخدم موقف نتنياهو وحلفائه الذين يسعون إلى إطالة أمد الحرب. وعلى المستوى الإقليمي، يرتبط الهجوم على الوسطاء برغبة في إفشال جهودهم؛ بهدف زيادة التصعيد وتوسيع ساحات الصراع. وهذا يتأكد الآن مع تعنت نتنياهو في غزة وزيادة التوتر على الجبهة الشمالية مع لبنان. لهذا، لا بد من موقف واضح وحاسم من الوسطاء تجاه الدور السلبي للاحتلال، وتوعية الرأي العام الدولي والمحلي بحقيقة الموقف. كما أن التضامن بين الوسطاء يضيف قوة إلى موقفهم، وقد لاحظنا ذلك، حين عبّرت قطر عن تضامنها الكامل مع مصر، كما دعمت منظمة التعاون الإسلامي الموقف المصري، ونددت بالهجوم الإسرائيلي. وكذلك تحتاج المنظمات الدولية إلى ممارسة دور أقوى في مساندة الوسطاء. لقد أظهر السابع من أكتوبرتشرين الأول الوجه الحقيقي لدولة الاحتلال، التي تخلت حتى عن الدبلوماسية كأداة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، ومارست جرائم الإبادة الجماعية، ولا تزال تواصلها دون رادع. وفي ظل التخبط الذي يعيشه الاحتلال، فقد بدأ بممارسات عدوانية حتى تجاه الوسطاء والمنظمات الدولية، مما أدى إلى تدهور صورته وتعزيز موقف المقاومة الفلسطينية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/23/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b3%d8%b7%d8%a7%d8%a1-%d8%aa%d8%ae%d8%a8%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a8%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-09-23T08:43:58
2024-09-23T08:43:58
مقالات
2,326
هل تستطيع الحلول الأميركية ودعوة جنيف إيقاف حرب السودان؟
لا تخطئ عين، أن هدف الدعوة إلى تفاوض جنيف، هو التخلص من الالتزامات السابقة في منبر جدة، وتجاوز الضغط على قوات الدعم السريع وإلزامها بما تم الاتفاق عليه في جدة في يوليو/تموز 2023م.
لن تذهب حكومة السودان وممثلو الجيش السوداني إلى مفاوضات سلام جنيف المقترحة من الأميركيين في الرابع عشر من أغسطس الجاري؛ لمناقشة كيفية وقف القتال وقضايا إيصال المساعدات الإنسانية، ويبدو أنَّ الموقف السوداني الذي عبّر عنه رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان أكثر من مرّة مؤخرًا والردّ من وزارة الخارجية السودانية على رسالة الدعوة الكتابية التي وجهها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قد قطعا قول كل خطيب. قراءة المواقف حول السودان لم تعد مبنيّة على التكهنات والترجيحات، فقد حددت السلطة السودانية رأيها، وتعاملت مع المقترح الأميركي وكأنه حرث في البحر، معتبرة جولة جنيف المقترحة لا تقدم شيئًا، إذا لم يُستجب قبلها للمطالب المعلومة والشروط الواجب تنفيذها فيما اتّفق عليه بجدة في يوليوتموز 2023م، بخروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان والمرافق الحكومية، والانسحاب من المدن. يتبدّى السؤال حول هذه الدعوة للتفاوض بين حكومة السودان والجيش الوطني مع الدعم السريع ما الذي تريده الأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة الأميركية وأطراف إقليمية أخرى من طرح هذا المقترح؟ وفي هذا التّوقيت؟ للإجابة عن هذا السؤال، ينبغي معرفة ما وراء الأكمة، وإزالة الضباب الداكن الذي تستّرت به الدعوة الأميركية لجولة تفاوضية في جنيف بعد أسابيع من دعوة أميركية أخرى، أطلقت علنًا دعت فيها الحكومة السودانية والجيش لمواصلة التفاوض مع قادة الدعم السريع عبر منبر جدة، وزار نائب وزير الخارجية السعودي السودان قبل أسابيع لبحث استئناف المفاوضات تحت إشراف الوساطة المشتركة الأميركية السعودية. ليس خافيًا أن المسألة السودانية وتسويتها، أصبحتا ورقة انتخابية لدى إدارة الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي الذي يخوض أشرس معاركه الانتخابية في مواجهة خصم عنيد مرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، ويخلو وفاض الإدارة الحالية والسيدة كامالا هاريس نائبة الرئيس مرشحة الضرورة من أي نجاحات خارجية تساعدها في حملتها الانتخابية. وصارت الأزمة السودانية والحرب المهلكة التي تدور، لوحة إعلانية تريد الإدارة الأميركية تعليق إعلانها الانتخابي عليها، كما تريد جهات إقليمية الانضمام للجوقة الأميركية، وتبنّي فكرة المنبر التفاوضي الجديد، ومقايضة المساعي والمقترحات الأميركية بتمويل الحملة الانتخابية، وتحفيز حملة المرشحة الطامحة كامالا هاريس الانتخابية لإحراز هدف مبكر. وليس سرًا استجابةُ الإدارة الأميركية للرجاءات المتكررة من بعض دول الإقليم بإشراكها في أي تسوية قادمة بالسودان، وإدماجها في الوساطة المشتركة بمنبر جدة، ولما رفض السودان ذلك بصورة قاطعة، شجعت هذه الدول الأميركيين على فتح منبر موازٍ، وتجاوز منبر جدة التفاوضي، وتوسيع الوساطة واقتراح صيغ مختلفة للمراقبين والشركاء الجدد، وصناعة مسار تفاوضي يجُبُّ ما قبله، ويحقق الأهداف بإعادة قوات الدعم السريع إلى المشهد السياسي والقبول بها مرة أخرى في المضمار السياسي السوداني، وإعادة تدوير وإنتاج تنسيقية القوى المدنية تقدم لتقود العملية السياسية بعد إيقاف الحرب. في هذا الجانب جرت اتصالات وتحركات دبلوماسية أميركية إقليمية في عدة اتجاهات، مؤداها أن منبر جدة التفاوضي ومبادرة منظمة الإيغاد التي جمّد السودان عضويته فيها، ومبادرة الاتحاد الأفريقي، ومبادرة دول جوار السودان التي دعت إليها القاهرة، لم تفلح في لجم الحرب السودانية، كما أن رياح هذه المبادرات جرت على غير ما تشتهي بعض الدول الداعمة لقوات الدعم السريع وأحزاب تقدم. ولا تخطئ عين، أن هدف الدعوة إلى تفاوض جنيف، هو التخلص من الالتزامات السابقة في منبر جدة، وتجاوز الضغط على قوات الدعم السريع وإلزامها بما تم الاتفاق عليه في جدة في يوليوتموز 2023م، وجاء رفض السودان هذه الدعوة الأميركية وعدم المشاركة فيها؛ للحيلولة دون الالتفاف على ما تم في جدة أو فتح منبر تفاوضي جديد في جنيف، والبدء من نقطة الصفر. يمكن القول؛ إنَّ واشنطن وقعت في فخ مُحكم بتصدرها الدعوة للتفاوض في جنيف، دون أن تراعي حساسيات الموقف الداخلي بالسودان، وعلاقاتها في الإقليم، وعدم اكتراثها برد الفعل لأهمّ مكوّن في الراهن الماثل بالسودان وهو الجيش الذي يدير البلاد حاليًا، ويخوض حربًا ممولة ومدعومة من الخارج. من العسير أن يتحقق سلام أو تبرم اتفاقية أو يشرع في إجراء ترتيبات تسوية وتوليد حلول للأزمة ووقف الحرب، دون مشاركة الحكومة السودانية، ويكون الجيش موافقًا عليها ومشاركًا في تحضيراتها ومتابعًا تفاصيلها الدقيقة، خاصة ما يتعلق بالشركاء في الوساطة، ومن هم المراقبون وما دورهم؟ وما هي أجندة وموضوعات التفاوض؟ وما مصير مقررات جدة؟ أمام كل هذه المعطيات، يمكن القول إن الولايات المتحدة تعاني من أزمة مركبة في تقديراتها ونظرتها للموقف داخل السودان، ولتطورات الحرب الميدانية بكل تفاصيلها، بجانب عدم فهمها درجة ومدى التفاعلات السياسية والاجتماعية العاصفة التي يشهدها بلد مثل السودان بعد الحرب، وتشرد ما يقارب العشرين مليونًا من مواطنيه خارج أراضيهم ومنازلهم، توزعوا ما بين نزوح ولجوء، وتعرضهم لأبشع أنواع الانتهاكات وجرائم الحرب، ويعاني شعب كامل من أزمة إنسانية قاسية وظروف سياسية بالغة التعقيد. تعلم بعض الدوائر الرسمية في واشنطن أن العلاقة الأميركية والسياسة الثابتة تجاه السودان، تختلف تمامًا عن المطروح حاليًا في سياق المبادرات والمنابر التفاوضية، ولا تلتقي الأجندة الأميركية ومطلوباتها، مع أجندة الآخرين من الفضاء الأفريقي، أو المحيط الإقليمي الذي تمثله بعض الدول المتورطة في حرب السودان. فإذا كانت سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع السودان خلال العقود الماضية مبنية على ضرورة صناعة الاستقرار، وحصد نتائج انعكاساته على منطقتي القرن الأفريقي وأفريقيا جنوب الصحراء، والنظر إلى السودان بأنه الشريك الأساس في مكافحة الإرهاب وحل معضلة الهجرة غير الشرعية، فإنه قد تراجعت السياسة الأميركية بسوء التقدير وضعف التقييم، مع أن أهمية السودان الإستراتيجية ودوره في المنطقة وترتيباتها لم تتراجع. وتبدو هنا الملفات شائكةً لا يمكن حلها بدون تمتين علاقة مباشرة ومنتجة مع مؤسسات الدولة السودانية، وأهمها القوات المسلحة، والتنسيق والتعاون من أجل حكم مستقر وقوي قادر على التعامل مع حقائق الواقع، والتعاطي مع قضايا الداخل والمنطقة، ومن هنا يستبين افتراق الطرق بين ما تريده الولايات المتحدة، وما تسعى إليه أطراف إقليمية داعمة للحرب في السودان، لها أجندة لا تقود إلى استقرار هذا البلد أو تحقيق السلام أو تجعل السودان عنصرًا فاعلًا في عملية مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. فكل هذا يؤكد أن الدعوة إلى مسار تفاوضي في جنيف مجرد محاولة للتلويح بورقة انتخابية واستخدامها خلال الحملة الحالية في المائة يوم المتبقية قبل ذهاب الناخب الأميركي إلى صناديق الاقتراع. في هذا السياق، لم تنجح أي زيارة مزمعة للمبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيريلو منذ تعيينه للعاصمة المؤقتة بورتسودان، وبرزت الخلافات المراسميّة والتأمينية كعقبة أمام ترتيب زيارة المبعوث الأميركي، ولقائه مع رئيس مجلس السيادة، وبقية المسؤولين السودانيين، ولم تُظهِر الإدارة الأميركية أية لباقة ونظرة سليمة لتجاوز ما تمر به علاقاتها الحالية مع السودان وقيادة الجيش. وقد أشار أكثر من مسؤول دبلوماسي أميركي في منطقة شرق أفريقيا إلى أن السياسة والعلاقات الدبلوماسية الأميركية ووجهة نظرها للسودان خلال الفترة التي سبقت الحرب وبعدها لم تكن ناجحة ولم تفلح في قراءة الوضع على وجهته الصحيحة. وقال سفير أميركي في إحدى دول شرق أفريقيا في حفل دبلوماسي الشهر الماضي علينا مراجعة الأخطاء التي أدّت للأحداث في السودان والبحث عن تسوية عاجلة والانتباه لمصالحنا الحقيقية قبل ذهاب هذا البلد إلى المجهول، بينما نشط دبلوماسيون أميركيون في أديس أبابا للالتقاء بأطراف سودانية وأفريقية؛ لإعادة تقييم الوضع بالسودان وآفاق الحلول الممكنة. مهما يكن، فإن احتمالات نجاح الجولة التفاوضية المقترحة من عدمها، مرهونة بمشاركة الحكومة السودانية وممثلي الجيش، فلا أمل في نجاح هذه الجولة التفاوضية إذا لم يشارك هذا الطرف الأهمّ. أما مصر التي بدأت التحرك لمحاصرة أي تحركات إقليمية للتدخل في السودان فليست متحمسة بما يكفي لدعم جولة جنيف، رغم عدم إعلان معارضتها لها، بينما ترى أطراف دولية، مثل روسيا، والصين، وتركيا، ودول أفريقية أخرى، أن الحلول المقترحة من الأميركيين بشأن السودان لا تسمن ولا تغني من جوع. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/3/%d9%87%d9%84-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d8%b7%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%84%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d8%ac%d9%86%d9%8a%d9%81
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-08-03T11:52:09
2024-08-03T11:52:09
مقالات
2,327
لماذا أيدت الصين قرار اعتقال نتيناهو؟
لم تشهد الحرب في الشرق الأوسط على موقف صريح من جانب الصين، التي تكتفي بالدعوة لضبط النفس وعدم الانجرار نحو حرب كبرى.
دعت الصين، الجمعة 22 نوفمبر تشرين الثاني، المحكمة الجنائية الدولية إلى الحفاظ على موقف موضوعي وعادل، بعدما أصدرت مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في مؤتمر صحفي دوريّ تأمل الصين أن تحافظ المحكمة الجنائية الدولية على موقف موضوعي وعادل، وأن تمارس صلاحياتها وفقًا للقانون، حسب وكالة فرانس برس. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت، الخميس، 21 نوفمبر تشرين الثاني، أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ومحمد دياب إبرهيم المصري، المعروف باسم محمد الضيف، القيادي بحركة حماس الفلسطينية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وذكر القضاة في قرار إصدار أوامر الاعتقال، أن هناك أيضًا أسبابًا كافية للاعتقال بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائيًا عن ممارسات تشمل القتل والاضطهاد، واستخدام التجويع سلاحًا في الحرب في إطار هجوم واسع وممنهج ضدّ السكان المدنيين في غزة. لم يعتمد جيان منطق الولايات المتحدة، الذي أكّده الرئيس جو بايدن الذي ندّد بمذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة، واصفًا القرار بأنه أمر مشين. فالموقف الحيادي الصيني يعتبر صادمًا، بحق فريق يجد ببكين حليفة له في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط. لا سيما إيران، التي تعيش حالة حرب حقيقية مع تل أبيب، التي بدأت بعد عملية طوفان الأقصى بإستراتيجية حرب تعتمد على الضرب من خلال وكلائها في المنطقة، وهناك بعض القراءات التي تجد أن الحرب قادمة لا محال إلى طهران. لم تشهد الحرب في الشرق الأوسط على موقف صريح من جانب الصين، التي تكتفي بالدعوة لضبط النفس وعدم الانجرار نحو حرب كبرى. على خلاف موقفها من الحرب الدائرة في أوكرانيا، حيث متّنت الصين علاقاتها مع موسكو، وفعّلت الاتفاقيات بين البلدين، خصوصًا فيما يتعلّق باتفاق الغاز المسال الطبيعي الروسي، متحدية بذلك العقوبات الغربية الأممية على روسيا. نشطت في الآونة الأخيرة، الدعوة الروسية الصينية إلى تعزيز التعاون بينهما، وتخطّت علاقة الصداقة، لتطالب بضرورة إحداث التغيير في النظام الدولي القائم، والمتمثل بنظام أحادي تسيطر عليه القوى الغربية، تحديدًا الولايات المتحدة. أكدت بكين أن واشنطن لن تعدّل في مشروعها العدائي تجاهها، رغم فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات، وإبعاد الحزب الديمقراطي الذي حمل لواء احتواء الصين، وهذا ما ظهر في عدد من التعيينات الجديدة لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، التي تشكل شخصيات ذات عدائية تامة لنهج الصين وسياساتها في العالم. العمل على تغيير النظام الدولي القائم، لا يتوقف عند إعادة رسمه من جديد، بقدر ما يعمل على زعزعة التأثيرات الغربية في مؤسساته. لهذا تجد كل من الصين وروسيا في استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن ذريعة لإفشال مشاريع الغرب التي يطرحها وتطال القضايا الساخنة في العالم. أما بالنسبة إلى قرار المحكمة الجنائية الدولية، فوجدت فيه الصين الطريق الأسهل لتقويض الهمينة الغربية؛ لأنّ المستهدف هذه المرةّ زعيم دولة يتموضع في المعسكر الغربي. فإسرائيل منذ نشأتها اعتبرت ربيبة الأنغلوساسونية، من بريطانيا التي أسستها في وعد بلفور، إلى الولايات المتحدة التي تولت المهام عن لندن بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم. صحيح، أن لا مصلحة لبكين بمعاداة تل أبيب، التي تجمعها بها مصالح وتبادلات اقتصادية وتكنولوجية، إضافة إلى أن لا عقدة أيديولوجية بين البلدين، باستثناء الحركشة الأميركية فيما يخصّ اعتماد الشركات الصينية لتطوير المرافق الحيوية الإسرائيلية، وهذا ما كان سبب خلاف بين واشنطن وتل أبيب في وقت سابق. لا تستطيع بكين أخذ موقف مؤيد لقرار المحكمة، لأنّ هذا سيعرضها إلى انتقادات جدية في مواقفها الخارجية، إذ رفضت القرار بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ كانت هذه المحكمة أصدرت في مارس آذار من عام 2023، أمرًا باعتقال الرئيس الروسي بشأن مزاعم جرائم حرب متعلقة بترحيل أطفال ونقلهم بصورة غير القانونية من أوكرانيا، حسبما قال رئيس المحكمة الجنائية الدولية، بيوتر هوفمانسكي. ازدواجية المعايير بشأن قرار المحكمة هو من اختصاص إدارة بايدن، التي رحّبت به في عام 2023، ونددت به عام 2024، الأمر الذي يفقد ثقة الرأي العام الدولي بدورها كشرطي دولي، وهي التي حاولت إعطاء صورة شفافة للعالم، بأنها تنشر قيم الديمقراطية، وتفرض العدالة في العالم. لهذا الصين، أخذت موقفًا واحدًا بحق قرار المحكمة إن كان الصادر بحق بوتين أم نتنياهو، في سياسة دبلوماسية تسعى من خلالها لتصوير نفسها على أنها لا تكيل بمكيالين تجاه القضايا العالمية. عرفت بكين من أين تُؤكل الكتف في ظلّ نظام تعمل على تغييره، إذ بدل الاعتماد على سياسة حلفائها، روسيا وإيران، وكوريا الشمالية بالصدام العسكري المباشر، لجأت الصين إلى سياسة المواجهة الناعمة ضمن المؤسسات الدولية، في محاولة لسحب بساط التأثير الأميركي في المؤسسات الدولية، وتجريدها من دورها الذي برزت به على الساحة الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991. طال قرار المحكمة كلًا من نتنياهو وغالانت؛ بسبب أعمالهما الإجرامية بحق أهل غزة، ولكنّ ما هو أبعد من عدم إمكانية تنفيذ القرار، هو الانقسام الذي أحدثه القرار الذي تمثّل في الشرخ بين المواقف للدول الغربية. إذ سارعت دول أوروبية مهمة وشخصيات أممية ومنظمات حقوقية إلى تبني قرار المحكمة بإصدار مذكرتَي الاعتقال، وكانت هولندا أولى الدول التي عبّرت عن تأييدها واستعدادها، وكذلك كان موقف أغلبية دول الاتحاد الأوروبي، الذي عبّر ممثله الأعلى للشؤون الخارجية جوزيب بوريل، بأن قرار المحكمة ملزم ويجب احترامه. إن السياسة الصينية تجاه الولايات المتحدة، هي استنساخ عن تلك السياسة الغربية التي اتّبعتها مع المعسكر السوفياتي في الحرب الباردة، حيث تجنّبت العمل العسكري المباشر، لتعتمد على تفكيك النسيج الغربي بهدف إضعافه. فما أعلن عنه السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، بأنه سيقدم تشريعًا تحذيريًا لدول أخرى بأنها ستتحمل عواقب من الولايات المتحدة بحال مساعدتها للمحكمة في قرارها ضدّ إسرائيل، دليل على مدى الأذى الذي سيلحق بهذا الحلف، فهل سيشهد العالم على سقوط جديد للمعسكر الغربي بضربات من مؤسساته التي أسَّسها وفرض الهيمنة عليها؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/11/26/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a3%d9%8a%d8%af%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%86-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%86%d8%aa%d9%8a%d9%86%d8%a7%d9%87%d9%88
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-11-25T21:18:06
2024-11-25T21:18:06
مقالات
2,328
هل تستفيد الهند من وجود نظام استبدادي في بنغلاديش؟
لحظة الانفجار لم تكن بسبب حدث صاخب، بل جاءت نتيجة سياسات طويلة المدى. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي اعتماد الحكومة على نظام حصص في الوظائف الحكومية
يطلق بعض البنغاليين مصطلح الاستقلال الثاني على الخامس من أغسطسآب، وهو اليوم الذي هربت فيه رئيسة الوزراء حسينة واجد إلى الهند، تاركة البلاد في حالة فوضى سياسية وأمنية. يُشبّه هؤلاء ذلك بأجواء بنغلاديش قبيل انفصالها عن باكستان عام 1971. وإذا كان دور الهند واضحًا في انفصال بنغلاديش، بدعمها العسكري المباشر لمجيب الرحمن والد حسينة، فقد أخفقت في حماية نظامها عندما بدأت ثورة شعبية تتصاعد تدريجيًا حتى بلغت ذروتها باستيلاء الشباب الثائر على معسكر لقوات الدرك بالقرب من مقر الحكومة، واكتفت نيودلهي بتوفير ملجأ آمن لرئيسة الحكومة المقرّبة منها داخل الأراضي الهندية. أما المقارنة التي تقترب من التطابق، فهي سقوط حسينة المدوي مثل سقوط والدها مجيب الرحمن في انقلاب عسكري مدعوم بحراك شعبي واسع عام 1975. وقد يكون الفارق الوحيد هو مقتل الأب في الأولى، وفرار الابنة في الثانية، مما يذكرنا بمقولة كارل ماركس التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة على شكل مأساة وأخرى على شكل مهزلة. ساهمت عوامل نفسية واقتصادية وسياسية في إشعال فتيل الثورة ضد الحكم الشمولي لحزب الشعب البنغالي عوامي. ومن اللافت أن من قاد الحراك الشعبي هم الشباب، خاصة طلبة الجامعات. ويمكن استعراض بعض هذه العوامل وفق الأهمية لقد شكلت معركة طوفان الأقصى حافزًا نفسيًا بالغ التأثير على الشعوب المضطهدة، حيث ذكر أحد قادة الحراك الطلابي في بنغلاديش أن طوفان الأقصى كان مصدر إلهام للشباب البنغالي الذين يتطلعون للحرية والديمقراطية وينظرون إلى النظام الحاكم على أنه شمولي ودكتاتوري. وكان ذلك قبل أشهر من اندلاع موجة العصيان المدني في يونيوحزيران. ومنذ السابع من أكتوبرتشرين الأول الماضي، انطلقت حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي في بنغلاديش، تُظهر أن البنغاليين ليسوا أقل شجاعة من الفلسطينيين الذين يواجهون احتلالًا غاشمًا تقف خلفه قوى دولية كبرى، وعلى البنغاليين انتزاع حقوقهم بأنفسهم. وحّدت حكومة حزب عوامي البنغالي جميع المعارضين لسياساتها، سواء رغبة أو رغمًا عنهم، وظهر ذلك في المقاطعة الحزبية الواسعة لانتخابات ينايركانون الثاني الماضي. ومع ذلك، ظهرت حسينة واجد سعيدة في مجلس نواب بلا معارضة، مما عزز الشعور المتنامي بالدكتاتورية، وسريعًا تراكمت العزلة الشعبية للحكومة، بغض النظر عن حديثها عن تحسن في الاقتصاد والبنية الأساسية. تميزت فترة حكم حسينة الثانية بسياسة الانتقام واضطهاد المعارضين، خاصة تجاه قادة الجماعة الإسلامية الذين عارضوا انفصال بنغلاديش عن باكستان وحكم والدها مجيب الرحمن سلميًا. حاكمت حكومتها قادة الجماعة الإسلامية بأثر رجعي، ولم يفلت من الإعدامات علماء تجاوزت أعمارهم التسعين عامًا. لم تقتصر حملات القمع على من وُصفوا بالإسلاميين، بل امتدت إلى المعارضين السياسيين التقليديين، حيث زجّت بحليفتها السياسية خالدة ضياء، رئيسة الحزب الوطني البنغالي، في السجن. ولم يُفرج عن خالدة إلا بعد فرار حسينة. ولا شك أن حملات الاضطهاد المتعاقبة تسببت في احتقان شعبي واسع كان ينتظر لحظة الانفجار. لحظة الانفجار لم تكن بسبب حدث صاخب، بل جاءت نتيجة سياسات طويلة المدى. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي اعتماد الحكومة على نظام حصص في الوظائف الحكومية، تخصص فيها نسبة 56 لفئات معينة من المجتمع، بمن في ذلك ذرية العسكر الذين دعموا الانفصال، أو من يُوصفون بالمحاربين القدامى بنسبة 30 من الوظائف. تعايش البنغاليون مع تحالف حزب عوامي البنغالي مع الهند على مدى خمسة عقود من الاستقلال، بين الكراهية والحسابات المصلحية. وقُرنت تقلبات التحالفات مع دول الجوار بالصراع الهندي الباكستاني ونفوذ الدول الكبرى إبان الحرب الباردة وما بعدها. لكن سياسات حزب الشعب القومي الهندوسي في الهند، برئاسة ناريندرا مودي، القائمة على قمع كل ما له علاقة بالإسلام والمسلمين، غيّرت المزاج الشعبي في بنغلاديش بشكل كبير. وفي السنوات الأخيرة، أظهرت حكومة حسينة واجد في نظر المواطن البنغالي العادي تبعية بلاده الكاملة للهند، بما في ذلك سياسة القمع والاضطهاد للإسلام والمسلمين، وهو ما لم يكافح من أجله الشعب البنغالي من أجل الاستقلال الأول عن الاستعمار البريطاني عام 1947 والاستقلال الثاني عن باكستان عام 1971، مما أفقد الحكومة أي مشاعر ولاء تجاهها. ينتقد البروفيسور سليمان خان، أستاذ التربية في جامعة الفنون الهندية، سياسة تقديم مصلحة الهند على مصلحة دولة مجاورة حليفة، عبر رعاية نظام قمعي يحفظ مصالح الهند على حساب القيم والمصالح الداخلية لبنغلاديش. يرى البروفيسور سليمان خان أن سياسات الهند ساهمت في الثورة الشعبية في بنغلاديش، وأنها لم تتعلم من تجاربها التاريخية، خاصة الإطاحة بحليفها مجيب الرحمن بعد أقل من أربع سنوات من الانفصال الذي رعته. ودعا نيودلهي إلى مراجعة سياساتها، سواء في الداخل الهندي أو العابرة للحدود. تساءل كاتب في صحيفة إنديا توداي عن مدى استفادة الهند من تبني نظام استبدادي في دولة جارة، وهل يخدم هذا الأمر مصالح البلدين؟ واعتبر أن النتائج المتكررة تؤكد أنها ليست في مصلحة الهند أو بنغلاديش على المدى البعيد، وإن كانت الحكومات تحقق مصالح ضيقة مؤقتة. تكشف السياسة الخارجية الهندية القائمة على الأنانية مع الحلفاء عن قصر نظرها، حيث خسرت الهند نفوذها الأمني والعسكري بعد أن اعتمدت على حكومة من صناعتها في جزر المالديف، ومع أول انتخابات ديمقراطية فقدت نفوذها. وعلى الطرف الآخر من المحيط الهندي، وقفت سريلانكا على حافة الانهيار بعد تحالف الهند مع عائلة راجباكسا. لم تفق المعارضة بعد من آثار سنوات الاضطهاد الممنهج، ولم تكشف بعد عن توجهاتها أو برامجها للمرحلة المقبلة. قد يكون التطور الأهم بالنسبة للمعارضة هو سلسلة الإفراجات عن المعتقلين السياسيين، لا سيما القيادات بمن فيهم خالدة ضياء وقادة الجماعة الإسلامية التي نالت النصيب الأكبر من الاضطهاد. ولعل أكثر من تنفس الصعداء بزوال الحكم الاستبدادي هي الجماعة الإسلامية، التي حُظرت رسميًا قبل أيام من سقوط حكومة عوامي، والتي اتهمتها الحكومة بركوب موجة الحراك الطلابي، بل واختطافها. وربما كان الهدف من هذا الادعاء هو جلب دعم خارجي من دول تعارض ما يُعرف بالإسلام السياسي. من المتوقع أن تطالب الأحزاب بالإسراع في عقد انتخابات عامة تُفرز حكومة تمثل الشعب. ورغم أن تصريحات قادة الجماعة الإسلامية تفيد بعدم اهتمامهم بالسلطة، فإنه لا يُستبعد أن ينضموا إلى تكتل سياسي يهدف إلى منع العودة لسياسة الاضطهاد والقمع. لا تزال الضبابية تكتنف الوضع السياسي والأمني في بنغلاديش بعد مرور نحو أسبوع على استقالة حسينة واجد وفرارها، وتنصيب محمد يونس على رأس حكومة مؤقتة. فعلى المستوى السياسي، لم يُكشف بعد عن جدول أعمال أو إطار زمني واضح للحكومة المؤقتة. ورغم استقالة رئيس المحكمة العليا تلبية لمطالب الشباب، لتجنب انقلاب قضائي، فإن شبح الحكم العسكري المباشر أو غير المباشر لا يزال قائمًا. من ناحية أخرى، يظل الفراغ الأمني مثيرًا للمخاوف مع عدم عودة الشرطة إلى العمل، وانتشار عصابات يُعتقد أنها تابعة لحزب عوامي، تنفذ عمليات اغتيال وسطو، وترفض الاعتراف بالتغيير. وقد رشح شباب الثورة محمد يونس، الحائز جائزة نوبل لمساهماته في اقتصاد الفقراء، لرئاسة الحكومة المؤقتة، في إشارة إلى رغبتهم في الإصلاح الاقتصادي، والاستفادة من الثقة التي يحظى بها شعبيًا. لكن محمد يونس لا يمكن أن يكون بديلًا عن آلية سليمة لانتقال السلطة سلميًا، وهو ما يطالب به الحراك الشبابي الممثل بطلبة الجامعات، وتدعمه مختلف أطياف المجتمع، بمن في ذلك المفكرون والمثقفون. مطالب الشباب قد تكون محصورة في شعارات الحرية والعدالة والمساواة، وهي شعارات تحاكي الثورة الفرنسية، وتضع البلاد أمام خيارين إما نظام حكم وطني رشيد يتبنى مطالب الشعب في الحرية والعدالة والمساواة، أو أمام نظام تابع للخارج مرهون بدعمه الأمني على حساب إرادة الشعب. أما الفوضى، فليست خيارًا لأي من القوى المؤثرة في الشأن البنغالي، سواء كانت قريبة أو بعيدة. ويبقى هاجس إحباط ربيع بنغلاديش حاضرًا، تحقيقًا لمصالح لا يمكن أن تكون بنغالية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/17/%d9%87%d9%84-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d9%81%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%86%d8%af-%d9%85%d9%86-%d9%88%d8%ac%d9%88%d8%af-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%af%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-08-17T16:11:17
2024-08-17T16:55:12
مقالات
2,329
غناء الشعب الفلسطيني.. فن القتال بالكلمة واللحن
وقد استعملت إسرائيل وسائل عدة منها، لإفشال فاعلية هذا السلاح المعنوي، عبر الاستيلاء ووضع اليد على التراث الفلسطيني وسرقته.
أدّى التراث الوطني الفلسطيني دورًا مهمًا في تعميق الانتماء للأرض والتاريخ، وأصبح أكثر ثراءً من التاريخ الرسمي في تسجيل النضال الفلسطيني المتواصل، وإبقاء الانتماء لفلسطين قائمًا، ولذا واجه محاولات إسرائيلية مستمرة لإيذائه، بإضعافه وتشويهه وتزويره ومحوه ومسحه وطمسه، بل وسرقته أو تهويده، لقطع الطريق على صلة الفلسطينيين بأرضهم وتاريخهم، أو منعهم من الاستفادة بالزخم القوي الذي يصنعه هذا الموروث الشعبي في إلهاب حماس الشعب الفلسطيني، وتسجيل صفحات كفاحه، وتثبيته أكثر حول قضيته العادلة. إن هناك جنودًا لا يرتدون أزياء عسكرية، ولا يحملون أسلحة، يقومون بعمل من نوع آخر، يحرفون كتابًا أو وثيقة، أو يطمسون حجة أوقاف، فيرتكبون بين السطور والكلمات والأختام، قتلًا من نوع مختلف، تزيد خطورته بالتأكيد طلقة البندقية، ودانة المدفع، وقنبلة الطائرة، وفق الوصف الذي أورده إسماعيل شيخي شيخي أوسي، في دراسته المهمة بعنوان التراث الثقافي الفلسطيني بين الطمس والإحياء. وقد استعملت إسرائيل وسائل عدة، لإفشال فاعلية هذا السلاح المعنوي، عبر الاستيلاء ووضع اليد على التراث الفلسطيني وسرقته، والتضييق على أصحابه وحصارهم، ومصادرة الوقف الذي يُنفق منه عليه، وتشويه بعض نصوصه، والتركيز على الهامشي والخرافي والمتصل بالإسرائيليات فيه. وإذا كانت إسرائيل قد نالت من التراث المادي الفلسطيني، الثابت والمنقول، سواء كان فيها أو عنها ومنها ولها، من عمران مختلف الأشكال، ومتعدد الأدوار، وكذلك حرف يدوية وصناعات تقليدية وأزياء شعبية، فإنها لم تنجح بالقدر نفسه حيال التراث اللامادي- حيث الممارسات والطقوس والموارد الثقافية والمعارف والفنون والعادات والتقاليد- الذي حفظته الذاكرة، وحملته النفوس، وطورته العقول وأضافت إليه. ومن بين أصناف الفلكلور الفلسطيني هناك نوع شفاهي، يتناسل باستمرار، ويتطور، وليس بوسع إسرائيل أن تخلعه من الذاكرة، أو تضع غيره على الألسنة، ألا وهو الأغنية الشعبية، التي واكبت كفاح الشعب الفلسطيني منذ البدايات، وحتى اللحظة الراهنة. وأخذت الأغنية الشعبية الفلسطينية، في نظر ضرار أبو شعيرة الذي جمعها في كتاب تحت عنوان دليل الأغنية الوطنية الفلسطينية.. فكر ومقاومة ثلاثةَ مسارات؛ الأول هو ما يقوم بإلهاب حماس الجماهير وتثويرها، وهنا جاءت الأغنية أشبه ببيان أو نداء عالي النبرة، يخاطب المشاعر قبل العقول، فبدت حافلة بالصور الصارخة، التي تظهر معاناة الشعب، وتخاطب كل فئاته وشرائحه. والثاني هو الذي يواكب الواقع الجاري، أو التطور التاريخي لحركة التحرر الوطني، أو للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة؛ لتصبح الأغنية جانبًا مهمًا من المقاومة السلمية، وطرفًا في سجل النضال المتواصل، وهذا يجعلها متابعة للحدث، ومعبرة عن تفاصيله. والثالث هو المعبر عن القيم الأساسية للفعل المقاوم الذي يجب أن تلتزم به القوة الفاعلة في الساحة الفلسطينية، مثل الحرية والشجاعة والبطولة والفداء والتضحية، ولهذا تنحو إلى التربية والوعظ الديني والسياسي. والأغنية الشعبية الفلسطينية عبارة عن قصيدة يتداولها الناس، محافظين على كلماتها وإيقاعها، وهي تكرس مفاهيم أخلاقية ودينية، وتسجل بطولات الشعب، وتحضه على النضال والجسارة، وتحفظ ذاكرته حيَّة حيال الشعب والأرض والتاريخ، وهي تصاغ في قوالب لحنية عديدة مثل العتابا، والدلعونا، والهجيني، والسامر، والترويدة، والحدادي الذي يُغنّى في المناسبات الاجتماعية والوطنية، بل إن هذه الأغنية رافقت مسار الكفاح الثوري الفلسطيني منذ البداية، حسبما يرصد رمضان عبدالهادي في كتابه الفلكلور الفلسطيني .. بصمة لتأصيل الهوية. فمع ثورة البراق عام 1929 انطلقت الأغنية الشعبية لتسجل بطولة ثلاثة من الفدائيين؛ هم حجازي وجمجوم والزير، وكانوا أوّل ثلاثة شهداء فلسطينيين، خلّد المُغنّي الشعبي واقعة إعدامهم في أغنية من الدلعونا تحمل معاني الاستنكار، وتطلب من الله- تعالى- الانتقام للمظلومين، حيث تقول من سجن عكا وطلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي جازي عليهم يا رب جازي المندوب السامي وربعة عمومًا. ولهذه الواقعة أيضًا، غنت النساء فور رفع الأعلام السوداء على سجن عكا، الذي شهد شنق هؤلاء الفدائيين الثلاثة هي ويا .. والمشنقة تاجك هي ويا .. والقيد إلك خلخال هي ويا .. وموتك عن بلادك عز هي ويا .. زينة الرجال. وحين اندلعت ثورة عام 1936، وهجم الثوار على مستعمرة كفر عصيون الإسرائيلية، انطلقت أغنية رددها الناس على كفار عصيون صار المنادي يوم عبوس يوم شر واستطاره حسين عمر بنتخي مثل زيدان صبيان لعب اليوم عجَّ الغبارة والحاج ناجي بنتخي أول القوم يوم عبوس يوم هذا النهاره. وعندما انطلقت الثورة المسلحة عام 1965 رافقتها الأغاني الشعبية، في مقدمتها أغنية العاصفة التي تبدأ قائلة باسم الله باسم الفتح.. باسم الثورة الشعبية باسم الدم باسم الجرح .. اللي بينزف حرية. وكذلك قصيدة بلادي، ومطلعها بلادي بلادي بلادي .. فتح ثورة على الأعادي، و أغنية طريق العزة التي تبدأ أنا كسرت القيد قيد مذلتي .. وسحقت جلادي وصانع نكبتي. ومع هزيمة 1967، التي زلزلت العرب أجمعين، غنى الشعب، في تغلبه على الهزيمة النفسية، العديد من الأغاني، منها هذه التي تبدأ بـ طالع لك يا عدوي طالع .. من كل بيت وحارة وشارع ، ومنها أيضًا تلك التي يقول مطلعها طل سلاحي من جراحي .. يا ثورتنا طل سلاحي ولا يمكن قوة في الدنيا .. تنزع من إيدي سلاحي. لكن الفلسطينيين لم يستسلموا للهزيمة، شأنهم شأن المصريين، فخاضوا معركة الكرامة عام 1970، التي حققوا فيها أول انتصار لهم على الجيش الإسرائيلي، لتُخلّد الأغنية الشعبية بطولتهم قائلة وحدنا الدم يا كرامة .. وحدنا الدم والشمل التم يا كرامة .. والشمل التم في حبال النار فدائية .. بين الأغوار فدائية عاجبين الأرض العربية .. وحدنا الدم لحرب التحرير الشعبية .. وحدنا الدم. ومارست المرأة الفلسطينية دورًا مهمًا في مسار الغناء الشعبي، لتشجع المقاومين على مواصلة العمل، مثل هذه الأغنية التي تقول هالفدائي يا محلاه دخلك ياما اعطيني إياه في أيدي باروده وفي أيده باروده وع الحدود أنا وياه. أو تلك التي تقول بإيدي رشاشي .. فرشتي ولحافي وأرضنا المحتلة .. ما بترجع بلاشي. وفي مسار الكفاح المسلح يغني الفلسطينيون أيضًا والله لاحمل ديكتريوف .. وقلوبنا ما تحمل خوف تحت حماية جرينوف .. ما بنهاب الطيارة ولا بنخاف الفارة .. وإن متنا مش خسارة هذه ثورة شعبية. أو تلك الأغنية التي تشد على يد أم الشهيد، وتربط على قلبها، فتقول يا أم الشهيد وقدمني للثورة ولادك .. إحنا ولادك يامَّا وإحنا رجالك. في الشتات ليس هذا فحسب، بل إن الهتافات التي تعلو في المظاهرات والاحتجاجات تعتمد على الأغاني الشعبية ومختلف أنواعها، بحيث تتحول المظاهرة إلى ما يشبه الزفة، لنجد أغاني من قبيل يا صهيوني صبرك صبرك في رام الله نحفر قبرك ويا أمتنا الوطنية بدنا أكثر جدية و جابوا الشهيد جابوه وبعلم الثورة لفوه أنا أمه يا فرحة أمه في عرسه في ليلة دمه يا أخوانه للثورة انضموا زغرودة ياللا حيوه. ولأن فكرة العودة باتت جزءًا أصيلًا من الثقافة السياسية الفلسطينية، يغني الفلسطينيون في الشتات للرجوع إلى بلادهم، كي تنتهي غربتهم الطويلة، مثل تلك الأغنية التي تقول روح الغايب على بلده وانجمع شمله على ولده، أو هذه التي تقول يا طير يا غريب يا مروح .. خدني معاك لانوح غريب ومسافر ع بلادي .. وأنا غيرك حبيبي ما أنادي. وبالأغنية الشعبية يرسم الفلسطينيون الحدود الجغرافية لبلدهم، الذي طُرد منه بعضهم إلى الشتات، وهناك من يرزحون تحت الاحتلال في الضفة الغربية وغزة، ويوجد من يعانون من التمييز من الفلسطينيين الذين أجبروا على حمل الجنسية الإسرائيلية. وفي هذا المضمار تقول هذه الأغنية قلبي يا أربع وديان .. سواقي تقلب ع ميَّه أولهم يا نهر العوجا .. من بعيد تسمع دويه ثانيهم يا نهر روبين .. ياما زاروك الزوارة ثالثهم يا وادي غزة .. ياما زروك الزوراة. وعلاوة على الأغاني التي تنتجها قرائح الناس، ومخيلتهم الجمعية، وترددها الألسن بشكل عفوي، وتتناسل في الأمكنة، وتمتد عبر السنين، شكل الفلسطينيون فرقًا تلتقط بعض هذه الأغاني وتنظمها، أو تؤلف على منوالها أخرى، لتقوم تغذية مرتدة بين ما يبدعه الناس، وما يبدعه الشعراء الشعبيون. وحسبما أوردت منال محمود في تحقيق صحفي مهم بعنوان كيف أثرت الأغاني الشعبية في المقاومة الفلسطينية؟، أسس الفلسطينيون العديد من الفرق الشعبية. ففي نهاية سبعينيات القرن العشرين، تأسست فرقة العاشقين تحت إشراف منظمة التحرير الفلسطينية نفسها، وقدمت أعمالًا فنية مهمة حول الوطن والكفاح في سبيل استرداد الأرض السليبة، وتحرير الشعب المحتل. بعدها جاءت فرقة بيسان التي تكونت عام 1979، لتحافظ على التراث الموجود بالغناء للأرض والفدائيين والشهداء. وفي مطلع الثمانينيات نشأت فرقة أجراس العودة، ودارت أغانيها عن السجن والغربة واللجوء والبطولة والحنين للوطن. وقبيل انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987، انطلقت فرقة العودة، وجعلت مهمتها توظيف التراث في صناعة الفن المقاوم، ودعوة من في الشتات إلى العودة. وبعد ثلاثة أعوام، وفي يوم الأرض، انطلقت فرقة القدس التي تغنت بهذه المدينة المقدسة وأهميتها. وفي عام 1999 تأسست فرقة شهداء جباليا، التي دعت أغانيها إلى النضال في سبيل تحرير الأرض. ومع انتفاضة الأقصى نشأت فرقتان، الأولى هي فرقة محمد الدرة، وهي فرقة مستقلة تعبئ الجماهير حول المقاومة، وتعرفهم بالقضية الوطنية. والثانية هي فرقة الاعتصام التي هدفت أغانيها إلى رفع الروح المعنوية للمنتفضين ضد الاحتلال. وبعد عام تأسست فرقة زغاريد الوطن، لتعبر عن الهم الوطني بطريقة خاصة. وهناك أيضًا فرقة ناجي العلي التي وضعت جهدها الفني في خدمة قضية التحرير. وقد أورد ضرار أبو شعيرة في كتابه دليل الأغنية الشعبية الفلسطينية ثمانين أغنية، تتسم بالتنوع في الأغراض والموضوعات والمجازات والموسيقى والبنية الفنية، لعل أكثرها قوة، سواء على المستوى الفني، أو للمعاني التي تحملها عن شعب لن يتنازل عن حقوقه، ولن ينكسر أبدًا، مهما كان حجم الألم والتضحيات، تلك الأغنية التي تقول سنوا عضامي سنوها سيوف وعيوني عيوني قنبلة مولوتوف أنا شعب بدمه يشق الليل ويصنع من لحمه قنابل ويقاتل ويظل يقاتل ومن جرحه يسحب سكين وبصدر العريان يقاتل دوريات المحتلين أنا هذا الشعب اللي ما بهدا وباستشهاده هزم الخوف أنا شعب شد الأرض بسنانه من قدم الغاصب ولا يمكن حقي يضيع وأنا دمي وراه مطالب. لقد أضاف الشعب الفلسطيني اللون الأحمر إلى أزيائه علامة على دمه الذي يُراق في سبيل الوطن، وتنطوي الكثير من أساطيره وخرافاته وحكاياته الشعبية على قيم ومعانٍ دالة على مكانة أرضه وهويته وتاريخه من نفسه، لذا كان من الطبيعي أن تأتي أغانيه الشعبية لتصوغَ كل هذا في كلمات وألحان، تشكل نوعًا من المقاومة المدنية السلمية، وتدعو في الوقت نفسه إلى المقاومة المسلحة وتُلهب حماس القائمين بها، وتبرر مسلكهم، لتبقى جانبًا نابضًا بحياة الفلسطينيين معبرًا عن وجدانهم الكلي، وعقلهم الجمعي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/7/%d8%ba%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%81%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%aa%d8%a7%d9%84
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-04-07T12:41:55
2024-04-07T12:41:55
مقالات
2,330
بلينكن يتبختر فوق حبال الموت
جاء بلينكن متبخترًا فوق حبال الموت التي تلفّ سكّان قطاع غزة؛ ليعيد سرد الأكاذيب، وليذكّر دولَ المنطقة بالدم اليهودي (المقدس) الذي أراقته المقاومة الفلسطينية في “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر.
لم يأتِ وزير الخارجيَّة الأميركي أنتوني بلينكن في زيارته الحالية الرابعة إلى المنطقة ليناقش زعماءها ووزراءها فيما ينبغي القيام به لإيقاف حرب الإبادة المتواصلة ليل نهار، التي يشنها التحالف الصهيو-أميركي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والتي ارتفع عدد ضحاياها من المدنيين الفلسطينيين بين زيارة الوزير الثالثة قبل شهرَين وهذه الزيارة؛ من 30 ألف قتيل وجريح إلى حوالي 100 ألف قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، وتحوّل فيها قطاع غزة إلى كتلة من الدمار، لا تصلح للحياة، تنبعث منها رائحة القتلى والألم والمعاناة وتعشّش فيها أشباح الرعب وخيالات المغدورين. لم يأتِ بلينكن ليبشر النازحين الفلسطينيين الذين تطاردهم حرب الإبادة من بيت إلى بيت، ومن شارع إلى شارع، ومن مأوى إلى مأوى؛ بأن الإدارة الأميركية ستضع حدًا لهذه الإبادة وتعلن وقف إطلاق النار. جاء بلينكن من جديد ليعيد سرد الأكاذيب، وليذكّر دول المنطقة بالدم اليهودي الذي أراقته المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى، وليعلن من جديد، أن حرب الإبادة الجماعية ستستمر في قطاع غزة حتى تحقق أهدافها جاء بلينكن متبخترًا فوق حبال الموت التي تلفّ سكّان قطاع غزة؛ ليعيد سرد الأكاذيب، وليذكّر دولَ المنطقة بالدم اليهودي المقدس الذي أراقته المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي، وليعلن من جديد، رغمًا عن الجميع، أنّ حرب الإبادة الجماعية مستمرة حتى تحقق أهدافها، الظاهرة منها والباطنة. لا أدري بأي وجه يأتي الوزير بلينكن وهو يمثّل الدولة المسؤولة مسؤولية مباشرة عن هذه الكارثة الإنسانية التي تنام البشرية وتصحو يوميًا على جثث قتلاها وأشلائها وصراخها وعويلها، وهو يمثل الدولة التي تزعم أنها تقود العالم وتحمي القيم والقوانين والمواثيق الإنسانية، وتدافع عن المظلومين والضعفاء والمضطهدين، وتعمل على نشر السلام وتعزيز الاستقرار وتطوير البشرية. يأتي الوزير بلينكن بكل برود وبلادة وكأنه لا يشاهد يوميًا تفاصيل المأساة التي تخيّم على قطاع غزة، متلفّعًا برداء العُنجُهية والاستكبار والقوة والجبروت. ولا أدري ماذا يفعل في المنطقة بعد أن ضربت دولتُه بكل مناشدات العالم عُرضَ الحائط؛ لإيقاف الحرب، وأصمّت آذانها عن سماع كافة المبررات والقرارات والإحالات القانونية والإنسانية التي سيقت لإقناعهم بإيقاف إطلاق النار بأي حق يأتي للحديث والتفاوض في الوقت الذي تواصل دولته حربها الهمجية مع الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، التي امتدت جرائمها إلى الموتى في قبورهم، دون أن يرفّ لها جفن أو ترقّ لها عين كان حرياً بالشعوب والمؤسسات المدنية أن تخرج وتصرخ بشكل عارم في وجه بلينكن لتعبر عن سخطها واستنكارها ورفضها الموقفَ الأميركي الداعم بشكل مطلق للكيان الصهيوني، وأن ترفع صوتها عاليًا في وجهه مطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار؟، إذ لا معنى للحديث عن المساعدات الإنسانية، بينما تواصل حرب الإبادة الصهيو-أميركية جرائمها ضد الإنسانية. لقد انتفضت الإدارة الأميركية ولم تقعد، ومعها عموم الإدارات الغربية للمجزرة الروسية في مدينة بوتشا الأوكرانية في أبريل نيسان 2022م، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين من الأوكرانيين، ونحن نشهد يوميًا عشرات المجازر التي تفوق الواحدة منها في همجيتها وضحاياها- أضعاف ما حدث في بوتشا، ولكن عين الظلم عمياء، وأذنه صمّاء، لا ترى ولا تسمع إلا ما تريد وبالطريقة التي تريد. لم يحمل الوزير بلينكن معه في جولته سوى تأكيدات سبق تكرارها في مناسبات وأشكال عديدة، فهل هناك مسائل أخرى جاء ليبحثها مع مسؤولي المنطقة غير تلك التي تم الإعلان عنها لوسائل الإعلام؟ بلينكن الذي يزور المنطقة في الفترة من 4-11 يناير كانون الثاني الجاري، ويلتقي بزعماء ومسؤولي ثماني دول تركيا، واليونان، والأردن، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والكيان الصهيوني، ومصر، بالإضافة إلى الضفة الغربية؛ لم يحمل معه شيئًا مما يتطلع المراقبون في المنطقة إلى أن يسمعوه منه، فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، فلم يحمل الوزير معه سوى تأكيدات سبق تكرارها في مناسبات وأشكال عديدة، فهل هناك مسائل أخرى جاء ليبحثها مع مسؤولي المنطقة غير تلك التي تم الإعلان عنها لوسائل الإعلام؟ أمّا التأكيدات التي جاء بها الوزير بلينكن فيمكن تلخيصها في مسألتَين اثنتَين؛ هما وأهمّ ما ورد فيها ما يأتي أما ما يتحدث به بلينكن عن التزام الولايات المتحدة بأن قطاع غزة جزء من الأراضي الفلسطينية، فلن تكون الإدارة الأميركية الحالية في مكانها حتى تُسأل عن التزامها، كما سيتم تجاوز هذا الالتزام بفرض سياسة الأمر الواقع الصهيونية، وباب الأمم المتحدة مفتوح على مصراعيه لمن أراد أن يحتجّ على هذه السياسة من الفلسطينيين والعرب والمسلمين. ولا أدري لماذا تصدرت هذه المسألة اهتمامات الوزير في جولته الحالية، رغم التأكيد عليها منذ بداية الأزمة، والتهديد والوعيد الذي قدَّمته الولايات المتحدة لمن سيقوم بذلك؟ وإذا نظرنا إلى احتمالات توسيع رقعة النزاع بدخول أطراف أخرى على ساحة المعركة، فإن جميع الأصابع ستشير إلى إيران فقط، أما بقية الدول العربية المجاورة وغير المجاورة للكيان الصهيوني، فليس هناك توقعات بدخولها ساحة المعركة. وهذا يدفعنا إلى تفسير إيلاء هذه المسألة أهمية كبرى في جولة بلينكن بأحد أمرَين سيغادر بلينكن المنطقة بعد يومين، وهو ليس في عجلة من أمره، وربما يعود بعد شهرَين آخرين كما عاد هذه المرة، ليطمئن على ارتفاع معدل تحقيق الأهداف، غير مكترث لارتفاع معدل القتلى والجرحى في صفوف سكان القطاع، الذين أصبحوا بلا مأوى، ولم يعد لهم وطن يرجعون إليه وأصبحوا مجرد أسماء في دفاتر المنافي الجديدة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/9/%d8%a8%d9%84%d9%8a%d9%86%d9%83%d9%86-%d9%8a%d8%aa%d8%a8%d8%ae%d8%aa%d8%b1-%d9%81%d9%88%d9%82-%d8%ad%d8%a8%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-09T08:08:12
2024-01-09T14:54:26
مقالات
2,331
السلاح الاقتصاديّ وحرب غزّة.. رؤية تحليليّة
لقد أحدث السلاح الاقتصاديّ جراحًا في غزة ليس سهلًا علاجُها، ومن الصعب على الساسة في الغرب أن يتصوّروا كيف يؤثر هذا على الإنسان ، وكيف يولّد غضبًا لا شفاءَ منه
الاقتصادُ سلاحٌ يستخدم بتوسّع حاليًا على صُعُدٍ متعدّدة، وتتنوّع الأسلحةُ الاقتصاديّةُ ما بين العقوبات، والحظر التّجاريّ والمقاطعة. وقد ذهبت مراكز صناعة القرار، والأبحاث السياسيّة في الغرب إلى أنَّ السلاح الاقتصادي يعتبر تهديدًا لا يقاوم، ويمكن أن يركّع الطرف الآخر دون قطرة دم واحدة، واعتبره الغرب وسيلةً بديلة للحرب، لكنّها حرب خانقة قد تؤدّي إلى اليأس. الآن ومن 7 أكتوبر وغزّة تحت حصار اقتصادي خانق من قبل إسرائيل، فمن أين أتى هذا وشُرعن لإسرائيل من قبل الغرب؟ بدأ هذا مع الحرب العالميّة الأولى، حينما حاصر الحلفاء ألمانيا عبر منع استيراد الأغذية والمنتجات الأوليّة؛ كمدخلات للصناعة الألمانيّة، مثل، المعادن كالمنجنيز، والتي كانت لندن مركزَ تجارتها دوليًا، هنا جرى استغلال نقاط الضعف الاقتصادي من قبل الخَصم الذي لا يرحم، فحُرمت ألمانيا وحلفاؤها من الكثير تحت الحصار، فكان ردّ فعلها عبر حرب الغواصات لشلّ حركة الشحن عبر ضفتَي المتوسط، لكنّ هذا كله كان يتم عبر حسابات مادية براجماتيّة بحتة، فغالبًا ما تكون العقوبات غير قابلة للتنبّؤ بعواقبها، فعندما صنّفت الولايات المتحدة الأميركية شركة روسال عملاق صناعة الألمنيوم الروسيّة والقريبة من دوائر الحكم في روسيا، لم تتوقّع كيف يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تعريض اقتصاد حلفائها في أوروبا الغربية للخطر، والأخطر من ذلك هو أنّ صنّاع السياسات الأميركيّين لا يعرفون كيف ستردّ روسيا، حيث إنّ فلاديمير بوتين حساباته مختلفة عن حسابات الغرب، فهو لا يضع المصلحة الاقتصادية فوق كل شيء طبقًا للبراجماتيّة الغربية، وموازنة العقوبات مقابل الخسائر الماديّة، بل يعتبر أنّ روسيا تتعرّض إلى تهديد وجودي يتطلب ردًا عسكريًا، هنا نرى دُوّامة من انعدام الأمن لا يمكن التنبّؤ بنهايتها. وهذا ما حدث في حرب غزّة الأخيرة بسبب الحصار الإسرائيلي لسنوات، فهناك انعدام للأمن والاستقرار في دُوّامة من العنف لا نهاية لها. لقد أحدث السلاح الاقتصاديّ جراحًا في غزة ليس سهلًا علاجُها، ومن الصعب على الساسة في الغرب أن يتصوّروا كيف يؤثر هذا على الإنسان، وكيف يولّد غضبًا لا شفاءَ منه. إنَّ سلاح العقوبات الاقتصاديَّة الصارم الذي دأب الغرب على استخدامه تبّنته إسرائيل ضد غزّة، وهو نظام يقومُ على قيود تفرضها الدول على تداول بعض المنتجات أو السلع أو الخدمات، وكل ذلك له آثار على الدول والشركات والأفراد على المدى البعيد، ما يفرض إعادة التفكير في هيكلة النظام الاقتصاديّ العالميّ مرّة أخرى لنزع هذا السلاح من يد الولايات المتحدة وأوروبا، للحدّ من نفوذهما دوليًا. إنّ خطورة الوضع الدوليّ الراهن تكمنُ في نظام مقاصّة الدولار، فبوسع الولايات المتّحدة إخراج الشركات الأجنبية متعدّدة الجنسيات، وحتى الدول متوسّطة الاقتصاد من الأنظمة المركزيّة للاقتصاد العالميّ، هنا سُلطة الدولة الواحدة باتت بحاجة لمُراجعة، وهذا ما ولّد تجمّع البركس، ومعاملات نقديّة مباشرة بين بعض الدول لتفادي هذا النّظام. إنّ قرار أوروبا والولايات المتحدة بإخراج روسيا من النظام المالي العالميّ- من خلال حرمان البنوك المركزية من الوصول إلى سويفت، ومقاصة الدولار، وتجميد أصول البنوك المركزية- يؤدي إلى تشوهات في الاقتصاد الدولي، وحذر شديد من عدد من الدول الصاعدة من خارج التحالف الغربي، ما يولّد معاملات اقتصادية لتجاوز النظم المركزيّة الغربية الاقتصادية المهيمنة. ولكنْ هل هناك ردود فعل تجاه هذه العقوبات والحظر التجاريّ لبعض المنتجات؟ إنَّ سلاحَ العقوبات يواجهُه سلاح المقاطعة، وهو أسلوب نموذجي للمواجهة والمقاومة تستخدمه الشعوب كي تنال حريتها واستقلالها، والمقصود هنا المقاطعة بشكل عام مع الطّرف المطلوب مقاطعته، والتأثير عليه سياسيًا أو إضعافه عسكريًا واقتصاديًا، هذا ما أرساه المهتاما غاندي، حينما طلب من الهنود أن يقاطعوا المنسوجات البريطانية المصنوعة من القطن الهندي، وأن ينتجوا ملابسهم بأنفسهم، فكان سلاحًا ناجعًا، وهذا ما خنق إسرائيل لسنوات في ظلّ المقاطعة العربية من عام 1948م، ففي سنة 1948 م صدرت فتوى من الأزهر الشريف جاء فيها تحريم بيع أراضي فلسطين لليهود ووجوب مقاطعتهم..، هذه الفتوى تلاها عدة بيانات ومواقف للأزهر تساند فلسطين في كل المواقف، لكن كان الإجماع العربي في الخمسينيات بمقاطعة إسرائيل ومن يتعاون معها اقتصاديًا بدايةً لشهْر هذا السلاح، وكان أبرز إنجازاته قرار مجلس جامعة الدول العربية في عام 1975 بمقاطعة خطوط طيران أيرفرانس بسبب استثماراتها في مشروعات تنموية إسرائيليّة، وتوقفت أنشطة الشركة في القاهرة ودمشق وهو ما أدَّى إلى رضوخها للمطالب العربيّة. لعلّ قطع البترول عن الدول الأوروبية التي تدعم إسرائيل وكذلك الولايات المتحدة إبان حرب أكتوبر 1973، كان أكبر أداة ضغط عربية استخدمت ضد إسرائيل، لكن بعد عام 1977 شهدت المقاطعة العربية لإسرائيل حالة تراخٍ متصاعدة، ليعود مرة أخرى سلاح المقاطعة للواجهة منذ انتفاضة سنة 2000 في الضفة الغربية، وما ترتّب عليها من مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، فالسوق الفلسطيني ثاني أكبر سوق لها، وقد صدر تقرير إسرائيليّ في مارس 2001 يشير إلى انخفاضٍ قدره 50 على الصادرات الإسرائيلية إلى مناطق السلطة الفلسطينية. هذا ويمكن أن نقدّر في هذا السياق موقف الاتحاد الأوروبي من مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، فقد امتنع عن استيرادها باعتبارها لا تخضع لاتفاقية التجارة الحرّة مع إسرائيل، فلجأت إسرائيل لتزييف شهادة المنشأ. لكن حرب غزّة الأخيرة أفرزت لأوّل مرة جبلًا شابًا لم يكن يعلم من قبل ما هي فلسطين وما هي مأساتها، غير أن مشاهد الدم جعلت الشعور بمأساة فلسطين يتدفّق في شرايينه، وما زاد الأمر تدفقًا هو العجز العربيّ عن إنقاذ غزة، فتعالت أصوات المقاطعة في الدول العربية الإسلامية. وبتحليل خطاب المقاطعة في وسائط التواصل الاجتماعيّ سنجد أنّ الشريحة من 20 عامًا إلى 45 عامًا هي الأكثر تفاعلًا من الأجيال الأكبر، وخاصة من تعدوا الستين عامًا والذين عاصروا حرب 1973، وحصار بيروت واجتياح لبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، وكأن الحرب الأخيرة خلقت جيلًا يرى إسرائيل عدوًا حقيقيًا يجب مواجهته، وظهر سلاح المقاطعة كحلّ يمكن من خلاله دعم القضية الفلسطينية، ليبقى التساؤل هل هذه المرّة حملات المقاطعة مختلفة؟ في حقيقة الأمر مختلفة، فهي تتجاوز فكرة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ومقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل إلى مقاطعة بضائع الدول التي أعطت غطاءً لإسرائيل لقتل المدنيين في غزة، بدءًا من الولايات المتحدة الأميركيّة إلى دول أوروبية، مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وهولندا، ويبدو في الأفق في بعض هذه الدعوات اتجاهٌ إلى إعادة النظر في مكانة هذه الدول في المنطقة العربية فبعد أن كانت تحظى بمكانة وتقدير، بات هذا محلّ تساؤلات، ليبقى التساؤل كيف ستنظر هذه الأجيال مستقبلًا لها؟، إنّ من المثير أيضًا وجود دعوات في مجموعات خليجيّة في وسائط التواصل الاجتماعي مجموعات واتساب لمقاطعة السيّاح الخليجيين زيارة لندن؛ عقابًا لبريطانيا على دعمها إسرائيل الذي شمل أسلحة لقتل المدنيين في غزة، بل ذهب البعض لرصد حجم إنفاق السياح الخليجيين في لندن وأعدادهم، ليذهب البعض بعيدًا إلى ضرورة سحب الاستثمارات العربيّة في بريطانيا، أو وقف ضخّ استثمارات جديدة، قد يكون هذا كله نتاجَ الحماس والضغط الذي تسبّبه المشاهد الدموية المنقولة من غزة. إنَّ العديد من الدراسات المسحيّة تبين أنَّ أي دعوات للمقاطعة قد تراوح مكانها، وبالتالي يظل تأثيرها لا يعدو كونه تهديدًا، وعادة لا يكون للمقاطعة تأثير اقتصادي كبير على المدى القصير؛ بسبب التعقيد في السوق العالميّ، وتنوع الصادرات في معظم الدول، الأمر الذي يجعل التأثير عليها صعبًا. وعلى جانب آخر تمثل استمرارية المقاطعة باعتبارها إرادة قوية سلاحًا مؤثرًا. من هنا فإنَّ سلاح المقاطعة لابدّ أن تكون له قوّة الاستمرار، وهذا ما قد يغيّر مواقف الدول المساندة لإسرائيل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/12/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d9%91-%d9%88%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%ba%d8%b2%d9%91%d8%a9-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-12T00:57:19
2023-11-12T00:57:19
مقالات
2,332
تحلل الدولتية وتعميق المليشياوية.. الخطر الوجودي على إسرائيل
تشهد إسرائيل في السنوات الأخيرة اقتحامات متوالية تقوم بها مجموعات مليشياوية داخل الجيش وخارجه. وهي تمثل تعبيرًا عن ظاهرة أعمق يمكن تسميتها بصعود النزعة المليشياوية ثقافة وسلوكًا على حساب “الدولتية”.
تشهد إسرائيل في السنوات الأخيرة ظاهرة متنامية من الاقتحامات والهجمات التي تقوم بها مجموعات مليشياوية داخل الجيش وخارجه. تشكل هذه الاقتحامات تعبيرًا عن ظاهرة أعمق في المشهد الإسرائيلي يمكن تسميتها بصعود النزعة المليشياوية ثقافة وسلوكًا داخل الجيش وخارجه. ويتم تغذيتها خارج الجيش كما في داخله. المقصود بالنزعة المليشياوية هو كسر التراتبية التنظيمية في الجيش، وتغيير مصادر الشرعية والسلطة لسلوك الجنود، مما يتواصل مع النزعة خارج الجيش التي تتمثّل في كسر قواعد اللعبة السياسية والعرفية وغياب المحاسبة للسلوكيات المليشياوية الجماعية التي تحظى بدعم من السلطة السياسية الرسمية وسلطات غير رسمية. تأسّست دولة إسرائيل على نزع الحالة والثقافة المليشياوية عن مجتمع المستوطنين اليهود في فلسطين، وخصوصًا النزعة والتنظيم المليشياوي العسكري المرتبط مع تيارات سياسية وأيديولوجية في صفوف المجتمع الاستيطاني. اضطر مؤسسو الدولة إلى نزع الصفة المليشياوية عن المستوطنين اليهود من خلال تبنّي منظومة الدولتية المملختيوت بالعبرية وتفكيك المليشيات العسكرية لصالح بناء جيش واحد يجمع أفراد المليشيات الصهيونية العسكرية في إطار جيش حديث له تراتبية ومصدر سلطة وشرعية واحدة. فرض بن غوريون ذلك بالقوة، كما حدث عند قصف سفينة الطلينا في يونيوحزيران 1948، التي كانت تحمل شحنة أسلحة لمنظمة الإيتسل العسكرية، مما أدى إلى مقتل 19 شخصًا، بينهم 3 من قوات الجيش و16 من قوات الإيتسل. في ضوء ذلك، يمكن تفسير الأحداث التي أدت إلى اقتحام سجن سدي تيمان وقاعدة المحكمة العسكرية، باعتبارها نتيجة تراكمات أسهمت في تحلل مفهوم الدولتية من جهة، وتغلغل النزعة المليشياوية في صفوف الجيش من جهة أخرى. حيث برزت العلاقة العكسية الواضحة بين هذين الاتجاهين. ظهرت معالم المليشياوية في تغلغل المشروع الاستيطاني وثقافته من الضفة الغربية إلى إسرائيل. وقام بتغذيتها سياسيون وناشطون ورجال دين يسكنون في المستوطنات وخارجها. وتدل هذه الظاهرة على سطوة المشروع الاستيطاني في الضفة، على ثقافة المجتمع والدولة في السنوات الأخيرة. ويكفي التذكير بأهم مؤشراتها التي ظهرت في تنظيم مليشيات يهودية خلال أحداث هبة الكرامة 2021 لملاحقة الفلسطينيين في المدن الساحلية المختلطة، وتحديدًا في اللد وعكا. تجندت هذه المليشيات وأرهبت الفلسطينيين دون أن تتخذ سلطات فرض القانون، وتحديدًا الشرطة، أي إجراءات ضدها. تمادى النشاط المليشياوي في الضفة الغربية بدعم سياسي حكومي وصمت من الجيش، بل فلنقل تحت حمايته، في ممارسة عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين، مثل حرق بيوتهم والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم وأراضيهم، وصولًا إلى قتل بعضهم. وبلغ الأمر ذروته في الهجوم الجماعي المنظم على بلدة حوارة بدعم سياسي وعسكري واضح للجميع. استمرَّت الظاهرة المليشياوية خلال الحرب على غزة بتنظيم مجموعات قامت بحرق شاحنات الإغاثة الإنسانية في طريقها من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، وإغلاق معبر أبو سالم؛ لمنع دخول الشاحنات دون اتخاذ أي خطوات للحساب والعقاب ضدّها. كشفت أحداث السابع من أكتوبرتشرين الأول عن ضعف الدولة وتحللها من خلال ضعف مفهوم الدولتية. كان لليمين على مدار العقدين الماضيين الدور الأساسي في إضعاف مؤسسات الدولة؛ بهدف إخضاعها لتكون مركبًا من مشروعه الاستيطاني في الضفة الغربية من جهة، وتابعة لهذا المشروع من جهة أخرى، وللهيمنة عليها من خلال إضعاف مؤسساتها وتفكيك نخبها القديمة، أو ما يمكن تسميته الدولة العميقة. دمج هذا الأسلوب بين الخطاب اليميني الشعبوي وإحداث ردة عن التحولات الليبرالية التي مرّت بها الدولة ومؤسساتها في عقد التسعينيات نحو إعادة تعريف الدولة كدولة يهودية منسجمة مع التعريف الصهيوني الديني، وهو ما ظهر في تشريع قانون أساس دولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي عام 2018، المعروف بقانون القومية. ظهر ضعف الدولتية في ذلك التواطؤ مع الحالة المليشياوية الاجتماعية اليمينية، خاصة عندما يتعلق الأمر باستهداف الفلسطينيين. وفي آخر تجلياته، برز في التسامح السياسي مع اقتحام مجموعات منظمة لسجن سدي تيمان وقاعدة عوفر. إذ حظي هؤلاء المقتحمون بدعم سياسي ونجوا من الحساب، وفي حالات أخرى يحظون كذلك بالحراسة والدعم، كما حدث مع المليشيات المنظمة التي اعتدت على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وفي الضفة الغربية. ظهر كذلك تواطؤ الجيش مع ظهور النزعة المليشياوية فيه وحظوة جزء منها بدعمه، على غرار تأسيس وحدات عسكرية منسجمة أيديولوجيًا مثل وحدة نيتسح يهودا، وفي إدخال حاخامات الصهيونية الدينية للجيش، وكل منظومة المدارس الدينية العسكرية التي تخرج جنودًا متدينين قوميين للجيش يعتبرون أن الحاخام هو السلطة العليا، ويتعاملون مع الجيش على أنه جهاز لخدمة المشروع الاستيطاني. ويمكن تعداد المئات من الحالات التي تثبت الحالة المليشياوية في الجيش على مستوى الأفراد والوحدات أو المجموعات، وليس هنا مقام الاستفاضة فيها. ويمكن تفسير ما حدث في سدي تيمان على أنه تمرّد لجنود في الجيش ضد أوامر عسكرية، وطلبهم الحماية من شعب إسرائيل، وسرعان ما تجمع لنصرتهم حشود مدعومة من وزراء وسياسيين حاولوا إخراج أولئك الجنود بالقوة من قاعدة عوفر العسكرية، فيما وقفت الدولة عاجزة عن صدهم ومحاسبتهم. يهدف اليمين من مشروعه في إضعاف الدولة ومؤسساتها وفي تعميق النزعة المليشياوية في الجيش إلى منع تفكيك المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية أو حتى جزء منه، كما حدث في الانسحاب من غزة عام 2005، وهو الحدث الذي شكل صدمة كبيرة لليمين آنذاك، قرر بعدها تنفيذ مشروعه في الهيمنة على الدولة. تمّت هذه العملية بشكل متراكم، ووصلت ذروتها في مشروع التغييرات الدستورية عام 2023، التي تواكبت مع نزع صفة القدسية عن الجيش والتهجّم عليه كلما تعارضت ممارساته مع مصالح المشروع الاستعماري حتى ولو شكليًا، وهناك كذلك أدلجة مستمرة لجهاز الشرطة بما يخدم أجندات اليمين المتطرف. فهم بن غوريون أنّ قوة المشروع الصهيوني تكمن في تعزيز الصفة الدولتية على الحقل السياسي الإسرائيلي وإلغاء النزعة المليشياوية عن الجيش الإسرائيلي الذي لعب دورًا اجتماعيًا في بناء أمة إسرائيل الواحدة من المهاجرين. ولكن ما يحدث هناك منذ عقود، وعمقته الحرب في قطاع غزة وكشفته، هو تحلل ذلك التوجه الدولتي لصالح تغلغل النزعة المليشياوية بين الأفراد والضباط والوحدات العسكرية، وهو ما يمثل أكبر تهديد وجوديّ قائم لدولة إسرائيل. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/5/%d8%aa%d8%ad%d9%84%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%aa%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%b9%d9%85%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%b4%d9%8a%d8%a7%d9%88%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-08-05T16:45:20
2024-08-06T10:24:11
مقالات
2,333
المرأة الحديدية.. أسماء الأسد في مواجهة شرسة مع خصومها
استطاعت أسماء الأسد السيطرة على الدولة وبخُطة بعيدة المدى ودقيقة تناولت خصومها جميعًا، وعلى رأسهم كلّ من كان يلوذ بأنيسة سواء عن طريق النسب، مثل: “رامي مخلوف ووالده” أو عن طريق المصالح فقط.
لقب المرأة الحديديّة لم يطلقه على أسماء الأسد أحدٌ من قبلُ، وقد تفرّدت به رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر طيلة فترة حكمها. وكانت فعلًا تستحقّ اللقب عن جدارة، بسبب سياستها الداخلية والخارجية. وقد يبدو اللقب فضفاضًا على أسماء إن كان المقصود به الناحية الإيجابية، لكن المقصود من هذا اللقب هنا شيء آخر. من المعروف لدى السوريين أنّ أسماء الأسد منذ موت حاكمة الظلّ أنيسة مخلوف زوجة حافظ الأسد، مسحت بحبر أسودَ سيرة حماتها من الوجود، وأمسكت بقبضة من حديد مفاصل الدولة، وسيطرت على الاقتصاد حدّ إبعاد بشّار الأسد نفسه من الواجهة. وصار حين يظهر في أماكن عامة ويريد أن يتحدّث في وجودها، يقول أسماء وأنا. يجب أن يتصدر اسم السيدة الأولى حديث الرئيس إلى الجمهور في كلّ جملة وكلّ شأن يتحدّث فيه. وقد استطاعت أسماء الأسد السيطرة على الدولة وبخُطة بعيدة المدى ودقيقة تناولت خصومها جميعًا، وعلى رأسهم كلّ من كان يلوذ بأنيسة سواء عن طريق النسب، مثل رامي مخلوف ووالده أو عن طريق المصالح فقط، وهؤلاء كثر منهم عائلة الأسد بتفرعاتها وأذيالها. ويبدو أنّ أسماء في الفترة الأخيرة بعد أن تمكّنت من خصومها، وصادرت أموالهم، وأبعدتهم عن الساحة الاقتصادية، وهيمنت على كلّ شيء، قد أصبحت هدفًا لحملة شرسة من الانتقادات بدأها الأشخاص الذين تضرّرت مصالحهم، وامتدّت لتشمل بعض الناشطين الذين يبحثون عن شمّاعة يعلّقون عليها المصائب والكوارث الحاصلة في الدولة بعيدًا عن الأسد، وأيضًا لتبرئة ساحته من كلّ ما يجري، ويبدو أنّ أسماء هي كبش الفداء. والكبش هذه المرة ليس صغيرًا وضعيفًا، بل هو أشرس وأقوى من كلّ تصورات المعارضين؛ لوجودها السيادي في الحكم حتّى كاد الأسد يبدو ظلًّا لها أو تابعًا في أفضل الأحوال. قامت السياسة السورية على قمع الشعب منذ بداية تسلّم حزب البعث للسلطة وتسيّد الأسد الأب، ولم يعرف التاريخ السوري منذ ذلك الوقت سوى هذه اللغة الوحيدة التي كرّسها النظام وعمل عليها طوال أكثر من نصف قرن من الزمان. ولم تخرج أسماء الأسد عن هذه المنظومة في معاملة معارضيها بغضّ النظر عن مكانتهم، وقوتهم، ومنزلتهم بين الناس. مؤخرًا تمّ اعتقال المحامي والتاجر أيضًا سامر رجب المتزوج من إحدى قريبات الأسد، بسبب شتمه أسماء على صفحته في الفيسبوك. فقد تشكّلت قناعة لدى جمهور الموالاة- وبدوافع طائفية بحتة، وليست وطنية- أنّ أسماء هي التي تحكم وتتحكّم بمقدرات البلد. ويبدو أنّ سامر رجب لم يكن يدرك القوة الحقيقية لأسماء حين شتمها بسبب تضرر مصالحه الشخصية، وظنّ -وإنّ بعض الظنّ إثم- أنّ عائلة الأسد التي يسند ظهره إليها قادرة على حمايته من أنياب الحرير لم يكن سامر وحده، فكلّ الانتقادات من شريحة الموالين تُحمّل أسماء الأسد مسؤولية التدهور الاقتصادي، وحالة الجوع التي تجتاح مناطق النظام بسبب جشعها أولًا، وبسبب نقمتها القديمة، حيث عانت من كراهيةٍ وتهميش ضمن العائلة قبل موت أنيسة. وقد ذهب بعض النشطاء إلى القول صراحة أنّ كلّ ما تفعله أسماء الأسد حاليًا هو عملية انتقام، وأنّ غليلها لم يشفَ بعد، ولا يعرف أحدٌ إلامَ ستؤول أمور الدولة واقتصادها تحديدًا بسبب تلك النزعة الانتقامية لديها. فقد انتقل الصراع من النطاق الضيّق داخل القصر الجمهوري بين أم الرئيس وزوجته إلى نطاق الحياة العامة، وأظهر استشراس أسماء الأسد في الانتقام من كلّ من كان تحت خيمة أنيسة. إحدى صور ذلك الانتقام استملاك أسماء الأسد شركات الاتصالات بأكملها التي كانت لرامي مخلوف، وتحويل اسمها إلى إيما تيل. واختيار اسم إيما بالتحديد لم يكن عبثيًا، فهو الاسم المفضل لدى أسماء الأخرس والذي كانت تتلقّب به بين أصدقائها في لندن قبل الزواج. وقد ربط البعض بين اسمها واسم بطلة رواية الكاتب الفرنسي فلوبير إيما بوفاري والتي أطاحت شهرتها بفلوبير نفسه وعرّضته للمثول أمام المحكمة. قد لا تكون حكاية إيما في الرواية مشابهة لحكاية الرئيسة المقترحة من قبل الكثيرين ومن جهات دولية. لكنّ الصفات المشتركة بين الشخصيتين كثيرة جدًا، أولها الطمع، والجشع، وحبّ المال، والظهور، والشهرة. تساءل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عمّا يمكن أن تتمخض عنه هذه الحملة الشعواء على أسماء الأسد. واضعين تصورات قد تبدو مستحيلة، لكنها في سياق العبث القائم في سوريا والجنون الذي يسيطر على مقادير البلد والشعب كلّ شيء قابل للحدوث. أحدهم تساءل هل يمكن لهذه الحملة أن يكون لها أثر ما ؟ لا تأتي تلك السيناريوهات من فراغ، فعلى مرّ التاريخ لم تكن مصائر النساء اللواتي حكمن الشعوب بهذه الطريقة مصائر حسنة، ومعظمهنّ لم يمتن بطريقة طبيعية. لكن يبدو أنّ أسماء تسير على خطى إيميلدا ماركوس التي استطاعت العودة إلى الفلبين وحصلت على الكثير من الامتيازات على الرغم من كلّ بذخها وجشعها وما فعلته أثناء حكم زوجها للفلبين. أمّا مصير إيلينا زوجة تشاوتشيسكو فقد استبعدته من مخيلتها. مع أنّ ما يحدث في سوريا يشبه ما حدث في رومانيا من قمع واستبداد، وزوجة مهيمنة على الحكم. وكان أن حكم الشعب الروماني بإعدامها مع زوجها. فهل يا ترى ستواصل المنظومة الدولية عملية سحق الشعب السوري وتمنحها كلّ أسباب البقاء؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/17/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1080&quality=80
2024-01-17T04:49:23
2024-01-17T11:51:19
مقالات
2,334
عندما يرتكب غير المسلم جريمة في أوروبا
صراع القيم هو جزء من الصراع القائم بين الدول، ويأخذ أشكالًا متعددة، منها عسكرية ومنها قيمية، مثلما هو الحال في الغرب عندما يتعامل مع منفذي الجرائم، سواء كانوا غربيين أم مهاجرين.
قالت الشرطة الألمانية مساء الجمعة 30 أغسطسآب الماضي، إن ستة أشخاص على الأقل أصيبوا، ثلاثة منهم في حالة خطيرة، في حادثة طعن على متن حافلة في مدينة زيغن الواقعة غرب ألمانيا. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الشرطة قولها إنها ألقت القبض على امرأة مشتبه بها تبلغ من العمر 32 عامًا، والتي ارتكبت جريمتها بينما كان 40 شخصًا على الأقل يستقلون الحافلة إلى مهرجان في مدينة زيغن، الواقعة على بعد حوالي 75 كيلومترًا شرق كولونيا، عندما وقع الهجوم حوالي الساعة الثامنة مساءً، وفقًا لبيان الشرطة. وأبلغ العديد من الركاب الشرطة، التي قامت باعتقال المرأة، وهي مواطنة ألمانية. ولم يتضح الدافع وراء الجريمة، وقالت الشرطة إنه لا توجد معلومات تشير إلى أن الهجوم كان إرهابيًا. وذكرت صحيفة بيلد الألمانية أن المرأة التي نفذت الهجوم ربما كانت تعاني من مشكلات تتعلق بالصحة العقلية. تأتي هذه الحادثة بعد أسبوع واحد تمامًا من عملية الطعن المميتة في مدينة زولينغن الواقعة غرب ألمانيا، حيث قتل مهاجم يحمل سكينًا ثلاثة أشخاص وأصاب ثمانية آخرين خلال مهرجان في شوارع المدينة. وتم القبض على المشتبه به، وهو مواطن سوري يبلغ من العمر 26 عامًا. وكان هندريك فوست، رئيس حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا الألمانية، قد أكد أن هذه الهجمة تدخل ضمن خانة العمل الإرهابي. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الجريمة، حيث نشر التنظيم على وكالة أعماق التابعة له على تليغرام تبنيه الهجوم، في حين لا تزال السلطات الألمانية تحقق في صحة هذا الادعاء، رغم وضعها الحادثة في إطار الإرهاب. وفقًا لخبراء في مجال الإرهاب، يعد هذا أول تبنٍّ من التنظيم للمسؤولية عن هجوم في ألمانيا منذ عام 2016، عندما شن التونسي أنيس العمري هجومًا باستخدام شاحنة لدهس حشد من الأشخاص في سوق عيد الميلاد بساحة برايتشايد بلاتس في برلين في ديسمبركانون الأول من ذلك العام، ما أسفر عن مقتل 13 شخصًا وإصابة العشرات. رغم تشابه الحادثَتين في طريقة تنفيذ الجريمة وفي المنطقة التي تشهد حركة احتفالات، فإن التقارير الأمنية جاءت مختلفة. والمثير للاستغراب هو كيفية متابعة الإعلام لسير التحقيقات والسرعة في توجيه الاتهامات بين الحادثتين. إذ غالبًا ما تصنف التقارير الأمنية الجرائم التي ينفذها المواطنون الأصليون في البلاد، سواء من ألمانيا أو أي بلد أوروبي آخر، على أنها حوادث فردية ناتجة عن دوافع نفسية أو عصبية، وذلك لتبرير الفعل أو على الأقل لعدم تعميمه، إذ يرتبط الأمر بحرب الثقافات التي تشهدها الساحة الدولية، لا سيما بعد إعلان التحالف الصيني- الروسي ومحاربتهما القيم الغربية اللتين تعتبرانها منافية للأخلاق ولا يمكن تطبيقها في دولهما. صراع القيم هو جزء من الصراع القائم بين الدول، ويأخذ أشكالًا متعددة، منها العسكرية ومنها القيمية، مثلما هو الحال في الغرب عندما يتعامل مع منفذي الجرائم، سواء كانوا غربيين أم مهاجرين، حتى وإن كانوا يحملون جنسية البلاد. لهذا، لا يتجرأ الإعلام أو التقارير الإعلامية على نعتهم بالإرهابيين، فهذه صفة تقتصر على المسلمين؛ بسبب حالة الإسلاموفوبيا التي بدأت الحكومات الغربية، سواء اليسارية أم اليمينية، في نشرها. إذ بمجرد أن يرتكب أي عربي مسلم جريمة، يكون الإعلام قد عممها معتبرًا أن الدافع إرهابي. إطلاق صفة الإرهاب لا يرتبط فقط بالأعمال الإجرامية التي يرتكبها غير الأوروبي، بل دخلت هذه الكلمة في قاموس الحضارة الغربية وباتت ملاصقة لكل من يرفض تطبيق القيم التي تسعى الدول الأوروبية إلى فرضها تحت مسمى القيم الغربية، وعلى رأسها زواج المثليين والجندر. هذا ما دفع ببعض الحكومات الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، لوضع خطط لترحيل المهاجرين إلى رواندا. يحتاج الغرب إلى تبني تنظيم الدولة الإسلامية هذه العمليات، لاسيما أنه لم يتبنَّ أي هجوم في أوروبا منذ 2016. وهذا يعتبر دليلًا على تسييس الجرائم واستغلالها بحسب الحاجة. فجريمة زولينغن لا تقل إجرامًا عن جريمة زيغن، لكن أضيف إليها تبني التنظيم العمليةَ، التي تزامنت مع كشف واشنطن وبغداد عن غارة مشتركة على مواقع لمسلحي التنظيم في الصحراء الغربية بالأنبار، وإصابة جنود أميركيين. وأكدت مصادر أن المنطقة كانت تحت المراقبة منذ أشهر. وأفادت القيادة المركزية الأميركية سنتكوم، التي يشمل نطاق عملياتها الشرق الأوسط، بأنها نفذت وقوات عراقية غارة في غرب العراق في الساعات الأولى من يوم 29 أغسطسآب الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 عنصرًا من تنظيم الدولة الإسلامية. غب الطلب، هذا ما ينطبق اليوم على تبني تنظيم الدولة الإسلامية الأعمالَ الإجرامية التي تحدث في دول أوروبا. فالموضوع مرتبط بإعطاء صفة الشرعي والضروري لبقاء القوات الأميركية والغربية في كل من سوريا والعراق. وأكد إيثان غولدريتش، مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى والمسؤول عن الملف السوري في الخارجية الأميركية، أن القوات الأميركية لن تنسحب من سوريا والعراق، نافيًا أي خطط لدى إدارة الرئيس جو بايدن لسحبها. تحتاج الولايات المتحدة إلى إبقاء جنودها في المنطقة، لاسيما بعدما دخل الكيان الإسرائيلي في حرب كبرى في المنطقة. وكان التحالف الغربي قد أخذ ذريعة التدخل في المنطقة لنهب خيراتها وفرض سيطرته، وحماية إسرائيل منذ عام 2014. صراع الحضارات، تلك الرؤية التي وضعها المفكر الأميركي صمويل هنتنغتون عام 1993، والذي اعتبر فيها أن سقوط الأيديولوجيات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سيخلق مساحة أوسع لصعود صراع القيم التي تتشكل منها الحضارات، والتي صنفها إلى غربية وشرقية وصينية، وغيرها. لم يعد الأمر مرتبطًا بنوع الجريمة أو الدافع وراءها بقدر ما يتعلق بتحقيق سياسات أوروبا الخارجية، منها تشويه حقيقة المسلمين وإلصاق تهمة الإرهاب بكل من يقوم بأي عمل مخالف للقانون. في حين أنهم حتى الآن لم يتجرأ أحد من قادتهم على إدانة إسرائيل على كل ما تفعله بحق الشعب الفلسطيني. أصبح الإرهاب وجهة نظر بالنسبة إلى الغرب، وهو الأمر الذي استغلته الأحزاب اليمينية المتطرفة وبدأت تستثمره في تحقيق مكاسب انتخابية. فكما شكل التحالف اليميني في فرنسا وإيطاليا والسويد وغيرها من الدول الأوروبية حالة من التغيير في نتائج الانتخابات، وصلت العدوى أيضًا إلى ألمانيا. وقد أظهرت استطلاعات الرأي في الانتخابات التشريعية يوم الأحد 1 سبتمبرأيلول الجاري، تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا أقصى اليمين في المركز الأول في تورينغن. إن صعود اليمين المتطرف في أوروبا بشكل عام سيؤدي حتمًا إلى إحداث تغيير في هوية القارة، التي تعمل على تحقيق الانفصال عن الولايات المتحدة، لإحداث حالة مستقلة في النظام العالمي الجديد. ولهذا السبب تعمل أميركا على توريط أوروبا أكثر في حربها مع روسيا؛ بهدف تطويق اليمين المتطرف الصاعد. لا يمكن ربط الإرهاب بالأعمال التي يقوم بها المسلم والمهاجر بشكل عام، بل يجب الوقوف عند المضايقات العنصرية التي ترتفع وتيرتها ومعالجتها قبل أن تصبح أوروبا ساحة للصراعات. كما أن توقف الغرب عن دعم إسرائيل، التي ترتكب جرائم إبادة في المنطقة، يساعد على التقارب بين القيم، وهذا هو المطلوب. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/7/%d8%b9%d9%86%d8%af%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d8%b1%d8%aa%d9%83%d8%a8-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85-%d8%ac%d8%b1%d9%8a%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%88%d8%b1%d9%88%d8%a8%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-09-07T09:00:00
2024-09-08T06:43:32
مقالات
2,335
القاعدة اللوجيستية في البحر الأحمر أبعاد التعاون بين روسيا والسودان
عوامل عديدة تقف وراء رغبة موسكو في إنشاء مركز للدعم اللوجستي للبحرية الروسية في ولاية البحر الأحمر بالسودان، ومبررات واضحة تدفع السودان للقبول بتلك الخطوة وفي هذا التوقيت بالذات.
عواملُ عديدة تقف وراء رغبة موسكو في إنشاء مركز للدعم اللوجيستي للبحرية الروسية في ولاية البحر الأحمر بالسودان، ومبررات واضحة تدفع السودان للقبول بتلك الخطوة وفي هذا التوقيت بالذات. فروسيا من جانبها تسعى لترسيخ وجودها على سواحل البحر الأحمر والبحث عن موطئ قدم في القرن الأفريقي وسط مشهد مليء بالتحولات السياسية، وبالتنافس بين القوى الإقليمية والدولية حول البحر الأحمر، وهو أمر مهمّ لحماية أمنها ومصالحها البحرية. أما الحكومة السودانية فترى في الموافقة على إقامة هذا المركز تحقيقًا لأهدافها الإستراتيجية ومصالحها القومية، كما يمثل ترسيخًا للعلاقة مع موسكو التي تدعم السودان في المحافل الإقليمية، وتواصل الدعم العسكري واللوجيستي لجيشها الذي يخوض حربًا طاحنة ضد قوات الدعم السريع. ترى الحكومة السودانية في روسيا دولة صديقة، لها تاريخ قديم في تأهيل وتدريب الجيش السوداني، وهي تطمح لامتداد التعاون معها إلى مصفوفة اقتصادية متكاملة ذات بعد تنموي، ليشمل مجالات الطاقة والغاز والتعدين والزراعة وتطوير السكك الحديد والسلع الإستراتيجية كالقمح والنفط، فضلًا بالطبع عن تعزيز القدرات العسكرية والدفاعية. لكنها تحاول في الوقت نفسه تأكيدَ أن هذا الاتفاق قائمٌ كما هو شأن العلاقات الدولية على المصالح لا العواطف، وأن التفاهمات والزيارات المتبادلة مع موسكو، لا تستهدف الإضرار بمصالح الدول الأخرى، ولا سيما المشاطئة للبحر الأحمر، فقد صرح السفير السوداني في موسكو محمد الغزالي سراج لوكالة سبوتنيك الروسية بأنّ القاعدة تمثّل نقطة دعم لوجيستي في البحر الأحمر، وهي محاولة لطمأنة دول المنطقة والعالم أن تلك القاعدة الروسية لن تتعدّى كونها مركزًا لوجيسيتًا. وأنها لا تضر بالاتفاقية الأمنية الموقعة عام 2018م مع المملكة العربية السعودية، والدول المطلة على البحر الأحمر. والظاهر أن الدولتين حسمتا أمرهما وأعادتا لواجهة الأحداث الاتفاق الذي ظلّ مجمدًا منذ العام 2019م، وينصّ على التعاون والتنسيق بينهما في استشراف التهديدات والقدرة على مواجهة التحديات، وتحسين الأمن السيبراني. البحر الأحمر بأهميته الجيوسياسية، ظل دائمًا مسرحًا للتنافس. الدول المطلة عليه تسعى لحماية أمنها الوطني، والقوى الإقليمية الطامحة إلى قيادة المنطقة تسعى لفرض نفوذها فيه، والقوى العالمية الكبرى تسعى لحماية مصالحها الممتدة وراء البحار، ويمثل هذا البحر معبرًا رئيسيًا إليها. على مدى العقود الماضية، شهدنا تزاحمًا إقليميًا ودوليًا على إقامة قواعد عسكرية في ساحل البحر الأحمر. دولة جيبوتي بموقعها المهم هي أبرز الدول التي شهدت هذا التزاحم، وهي تستضيف في أراضيها قواعد عسكرية فرنسية وأميركية وصينية وإيطالية. فلديها قاعدة ليمونية الأميركية التي أنشئت عام 2003م وهي تابعة لقوات أفريكوم، وبها 4000 جندي، وقاعدة إيرون الفرنسية بها 1700 عنصر، وتضم قوات فرنسية وألمانية وإسبانية تقوم بالمهام الاستطلاعية. والقاعدة الإيطالية تضم 300 عنصر وطائرات بدون طيار. أما الصين فأنشأت أول قاعدة عسكرية لها في العالم على أرض جيبوتي عام 2017م، وهي تضم 10 آلاف عنصر. بالنسبة لدول القرن الأفريقي الساحلية، فتأجير الأرض لإنشاء قواعد عسكرية أجنبية، هو وسيلة للتعامل مع الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعيشها والعقوبات الدولية المفروضة على بعضها. بعضها أيضًا يسعى عبر استضافة قاعدة عسكرية إلى تأمين دعم خارجي قوي لمواجهة أزمات داخلية أو تهديدات من قوى إقليمية ودولية. وهكذا يزداد التنافس يومًا بعد يوم، ويسعى مزيد من القوى إلى وضع أقدامها في هذه المنطقة لحماية مصالحها في أحد أهم الممرات في حركة التجارة العالمية. ولا يمكن فهم مسوَّدة الاتفاق حول إنشاء مركز دعم لوجيستي للبحرية الروسية في السودان، إلا في هذا السياق. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/11/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%8a%d8%b3%d8%aa%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-06-11T15:38:50
2024-06-11T15:38:50
مقالات
2,336
انقلب السحر على الساحر.. ماذا يترتب على خلاف بايدن ونتنياهو؟
عمدت واشنطن للحيلولة دون مشاركة إيران وأذرعها في المعركة لإسناد المقاومة الفلسطينية من خلال إرسال تهديدات مباشرة لإيران وحزب الله بعدم المشاركة في المعركة لأنها لا تريد التورط بحرب إقليمية في المنطقة.
ظهرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ السابع من أكتوبر، أقرب إلى قيادة الحرب على غزة منها إلى مجرد توفير الدعم المطلق للكيان الصهيوني. تجلى ذلك، واضحًا، في التبني الكامل الروايةَ الإسرائيليةَ، ووصف ما جرى بأنه إرهاب ودعشنة، وإحضار حاملات الطائرات للمنطقة، وتشكيل جسر جوي من المساعدات العسكرية، والتزويد بالعتاد، وإرسال نخبة من قوات التدخل السريع، فضلًا عن حضور الرئيس ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ووزير دفاعه أوستن مارتن، اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي، والتأكيد بشكل دائم على ما سُمي حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأنه لا وقفَ لإطلاق النار إلا بتحقق أهدافها، وهي القضاء على حركة حماس، واستعادة الأسرى. تدخلت واشنطن في تعديل تشكيلة حكومة الاحتلال، بإجبار نتنياهو على تشكيل حكومة طوارئ حكومة حرب مع زعيم حزب الوحدة الوطنية الإسرائيلي المعارض الجنرال بيني غانتس، بالإضافة للقائد السابق للجيش من حزب غانتس غادي آيزنكوت، ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر كمراقبين. بعد مرور أكثر من 70 يومًا على العدوان، لم يتمكن الاحتلال من تحقيق الهدفين اللذين أعلنَ عنهما، ولا يزال يكررهما بتعبيرات مختلفة، وهما القضاء على حركة حماس، واستعادة الأسرى كما حرصت من البداية على أن تكون في صلب عدوان الاحتلال، عبر وضع الخطط العسكرية مع جنرالات الاحتلال؛ وانعكس ذلك على الخطط الحربية للاجتياح البري لقوات الاحتلال، حيث تميزت بالحذر الشديد؛ نتيجة نصائح الجنرالات الأميركيين الذين تعلموا من اجتياح الفلوجة والموصل في العراق؛ فضلًا عن دروس حرب أفغانستان. لم يكن هذا الموقف من أجل عيون نتنياهو، ولا حكومته المغرقة في التطرف، والمدججة باليمينيين المتطرفين، من أمثال سموترتش وبن غفير، بل إن الفترة التي سبقت 7 أكتوبر كانت زاخرة بالخلافات بين إدارة بايدن وحكومة الاحتلال على خلفية التعديلات القضائية التي دفعت بها الحكومة الإسرائيلية، والتي لم تكن مدار خلاف وانقسام الشارع الإسرائيلي فحسب، بل أضرّت بصورة الكيان الديمقراطية في الغرب، وجعلته رهينة بيد المتطرفين. هذا، بالإضافة لازدياد حدة الخلاف بين الطرفين؛ بسبب تكثيف الممارسات الاستيطانية في الضفة، والسعي لإقرار تشريعات تضيّق على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بما في ذلك السعي لإقرار عقوبة الإعدام بحقهم، والتضييق عليهم في الزيارات، وغيرها من الحقوق. رأت إدارة بايدن أن تصعيد الاحتلال إجراءاتِه ضد الفلسطينيين، من خلال هذه الحكومة المتطرفة، سيفضي إلى تصعيد خطير في الأراضي الفلسطينية، يؤدي إلى عودة الولايات المتحدة للمنطقة؛ لمعالجة تداعيات ذلك، وربما يؤدي إلى تململ حلفائها العرب في المنطقة. لكن ما جرى في السابع من أكتوبر تسبب بهزيمة كبيرة وتهديد وجودي للكيان الصهيوني، بما يلحق ضررًا إستراتيجيًا بالمكانة التي تتبوؤُها إسرائيل كحصن متقدم للمشروع الاستعماري الغربي، بقيادة الولايات المتحدة، وبما يعرض المصالح الأميركية في المنطقة للخطر، ويؤثر سلبًا على نفوذها. يبدو أنّ الولايات المتحدة أدركت عمقَ فشل إسرائيل الاستخباري والأمني والعسكري، والذي أسفر عن نجاح المقاومة الفلسطينية في أسر نحو 250 إسرائيليًا. كما رأت أن ترك حكومة متطرفة- فيها بن غفير وسموترتش لاتخاذ قرار عسكري طائش باقتحام غزة بدافع الانتقام- قد يتسبب بنكسة ثانية لقوات الاحتلال، وبالتالي التسبب بضرر بالغ للمصالح الأميركية. عمدت واشنطن للحيلولة دون مشاركة إيران وأذرعها في المعركة، لإسناد المقاومة الفلسطينية، من خلال إرسال تهديدات مباشرة لإيران وحزب الله بعدم المشاركة في الحرب؛ لأنها لا تريد التورط بحرب إقليمية في المنطقة تشغلها عن توجهاتها الإستراتيجية في احتواء الصين، والحرب الأوكرانية. كما تعتبر الإدارة الأميركية أن توسيع دائرة الحرب، قد يعرض حليفها لهزة إستراتيجية أخرى، بما يهز ثقة حلفائها التقليديين بها. رغم أن إدارة بايدن عبّرت عن رفضها تهجيرَ الفلسطينيين، إلا أن ذلك جاء بعد رفض مصر والأردن هذه الخطط، واستمرار صمود الفلسطينيين ورفضهم تركَ بلادهم لقد وفّرت إدارة بايدن لحكومة الكيان دعمًا غير مسبوق -بما في ذلك تبني الروايات الكاذبة ضد المقاومة، مثل قطع رؤوس الأطفال، واغتصاب النساء- مكّنها من شن حملة تطهير عرقي في شمال قطاع غزة، ثم في جنوبه، شملت استهداف المدنيين والمستشفيات والمدارس؛ بهدف حرمان المقاومة من حاضنتها الشعبية، وممارسة سياسة الأرض المحروقة، لتتسبب هذه الحرب المستمرة حتى الآن باستشهاد نحو 19 ألف فلسطيني. أغمضت أميركا عينيها عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين، بل وتبنّت رواياتها الكاذبة في مجزرة المستشفى المعمداني، واقتحام مستشفى الشفاء. ورغم أن إدارة بايدن عبّرت عن رفضها تهجيرَ الفلسطينيين، إلا أن ذلك جاء بعد رفض مصر والأردن هذه الخطط، واستمرار صمود الفلسطينيين ورفضهم تركَ بلادهم. بعد مرور أكثر من 70 يومًا على العدوان، لم يتمكن الاحتلال من تحقيق الهدفين اللذين أعلنَ عنهما، ولا يزال يكررهما بتعبيرات مختلفة، وهما القضاء على حركة حماس، واستعادة الأسرى. لم يتمكن الجيش الغازي من تحقيق صورة نصر حقيقية أمام المقاومة التي أبدت صمودًا أسطوريًا، ونجحت في نقل صور التصدي لآليات الاحتلال والتنكيل بجنوده في قطاع غزة، رغم تمكنه من احتلال أجزاء منه. انقلبت صورة الإرهاب والدعشنة التي حاول أن يروّجها الاحتلال وداعموه عن المقاومة إلى النقيض، إذ أظهرت صور القتلى والجرحى بقنابل الاحتلال، وصور الخراب والدمار في المباني والمؤسسات والمستشفيات، الاحتلالَ على حقيقته كمجرم حرب، وعدو للبشرية وللحياة. وعزز هذه الصورة رواد ومشاهير التواصل الاجتماعي، فيما ألهمت صور المقاومة الفذة للمقاتلين الفلسطينيين شعوبَ العالم، وقدّمت المقاومة خلال فترة الهدن الإنسانية صورة إنسانية مشرفة، دحضت روايات الاحتلال، والإدارة الأميركية عن توحّش وإرهاب المقاومين. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الصورة الوحشية للاحتلال مسّت بشكل مباشر إدارة الرئيس الأميركي التي واجهت احتجاجات في وزارة خارجيتها ضد الانحياز الكامل لوزير الخارجية أنتوني بلينكن، فيما شهدت استطلاعات الرأي تراجعًا في شعبية بايدن أمام منافسه ترامب على أبواب الانتخابات الأميركية، حيث ظهر بايدن كداعم لحملة تطهير عرقي ومجازر مستمرة يقوم بها الاحتلال، ويتناقلها الإعلام الأميركي والعالمي. كما بدأ التحالف الأنجلوساكسوني الداعم إسرائيلَ، يطالبها بوقف إطلاق النار، فعلى عكس موقف واشنطن، أكد بيان مشترك لرؤساء وزراء لكل من كندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، على دعم هذه الدول للجهود الدولية، وأكد أنهم يشعرون بالقلق إزاء تقلُّص المساحة الآمنة للمدنيين في غزة، وإنه لا يمكن أن تكون المعاناة المستمرة لجميع المدنيين الفلسطينيين هي ثمن هزيمة حماس. رغم استخدام الولايات المتحدة الفيتو- ضد مشروع قرار بمجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار- فقد امتنعت بريطانيا عن التصويت، فيما وافق عليه باقي أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك فرنسا، الأمر الذي يشير إلى بداية تململ التحالف الذي دعم الحرب على غزة، وضعْف السيطرة الأميركية عليه. كما أن استمرار المذابح الصهيونية، وضع الأنظمة العربية الصديقة لواشنطن في حرج شديد أمام جماهيرها، بما يهدد هذه الأنظمة، ويعرض المصالح الأميركية للخطر، وهو ما عبر عنه بايدن من مخاوف حقيقية في مختلف أنحاء العالم من أن تفقد أميركا مركزها الأخلاقي؛ بسبب دعمنا إسرائيلَ. كما اعتبر وزير الدفاع، لويد أوستن، أن إسرائيل تخاطر بتلقي هزيمة إستراتيجية، إذا استمرت في التسبب بخسائر فادحة في صفوف المدنيين. ومع التخوف من احتمال تدحرج الأمور لحرب إقليمية، وتطور المشهد الإقليمي باستهداف الحوثيين السفنَ التي تمرّ عبر البحر الأحمر تجاه الكيان الصهيوني، فقد باتت واشنطن تدرك أن الثمن الذي تدفعه لدعمها غير المشروط نتنياهو وحكومةَ المتشددين أصبح كبيرًا وغير محتمل، خصوصًا مع عدم تقديم الاحتلال أي تصور لما بعد الحرب، كما تطالب بذلك واشنطن. اضطرت إدارة بايدن للتعبير عن مواقف أظهرت- في العلن- تباينات مع الحكومة الصهيونية المتطرفة، كانت موجودة منذ بداية الحرب. تدرك الإدارة الأميركية أن نتنياهو يسعى لإطالة أمد الحرب؛ لأنه يعرف أنه سيسقط بمجرد انتهائها؛ لاتهامه بالفشل في توقع هجمات 7 أكتوبر، بل واتهامه بإشغال الكيان بالتعديلات القضائية، وعدم الالتفات للتهديد الذي تشكله حماس، فضلًا عن التهم السابقة الموجهة له بالفساد، فما بالك إذا اقترن ذلك بالفشل في تحقيق هدفَي الحرب اللذين أعلن عنهما. من هذه الخلفيات جاءت تصريحات الرئيس الأميركي بأن إسرائيل بدأت تفقد دعم المجتمع الدولي بقصفها العشوائي غزةَ، الذي أودى بحياة آلاف المدنيين الفلسطينيين، معتبرًا أن نتنياهو يحتاج لتغيير وتقوية حكومته التي وصفها بأنها الأكثر تشددًا في تاريخ إسرائيل، وأنها لا تريد حلّ الدولتين، وأن ذلك يضع على المحكّ ما أسماه سلامة الشعب اليهودي. غير أن بايدن تمسّك بموقف رفض وقف إطلاق النار، معتبرًا أنّه يسمح لحماس بإعادة ترتيب أوضاعها في المعركة، مع استمرار السعي لتحقيق هدنة إنسانية مؤقتة؛ بهدف إدخال المساعدات وإخراج الرهائن. حدّدت إدارة الرئيس بايدن للاحتلال أن ينتقل من المرحلة الحالية الأكثر كثافة، إلى المرحلة الأقل بأسرع وقت ممكن، وتحدثت مصادر أميركية وإسرائيلية عديدة عن أن المدة المتاحة للاحتلال لا تتجاوز مطلع العام المقبل. أمام هذا الضغط الأميركي، لم يكن من بد لقادة الاحتلال من أن يلتزموا بالمهل الأميركية، فأعلنوا أن مرحلة العمليات المكثفة الحالية ستتبعها مرحلة أخرى تركز على استهداف قيادة حماس، والتي قد تمتد لعام كامل، وهو ما حظي بموافقة أميركية. إلا أن قادة مجلس الحرب أعلنوا عن الرغبة بالاحتفاظ بمناطق عازلة في القطاع خلال العام المقبل، وهو ما لم تعارضه إدارة بايدن، رغم تكرار حديثها عن رفض استمرار الاحتلال الإسرائيلي لغزة ولذرّ الرماد في العيون، حثّت إدارة بايدن الكيان على الدقة في استخدام القنابل بعمليات القصف لتقليل الإصابات بين المدنيين، وهو أمر لم تتعامل معه حكومة الاحتلال حتى الآن، ولا يُعرف إن كانت ستلتزم به في المرحلة القادمة، في ظل استمرار احتلال قطاع غزة، وشنّ الحرب على المقاومة. تتحدث الإدارة الأميركية عن رفض التهجير، والتوسع في إدخال المساعدات والوقود لقطاع غزة، ولكن جيش الاحتلال لا يزال يمارس سياسة الدفع بالفلسطينيين نحو مناطق محددة في جنوب القطاع، ويقنن دخول المساعدات، ويضيّق على وصولها إلى شماله. كما تتحدث عن ضبط ممارسات المستوطنين في الضفة، والتي تحظى برعاية المتطرفَين سموترتش وبن غفير. من المتوقع استمرار خلافات إدارة بايدن مع نتنياهو الذي يستمرّ في الفشل في تحقيق إنجاز على الأرض، ولكنه يواصل بثّ رسائل للجمهور الإسرائيلي، بأنه رئيس الحكومة الأقوى في تاريخ إسرائيل الذي يرفض الضغوط الخارجية يدور خلاف مع حكومة نتنياهو حول اليوم التالي للحرب، فتطالب إدارة بايدن بإصلاح وتنشيط السلطة الفلسطينية وتأهيلها لحكم غزة بعد حماس، مع إيجاد تواصل بين الضفة والقطاع، ولكن حكومة نتنياهو ترفض ذلك، ولا تريد تواصلًا بين الضفة والقطاع، وبالتالي لا يُعرف كيف ستتعامل إدارة بايدن مع ذلك؟ اللافت هنا، تراجع بايدن عن موضوع حل الدولتَين، عندما قال إنه لا يزال يؤمن بحل الدولتَين، ولكن في ضوء هجوم 7 أكتوبرتشرين الأول، فإنَّ هذا الأمر صار بعيد المنال، الأمر الذي يؤكد أنه يخضع لمزاج وموقف الاحتلال، وأن حديثه عن دولة فلسطينية هو خداع وضحك على الذقون، وأن تصوُّر الكيان لحكم ذاتي للفلسطينيين، هو الذي سيسود في أي عملية تسوية سياسية. يظهر هذا أنه رغم معارضة الإدارة الأميركية بعضَ سياسات الاحتلال، فإنها لم ولن تمارس ضغوطًا حقيقية عليه للتراجع عنها، ما لم تتعرض المصالح الأميركية للخطر، أو يحدث ضغط داخلي حقيقي يجبرها على إلزام الكيان الصهيوني بموقف محدد. وهذا المنهج لا يتعلق بهذه الإدارة فقط، ولكنه منهج عام لكل الإدارات الأميركية. من المتوقع استمرار خلافات إدارة بايدن مع نتنياهو الذي يستمرّ في الفشل في تحقيق إنجاز على الأرض، ولكنه يواصل بثّ رسائل للجمهور الإسرائيلي، بأنه رئيس الحكومة الأقوى في تاريخ إسرائيل الذي يرفض الضغوط الخارجية، ومن ذلك تصريحه سنواصل الحرب ولن توقفنا الضغوط الدولية، وذلك ردًا على تصريحات بايدن الأخيرة. صحيح أن طلب بايدن من نتنياهو تغيير حكومته، هو في حقيقته رغبة منه بتركه هو نفسه الحكومةَ أيضًا، ولكن ما دام أنّ هذه الحرب مستمرة، فإن الحديث عن تغيير هذه الحكومة يظل سابقًا لأوانه، ما لم تحصل تطورات سياسية أو ميدانية تدفع إلى ذلك. ومع كل ما سبق، فإن الترتيبات الأميركية والإسرائيلية لن تحدد وحدها مصير ومستقبل الحرب، وتبقى مجرد أمانٍ- لا يبدو من معطيات الواقع حتى الآن، وصمود المقاومة واستمرار إيقاعها الخسائرَ بالاحتلال -أنها تملك فرصة كبيرة للنجاح، وسيظل الشعب الفلسطيني رقْمًا صعبًا يستحيل تجاوزه في أي معادلة سياسية سيتم صياغتها لقطاع غزة، على الأقل لما بعد الحرب. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/21/%d8%a7%d9%86%d9%82%d9%84%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%ad%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%ad%d8%b1-%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d8%aa%d8%b1%d8%aa%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%89
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-21T05:50:12
2023-12-21T09:26:09
مقالات
2,337
هل حقاً سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان؟
الشعب الجمهوري لم يكتفِ فقط بالاحتفاظ ببلديتي أنقرة وإسطنبول، بل وسّع الفارق فيهما عن العدالة والتنمية بشكل ملاحظ، وحاز أغلبية المجلس البلدي في كلتيهما.
ثمَّة زوايا عديدة لتقييم نتائج الانتخابات المحلية التركية التي هُزم فيها حزب العدالة والتنمية للمرّة الأولى منذ تأسيسه، بحلوله ثانيًا خلفَ حزب الشعب الجمهوري المعارض. لكن قد تكون الأهم من بينها الدلالات السياسية للنتائج ومدى تعبيرها عن انفضاض الناخبين عن حزب العدالة والتنمية، أو استمرار ثقتهم به، وهو ما تباينت بشأنه التقييمات كما هو متوقع. شكلت نتائج الانتخابات المحلية صدمة غير متوقعة للعدالة والتنمية، ولعلها كانت مفاجِئة حتى لحزب الشعب الجمهوري نفسه. ذلك أنه بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايوأيار الماضي، بنى العدالة والتنمية حملته في الانتخابات المحلية على استعادة البلديات التي كان خسرها لصالح المعارضة في 2019، وفي مقدمتها أنقرة وإسطنبول، وقد قاد أردوغان بنفسه الحملة الانتخابية وأَولى الأخيرة اهتمامًا خاصًا. بيد أن الشعب الجمهوري لم يكتفِ فقط بالاحتفاظ ببلديتي أنقرة وإسطنبول، بل وسّع الفارق فيهما عن العدالة والتنمية بشكل ملاحظ، وحاز أغلبية المجلس البلدي في كلتيهما عكس الانتخابات السابقة، وضم إليهما عددًا كبيرًا من بلديات المدن الكبرى والمحافظات بما فيها مدنٌ كانت تعدُّ معاقل للحزب الحاكم، كما أنه حل أولًا في عموم تركيا للمرة الأولى منذ عقود، وطبعًا للمرة الأولى في عهد العدالة والتنمية. بالأرقام، تراجعت البلديات التي يرأسها حزب العدالة والتنمية من 39 مدينة كبرى ومحافظة في 2019 إلى 24 فقط في 2024. ولأن أكثر المستفيدين من هذا التراجع كان خصمه التقليدي الشعب الجمهوري، الذي رفع رصيده من هذه البلديات من 21 عام 2019 إلى 35 عام 2024، فقد كانت الخسارة مزدوجة. يمكن النظر لهذه الخسارة كمحطة إضافية في منحى التراجع لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وخصوصًا التشريعية منها، في العقد الأخير، وهو ما عزز فكرة التصويت الاحتجاجي أو العقابي لعدة أسباب، بعضها يتعلق بالحزب وسياساته وبعضها الآخر بالعملية الانتخابية نفسها. البعض رأى أن النتيجة تعبر عن رغبة الشعب التركي في قيادة سياسية جديدة وأنها تحوُّلٌ في المشهد السياسي في البلاد، وفي مقدمتهم رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال الذي وضع النتيجة في سياق رغبة الشعب في تغيير الحزب الحاكم ورئيسه، كما بدأ البعض بالتبشير برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو رئيسًا قادمًا لتركيا. فهل فعلًا سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان وحزبه، ويريد فتح صفحة جديدة بقيادة مختلفة؟ في أول اجتماع لقيادة الحزب الحاكم تحدّث الرئيس التركي بشكل مباشر وواضح عن رسائل الصندوق لحزبه، موجهًا قياداته للبحث عن الأسباب وعلاجها وعدم إلقاء اللوم على الناخبين كما تفعل أحزاب أخرى، وأنه ينبغي التصدي لأي خطأ، وإلا فقد لا نتمكن من تجنب كوارث أكبر في المستقبل. يحيل أردوغان هنا على فكرة التصويت الاحتجاجي أو العقابي الذي كان واضحًا في الانتخابات الأخيرة لأسباب فصّل في بعضها ودعا لدراسة بعضها الآخر بشكل أعمق. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن هذا النوع من التصويت لا يحدث لأول مرة، فقد حصل مرارًا في السابق كما مع حزب الوطن الأم في الانتخابات المحلية في 1989 مثلًا، ومع العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في يونيوحزيران 2015 قبل أن تعاد الانتخابات ويفوز بها، وفي عدة استحقاقات لاحقة بدرجة أقل، ولذلك يكرر أردوغان بعد كل محطة انتحابية تعهده بالتجاوب مع رسالة الناخبين. والمعنى من هذا التصويت أن شريحة من الناخبين التقليديين للحزب أرادوا إيصال رسالة احتجاج للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية تشمل ضمنًا مطالب بالتغيير والتحسين في عدة مجالات. ولا يعني ذلك أنهم انفضوا عن الحزب لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض، وفق عدة قرائن في مقدمتها أنهم قبل عشرة أشهر فقط أعادوا انتخاب أردوغان رئيسًا وجددوا أغلبية البرلمان لتحالف الجمهور الحاكم، وليس من المتوقع ولا الاعتيادي أن تتغير توجهات الناخبين بهذه الجذرية والحدّة خلال هذه المدة الزمنية الوجيزة. تفسير الاختلاف بين النتيجتين خلال عشرة أشهر فقط هو الاختلاف بين الاستحقاقين. فالأول كان انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة يبنى عليها الكثير من حيث النظام السياسي، ومن يقود البلاد ويصوغ سياساتها لخمس سنوات مقبلة على أقل تقدير مما لا يحتمل معه بالنسبة لكثير من أنصار العدالة والتنمية المغامرة بانتخاب أو حتى إفادة المنافس. بينما المحطة الثانية انتخابات محلية ترتبط بالبلديات، وارتداداتُها السياسية المباشرة قليلة جدًا مقارنة بالأولى وتحتمل هذا النوع من الهزات أو الرسائل الاحتجاجية التي قد تتسبب في استفادة آنية للخصم لكن يؤمّل أن تفيد الحزب على المدى البعيد. في تفاصيل النتائج ما يدعم هذه الفرضية بل ويثبتها، فالجزء الأكبر من النتيجة يمكن عزوه لتراجع نسبة المشاركة في الانتخابات زهاء 6 عن الانتخابات المحلية السابقة و10 عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وليس لانزياح كبير في اتجاهات التصويت، كما توضح النتائج التفصيلية أن معظم المقاطعين في هذه الانتخابات كانوا من أنصار العدالة والتنمية. كما أن بعض من أبطلوا أصواتهم، الذين زاد عددهم بوضوح عن الانتخابات السابقة، دللوا على ذلك باعتراضات تخص الحكومة والحزب الحاكم. ويضاف لما سبق صعود حزب الرفاه من جديد بقيادة فاتح أربكان الذي كان مفاجأة الانتخابات بحلوله ثالثًا حيث يبدو أنه سحب من رصيد العدالة والتنمية أكثر من غيره بعدِّه خيارًا آمنًا أو بديلًا ممكنًا عن العدالة والتنمية بالنسبة للناخبين المحافظين على وجه التحديد. وعليه، كان الأمر بمثابة رسالة حادة النبرة لأردوغان وحزبه لتصويب وتعديل بعض المسارات، ولذلك كان تفاعل أردوغان معها مختلفًا هذه المرة، إذ أتت تصريحاته سريعة وواضحة ومباشرة ومفصّلة ومكتوبة، بما في ذلك تحمل مسؤولية التراجع والوعد بالتجاوب. في استحقاقات انتخابية سابقة، صدر عن أردوغان تصريحات مشابهة بخصوص التغيير، لكن الأمر بدا مقتصرًا في معظمه على تغيير بعض الوجوه في الحزب وتحديدًا في الهياكل التنظيمية في المدن والمحافظات بناءً على تقييم مفاده أن السبب الرئيس في تراجع حضور الحزب هو كسل التنظيم وأو تقاعسه وأو عدم قدرته على كسب الناس، أو كما قال الرئيس التركي مؤخرًا بناء جدران بينه وبين الشعب. من الواضح أنّ تغييرًا من هذا النوع لن يكون كافيًا هذه المرّة، ولا نظنّ أنه كان كافيًا سابقًا، إذ إن الرسالة هذه المرة قاسية جدًا، وتدقّ ناقوس الخطر بخصوص المستقبل. وقد عبّر أردوغان عن هذا المعنى، حين قال إما أن نرى أخطاءنا ونصوّب أمورنا، وإما سنستمر في الذوبان مثل الثلج تحت الشّمس. ثمة ما هو متوقع قريبًا مثل تغييرات في هيكلة الحزب ودوائره القيادية، كما يمكن توقع تعديل وزاري محدود وإن كان من غير المرجح أن يكون قريبًا جدًا، لكن كل ذلك سيبقى في إطار التغييرات الشكلية البعيدة عن حجم رسالة الاحتجاج هذه المرة. المطلوب اليوم هو التطرق للتحفظات الأساسية لمناصري الحزب والمتعلقة بالفكر والخطاب والممارسة السياسية بما في ذلك طريقة الحكم ومنظومة التحالفات والترهل وضعف الأداء، وهي الأسباب الرئيسة التي جعلت ثمة جدرانًا بين الحزب وأنصاره. السؤال الأهم هنا هل يستطيع أردوغان إقناع الشارع التركي بجدية التغيير وعمقه وجدواه؟ الأمر ليس بالسهولة المتوقعة حتى مع رئيس قوي مثل أردوغان، فالكثير من السلبيات المشار لها موجودة منذ سنوات طويلة جدًا، وتجذرت إلى حد ما مع تحول الحزب إلى حزب حاكم مهيمن على الحياة السياسية في البلاد. لكنه ضروري كما هو واضح إن أراد الحزب أن يبقى رقمًا صعبًا، كما كان دائمًا وحتى الآن، في المشهد السياسي التركي ولا يلقى مصير سابقيه من الأحزاب الحاكمة، على ما حذّر أردوغان نفسه. أربع سنوات، حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، تبدو مدة زمنية كافية لإحداث التغيير ورؤية آثاره على الناس في حال صدقت النوايا، إذ إن المرغوب والمجدي يتطلب إرادة وجهدًا ووقتًا وإصرارًا. من المنتظر أن يكون أردوغان قد قرأ رسالة الناخبين بشكل دقيق، وأن يملك الإرادة لتغيير حقيقي وعميق هذه المرة، ولكن المهمة ليست سهلة ولا مضمونة النتائج بعد كل هذه السنوات، وسيبقى الحكم في النهاية للشعب وتحديدًا أنصار الحزب الذين ما زالوا يملكون الثقة بالرئيس التركي ليقوم بالتغيير المنشود. فهل يفعلها؟ وهل ينجح؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/7/%D9%87%D9%84-%D8%AD%D9%82%D8%A7-%D8%B3%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%AE%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%AB%D9%82%D8%AA%D9%87-%D9%85%D9%86
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1373
2024-04-07T15:02:46
2024-04-07T15:02:46
مقالات
2,338
قراءة في فتاوى الأزهر بردّة المتعاون مع المحتل الصهيوني
لقد صدرت فتاوى عدّة عن الأزهر الشريف تتعلق بقضية فلسطين، وبخاصة ما يتعلق بالتعاون مع العدوّ الصهيوني، أو ما يسمى في لغتنا الفقهية: موالاة الأعداء.
قضية تعاون المسلم فردًا كان أم جماعة أم نظامًا حاكمًا مع العدو المحتل، أو الغاصب أرضَ المسلمين، قضيةٌ شغلت بال الفقيه المسلم قديمًا وحديثًا، وقد برزت هذه المسألة أكثر من ذي قبل، منذ بداية الاحتلال الصهيونيّ أرضَ فلسطين، ومن المؤسَّسات الدينية الكبرى التي صدرت لها فتاوى في هذا الشأن الأزهر الشريف، وهي مؤسّسة يصعب أن توصف بالتطرف، أو المغالاة، خاصةً لو صدرت منه فتاوى على مراحل تاريخية مختلفة، منتهية لنفس الرأي الفقهي، سواء اتّفق معها أم اختلف، لكنها فتاوى ومواقف جديرة بالقراءة والتأمل، وهذا ما نحاول الوقوف عليه في مقالنا. لقد صدرت فتاوى عدّة عن الأزهر الشريف تتعلق بقضية فلسطين، وبخاصة ما يتعلق بالتعاون مع العدوّ الصهيوني، أو ما يسمى في لغتنا الفقهية موالاة الأعداء، ومن أوائل ما صدر من فتاواه فتوى لجنة الفتوى بالأزهر، والتي صدرت في 14 شعبان، لعام 1366هـ، الموافق شهر يونيو حزيران 1947م، وقد كان رئيسها آنذاك، الشيخ عبد المجيد سليم، والذي صار بعد ذلك شيخًا للأزهر، ومما جاء في فتواها الرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المذكورة، وساعد عليها مباشرة، أو بواسطة، لا يعد من أهل الإيمان، ولا ينتظم في سلكهم، بل هو بصنيعه حربٌ عليهم، منخلع من دينهم، وهو بفعله الآثم أشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين. ولا شك أن بذل المعونة لهؤلاء، وتيسير الوسائل التي تساعدهم على تحقيق غاياتهم التي فيها إذلال المسلمين، وتبديد شملهم، ومحو دولتهم، أعظم إثمًا؛ وأكبر ضررًا من مجرد موالاتهم.. وأشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين.. والذي يستبيح شيئًا من هذا بعد أن استبان له حكم الله فيه يكون مرتدًا عن دين الإسلام، فيفرق بينه وبين زوجه، ويحرم عليها الاتصال به، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. من الفتاوى الجماعية التي صدرت عن الأزهر، فتوى مجمع البحوث الإسلامية، وقد صدرت بعد اجتماع عددٍ من علماء العالم الإسلامي، بعد تباحث وتشاور أما الشيخ محمود شلتوت، فقد تعرض للموضوع في أكثر من مناسبة، وكان موقفه نفس الموقف، بل زاد في التفصيل فيه، مبينًا صور التعاون، فكتب فصلًا في كتابه من توجيهات الإسلام طبعة الأزهر سنة 1959م، بعنوان موالاة الأعداء، ص 250-251، فقال هذا ولموالاة الأعداء، صور وألوان، المعونة الفكرية بالرأي والتدبير، موالاة للأعداء. والمعونة المالية، بالبذل والإنفاق، موالاة للأعداء، وترويج سلعهم بالبيع والشراء، تنميةً لأموالهم، وتثبيتًا لأقدامهم في بلاد المؤمنين، موالاة للأعداء، والاغترار بزخرف ثقافتهم، وأن فيها ماء الحياة، وتوجيه النشء إليها، وغرس عظمتها في نفسه، موالاة للأعداء، والعمل معهم في المصانع والمعسكرات التي يهيئونها للنيل من المؤمنين، موالاة للأعداء. وإفشاء الأسرار، والترتيبات التي يعدها المؤمنون لمكافحتهم، وزعزعة سلطانهم، موالاة للأعداء. وهو فوق هذا جاسوسية على الوطن وأهله، يهدر في حكم الشرع والدين- دم القائم به، ويجعلهم في حكم المرتدين، ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر، فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون البقرة 217. والتثاقل عن رد عدوانهم، ومد يد المعونة الفعلية في كبح جماحهم موالاة للأعداء. ثم عادَ بعد ذلك الشيخ شلتوت، وكتب مقالًا، في صيغة بيان، بعنوان موالاة الأعداء وموقف الإسلام منها، نشره في مجلة الأزهر في العدد 2-3 من المجلد الثاني والثلاثين، الصادر في ربيع الأول والآخر سنة 1380هـ، ومما جاء فيه فلئن حاول إنسان أن يمد يده لفئة باغية يضعها الاستعمار لتكون جسرًا له؛ يعبر عليه إلى غاياته، ويلج منه إلى أهدافه، لو حاول إنسان ذلك لكان عمله هو الخروج على الدين بعينه، والنكوص الممقوت. من الفتاوى الجماعية التي صدرت عن الأزهر، فتوى مجمع البحوث الإسلامية، وقد صدرت بعد اجتماع عددٍ من علماء العالم الإسلامي، بعد تباحث وتشاور، فأصدروها على هيئة توصيات وفتاوى، ومما ورد في توصيات المؤتمر الثالث لمجمع البحوث جمادى الآخرة سنة 1386هـ أكتوبر سنة 1966م هذه التوصية أو الفتوى تنبيه المسلمين في جميع أقطار الأرض إلى أن العمل الجدي الدائم على إنقاذ فلسطين من أيدي الصهيونيين الباغين الغاصبين هو فرض في عنق كل مسلم ومسلمة، وتحذيرهم من فتنة المروق من الإسلام بالتعاون مع الصهيونيين الغاصبين الذين أخرجوا العرب والمسلمين من ديارهم، أو التعاون مع الذين ظاهروا على إخراجهم، وتوكيد ما تقرر في المؤتمر الثاني من دعوة الدول الإسلامية التي اعترفت بإسرائيل بسحب اعترافها. لقد ذكرت هنا أهم الفتاوى التي صدرت عن الأزهر في موضوع التعاون -أو الموالاة باللغة الفقهية والقرآنية- مع الأعداء، وتحديدًا هنا العدو الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية، وهناك فتاوى أخرى مشابهة متعلقة ببيع أراضي فلسطين، وغيرها من الفتاوى، ولم أتتبع فتاوى الأزهر فيما بعد في قضية التعاون، وهل صدر عن المؤسسة، أو عن رموزها فتاوى متعلقة بالموضوع ذاته أم لا؟ وقد حاولت البحث فيما صدر عن الفتاوى فيما بعد، ولم أصل إلى فتاوى معبرة عن المؤسسة الأزهرية كما في هذه الفتاوى، وربما يوجد فتاوى فردية لمشايخ وعلماء كبار من الأزهر، لكن إطار القراءة والبحث فيما صدر، ووقفت عليه. وهي فتاوى كما نرى، صدرت على فترات مُختلفة، وربما متباعدة، ومع اختلاف الشخصيات العلمية التي أصدرت الفتوى، فإنها كلها فتاوى جماعية، سوى فتوى الشيخ شلتوت، والتي صدرت عنه بوصفه شيخًا للأزهر، وقد كان ضمن العلماء الذين حرروا فتوى لجنة الفتوى، والتي صدرت باسم الشيخ عبد المجيد سليم؛ لأنه كان رئيسها آنذاك. أي أن مجمل ما صدر لم يكن رأيًا فرديًا، ولا قولًا علميًا شاذًا صدر عن رأي فقهي غريب، فهو رأي يمثل الأزهر، ويمثل المؤسسة، وقد جاء على فترات مختلفة كما رأينا، فمنها ما صدر قبل احتلال فلسطين، وأكثرها صدر بعد احتلالها، ودخول البلاد العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني في حروب. ربما ظن بعض القراء للفتاوى، أنها شديدة، وفي حكم عملي، لا يتعلق باعتقاد واضح، فالمتعاون هنا لم يكفر بالإسلام، ليحكم عليه بهذا الحكم الشديد، والمتأمل لهذه الفتاوى، ولطبيعة المعارك التي تتعلق بالمقدسات، سيجد أنها ليست شديدة، فالقوانين العربية نفسها تحكم بالفتوى نفسها، فالعسكري أو المدني الذي يثبت انتماؤه أو تعاونه مع العدو، سواء بالإمداد بالمعلومة، أو التعاون العملي، فحكمه في العسكرية أنه خائن، ويعدم بالضرب بالرصاص، وهو حكم لا يزال معمولًا به في جلّ الدول العربية والإسلامية، ولم يلغَ إلا في بلاد ألغت حكم الإعدام بوجه عام. والملاحظ في فتاوى الأزهر- وبخاصة الفتوى الثالثة الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية- أنه يفرق بين اليهودية والصهيونية، فهو يفرق بين الديانة كمعتقد، ولا عداوة بين المسلمين واليهود كمعتقد، وبين الصهيونية كمحتل باغٍ على الأرض المسلمة، فلا ينظر هنا لمعتقده، بل ينظر لبغيه واعتدائه، ولذا كانت الصيغة منضبطة، ومقيدة، بالاعتداء والبغي. الملاحظ للفتاوى- التي ذكرتها للأزهر- أنها كلها صادرة في وقت لم يكن هناك حرب، ليروا فظائع هذه الحروب، فتكون هي الدافع والمحفز لفتاواهم، فالأولى سنة 47، والثانية سنة 61، والثالثة سنة 66، وغالبها قبل حروب كبرى، فهي بعيدة عن أي تأثير، يكون سببًا لشدة الفتوى، ومن الواضح أنها كانت صادرة في كل هذه المناسبات، عن بعد نظر، وتأملٍ لتاريخ الخيانة والتعاون في تاريخنا البعيد والقريب، واستحضارٍ لآثار هذا التعاون والخيانة، وما يجلبه من نكبات كبرى على الأمة، أي أنها فتاوى بعيدة عما يمكن أن يثار ضدها، بأنها صدرت بناء على واقع معيش، جعل الفقيه يذهب لهذا الرأي، بل على العكس، فقد كانت المؤسسة الفقهية هنا في أناة وتمهّل في الموقف والرأي. الملمح البارز في هذه الفتاوى جميعًا، أنها لم تكن بناء على رغبة سلطة طلبت من الأزهر، أو علمائه، إصدارها، فقد صدرت كما ذكرت في فترات متباعدة، وبعيدًا عن أوقات حروب مباشرة، فالأولى سنة 1946م، وأصحاب الفتوى- وعلى رأسهم الشيخ عبد المجيد سليم- معروفون بمواقفهم التي لا تلين مع السلطة، فسليم فيما بعد سيكون شيخًا للأزهر، وهو الذي عرّض بالملك فاروق، وعرض ببذخه في حفلاته، وتقتيره على الأزهر، وقال قولته المشهورة عندما قللوا ميزانية الأزهر أإسراف هناك، وتقتير هنا؟ وما يقال عن سليم يقال عن بقية أعضاء اللجنة، وهو ما يعطي لهذه الفتاوى صفة الاستقلالية والحياد العلمي التام. فهذه الفتاوى تعد مقاصدية بالدرجة الأولى، حيث اعتبرت مآلات الأفعال، من حيث ما ينبني على هذا التعاون، فما يبنى على التعاون والموالاة مع العدو، فهو فساد كبير، وتمكين للعدو من المسلمين ومقدراتهم، وهو ما يعد عملًا خطيرًا؛ لذا كانت شدة الفتاوى مبنية على هذا الاعتبار، على ما ينتج عن الفعل من آثار تدميرية على مستوى اعتقاد الشخص، ومستوى ذلة الأمة، ومستوى تقهقرها، وامتلاك عدوها زمامَ أمرها. فقد يبدو الفعل للبعض هينًا من حيث شكله، لكنه من حيث جوهره، ومن حيث مآله هو كارثة تتعلق بدين وخلق وولاء الشخص، لدينه وأمته، ثم لوطنه وبني جلدته؛ ولذا راعت الفتاوى هذه المآلات التي تبنى على هذا الفعل الذي يمقته العدو نفسه، لو قام به أحد من أهله. الفتاوى الصادرة هنا بحكمها على المتعاون مع المحتل، هي معنية ببيان حكم الفعل، وليست معنية بالحكم على معين، أي شخص معين، أو جهة معينة، سواء كانت فصيلًا أو سلطة، أو نظامًا، أو هيئة، بل كل هذه الفتاوى يبدأ وينتهي دورها ببيان الحكم الشرعي، فدورها ووظيفتها البيان، وليست مخوّلة بالحكم على أشخاص، ولا تعطي هذا الحق لأشخاص، فلا بد من فهم الفتاوى في إطارها الصحيح، فهي تبين حكم هذه الموالاة، أما الحكم على معين بذلك، فهي مسألة أخرى، هو حكم قضائي؛ لأنه يتعلق به أمور كثيرة، ليست من سلطة المفتي، بل من سلطة القاضي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/18/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d8%aa%d8%a7%d9%88%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%87%d8%b1-%d8%a8%d8%b1%d8%af%d9%91%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%88%d9%86
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2023-11-18T19:54:43
2023-11-18T19:59:46
مقالات
2,339
الخيارات الفلسطينية في مواجهة نتنياهو
لقد آن الأوان أن يجتمع الكل الفلسطيني لصياغة مشروع وطني فلسطيني يتناسب مع طوفان الأقصى ويتم من خلاله وضع بعض المقترحات السياسية على طاولة المجتمع الدولي
إذا كانت كلّ الشواهد تدلُّ على أنَّ استمرار الحرب على غزّة هو الخيار الأوحد الذي يتمسّك به نتنياهو ومَن حوله في مجلس الحرب، فما هي الخيارات الفلسطينيّة في مواجهة ذلك، وكيف يمكن الخروج من هذا الوضع بنتائج حقيقية بعد كل ما قدّمه الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة من تضحيات جسام ومعاناة، لا يمكن وصفها بالكلمات بعد ستّة أشهر ونصف تقريبًا من حرب الإبادة الصهيونيّة؟ من البديهي أن يكون الفعل المقاوم هو السلاح الأقوى في مواجهة أيّ عدوان مهما بلغ عنفوانه ودرجة إجرامه؛ لأن الفعل المقاوم هو الذي يمنع استقرار المحتل، ويخلق لديه حالة من عدم اليقين، كما يدخله في مرحلة استنزاف لا يستطيع تحملها، بينما تستطيع المقاومة ذلك، وكذلك الشعب المؤمن بها وبدورها. وكلما زادت التضحيات والأثمان التي يدفعها أي شعب، زاد تشبّثه بالحقوق، وعدم الاستعداد للتنازل بثمن بخس، بل ترتفع الأثمان على المعتدي كلما أوغل في عدوانه. وبهذه الطريقة تصبح إستراتيجية استمرار الحرب هي أفشل إستراتيجية يتبعها المحتل؛ لأنها تدخله مختارًا في نفق بلا نهاية، وتستنزف قدراته وطاقاته وتضطره إلى التكيف مع أوضاع جديدة، لا يملك وحده القول الفصل فيها، بل يكون للمقاومة الفلسطينية والجبهات المساندة لها، الكلمةُ الأخيرة. وحتى لو فكّر نتنياهو في تغيير إستراتيجية الحرب والذهاب بأي اتجاه آخر، سواء من باب المناورة أو للهروب إلى الأمام من الضغوط المتزايدة عليه داخليًا وخارجيًا، فإن هذا التغيير لا يمكن تطبيقه دون مراعاة الموقف الفلسطيني، وخصوصًا موقف المقاومة. ومن العناصر الإيجابية التي تفيد في هذا الاتجاه، أنّ ما أظهرته المقاومة في غزة من قدرات خلال الأشهر الماضية، يدلّ على استعداد عالي المستوى على صعيد الكوادر البشرية المدربة والمستعدة لقطع الشوط إلى آخره، كما أن الإمكانات المطلوبة لمقاومة فاعلة ليست كبيرة ويمكن توفيرها محليًا، كما هو الحال في سلاح الياسين والتي بي جي، والعبوات المتفجّرة وسلاح القنص الغول، وهذه كلها صناعات محلية أثبتت فاعليتها، وفتكت بقدرات جيش الاحتلال باهظة الثمن، الأمر الذي يجعل تكاليف هذه المرحلة أكبر بكثير من سابقتها. كان من اللافت ما قاله وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت، لدى زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، ولقائه بنظيره الأميركي، حيث ذكر أن الاحتلال يقاتل على سبع جبهات، وقد حاولت إحصاء هذه الجبهات السبعة في حينه، فلم أستطع القطع بها، فما نعرفه نحن أن هناك جبهة غزة، وجبهة الشمال مع حزب الله والمقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، وهناك جبهة اليمن التي يمثلها الحوثي، وجبهة العراق، وإن كانت أقل حدة من ذي قبل، بل ربما تكون قد هدأت تمامًا. فأين هي الجبهات الأخرى؟ وقد تبيّن لاحقًا أن ما يقصده غالانت يتعلق بالجبهات المرشحة للانفجار، أو التي يستعد الاحتلال لمواجهة انفجارها باعتبارها أصبحت جاهزة للدخول في مرحلة جديدة من التفاعل والانسجام مع حالة استمرار الحرب، وعلى رأس هذه الجبهات الضفة الغربية التي يبدو واضحًا حدوث تطورات متسارعة ومتصاعدة فيها، تتمثل في سلسلة من العمليات الفردية والاشتباكات الدائمة في جنين ونابلس، ومناطق متفرقة في الضفة؛ ردًا على تحركات عدوانية متصاعدة للمستوطنين الذين سلّحهم بن غفير، وحرّضهم على تصعيد نشاطهم الاستيطاني على حساب نحو ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة. وهناك أيضًا الجبهة السورية التي لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية عليها، واستهداف بعض المجموعات والمواقع فيها، حيث كان الهجوم على القنصلية الإيرانية آخرها، بما يشير إلى أنها تستعد بشكل أو بآخر للانضمام إلى شقيقتها اللبنانية، ولذلك مبررات كثيرة يمكن التفصيل فيها في موضع لاحق. ومن الجبهات المرشحة، الجبهة الأردنية وهي أخطر الجبهات على الإطلاق من الناحية السياسية، وقد شاهدنا مؤخرًا أن هذه الساحة قد التهبت بشكل كبير، وباتت قاب قوسين أو أدنى من التحرك نحو الحدود، وهي خطوة قد تتطور بشكل أسرع مما يتخيله البعض؛ بسبب العلاقة الوطيدة والعضوية بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن، اللتين كانتا تاريخيًا وحدة واحدة، لولا وجود الاحتلال وفصله بينهما. وأما الجبهة السابعة المقصودة أو التي نرجّح أن غالانت كان يقصدها، فهي إيران والتي اشتعلت فعلًا وتطورت بشكل خطير خلال الأيام الأخيرة، رغم أن هذه الجبهة لا يرغب أحد في اشتعالها واستمرار ذلك، وخصوصًا الإدارة الأميركية؛ لأن ذلك سيكون بمثابة الضربة القاضية لإستراتيجية بايدن والدولة العميقة في الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وستكون بمثابة النهاية لمرحلة من مراحل الهيمنة الأميركية على خيرات الشرق الأوسط، فإيران ستفتح الطرق لروسيا والصين، وهما العدوان اللدودان للولايات المتحدة. وهذا الاحتمال كان يبدو مستبعدًا، لكنه لم يعد كذلك بعد الهجوم على القنصلية، والرد الإيراني المثير للقلق، وكل هذه التطورات كان يتوقعها غالانت، وحذر منها نتنياهو، وما زال الاحتلال يهدد بتوجيه ضربات جديدة لإيران؛ ردًا على هجمات المسيرات والصواريخ، بينما ستكون الردود الإيرانية أكثر قوة كمًّا ونوعًا، فغالبًا سيكون على الطرفين استخدام القوة الرادعة في أي مرحلة لاحقة. أما إدارة بايدن، فإن أسوأ كوابيسها، وهي تقترب من الاستحقاق الانتخابي نهاية العام أن تتوسع دائرة الحرب الصهيونية مع المحيط العربي، وأن تشمل إيران؛ لأن مثل هذا الوضع سيعني خسارة محققة وحاسمة للديمقراطيين الذين تؤرّقهم حرب غزة وحدها، فكيف إذا ما توسعت وتنوعت وتعددت الجبهات، ووجدت الصين وروسيا لهما مواطئ أقدام جديدة في الشرق الأوسط، على حساب الولايات المتحدة وحلفائها الذين لم يعودوا قادرين على تحمل غضب شعوبهم؛ بسبب ما ارتكبه الاحتلال من فظائع ومجازر، وبسبب ما رأوه من دعم غربي وأميركي غير مبرر لحرب الإبادة على غزة. قد يبدو هذا الخيار نظريًا إلى حد كبير، ولذلك تم تأخيره عن سابقيه؛ لأن المشهد الحالي لا يوحي بأن هناك أي فرصة لنجاح مثل هذا الخيار، نظرًا للتكوين السياسي لحكومة الاحتلال التي لن تستطيع التعامل مع أي مقترح سياسي، أو حل سياسي، يحقق الحد الأدنى من التطلعات الفلسطينية، فهي حكومة ترفض أوسلو وتداعياتها كافة، وترفض إعطاء صلاحيات للسلطة الفلسطينية برئاسة عباس، والسماح لها بالتمدد نحو غزة رغم ما حدث من إدخال مجموعة أمنية تابعة لرام الله بذريعة تأمين المساعدات- فالاحتلال يقبل أي مساعدة أمنية من جانب أي طرف، لكنه لا يقبل تقديم أي ثمن سياسي في المقابل، وقد بات معروفًا أن الخلاف الجوهري بين بايدن ونتنياهو، هو على المآل السياسي، وكيف ستكون الصورة في اليوم التالي لتوقّف العدوان. وربما تكون هذه هي المساحة الضيقة التي يمكن العمل فيها ومحاولة استغلالها من قبل القوى السياسية الفلسطينية، كل حسب طريقة عمله، ولكن ضمن رؤية مشتركة وتفاهمات محددة حتى لا يتحول هذا الأمر إلى مساحة للمناكفات الداخلية الفلسطينية، وبالتالي ينعكس سلبًا على مسار المعركة والفعل السياسي المصاحب لها. ومن حيث المبدأ يفترض أن يكون الفعل السياسي خلال أي حرب أو معركة مساندًا للعمل العسكري، وليس متعارضًا معه أو محبطًا له. وقد كانت هذه الإشكالية على الدوام مصدر الضعف الفلسطيني؛ لأن العمل المقاوم يخضع دومًا للتجريم من قبل الاحتلال والقوى الدولية، ويتم وصمه بالإرهاب، ويخضع الكل الفلسطيني للتهديد؛ بسبب الدفاع عن المقاومة أو مساندتها بأي حال من الأحوال، بل يتم مطالبة السلطة الفلسطينية بالتعاون أمنيًا، وإحباط أي عمل مقاوم، بينما ترعى الحكومة الصهيونية بشكل رسمي نشاطات المتطرفين من المستوطنين، ويتم تسليحهم وتحريضهم للاعتداء على الشعب الفلسطيني، وإجباره على الهجرة، مما يتيح لهم مصادرة مزيد من الأراضي، وتوسيع المستوطنات. لقد آن الأوان أن يجتمع الكل الفلسطيني؛ لصياغة مشروع وطني فلسطيني، يتناسب مع طوفان الأقصى، ويتم من خلاله وضع بعض المقترحات السياسية على طاولة المجتمع الدولي، مما يمكّنه أن يفيد في المرحلة القادمة، بتحويل كل ما مرّ به الشعب الفلسطيني خلال العدوان، وبسبب حرب الإبادة الصهيونية، إلى إنجاز سياسي كبير، يضع الأسس لمستقبل فلسطيني مشرق وفجر جديد. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/19/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%8a%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-04-19T07:06:46
2024-04-19T07:06:46
مقالات
2,340
تونس.. الولاية على الانتخابات والصراع القضائي الخفي
تشهد الساحة السياسية في تونس جدلًا حول استقلال القضاء ودور المحكمة الإدارية في الانتخابات. تصاعد الانتقادات تجاه هيئة الانتخابات بسبب اتهامها بالتبعية للسلطة التنفيذية ورفضها تنفيذ الأحكام القضائيّة.
عاد الحديث بقوة في تونس، خلال الأسابيع القليلة الماضية، عن استقلال السلطة القضائية، وعن العدل في تنفيذ قرارات المحاكم، وعن دولة القانون والمؤسسات، وعن المحاكمة العادلة، وذلك على خلفية الجدل القائم بين الهيئة العليا للانتخابات والمحكمة الإدارية، بشأن قرارات هذه الأخيرة التي ضربت بها الهيئة عرض الحائط. اعتقدت النخب التونسية أن الإصلاحات القانونية التي أقدمت عليها حكومات ما بعد الثورة، من خلال دستور 2014، قد باتت أمرًا محسومًا ولا مجال للتراجع عنه. فقد وضع المشرّعون، بعد نقاشات ماراثونية طويلة امتدت لنحو ثلاث سنوات، أسس المحاكمة العادلة وشروطها ومعاييرها الدولية المعروفة. غير أن تعاطي هيئة الانتخابات مع قرار المحكمة الإدارية، أعاد الوضع إلى نقطة الصفر، وأعطى الانطباع بأن البلاد تسير بخطى ثابتة إلى الخلف، بدلًا من العكس. قبلت المحكمة الإدارية طعون ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية، وقررت إرجاعهم إلى السباق الانتخابي، ملغية بذلك قرارات الهيئة التي أسقطتهم بدون وجه قانوني وبتعلّات واهية، كما وصف ذلك المرشحون الثلاثة، وكما نص عليه ضمنيًا قرار المحكمة. وفيما توقع الرأي العام في الداخل والخارج، والفاعلون السياسيون، استئناف المرشحين لمكانهم ضمن المشهد الانتخابي كمنافسين جديين للرئيس قيس سعيّد، المنتهية ولايته، بما يجعل لانتخابات السادس من أكتوبر المقبل طعمًا ومذاقًا، جاء قرار هيئة الانتخابات محبطًا للجميع، من خلال الإمعان في إقصاء المرشحين الثلاثة. هذا القرار كان بمثابة بصيص أمل في تحقيق وضع انتخابي جاد يضمن مبدأ تكافؤ الفرص والتنافس النزيه، وسط حالة من التوافق الضمني بين العائلات السياسية على التحشيد خلف مرشح واحد؛ لضمان إحداث التغيير الذي يتطلع إليه كثيرون، حتى أولئك الذين اصطفوا خلف انقلاب 25 يوليوتموز 2021، وكانوا من أكثر المدافعين عنه، والمبررين للممارسات والخطوات التي اتُّخذت لاحقًا، والتي يصفها خصوم الرئيس قيس سعيّد بـالاستبدادية والدكتاتورية. لقد اقتنع أغلب هؤلاء بأنّ التغيير ممكن، بل هو ضروري. قرار هيئة الانتخابات هذا تسبب في سيل عارم من الانتقادات اللاذعة، صدرت عن رجال قانون وشخصيات سياسية وأحزاب ومنظمات، وفعاليات حقوقية في الداخل والخارج. وتم وصفه بـالتعسفي والإقصائي والمنحاز لرئيس الدولة الحالي. بل اتهمت الهيئة بتحولها إلى أداة لدى السلطة التنفيذية، بما أفقدها استقلاليتها، وبالتالي مصداقيتها، ونزع عنها صفة الحياد التي عُرفت بها الهيئة منذ إنشاء أول نسخة منها في العام 2011، بمناسبة أول انتخابات تعددية حقيقية في البلاد، إبّان ثورة 14 ينايركانون الثاني 2011. انتظر المحيط السياسي والشعبي تراجعًا من الهيئة؛ لضمان شفافية الانتخابات ونزاهتها، لكن هذه الأخيرة أصرت على موقفها. وخرج رئيسها، فاروق بوعسكر، ليعلن مجددًا استمرار إقصاء المرشحين الثلاثة عماد الدايمي، ومنذر الزنايدي، وعبد اللطيف المكي. ووجه اتهامًا للمحكمة الإدارية بخرق الإجراءات القانونية، الشيء الذي نفته المحكمة نفيًا قاطعًا، عبر عرض وثائق تؤكد سلامة إجراءاتها وخطواتها وفقًا للقانون والمجلة الجزائية المنظمة لعمل المحكمة ومجالات تدخلها. وفي خطوة متقدمة من هذا الصراع الناشئ، لجأت بعض الأطراف في البلاد إلى مقاضاة هيئة الانتخابات، باعتبارها تعمّدت تجاوز السلطة، ولم تقبل بقرارات الجهة الوحيدة المحكِّمة في العملية الانتخابية، وهي المحكمة الإدارية، التي تعدّ أحكامها باتّة ونهائية، أي غير قابلة للطعن أو الإلغاء، وفق فقهاء القانون والقضاة الإداريين، مثل القاضي الإداري المعروف أحمد صواب، الذي رفع بدوره دعوى قضائية ضد الهيئة، بوصفه مواطنًا ناخبًا، وليس بصفته القضائية. كانت مهمة المحكمة الإدارية التي أُنشئت العام 1972 تنحصر في مجرد البتّ في دعاوى تجاوز السلطة، التي يتم رفعها لإلغاء مقررات إدارية، قبل أن يتم تعديل القوانين المنظمة لها عام 2014، باتجاه إكسابها مزيدًا من الاستقلالية، ومنحها العلوية في قراراتها، خصوصًا في النزاعات الانتخابية، بما يجعل لها الولاية على المسار الانتخابيّ. غير أن هيئة الانتخابات رأت خلاف ذلك تمامًا. فقد مرّغت قرارات المحكمة الإدارية في التراب، وجعلت منها هيكلًا بلا روح، معلنة احتكارها الولاية على الانتخابات ومساراتها المختلفة، من إعلان تاريخها إلى الإعلان عن نتائجها النهائية. تعامل هيئة الانتخابات مع قرارات المحكمة الإدارية يعيد البلاد إلى نقطة الصفر، مما أثار مخاوف حول استقلال القضاء ونزاهة العملية الانتخابية ورغم الجدل الذي لم ينتهِ إلى الآن بين المؤسستين، فإن النتيجة واحدة، وهي إقصاء المرشحين الثلاثة، والإبقاء على الثلاثي المعلن منذ البداية الرئيس قيس سعيّد، وزهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب، والعياشي الزمال رئيس حركة عازمون الذي أُدخل السجن موقوفًا؛ بسبب جرائم تدليس التزكيات الشعبية، حسب اتهام السلطة له. ليس هذا وحسب، بل سارعت السلطة التنفيذية إلى نشر قرار الهيئة ضمن الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية؛ لقطع الطريق أمام أي أمل في العودة إلى الوراء، كما يردد الرئيس سعيّد دائمًا. بل إن السلطة، مكنت هيئة الانتخابات من شحنة الحبر الانتخابي، والأكياس الآمنة، الخاصة بأوراق الاقتراع، في رسالة مضمونة الوصول، بأن أمر المرشحين الثلاثة الذين أصرت الهيئة على إسقاط ترشحهم للانتخابات الرئاسية قد حُسم بشكل لا رجعة فيه، وأن خيار هيئة الانتخابات كان سليمًا ومنطقيًا، في تقدير السلطة. والحقيقة، ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها رفض تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية. فقد سبق لوزارة العدل أن رفضت أو تغاضت عن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية بإبطال قرار إعفاء القضاة 49 من أصل 57 قاضيًا، الذي اتُّخذ بموجب أمر رئاسي في يونيوحزيران 2022. لم تعبأ وزارة العدل بوضع هؤلاء القضاة، حتى بعد دخولهم في إضراب وحشيّ عن الطعام استمرّ لعدة أيام، ولم تلتفت إلى قرار المحكمة الإدارية. بل الأدهى من ذلك، أن هؤلاء القضاة ما يزالون حتى اليوم محل ملاحقات قضائية من قبل السلطة، لاتهامهم بشنّ إضراب وتعطيل مرفق إداري عمومي بدون وجه حق. حتى المنظمات الاجتماعية التي تزعم دفاعها عن القانون والعدل بين المواطنين، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة النقابية الأعرق في تونس، رفضت الإذعان لقرار المحكمة الإدارية الصادر قبل بضعة أسابيع، لصالح مرصد رقابة لمكافحة الفساد، الذي يتزعمه المرشح لرئاسة الجمهورية، عماد الدايمي. وهذا ما تعاني منه المحكمة الإدارية منذ عقود. إذ إن اللجوء إليها سهل وميسر، لكن الاحتكام إلى قراراتها وأحكامها في فضّ النزاعات، ما يزال ضعيفًا، إن لم نقل منعدمًا. وهذا ما يطرح سؤالًا جوهريًا حول أسباب ودواعي عدم تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، على الرغم من كل الصلاحيات التي مُنحت لها. في دراسة علمية قانونية نُشرت مؤخرًا حول تنفيذ أحكام وقرارات القضاء الإداري في تونس، أشار القاضي الإداري، عماد الغابري، إلى ما أسماها تفاقم ظاهرة عدم تنفيذ أحكام القضاء الإداري، حتى أصبح يُنعت بالقضاء الذي لا تُنفذ أحكامه وقراراته، وهي الجملة التي تتردد في الواقع على جميع الألسن في تونس، كترجمة عملية على هذه اللامبالاة التي تواجه بها قرارات المحكمة الإدارية.. لامبالاة تضع اليوم مستقبل القضاء الإداري على كفّ عِفريت. لم ينتهِ النقاش عند عدم تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، إنما تعدّاه ليشمل مسألة الولاية على المسار الانتخابي، وسط تمسك المحكمة بأحقيتها القانونية على هذا الأمر. لكن هيئة الانتخابات كانت قد سبقت الجميع إلى ذلك منذ البداية، من خلال إعلان ولايتها بالكامل على العملية الانتخابية. فهي المحددة لرزنامة الانتخابات، وهي من تقرر تاريخ يوم الاقتراع، وهي من تشرف على عملية التصويت، ومن تعلن عن نتائجه النهائية. وزادت على ذلك، بأن أعطت لنفسها حق الولاية على الإعلام والمؤسسات الإعلامية، بل حتى على المادة الإعلامية المرشحة للبثّ، وعلى ما يُقال في بعض المنابر الإعلامية، خصوصًا الانتقادات التي توجّه إلى الهيئة. ليس هذا وحسب، بل إن هيئة الانتخابات أعلنت ولايتها على مشاركة المنظمات المختصة في مراقبة الانتخابات، مثل منظمتَي أنا يقظ ومراقبون، واتهمتهما بالفساد المالي، بناءً على ما قالت إنها إشعارات من السلطات الرسمية بحصولهما على تمويل أجنبي. هذا يعني أن الهيئة استحوذت حتى على دور القضاء، المخول وحده بتأكيد أو نفي تهمة الفساد المالي على المنظمتين. هذا النزوع للهيمنة على العملية الانتخابية، واستبعاد المحكمة الإدارية من مجالات اختصاصها المنصوص عليها قانونًا في علاقة بالانتخابات، جعلا العديد من الخبراء وأساتذة القانون يخرجون عن صمتهم، ويعبّرون عن رفضهم ذلك بوضوح. فقد اعتبر الأستاذ كمال بن مسعود، المتخصص في القضاء الإداري، أن المحكمة الإدارية تتمتع بالولاية الكاملة على الانتخابات، خصوصًا في النزاعات الانتخابية والأحكام القضائية الباتّة الصادرة عنها، وهو ما أكده عدد من المختصين في القانون الدستوري، في بيان نُشر الأسبوع المنقضي في عدة منابر إعلامية تونسية وأجنبية. لا يقتصر المشكل على الولاية على الانتخابات، أو على مكانة القضاء الإداري، أو على مجالات تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية. فتلك هي الشجرة التي تخفي الغابة، كما يقال. الأمر يتعلق بمشكلة سياسية في العمق، ترتبط بالإرادة السياسية في المحاكمات العادلة، وجعل القضاء هو الفيصل في النزاعات بين السلطة وخصومها، وتحقيق استقلال المؤسسة القضائية، وضمان مبدأ الفصل بين السلطات، وحماية الحقوق المدنية والسياسية، والحريات بجميع تمظهراتها. هذا ما تعكسه المعارك الحقيقية اليوم، التي يبدو أن ملف المحكمة الإدارية ليس سوى جزء من كل، على رأي المناطقة القدماء. إن الأمر يتعلق بنزوع السلطة التنفيذية تاريخيًا وحاضرًا إلى الهيمنة على المؤسسة القضائية بشكل عام. فمنذ نشأة القضاء في تونس في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وهو محكوم بلعبة الشد والجذب مع السلطة الحاكمة، التي نزعت عبر التاريخ التونسي الحديث والمعاصر إلى الهيمنة على المرفق القضائي وسلبه استقلاليته. بدءًا بحكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، حيث كان يسمى قضاء الزعيم، مرورًا بفترة حكم الرئيس زين العابدين بن علي، حيث كان يسمى قضاء التكاري نسبة إلى وزير العدل البشير التكاري آنذاك، وصولًا إلى قضاء ليلى جافال، وزيرة العدل الحالية، التي تُنعت بكونها يد الرئيس لضرب القضاة المستقلين، حسبما يقول خصوم الرئيس التونسي. في المقابل، تعتبر السلطة ذلك مسعى لـتطهير القضاء من التسييس والتحزب، والدفاع عن مصالح ضيقة. وهذا ما يرفضه القضاة ومن يساندهم، إذ يعتقدون أن الجسم القضائي مستهدف دائمًا وأبدًا، وهو في صراع مستمر مع اللوبيات، سواء داخل السلطة أو خارجها. لذلك، يتحرك بعض أعضاء هذا الجسم بين الفينة والأخرى، دفاعًا عن مناعة المرفق القضائي، ولمقاومة إرادة النزوع نحو هيمنة السلطة على المؤسسة القضائية بأي شكل من الأشكال. هذا بالضبط ما جسده القاضي الراحل مختار اليحياوي، قبل الثورة التونسية، من خلال رسالته الشهيرة التي بعث بها إلى الرئيس السابق بن علي، محذرًا من مغبة توظيف القضاء لمآرب السلطة الحاكمة، والدوس على أحد أجنحة العدل والمساواة والحكم الرشيد. هذه الرسالة تسببت في إعفائه من كرسي القضاء، لكنها ظلت عنوانًا لاستقلال القضاة، ومرجعًا للمدافعين عن العدالة. وهذا ما حرصت جمعية القضاة التونسيين على التذكير به الآن، من خلال بيانها الذي أصدرته قبل يومين، والذي وصف بـالشجاع والعميق. فقد أطلقت الجمعية ما يشبه صيحة فزع أخيرة إزاء ما آلت إليه الأمور في المؤسسة القضائية. اتهم البيان وزيرة العدل الحالية ليلى جافال بـالتغول على السلطة القضائية، وممارسة نهج تسلطي عبر ترهيب القضاة من خلال نقلهم بشكل تعسفي إلى محاكم بعيدة بمئات الكيلومترات عن مقرات سكناهم، دون مراعاة لظروفهم الاجتماعية، وذلك في محاولة لتطويع القضاة وفرض إملاءات السلطة عليهم، خاصة فيما يتعلق بالبتّ في القضايا السياسية. انتقد البيان ما وصفه بـأجواء الخوف والرعب وانعدام الأمان التي تهيمن على المرفق القضائي برمته. وهذا هو التوصيف الأخطر الذي تتحدث عنه الأحزاب بالتلميح، وذكرته جمعية القضاة بالتصريح، وبصوت عالٍ. السلطة التنفيذية تُتهم بالهيمنة على القضاء، مع رفض تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية وإقصاء القضاة الذين يقفون في وجه هذه التجاوزات يبقى القضاء الملاذ الأخير للباحثين عن الأمان الاجتماعيّ والسياسي، والتائقين إلى العدالة. مما يروى في الحكايات التونسية، ذات الدلالات الرمزية اللافتة، أن أعرابيًا قدم من الريف الجنوبي التونسي باتجاه العاصمة ليزور المحكمة الابتدائية بتونس، على مقربة من قصر الحكومة بالقصبة. وقف الرجل أمام المحكمة، وقرأ اللوحة الموجودة على واجهة البناية، حيث كُتب قصر العدالة. فعلّق قائلًا القصر موجود، لكن العدالة غائبة. مع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا هل ثمّة أمل في قضاء جديد ومستقل بعد انتخابات السادس من أكتوبرتشرين الأول المقبل، بما يعيد الثقة في عدل القضاة واستقلال المؤسسة القضائية؟ هذا السؤال يرتبط بالمعترك السياسي، وبما يمكن أن تؤول إليه العلاقة بين السلطة التنفيذية التي يتزعمها الرئيس قيس سعيّد، وأطياف المعارضة بشتى مكوناتها. فبالرغم من برود الاستحقاق الانتخابي، ترافقه هواجس المقاطعة، والرغبة في المقابل في هزيمة الرئيس الحالي عبر إسناد مرشح منافس حقيقي له. وقد عزز هذه الرغبة ظهور نتائج استطلاع للرأي حديث، قامت به منظمة مراقبة الانتخابات ودعم الديمقراطية Democracy Support Election Observation and بالتعاون مع السفارة البريطانية في تونس. الاستطلاع أظهر أنه للمرة الأولى منذ صعوده إلى رئاسة الجمهورية، يفقد الرئيس سعيّد المركز الأول في نوايا التصويت، إذ جاء المرشح منذر الزنايدي، الذي أسقطت هيئة الانتخابات ترشحه، في المركز الأول بنسبة 24.4، بينما جاء سعيّد في المركز الثاني بنسبة 21.1. هذا يفسر التحشيد الهائل الذي تقوم به المعارضة منذ عدة أيام، مع الرهان على موعد 13 سبتمبرأيلول الجاري، حيث يجري الإعداد لمسيرة مليونية وسط العاصمة، شبيهة بتلك التي حصلت يوم 13 ينايركانون الثاني 2011 أمام وزارة الداخلية، والتي انتهت بإسقاط النظام، وتدشين مرحلة جديدة في تاريخ البلاد، تحت عنوان الثورة التونسية، حسب تقديرات المعارضة. يبقى التساؤل هل يبلغ المشهد التونسي هذا النبض من الحياة الجديدة، بما ينهي حالة الجمود التي تعيشها البلاد منذ نحو ثلاث سنوات؟ وهل تنجح المعارضة للرئيس قيس سعيّد، التي تتسع يومًا بعد يوم، في استئناف الانتقال الديمقراطي كما يتطلع إليه الكثير من النخب السياسية، رغم ما يشقها من تباينات وتناقضات عميقة وجذرية؟ أنصار الرئيس يرونه بعيدًا، وخصومه يرونه قريبًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/13/%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%aa%d9%88%d9%86%d8%b3-%d9%87%d9%84-%d8%b9%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d8%a1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-09-13T06:00:00
2024-09-15T05:42:09
مقالات
2,341
قاعدة روسية على الساحل السوداني.. حقيقة أم مناورة سياسية؟
لقد دأبت القيادة العسكرية للجيش السوداني، في معظم التصريحات التي تصدر عنها، على أن تكون تلك التصريحات غامضة ولا تعطي إجابة صريحة بشأن وجود اتفاقية لإنشاء تلك القاعدة الروسية.
أثار الفريق ياسر العطا، عضو مجلس السّيادة ومساعد القائد العام للجيش السوداني، الجدل مرّة أخرى بحديثه عن طلب روسيا قاعدة على البحر الأحمر، أو نقطة تزوّد، كما أسماها، مقابل إمدادهم بالأسلحة والذخيرة، وهو بذلك يبعث المخاوف مجددًا حول تدويل الصراع في المنطقة، ويدقّ مسمارًا جديدًا في نعش العلاقة مع الغرب. ليست المرة الأولى التي تبرز فيها قصة القاعدة الروسية على السطح، دون أن ترى النور، وقد تحوّلت العلاقة العسكرية مع روسيا إلى تجاذبات حتى داخل منظومة القيادة السودانية، وأصبح تيار التقارب بين بورتسودان وموسكو هو الأقوى حاليًا، فهل هي صفقة أملتها تطورات الحرب في السودان، أم مُجرد مناورة سياسية؛ ليعيد الغرب حساباته من دعم حميدتي؟ فكرة القاعدة البحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر وُلدت عندما قام الرئيس المعزول عمر البشير بزيارة إلى موسكو في العام 2017، رغبة منه في مواجهة الضغوط الأميركية، فقد كان التدخل الروسي في سوريا، والدور الذي لعبته في بقاء الأسد، دافعًا للبشير وقتها لأن يكون لروسيا دور في السودان كي يخفف من تلك الضغوط. لكن ما جرى أن إنشاء القاعدة العسكرية دخل دائرة النسيان ولم يتطرق أحد إليه، حتى أعلن المجلس العسكري الانتقالي في العام 2019 تعليق البروتوكول الموقع بين السودان وروسيا إلى حين التصديق عليه، ثم ما لبث أن فوجئ الجميع بصدور مرسوم من الرئيس الروسي بوتين بإنشاء قاعدة في بورتسودان. بالنسبة لروسيا فإن الهدف من تلك القاعدة، في المنطقة، هو الحرب على الإرهاب الدولي والقرصنة، علاوة على تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد وحماية مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. لكن في حال أصبحت القاعدة واقعًا ويبدو أن الحرب السودانية ستسارع خطوات تنفيذها فستصبح عمليًا هي الأولى على ساحل البحر الأحمر، على غرار قاعدة طرطوس في سوريا. لقد دأبت القيادة العسكرية للجيش السوداني، في معظم التصريحات التي تصدر عنها بدءًا من وزير الدفاع يس إبراهيم، وكذلك رئيس هيئة الأركان محمد عثمان الحسين، وأخيرًا الفريق ياسر العطا على أن تكون تلك التصريحات غامضة ولا تعطي إجابة صريحة بشأن وجود اتفاقية لإنشاء تلك القاعدة الروسية، وتتحدث عن أن المعلومات حولها غير دقيقة. لكن إذا كان الغموض يلف حقيقة إنشاء تلك القاعدة، فإن اتفاقية إنشاء نقطة دعم لوجيستي للبحرية الروسية في السودان موجودة، إذ تمّ التوقيع عليها في نوفمبر تشرين الثاني 2020؛ وتتضمن فقرة تسمح للأسطول الروسي باستخدام المركز اللوجيستي في السودان لمدة 25 عامًا، دون أن يتجاوز الحد الأقصى لعدد أفراد النقطة البحرية التي تنفذها قوات ووسائل الجانب الروسي 300 فرد، ولن تتمكن أكثر من أربع سفن روسية من البقاء هناك، في نفس الوقت، وتتحدث أيضًا عن تأسيس محطة للطاقة النووية لإمداد السودان بالكهرباء التي تمكنه من تغطية كافة احتياجاته. إذًا، ثمة قابلية، أو بالأحرى مستجدّات لتفعيل ذلك البروتوكول العسكري، والسماح بتلك القاعدة، عبر مراحل، تبدأ بنقطة تزويد للسفن الروسية، والمضي قدمًا في الأمر، لا سيّما أن عاصمة الاتحاد السوفياتي القديم، هي مصدر التسليح الأوّل للجيش السوداني، وفي الوقت نفسه تتطابق مواقف روسيا بخصوص ما يتعرّض له السودان من عدوان خارجيّ، مع رؤية الجيش والقوى الوطنيّة المتحالفة معه. من المهم الإشارة إلى أنه قبل الحرب وصلت سفينة حربية أميركية ربضت في ميناء بورتسودان لأيام، وقبلها السفينة الحربية الروسية أدميرال غريغوروفتيش، والفرقاطة ستويكي 545، وأيضًا البارجة الحربية الروسية PM-138، التي ارتبطت سيرتها بإنشاء القاعدة البحرية في بورتسودان، وسبقتها سفن بحرية إيرانية، كلها تشير إلى الأهمية الإستراتيجية للساحل السوداني الذي يبلغ طوله نحو 850 كيلو مترًا، بينما المناطق البحرية السودانية بها 48 جزيرة. وهذه الجُزر تقريبًا كلها غير مأهولة، وسوف يشتعل الصراع بالقرب منها، خصوصًا بعد حديث ياسر العطا بأنه لا يوجد ما يمنع منح روسيا وأميركا قواعد بحرية في السودان إذا طلبت، ويعني ذلك بالضرورة فتح المجال السوداني لمواجهات عسكرية بين تلك المحاور. لدى السودان قاعدة بحرية عسكرية وحيدة، وهي قاعدة فلامنغو البحرية، لديها نطاق عمليات ومدى معين ومسؤوليات تكتيكية وتعبوية وإستراتيجية لتنفيذ المهام المكلفة بها من القيادة العامة، وعلى الساحل عدة نقاط عسكرية متداخلة مع بعضها بحيث إنها تغطي الساحل السوداني. وفي حال إنشاء تلك القاعدة الروسية في فلامنغو، أو أي منطقة في ولاية البحر الأحمر، فسيضطرون إلى بناء مُنشآت جديدة وأحواض أعلى ومخازن للذخيرة، بمواصفات ودرجة حرارة ورطوبة معينة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ السفن الحربية الروسية مزودة بالطاقة النووية أو الطاقة الذرية، ولا يملك السودان إمكانات الفحص وتتبع آثار تلك السفن ومخاطرها البيئية، وهو ما لا يرغب السودان بالتورط فيه. لكن الأوضاع الآن، وبعد أن وجد الجيش نفسه في مواجهة حرب تهدد بتشظّي الدولة، لم يتركوا له من خيار سوى الدخول في تحالفات خارجية، مهما كان الثمن، ولن يجد ما هو أقرب إليه من المحور الروسي الصيني، وكذلك إيران وتركيا، وهي دول لديها مصالح داخل السودان، أصبحت مهددة بالكامل؛ بسبب التدمير المُمنهج والاستهداف المباشر لتلك المصالح من قبل مليشيا الدعم السريع. يبدو أن قيادة الجيش السوداني أدركت خطورة ورطتها عندما هرولت للتطبيع مع إسرائيل، ورمت بكل ثقلها تجاه أميركا، وأسقطت نظام عمر البشير، بخلفيته الإسلامية، كعربون صداقة مع الغرب، لكنها حصدت الريح، ووجدت نفسها، في مواجهة أخطر تمرد عسكري يتحكم فيه عدة محاور بالمنطقة، ونتج عنه نزوح الملايين، ويهدد وجود الدولة السودانية نفسها. ومع ذلك لا يبدو أن البرهان يريد أن يتخلى عن أميركا نهائيًا، فبينهما تفاهمات سرية قديمة، وهي تراهن عليه، وتخشى أن يقع في أحضان خصومها، وذاك ما حدا بوزير الخارجية أنتوني بلينكن للتواصل مع البرهان- بعد تصريحات العطا وحثّه على إنهاء الصراع، وتطرقا إلى تطوير العلاقات الثنائية. وهذا يعني أن البيت الأبيض يشعر بالقلق من التقارب العسكري بين روسيا والسودان، وربما يقوم بخطوات جريئة لمنع ذلك، أقلها التخلي عن حميدتي، إذ إن من شأن تلك المضاغطات أن تعيد بعثرة الأوراق فوق الطاولة. حرفيًا لم يعد للسودان حاليًا ما يخسره، فقد تكالب عليه الأعداء، وسقوط الجيش يعني سقوط الدولة، وحتى لا يحدث ذلك فسوف تتحول المناورة بالقاعدة البحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر إلى مرحلة التنفيذ الكامل، ومن المرجّح أن تقفز العلاقة بين السودان وروسيا إلى توقيع اتفاقيات دفاع مشترك، تضمن دخول السودان في الحلف الروسي، ليس فقط تأمين صفقة الذهب مقابل السلاح، وإنما ضمان الحماية الكاملة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/31/%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d8%b1%d9%88%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%ad%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-05-31T05:53:23
2024-05-31T06:02:26
مقالات
2,342
بايدن خارج السباق.. لكن حكم الأثرياء مستمر
هذا ما يجب على الجميع أن يتذكروه في النهاية أيًا من كان المرشح: الولايات المتحدة هي الولايات المتحدة بغض النظر عمن يتولى القيادة، ولا يوجد “شيء لا تستطيع أميركا فعله” لتضيف المزيد من الفواجع للعالم.
انسحب رئيس الولايات المتحدة جو بايدن من السباق الرئاسي، رضوخًا لضغوط زملائه الديمقراطيين الذين كانوا يخشون أن يؤدي إخفاقه في المناظرة الرئاسية التي جرت في يونيوحزيران مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب من بين أمور أخرى إلى جعل ابن الثمانين عامًا أقل جاذبية للناخبين الأميركيين. كان القرار ضخمًا وصعبًا، ويمكن القول إنه لولا إرادة الله لما استطاع رفاق الرئيس إقناعه بالانسحاب من السباق. ولا شك أن زملاء بايدن الديمقراطيين كانوا على حق، وليس هذا لأنّ مرشحًا أفضل من الآخر في دولة يحكمها الأثرياء الملتزمون، حيث تتراوح خيارات التصويت بشكل عام، سواء كان الرئيس جمهوريًا أو ديمقراطيًا، بين شخصيات تتسم بسلوكيات معادية للمجتمع بدرجات متفاوتة من الوضوح. بينما يتجادل المحللون والمفكرون حول مناقب هاريس في وسائل الإعلام الرئيسية، فإنّ السؤال الرئيسي الذي يشغل الحزب هو عن مصير وإمكانية انتقال تمويل يقدر بـ 96 مليون دولار جمعته حملة بايدن، إلى هاريس أو مرشح ديمقراطي آخر غير أنّ زلات لسان بايدن الأخيرة بما في ذلك تأكيداته على أن أول امرأة سوداء تعمل مع رئيس أسود في الولايات المتحدة تشي بأنه ربما لم يكن في وضع مناسب يمكِّنه من الاستمرار قائدًا للقوة العظمى العالمية، من وجهة نظر لغوية، أو غيرها. وبموضوعية، أيضًا، نقول إن أقل ما يوصف به أداؤه لمهامه خلال الأشهر التسعة الماضية باعتباره المحرض الرئيسي على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة أنه لم يكن مثيرًا للإعجاب. ولكن في منشوره الذي أعلن فيه انسحابه من السباق الرئاسي في 21 يوليوتموز على منصة التواصل الاجتماعي إكس، فضَّل بايدن النظر إلى الجانب المشرق، مؤكدًا لـ الرفاق الأميركيين أن الولايات المتحدة قامت باستثمارات تاريخية في إعادة بناء أمتنا، وفي خفض تكاليف الأدوية الموصوفة طبيًا لكبار السن، وفي توسيع نطاق الرعاية الصحية بأسعار معقولة لعدد قياسي من الأميركيين. وللسخرية، فإنّ هذا التصريح يمثل خبرًا جديدًا لأميركيين كُثر ما زالوا يعانون من الفواتير الطبية والأدوية الباهظة الثمن. وكان من الممكن أن يكون والدي أحدهم، وهو مواطن أميركي ولد في تكساس وتوفي بسرطان البروستاتا في العاصمة واشنطن في أغسطسآب 2023 عن عمر يناهز 72 عامًا، بعد أن أغراه أطباؤه بالعلاج الكيميائي المربح، الذي لم يجدِ نفعًا سوى التعجيل بوفاته. بالإضافة إلى ذلك، فقد وُصف لوالدي عقَّار إكستاندي Xtandi علاجًا لسرطان البروستاتا، وهو دواء تم تطويره بأموال دافعي الضرائب الأميركيين، ولكن ليس بغرض خفض تكاليف الأدوية الموصوفة لكبار السن، فقد كان على والدي سداد فاتورة لا تقلّ عن 14,579 دولارًا للشهر الواحد. على أية حال، هذه هي الرأسمالية الأميركية، وهي للأسف ليست شيئًا يمكن معالجته عبر مسرحية انتخابات ديمقراطية. البديل المحتمل لبايدن في السباق الرئاسي هي نائبته الحالية، كامالا هاريس. وبينما يتجادل المحللون والمفكرون حول مناقبها في وسائل الإعلام الرئيسية، فإنّ السؤال الرئيسي الذي يشغل الحزب هو عن مصير وإمكانية انتقال تمويل يقدر بـ 96 مليون دولار جمعته حملة بايدن، إلى هاريس أو مرشح ديمقراطي آخر؛ أو بصياغة أخرى ما الذي سيحدث لكل تلك الأموال التي جُمعت لصالح أحد الأثرياء دون الآخر؟ وكما نوَّه مقال نشرته قناة الجزيرة في أعقاب انسحاب بايدن إلى أن عدم وجود سابقة للوضع الحالي، طرح أسئلة حول مصير صندوق حملة بايدن. ففي الولايات المتحدة، على أية حال، يمكن أن يصل الإنفاق على الانتخابات إلى ملايين الدولارات، إن لم يكن المليارات منها. ومع وجود الملايين والمليارات التي تُتداول في الانتخابات، فمن الواضح أنه ليس ثمة احتمال كبير؛ لأن تكون هناك ديمقراطية فعلية. هذا على الرغم من ادعاء بايدن العاطفي في منشوره على منصة إكس أنه لم يكن من الممكن القيام بأي شيء من هذا القبيل بدونكم، أيها الشعب الأميركي. لقد تغلبنا معًا على جائحة تحدث مرة كل قرن، وعلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير. لقد قمنا بحماية ديمقراطيتنا والحفاظ عليها. وبينما يتراجع بايدن عن محاولته لإعادة انتخابه، إلا أنه لا يتنحى عن منصب الرئاسة. لقد أوضح جليًا أنه يعتبر إكمال بقية فترة ولايته في مصلحة حزبي والبلد، وأنه سيركز على واجباته كرئيس. ومن بين واجباته الرئاسية التي يتعين عليه إنجازها في الوقت الحاضر، استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع في البيت الأبيض لأن الإبادة الجماعية هي بالتأكيد في مصلحة حزبي والبلد. وفي حين يمضي الأميركيون قدمًا في عملية تحول انتخابي شامل، فإنهم يحسنون صنعًا لو أنهم تأملوا في المشهد المتعلق بحكم الأثرياء لبلادهم. في رسالة الوداع، وقّع بايدن بالكلمات التالية أنا أؤمن اليوم بما كنت أؤمن به دائمًا أنه لا يوجد شيء لا تستطيع أميركا فعله، عندما نقوم بذلك معًا. علينا فقط أن نتذكّر أننا الولايات المتحدة الأميركية. ولعلّ هذا ما يجب على الجميع أن يتذكّروه في النهاية أنّ الولايات المتحدة هي الولايات المتحدة، بغض النظر عمّن يتولى القيادة، ولا يوجد شيء لا تستطيع أميركا فعله لتضيف المزيد من الفواجع للعالم. ربما يكون بايدن خارج السباق، لكن حكم الأثرياء، الذي يسمّونه الديمقراطية الأميركية، مستمرّ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/23/%d8%a8%d8%a7%d9%8a%d8%af%d9%86-%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%82-%d9%84%d9%83%d9%86-%d8%ad%d9%83%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%a1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-07-23T13:51:37
2024-07-23T15:00:20
مقالات
2,343
القمع بشعار معاداة السامية وعواقبه الوخيمة في أميركا
إنَّ جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، استخدمت تهمة معاداة السامية لسنوات لإسكات أيّ شخص يجرؤ على انتقاد دولة إسرائيل. ومنذ 7 أكتوبر استُخدم هذا المصطلح لتشويه سمعة المتظاهرين.
إنها ذريعة واهية للرقابة التي تهدف إلى إسكات الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية في الولايات المتحدة. إنَّ جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، استخدمت تهمة معاداة السامية لسنوات لإسكات أيّ شخص يجرؤ على انتقاد دولة إسرائيل. ومنذ 7 أكتوبرتشرين الأول، استُخدم هذا المصطلح لتشويه سمعة المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، وأولئك الذين يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، خاصةً ضد المنظمات الطلابية والناشطين في الحرم الجامعي في جميع أنحاء البلاد. على سبيل المثال، قامت مجموعة أكيوراسي إن ميديا في جامعة كولومبيا بتمويل شاحنات التشهير، التي كانت تتجوّل في الحرم الجامعي، وتعرض شاشات تحمل أسماء ووجوه الطلاب المؤيدين لفلسطين تحت عنوان معاداة السامية. إن استخدام هذا المصطلح أصبح منتشرًا في كل مكان، لدرجة أنه عند العمل على تقرير عن قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدوليّة، كان العنوان الرئيسي للصحفية الأسترالية كيتلين جونستون، هو إسرائيل تتهم محكمة العدل الدولية بمعاداة السامية أصبتم التخمين. أجرى أحد مصادر الأخبار القديمة -مجلة نيويورك- مقابلات مع ناشطي منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، واكتشفت أنه لمدة 30 عامًا، رفضت المنظمة تهمة معاداة السامية، إذا كان الشخص معاديًا للصهيونية أو منتقدًا لإسرائيل لكن حركة المطالبة بوقف إطلاق النار، أظهرت أن المطالبات بإنهاء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة لا علاقة لها بكراهية الشعب اليهودي. بينما كانت القنابل الإسرائيلية تنهمر على غزة، كان الصحفيون الفلسطينيون شهودًا على المعاناة، ونقلوا تلك الفظائع التي وثّقوها أمام عيون العالم. وقد أدت مشاهدة الإبادة الجماعية بالتزامن مع حدوثها، مع الصور التي أظهرت حجم الدمار المفجع، إلى خروج احتجاجات في جميع أنحاء العالم؛ تضامنًا مع شعب غزة. وفي الولايات المتحدة، كان العديد من المظاهرات الأكثر فاعليّة هي تلك التي أعلنت المقاطعة وقطع العلاقات إلى أن تتم الدعوة إلى وقف إطلاق النار. وقام الشباب، وخاصة المتظاهرين الذين حشدتهم منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، وحركة إف نوت ناو، بإغلاق مراكز النقل الرئيسية في أعمال أدّت إلى إغلاق جسر مانهاتن، وإغلاق المحطة المركزية الكبرى في مدينة نيويورك، وتطويق تمثال الحرية. وكانت الصور الدرامية للمتظاهرين الذين تم اعتقالهم وهم يرتدون قمصانًا سوداء مطبوعًا عليها عبارة ليس باسمنا واليهود يقولون أوقفوا إطلاق النار الآن، مثيرةً للغاية لدرجة أنها حظيت بتغطية إعلامية رئيسية. تحدثت الناشطة اليهودية الشابة إيلينا ستاين، مديرة الإستراتيجية التنظيمية للصوت اليهودي من أجل السلام، في مظاهرة خارج الأمم المتحدة، وقالت للحشد المتجمع إنها كانت هناك نيابة عن مئات الآلاف من اليهود الأميركيين الذين يقولون هذا ليس باسمنا، أوقفوا إطلاق النار الآن. وقالت موجهة هذا النداء مع دعم كل أسلافي اليهود لي، أولئك الذين نجوا وكل أولئك الذين لم ينجوا. وساعدت ستاين في تنظيم بعض كبرى المظاهرات للشعب اليهودي؛ تضامنًا مع الحرية الفلسطينية. وفي وقت لاحق، قامت ستاين بتفنيد تأكيدات الصحافة السائدة بأنّ الحرب بين إسرائيل وحماس كانت معقدة، قائلة إنها ليست معقّدة على الإطلاق، فقط اتبع قيمك. لم يفلت المنظمون اليهود الشباب من تهمة معاداة السامية. فقد زعمت جماعة الضغط الصهيونية الإسرائيلية القوية، التي تسمى برابطة مكافحة التشهير، أنه منذ السابع من أكتوبرتشرين الأول، زادت معاداة السامية بنسبة 400 بالمائة تقريبًا في الولايات المتحدة. وانتشرت العناوين الرئيسية التي تكرر هذا الرقْم في جميع وسائل الإعلام الرسمية، من رويترز إلى شبكة سي بي إس نيوز. وعلى الرغم من أن رابطة مكافحة التشهير نفت أنها اعتبرت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين معادية للسامية، فإن موقع إنترسبت أظهر أن المنظمة فعلت ذلك بالضبط. وفي مقال بعنوان رابطة مكافحة التشهير تصف مسيرات اليهود بهجمات معادية للسامية، ذكر الموقع أن رابطة مكافحة التشهير وصفت الاحتجاجات العديدة التي يقودها اليهود بأنها مجموعات كراهية. أجرى أحد مصادر الأخبار القديمة- مجلة نيويورك- مقابلات مع ناشطي منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، واكتشفت أنه لمدة 30 عامًا، رفضت المنظمة تهمة معاداة السامية، إذا كان الشخص معاديًا للصهيونية أو منتقدًا لإسرائيل. وقد ناضلت منظمة الصوت اليهوديJVP بنشاط لإنهاء الفصل العنصري الإسرائيلي. ومع تكشف أحداث الإبادة الجماعية، احتلت قيادتها الشابة الجديدة مركز النقاش عبر تبنيها موقفا قويا يرى أن تدمير غزة لم يكن هو السبيل للحفاظ على سلامة اليهود. وعلى عكس الأجيال القديمة، لم يعد عديد من الشباب اليهود يربطون هويتهم بدولة إسرائيل. وقد مر بعضهم برحلة طويلة لمراجعة الأسطورة التي تربوا عليها حول نقاء وديمقراطية وأمان الدولة الإسرائيلية، ليعثروا على الحقيقة على الجانب الآخر من الجدار، حيث يتعرض الفلسطينيون للقتل والضرب والرعب ويجبرون على العيش بلا أمان أو حرية. وفي مقطع فيديو حديث تم تداوله عبر الإنترنت، تحدث 50 جنديًا مختلفًا من جيش الدفاع الإسرائيلي علنًا عن الإرهاب المتعمّد للفلسطينيين في الأراضي المحتلة. أحد الأفلام الوثائقية المهمة التي انتشرت مؤخرا يدعى إسرائيلزم وهو يروي قصة سيمون زيمرمان الإسرائيلية، التي ذهبت إلى إسرائيل، وهي تحلم أنها ستجد أرض الميعاد، لتكتشف الوحشية الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية، التي جعلتها تتراجع. عادت سيمون إلى الولايات المتحدة وشاركت في تأسيس مجموعة إف نوت ناو، التي كانت قوة رئيسية أخرى للحركة المناهضة للإبادة الجماعية التي تناضل من أجل حرية الفلسطينيين. وقد انتشر الفيلم الوثائقي القوي كالنار في الهشيم، وأجرت وسائل الإعلام المستقلة مقابلات مع المنتجين والمخرجين والأبطال، ولكن عندما خططت تامي غولد، إحدى مخرجي الفيلم، لعرض فيلم عن إسرائيل في كلية هانتر في مدينة نيويورك، حيث تقوم بتدريس صناعة الأفلام، ألغت الجامعة الحدث الذي كان محجوزًا بالكامل. وحتى ذلك الوقت، لم تخضع غولد أبدًا للرقابة خلال خبرتها التي امتدت لثلاثين عامًا داخل كلية هانتر في إنتاج أفلام مليئة بالتحديات حول مواضيع صعبة. وقد اتخذ مديرو الكليات إجراءات مماثلة ضد مجموعات الطلاب الفلسطينيين في الجامعات في جميع أنحاء البلاد. وفي الوقت الذي تحظى فيه معارضة الإبادة الجماعية بأهمية تاريخية عالمية، فإن الجهود المؤسسية للقضاء عليها ليست فقط غير أخلاقية، بل هي انتهاك للحريات المدنية للطلاب وحرية التعبير. وكما قال أحد طلاب هانتر، إن الرقابة تتعارض مع الغرض الكامل من وجودنا هنا في المقام الأول. وحسب ديلان سابا، المحامي في منظمة فلسطين القانونية، فإنهم وثقوا تصاعدًا في القمع داخل الحرم الجامعي منذ السابع من أكتوبر تشرين الأوّل أكثر من ضعف ما حدث في عام 2022، مع وجود أكثر من 700 طلب للحصول على الدعم القانونيّ. أوضحت الكاتبة أن شاحنات أخرى مزودة بالشاشات تابعة لمجموعة أكيوراسي إن ميديا جابت العديد من الجامعات وهي تعرض أسماء أعضاء هيئة التدريس والطلاب. وفي كلية هانتر، كانت إحدى الشاحنات التي تعرض عبارة قادة معاداة السامية في جامعة مدينة نيويورك، تحمل قائمة دورية بأسماء موظفي جامعة مدينة نيويورك الذين من المفترض أنهم يقفون إلى جانب حماس. يواجه الطلاب الذين يوصفون بمعاداة السامية عواقب وخيمة، خاصة الطلاب الفلسطينيين. ففي جامعة هارفارد، عندما تم نشر هُوية طالبة أميركية من أصل فلسطينيّ على شاحنة أخرى، أدّى ذلك إلى قيام صاحب عمل عرض عليها وظيفة في السابق بإلغاء العرض. وفي بيان، ألمحت الشركة إلى أنها كانت من مؤيدي حماس، وخلَصت إلى أن تلك القيم لا تتماشى مع قيم شركتهم. وقد كان التواصل النشط مع أصحاب العمل المستقبليين للناشطين الطلابيين المؤيدين للفلسطينيين، وحرمانهم من فرص العمل المستقبلية، إستراتيجية كناري ميشن، وهي مجموعة ضغط إسرائيلية تأسّست عام 2014. يدرك العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والحركة الأوسع المؤيدة للفلسطينيين أن محاولات إسكات الانتقادات الموجهة لإسرائيل من خلال اتهام دعاة وقف إطلاق النار بمعاداة السامية ستؤدي في الواقع إلى تأجيج معاداة السامية، وهي مبنية على خيال مفاده أن جميع اليهود يهتفون للقصف المستمر، ومحاصرة ودفن وتجويع شعب غزة في إبادة جماعية أدانتها الجماهير العالمية على نطاق واسع، مما يترك جميع اليهود عرضةً للاستياء والرفض. وقد أثارت تصرفات رئيس كلية هانتر استجابة أوسع من قبل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. اتحدت مجموعات وأقسام الحرم الجامعي الأخرى لإدانة الإجراء أحادي الجانب، ونظم الطلاب اعتصامات واحتجاجات في هانتر، وحشدوا اجتماعًا لمجلس الجامعة المكون من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين الذي أصدر قرارًا يدين الإلغاء ويطالب بعرض الفيلم. وقد أثبت هذا أن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، والحركة الأوسع المناهضة للإبادة الجماعية، لن يستسلموا تحت القمع أو الرقابة، وأن تهمة معاداة السامية فقدت قدرتها على إسكات الناس. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/7/%d9%84%d9%8a%d8%b3%d9%88%d8%a7-%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%b3%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%ad%d9%85%d9%84%d8%a9-%d9%88%d8%b5%d9%85
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-02-07T17:12:42
2024-02-07T20:22:28
مقالات
2,344
الموقف العربي من العدوان على قطاع غزة.. حضيض جديد
منذ صعود الموجة المضادة للربيع العربي سنة 2013، والموقف العربي من قضية فلسطين يزداد تراجعًا وبؤسًا
خمسون عامًا بين خوض الجيش المصري حربَ أكتوبر 1973 ضدّ الكيان الإسرائيلي- التي غدت إحدى أبرز مفاخر تاريخ مصر الحديث- وبين العجز عن مجرد إدخال المواد الإغاثيّة إلى قطاع غزة الذي ينفّذ فيه الصهاينة مذابح يومية مروّعة بحق النساء والأطفال والمسنين؛ إلا بإذن من الصهاينة أنفسهم. وما بين إعلان الحرب 1973؛ استعادةً للكرامة العربية، وما بين مجرد عدم سحب السفير من تل أبيب- بعد أربعين يومًا من المجازر- بونٌ شاسع. بلا شك، فقد حدثت خلال السنوات الخمسين الماضية تحولات كبيرة في البيئة العربية جعلتها أقل التصاقًا بقضية فلسطين، فقد كانت حرب أكتوبر 1973 آخر الحروب العربية- الإسرائيلية، وقد تلاها دخول مصر في مسار التسوية السلمية اتفاقية كامب ديفيد 1978، وواجهت المقاومة الفلسطينية الاجتياحَ الإسرائيلي للبنان 1982، وحدَها تقريبًا. وقد كان للتبنّي العربي لمسار التسوية السلمية تداعياتُه السلبية على سلوكها تجاه المقاومة الفلسطينية، ومنذ موافقة الأنظمة العربية على مبادرة الأمير الملك فهد 1982، حسمت هذه الأنظمة مساراتها، وتكرس ذلك منذ اعتمادها المبادرة العربية سنة 2002، غير أنها ربطت ذلك بالتزام إسرائيل بحل الدولتين بكافة مقتضياته. ومع ذلك، فقد تجاهلت عدة دول عربية شرط الالتزام الإسرائيلي، وأقامت اتصالات وعلاقات مع الكيان الإسرائيلي تحت الطاولة أو حتى فوق الطاولة. وقد تعمّق هذا المسار، بعد انضمام منظمة التحرير الفلسطينية لمسار التسوية، وتوقيعها اتفاق أوسلو 1993، الذي التزمت فيه بالوسائل السلمية فقط. وهكذا، حوَّل مسار التسوية العملَ المقاومَ إلى عبء بعد أن كان دعمه واجبًا مستحقًا، وبدا دعم الأنظمة للسلطة الفلسطينية في قمعها للمقاومة وتنسيقها مع الاحتلال أمرًا عاديًا؛ باعتبار أن المنظمة هي الجهة الرسمية التي تُمثل الفلسطينيين. منذ صعود الموجة المضادة للربيع العربي سنة 2013، والموقف العربي من قضية فلسطين يزداد تراجعًا وبؤسًا. إذ إنّ عددًا من الأنظمة العربية كانت تسمح في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين بهامش من التفاعل الشعبي وحملات التبرع المالي، وتعطي مجالًا معقولًا لخط المقاومة لتوصيل فكره سياسيًا وإعلاميًا. وكانت وسائل إعلامها أكثر جرأة وانفتاحًا في إدانة الكيان الإسرائيلي وممارساته وإدانة داعميه. أما بعد هذه الموجة، فقد صارت هذه الأنظمة العربية أكثر ميلًا للتضييق على الحريات وقمع الإرادة الشعبية، وأكثر محاربة للمؤسسات الشعبية والمدنية وللشخصيات المعارضة والنشطاء السياسيين. كما تمَّ استخدام وسائل الإعلام في التركيز على القضايا المحلية القُطرية، والانكفاء على الذات، وإشغال النَّاس بلقمة عيشهم أو بتوافه الأمور، مع تغييب فلسطين ومقاومتها وصمود أبنائها عن وسائل الإعلام إلا في إطار هامشي. وجرى إفساح المجال لـبعض المندفعين لتسويق التطبيع مع الصهاينة، ولمهاجمة المقاومة، بينما كان يتم بشكل منهجي قمعُ واعتقال أصحاب الأصوات الوطنية والقومية والإسلامية الحرة. وهو ما انعكس سلبًا على قدرة الجماهير على التفاعل مع قضية فلسطين وقضايا الأمة. كما أن العديد من الشعوب التي ذاقت مرارة قمع الأنظمة وأنهكتها الصراعات الداخلية، لم تعد قادرة على التعبير عن نفسها والتفاعل بالقدر نفسه مع القضية الفلسطينية؛ بالرغم من أنها لا تزال- في خطها العام وبأغلبيتها الساحقة- تعبّر عن أصالة الأمة وترفض التطبيع، وما زالت القدس والأقصى في قلبها. ولم يشفع لخط المقاومة فوزه في انتخابات المجلس التشريعي 2006 بأغلبية ساحقة. وانحازت الأنظمة في ضوء الانقسام الفلسطيني وسيطرة حماس على قطاع غزة إلى جانب الشرعية الفلسطينية. وفي العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، برزت ثلاثة عوامل ضغطت باتجاه التقهقر العربي والتراجع عن دعم المقاومة؛ أوّلها النزاعات والصراعات والاضطرابات الداخلية في ظل الموجات المضادة للربيع العربي، والانشغال بالهموم والملفات الداخلية. وثانيها أن الأنظمة العربية التي تابعت السيطرة، بعيدًا عن إدارة شعوبها، أصبحت أكثر ضعفًا في مواجهة الضغوط، وأكثر احتياجًا للدعم الخارجي الإقليمي والدولي، خصوصًا الأميركي والغربي. وهو ما سهَّل على الأميركان- خصوصًا في عهد ترامب- الضغط باتجاه تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال. أمّا ثالثها، فهو أنَّ المقاومة الفلسطينية المسلحة تتشكل بنيتها الأساسية من حركتين إسلاميتين، هما حماس والجهاد الإسلامي. فاجتمع عليهما معارضة الأنظمة لخط المقاومة وعداء هذه الأنظمة أيضًا للتيارات الإسلامية التي تصدَّرت الربيع العربي في بلدانها؛ وهو ما زاد من صعوبة العمل المقاوم، وعدم وجود بيئة إستراتيجية حاضنة في البلاد العربية. وتسبّب ذلك في أن تلجأ المقاومة لبناء علاقة قوية بإيران التي دعمت المقاومة ماليًا وعسكريًا، وهو ما زاد من توتير العلاقات مع عدد من الأنظمة العربية؛ وأصبحت تنظر للمقاومة من خلال علاقتها بإيران، وليس من خلال واجبها تجاه القدس والمقدسات وفلسطين، ومسؤولياتها القومية والإسلامية وأمنها القومي. ومع اتساع عملية التطبيع التي رافقت إقامة أربع دول عربية في 2020 علاقات مع الكيان الإسرائيلي- وتطور شبكة العلاقات والمصالح السياسية والاقتصادية والسياحية والأمنية والعسكرية والإعلامية، وعقد عشرات اتفاقيات التعاون- تحول الشأن الفلسطيني إلى مسألة هامشية، وجرى غض الطرف عن الكثير من الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وضد الأرض والمقدسات. كما تمّ التغاضي عن تحول القيادة الإسرائيلية إلى مزيد من التطرف الديني والقومي. وبالتالي، فإذا كانت قضية فلسطين نفسها قد تحولت إلى عبء ومشكلة بعد أن كانت واجبًا وشرفًا ومسؤولية، فإن المقاومة المسلحة ضد الكيان، صارت تستعدي الأنظمة وتستفزها، وتظهر كعنصر إفشال وتعطيل لمسار التطبيع، وكعنصر تثوير وتحريض لمواطني هذه البلدان. كان وقْعُ المفاجأة كبيرًا على الدول التي اندفعت في تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، فجاءت معركة 7 أكتوبر كطوفان صدم قطار التطبيع السريع فعطّله، وجعل أولئك المنتشين بالعلاقات وانسيابيتها يقعون في حالة من الذهول والارتباك، كما انتابتهم حالة من الغيظ والغضب على المقاومة. ولذلك، لم تُخفِ الإمارات غضبها من سلوك حماس، فصرّحت وزيرة الدولة للتعاون الدولي ريم الهاشمي في مجلس الأمن في 24112023، بلغة غير معهودة إطلاقًا في الأدبيات العربية- بأن هجمات حماس في 7 أكتوبر هي هجمات بربرية وشنيعة، وطالبت بالإطلاق الفوري لسراح الرهائن، ووصفت ما فعلته حماس بأنه جرائم. لكن عندما تعلّق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي فقد اكتفت بالمطالبة بعدم تطبيق سياسة العقاب الجماعي، ولم تقم بإدانة جرائم ومجازر الاحتلال التي بُثّت صورها ومشاهدها على مرأى من العالم أجمع، وتجاوز عدد شهداء غزة عندما ألقت كلمتها 5100، بينهم نحو 2100 طفل و1120 من النساء، في الوقت الذي تبنت فيه الرواية الإسرائيلية، والتي ثبت أنها مليئة بالأكاذيب والمبالغات. أمَّا ولي عهد البحرين، فقد دان في حوار المنامة في 17112023 عملية طوفان الأقصى، ووصفها بأنها بربرية ومُروّعة ودان حماس وسلوكها. ولكنه في الوقت نفسه لم يقم بإدانة الجرائم والمجازر الإسرائيلية ولم يصفها بالصفات نفسها؛ بالرغم من أن وحشيتها وبربريتها قد رآها العالم بمئات الأدلة والبراهين. وقد كشف دينيس روس Dennis Ross- وهو مسؤول أميركي كان له دور أساس في مسار التسوية السلمية- أنه تحدث مع عدد من الزعماء العرب بعد 7 أكتوبر يعرفهم منذ فترة طويلة، وأنهم أخبروه أنه لا بدّ من تدمير حماس في غزة؛ وأنه إذا اعتُبرت حماس منتصرة فإن ذلك سيضفي شرعية على الأيديولوجيا التي تتبناها. كما أن موسى أبو مرزوق القائد البارز في حماس، قال في لقاء مع الجزيرة مباشر إنّ الكثير من الأجانب أبلغوه أن أعضاء في السلطة الفلسطينية، وبعض الدول العربية يطالبون الغرب سرًّا بالقضاء على حماس. عقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة بشأن العدوان على غزة في اليوم السادس والثلاثين للعدوان 11 تشرين الثاني نوفمبر 2023 بعد قدرٍ كبير من التثاقل والتثاؤب، وبعد استشهاد نحو عشرة آلاف شهيد معظمهم مدنيون. البيان الختامي للمؤتمر جاء دون السلوك الكلاسيكي المعتاد، إذ أكد على وقف العدوان والسماح بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ورفع الحصار عنه، ورَفض تهجير الفلسطينيين، واستنكر ازدواجية المعايير الغربية وجعل إسرائيل دولة فوق القانون، وأكد التمسك بـ السلام كخيار إستراتيجي، وبالمبادرة العربية للسلام لسنة 2002. ودعا لتوفير الدعم المالي لحكومة فلسطين حكومة سلطة رام الله، وضرورة حشد شركاء دوليين لإعادة إعمار غزة؛ لكنه لم يحدد أي إسهامات مالية لأي من الدول المشاركة في المؤتمر. باختصار؛ المؤتمر جاء في إطار رفع العتب، وامتصاص ما يمكن امتصاصه من الغضب الشعبي العربي والإسلامي. فليس ثمة نقاط عملية، بقطع العلاقات أو تعليقها مع الكيان الإسرائيلي، ولا بممارسة ضغوط فعلية أو تهديدات جادة إن لم يُوقف العدوان أو يفتح معبر رفح، وليس ثمة دعم للمقاومة ولا إشادة بأدائها، ولا بصمود الحاضنة الشعبية في القطاع. بل إن هناك إصرارًا على فلسفة العجز، وعلى المسار الفاشل للتسوية، الذي أسقطته إسرائيل ورمته وراء ظهرها. وليس في القرارات ما يعطي أي مواقف جادة تجاه تهويد القدس والمسار الخطير الذي دخله تهويد الأقصى. وباعتبار النتيجة، فإن الحضيض الجديد برز في تعامل عدد من الأنظمة العربية مع العدوان الإسرائيلي على القطاع كمن ينتظر على مضض انتهاء جيش الاحتلال من مهمته في القضاء على حُكم حماس للقطاع؛ باعتبار ذلك فرصة لإنهاء الوضع الشاذ والمزعج حسب تصورهم. وكان ثمة شعور بأن المعركة محسومة لصالح الاحتلال، وبالتالي فلا حاجة لخطوات عملية لدعم صمود المقاومة، ولا حاجة لممارسة ضغوط قوية مؤثرة باستخدام أوزانهم وإمكاناتهم الحقيقية لوقف العدوان، أو لإدخال المساعدات للقطاع. وفي المقابل كان هناك عدد من البلدان العربية التي حافظت على دعمها المعتاد لفلسطين، وعلى سلوكها المعتاد تجاه المقاومة ودعمها أو تفهّم سلوكها، مثل قطر، والكويت، والعراق، والجزائر، واليمن، وليبيا وسوريا وتونس وعُمان. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/23/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%ba%d8%b2%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-23T14:48:31
2023-11-23T14:48:31
مقالات
2,345
السودان.. ماذا يعني اختراق الجيش ونقل الحرب إلى الجزيرة؟
تعيش ود مدني منذ أيام، حالة من الهلع والنزوح وجرائم القتل والاغتصاب، وسط صدمة كبيرة إزاء انسحاب الجيش السوداني منها، وتركها نهبًا للجنجويد، ما تسبب في تصدع جدار الثقة بين قيادة الجيش وحاضنتها الشعبية.
لم تجد قوات الدعم السريع المتمرّدة صعوبة في التوغل داخل ولاية الجزيرة، وحاضرتها ود مدني- 170 كيلومترًا جنوب شرق العاصمة الخرطوم- مقر الفرقة الأولى مشاة، وهي الولاية التي تحتضن آلاف النازحين، وتعدّ مركزًا نشطًا لعمليات الإغاثة، ما يعني أن احتلال قوات حميدتي الجزيرة، دون مقاومة، نقلة خطيرة في مستوى الحرب، أسفرت عن كعب أخيل، نقطة الضعف المميتة في صفوف الجيش. تعيش مدينة ود مدني والمناطق المجاورة لها منذ أيام، حالة من الهلع والنزوح وجرائم القتل والاغتصاب، وسط صدمة كبيرة إزاء انسحاب الجيش السوداني منها، وتركها نهبًا لقوات الجنجويد، مما تسبب في تصدع جدار الثقة بين قيادة الجيش وحاضنتها الشعبية. هذا على الرغم من أن القوات المسلحة السودانية، أصدرت بيانًا للرأي العام بخصوص الانسحاب من الفرقة الأولى، تحدثت فيه، لأول مرة، عن تحقيقات جارية لمعرفة ملابسات الانسحاب، وقد تضمّن البيان المقتضب عبارة صعبَ على الناس تفسيرها، لكنها تشير، على الأرجح، إلى انسحابات غير مبررة في مناطق أخرى، كما حدث في مصنع اليرموك، ومعسكر جبل أولياء، جنوب الخرطوم، ومعظم حاميات دارفور، بطريقة أقرب إلى عمليات التسليم والتسلم، ولو شئنا الدقة، صفقات سرية بين قائد المنطقة، والدعم السريع. إذ إن كثيرًا من تلك المدن والمواقع الحيوية لم تقع فيها أي معركة حربية، وآخرها بالطبع مدينة ود مدني، التي هي بموانعها الطبيعية عصية على الاحتلال، مداخلها محدودة جدًا، ومن الشرق يطوقها جسر حنتوب على ضفة النيل الأزرق، وعلى الشريط الغربي تمتد ارتكازات الجيش، إلى محلية الكاملين المتاخمة للخرطوم. وحتى عصر الأحد كانت ود مدني تحتفل بالنصر، وكل الذين قرروا البقاء فيها كانوا على ثقة وقناعة بأنها لن تسقط أبدًا، فما الذي جرى، وهل سيكون فقدانها بداية لتصحيح الأوضاع العسكرية برمتها؟ التقارير الاستخباراتية والمعلومات الصحفية والحقائق الميدانية رسمت صورة مطمئنة لما يمكن أن يحدث في ود مدني، لكنها فجأة انهارت، بطريقة سينمائية، فلم تحدث أي مواجهات على الأرض، لدرجة أن سكان أحياء المدينة فوجئوا بقوات التمرد أمامهم، تغلق الطرق وتنصب الارتكازات وتنتهك الحرمات، مع مشاهد النهب والترويع، ولم تحدث تلك المعركة التي تم الإعداد لها منذ أيام. المُحير في معركة ود مدني، أن قائد الجيش المنسحب، ترك خلفه كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، كفَت التمرد مشقة شراء أو تهريب الأسلحة عبر الحدود، إذ لم يقم بنقلها ولا تدميرها، كما يحدث عادة عند الانسحاب، وبدا واضحًا، من الوهلة الأولى، أن الدعم السريع موقن تمامًا بأنه سوف يسيطر على هذه المدينة. لقد زج فيها بأبرز قادته، ودفع بمئات المستنفرين والمرتزقة من داخل الخرطوم، بعضهم على سيارات مكشوفة، وهي أهداف سهلة للطيران، وكثير منهم يقودون دراجات بخارية، كأنهم في نزهة رياضية، وما كان لهم أن يقدِموا على هذه الخطوة إن لم يعلموا أن الطريق ممهدٌ أمامهم لاستباحة ولاية الجزيرة، والحصول على غنائم وافرة، وتحقيق انتصارات معنوية بأقل الخسائر. من المعروف أن قوات الدعم السريع تعتمد على دفع الأموال والعطايا لشراء الضباط ورجال الإدارة الأهلية وأصحاب النفوس الضعيفة، ويكاد يكون بهذه الطريقة نفسها سقط اللواء الأول مشاة آلي الباقير، في اليوم الأول للحرب، بعملية خيانة من أحد ضباط المؤسسة العسكرية. وبعد ذلك تمدد التمرد في محلية الكاملين، وابتلع منطقة الباقير ومدينة جياد الصناعية، ثم زحف إلى المسعودية، والمسيد، والنوبة، وكاب الجداد، ومع ذلك لم يتحرك أحد. وكانت حكومة الجزيرة تتلاعب بالناس، وتخادع بأن حدود الولاية مؤمنة، بينما خسرت أهم محلياتها، ولم يتم عزل قائد الفرقة ساعتها؛ ما يعني أن المؤامرة على الجيش قديمة، منذ اليوم الأول للحرب، بل أبعد من ذلك، ومحاولات اختراق صفوفه لم تتوقف. لقد كانت تلك أحد أسباب سقوط نظام الإنقاذ، وأغرى ذلك السقوط أجهزة مخابرات عالمية لتستثمر في هذا الصراع، وترعى التمرد، وتوفر له الأموال والمعلومات الاستخباراتيَّة. بعد سقوط مدينة ود مدني تحت يد الغزاة، تم تحميل المسؤولية لقائد الفرقة اللواء أحمد الطيب، ورشحت معلومات عن عزله من موقعه واتهامه بالخيانة، لكن سقوط كثير من المناطق والحاميات العسكرية، بالطريقة نفسها، يشي بأن الأمر يتجاوز الأفراد، وهنالك حالة تواطؤ عامة، وتقصير جماعي، وليس مستبعدًا- إن لم تكن تلك مجازفة بالظن- أن جهة ما تهيئ الأوضاع لانقلابات عسكرية، وأن خطة إغراق البلاد في الفوضى، تمضي كما هو مرسوم لها، إذ لا يزال الخطر يتربصّ بالسودان، والجميع ينتظر هول المفاجأة القادمة ليرى ماذا يفعل حيالها. تمثّل السيطرة على ولاية الجزيرة، نقطة تحوّل محتملة في سير المعارك، تحديدًا وسط السودان، وفي حال لم يسارع الجيش في القيام بعملية عسكرية شاملة واستعادة هذه الولاية، والزحف منها إلى الخرطوم، سوف يتّسع الشرخ، وتنهار البلاد كلها، وسوف تقوم المليشيا بنشر الذعر وإتلاف البنية التحتية، وفتح معسكرات التدريب، وخلق خطوط إمداد جديدة، والانطلاق إلى الولايات الشرقية، بل وتهديد بورتسودان نفسها مقرّ الحكومة والمطار والميناء الرئيسي، ولن يشعر السكان الهاربون من الحرب، بأي أمان بعد اليوم، في أي منطقة سودانية. قدّم الدعم السريع تبريرات مضحكة للهجوم على ود مدني، منها منع تجميع المستنفرين الذين راهن عليهم البرهان، وتوفير الأمن للسكان، في وقت خرج الأمين العام للحركة الإسلامية في تسجيل صوتي، طالب فيه صراحة، قادة الجيش بنشر الحقائق للسودانيين، وتسليح المستنفرين؛ لتجنب حالة التصدع في الجبهة الداخلية. وهو تقريبًا دافع الهجوم الأخير المصحوب بدعاية سوداء وحرب نفسية ممن يقف وراء الدعم السريع، هدفه أن يظهر الجيش بمظهر الضعيف، ما يخلق شرخًا في الثقة بينه وبين الشعب السوداني، ويقضم بعد ذلك قضمته الكبرى. بالطبع، ود مدني ليست هي آخر المطاف، ويحتاج قادة الجيش إلى مراجعات سريعة لإستراتيجيتهم العملياتية، من الدفاع عن المواقع العسكرية، إلى الهجوم، والانتشار على الأرض، والحفاظ على أهم نقاط القوة، وهي التفاف الشعب حولهم، وتنفيذ عمليات خاصة تستهدف قادة الدعم السريع، إلى جانب البحث عن حلفاء أقوياء في الخارج، فلا يمكن أن تقاتل وحدك، وعدوك يحظى بالحماية والدعم الخارجي. وقبل كل شيء ثمة حاجة إلى حكومة وطنية بقدر التحديات، تحمل عن الجيش أعباء إدارة الدولة، ليتفرغ هو للقضاء على التمرد، وقطع دابر المؤامرة الخارجيّة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/22/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%af%d8%a7%d9%86-%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%8a%d8%b9%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d9%88%d9%86%d9%82%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-22T04:44:52
2023-12-22T04:44:52
مقالات
2,346
قمّة القاهرة للسلام ومواقف الأطراف من طوفان الأقصى
بدت واشنطن وكأنها تدير الحرب بنفسها، لا سيّما لدى الإعلان عن فرقة “دلتا” التي انتقلت لدولة الاحتلال، وقيل إنها ستساعد قواتها في البحث عن أسرى المعركة، ولا سيما الأميركيين منهم.
في اليومِ الخامسَ عشرَ من معركة طوفان الأقصى، يوم السبت الفائت، نظّمت مصر قمة القاهرة للسلام، والتي كانت بعيدة جدًا عن مواكبة المعركة، والعدوان الإسرائيلي المتواصل واللامحدود على قطاع غزّة، فضلًا عن أن تستطيع الضغط باتّجاه وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات. منذ اللحظات الأولى لبدء معركة طوفان الأقصى في السابع من الشهر الجاري، أبدى الغرب- وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية- دعمًا غير مسبوقٍ ولا محدودٍ ولا مشروط لدولة الاحتلال، وتبدَّى ذلك بشكل مباشر في تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي زارها مؤيدًا ومتضامنًا وعانقَ نتنياهو، وهو يردد التهديدات بتغيير خرائط الشرق الأوسط. لم يكتفِ الموقف الأمريكي والغربي بالدعم السياسيّ والإعلامي، وإنّما تخطّى ذلك نحو الدعم العسكري، على شكل حُزمات من الأسلحة المتنوّعة التي قدمت لحكومة نتنياهو، ودعم مالي غير مسبوق ليوضع في خِدمة المجهود الحربي، وصولًا لإرسال حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط، في رسالة قُرئت بما يتجاوز بمراحلَ فكرةَ الدعم والتضامن السياسي. من زاوية ما، كانت حاملات الطائرات الأمريكية تسعى لإطلاق يد نتنياهو لينتقم من غزّة ومقاومتها وتكبيل أيادي الآخرين جميعًا، وفي مقدمتهم إيران وحزب الله، وهو ما أيّدته بعض التصريحات الأميركية. بالنسبة للكثيرين، بدت واشنطن وكأنها تدير الحرب بنفسها، لا سيّما لدى الإعلان عن فرقة دلتا التي انتقلت لدولة الاحتلال، وقيل إنها ستساعد قواتها في البحث عن أسرى المعركة، ولا سيما الأميركيين منهم. في الجهة المقابلة -ونتحدّث هنا عن الدول العربية والإسلامية- تكرّرت مواقف وتصريحات تقليدية، مثل الحديث عن عملية السلام، وضرورة دخول المساعدات والمواد الإغاثيّة لقطاع غزّة، بل وتخطّت بعض الدول ذلك نحوَ التركيز على فكرة إطلاق حماس سراح الرهائن لديها. غابت عن المواقف الرسمية لأيام طويلة الدعواتُ الصريحة لوقف إطلاق النار، فضلًا عن لوم أو انتقاد دولة الاحتلال والدعوة -وليس حتّى السعي- لإلزامها بالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وهي ترتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وَفق عددٍ من المؤسسات الدولية. أوحى ذلك بالتزام عربي إسلامي بسقف رسمته الولايات المتحدة للكثير من الدول العربية والإسلامية في الحرب الحالية، فكان لافتًا أنَّ أيًا من هذه الدول التي لها علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال لم تسحب سفيرها منها، ولو للتشاور، ولم تستدعِ سفير الاحتلال لوزارة خارجيتها للاحتجاج، فكان أن أعلن الأخير سحب دبلوماسييه من هذه الدول؛ خوفًا من ردّات الفعل الشعبيّة وليس المواقف الرسمية. الحال كذلك على مدى أسبوعَين من استهداف الاحتلال كلَّ شيء في غزّة من مدنيين وطواقم طبية ومستشفيات ومساجد وكنائس وأفران، وحتى مراكز إيواء النازحين، هل كان من المنطقي توقّع شيء مختلف من قمّة القاهرة؟ كان غريبًا بشكل لافت أن تعقد القمة في ظلّ استمرار القصف الإسرائيلي قطاعَ غزة، وارتفاع أعداد الشهداء والمصابين والمفقودين والنازحين بشكل مُطرد ومتسارع، بل ودون موافقة الاحتلال على دخول المواد الغذائية والصحية للقطاع. ورغم الحرص الشديد على ربط وتوقيت عقد القمة مع دخول أوّل قافلة مساعدة للقطاع، إلا أنَّ القافلة دخلت مرة أخرى بدون وقف إطلاق نارٍ، ودون موافقة إسرائيلية صريحة، بل إن ما دخل لم يتجاوز 20 شاحنة مساعدات، وهو ما أعلن المكتب الإعلامي في حكومة غزة أنه لا يشكّل سوى اثنين بالألف فقط من حاجة القطاع. لقد عُقدت قمة القاهرة متأخرةً جدًا، بعد أسبوعين من بدء الحرب، ودون عنوان واضح لدعم أو حماية الفلسطينيين في غزّة من آلة الحرب الإسرائيليّة، وإنما برفع شعار فضفاض كالسّلام. دفع ذلك الكثيرين للقول إنّ هدف القمة الرئيس قد يكون استثمار إنجازات المقاومة الفلسطينية وخسائر الاحتلال الاستراتيجية يوم السابع من أكتوبر للدفع بعملية سياسية من جديد، وهو ما يشي بمحاولة بعض الأطراف الالتفاف على هذه المكاسب ومحاولة تفريغها من مضمونها. وإلا فمن غير المفهوم أن يكون هدف القمة وقف إطلاق النار في غزة وحماية المدنيين الذين سقطَ منهم الآلاف لإشباع غريزة الانتقام لدى نتنياهو وحكومة الحرب التي شكّلها، ثم تُدَعى إليها الولايات المتحدة الحليف الأول والأكبر والأبرز للاحتلال، وألمانيا التي تهدد بطرد من يتعاطف مع الفلسطينيين من أراضيها، وفرنسا التي تجرّم المظاهرات التي تندد بجرائم الاحتلال. لذلك، وكما كان متوقعًا، لم يصدر بيان ختامي عن القمّة، حيث اصطدمت رغبة معظم الدول العربيَّة والإسلامية بالدعوة لوقف إطلاق النار، برغبة الدول الغربية بإدانة حركة حماس وتحميلها مسؤولية ما حدث وسيحدث، ولذلك اكتُفِي ببيانٍ عن الرئاسة المصرية، أكّد عدم توصل القمة لمخرجات عملية ملموسة أو حتى مطالب مشتركة. لقد أكَّدت القمة ما كان الأسبوعان السابقان عليها أظهراه من استشعار دولة الاحتلال وداعميها لاستثنائية معركة طوفان الأقصى، وتحديدًا إنجازات المقاومة الفلسطينية المتعلّقة بتحطيم الردع الإسرائيلي، وإنهاء أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وتفكيك مستوطنات غِلاف غزة، والعدد الكبير جدًا من الأسرى. في المقابل، تدثّرت المواقف العربية والإسلامية الرسمية بخطاب تقليدي لم يقدم جديدًا ولم يرقَ لاستثنائية الحدث وتداعياته الكبيرة المتوقعة على المديَين المتوسط والبعيد. غلبَ على خطاب الدول العربية -وتحديدًا مصر والأردن- رفضُ مخططات تهجير أبناء قطاع غزة نحو مصر، والتحذير من مخاطر خيار كهذا وتهديده للأمن القومي المصري، إضافة لتَكرار دعوات إحياء المسار السياسي وعملية السلام، في تنكّر فاضح للموقف الإسرائيلي، ومفردات خطابه التي ركّزت على ضرورة إعادة احتلال قطاع غزة وإنهاء حكم حماس، وعدم الاكتراث بسقوط المدنيين الذين هم حيوانات على صورة بشر، وصولًا للتهديد بـإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط برمّته. ورغم تأكيد الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس على ثبات الفلسطينيين على أرضهم ورفضهم خطط التهجير والترانسفير، إلا أنّه ساوى ضمنًا بين الاحتلال والمقاومة وغمز من قناة الأخيرة وتنصّل منها لدى تأكيده على الرفض الكامل لقتل المدنيين من الجانبين، وإطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين كافة، والالتزام بالشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، ونبذ العنف، واتخاذ الطرق السياسية والقانونية لتحقيق أهدافنا الوطنية. في الخلاصة، لم تقدم القمة شيئًا لسكان قطاع غزة الذين استفردت بهم قوات الاحتلال، فلم تقدم غير الخطابات والمناشدات، لكنها حاولت أن تعطي انطباعًا بأن شيئًا ما قد فُعل. لكن القمة عُقدت وخُتمت ولم يوقف إطلاق النار، ولا أعلنت هدنة إنسانية، ولا فتحت ممرات إنسانية لخروج الجرحى والمصابين، ولا مُورس ضغط حقيقي على دولة الاحتلال، ولا دخلت مساعدات ذات بالٍ للقطاع المحاصر المستهدف. إنَّ تَكرار المواقف البروتوكوليّة التقليديّة -في غياب أي ضغوط حقيقية على دولة الاحتلال لوقف قصفها المدنيين في غزة، وعدم اتخاذ أي قرارات باتجاه معاقبة الاحتلال أو حتى التلويح بذلك في ظلّ ما اقترفه ويقترفه من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية يكاد بعضها يرقى للإبادة الجماعية يُوحي بإقرار ما يحصل وعدم معارضته بشكل فعلي بالحدّ الأدنى. وإذا ما كانت مواقف الدول الغربية مفهومةً في درجة اصطفافها بل وانخراط بعضها رمزيًا في المعركة إلى جانب دولة الاحتلال، فإن مواقف الكثير من الدول العربية والإسلامية ليس مفهومًا ويثير لدى الفلسطينيين مشاعر الخِذلان من جهة، والشك والقلق من جهة أخرى. لقد فشلت قمة القاهرة فيما كان يفترض بها أن تنجزه، وفي ظل حالة الشلل التي تعاني منها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والعجز المتوقع من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، يبقى التعويل على الجهود الفردية لبعض الدول الصادقة في حرصها على الدم الفلسطينيّ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/10/24/%d9%82%d9%85%d9%91%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%88%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b7%d8%b1%d8%a7%d9%81
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-10-24T12:53:25
2023-10-24T12:54:55
مقالات
2,347
إسرائيل والطريق إلى نهاية غير سعيدة
لا يَنْفك بنيامين نتنياهو عن تكرار التأكيد على هدفه بتحقيق “النصر المطلق”، ما جعل العديد من القيادات السياسية والمرجعيات العسكرية الإسرائيلية إلى تسخيف تلك المقولة، ودحضها بكونها مجرد أوهام في رأسه.
لا يَنْفك بنيامين نتنياهو يكرر التأكيد على هدفه بتحقيق النصر المطلق في عدوانه الجاري على قطاع غزة، منذ ثمانية أشهر متتالية، ما دعا العديد من القيادات السياسية والمرجعيات العسكرية الإسرائيلية إلى تسخيف تلك المقولة، ودحضها بكونها مجرد أوهام في رأس نتنياهو. الوزير في مجلس الحرب، غادي آيزنكوت اتهم نتنياهو في 29 مايوأيار بالفشل الأمني والاقتصادي في الحرب، وتسويق وهم النصر المطلق للإسرائيليين، وأوضح أن من يقول سنقوم بتفكيك عدد من الكتائب في رفح وعندها سنعيد المختطفين، يزرع الأوهام الكاذبة، لأن الحدث أكثر تعقيدًا، وأن الأمر سيستغرق من 3 إلى 5 سنوات لتحقيق استقرار كبير، ثم سنوات عديدة أخرى لتأسيس نظام حكم آخر في غزة. يُدرك بنيامين نتنياهو أن الحرب لم تحقّق أهدافها التي أعلنها منذ اليوم الأول، ويُدرك أيضًا أن الأفق صعب ومعقّد وأكبر من السيطرة عليه ودفعه بالاتجاه الذي يريده في المدى المنظور. مدينة رفح التي دخلها جيش الاحتلال لتكون الحلقة الأخيرة والحاسمة في تحقيق النصر المطلق بالقضاء على ما تبقى من كتائب القسام، ما زالت المقاومة فيها تقاتل بقوّة موقعة خسائر فادحة في جيش الاحتلال، بالتوازي مع معارك أكثر شراسة في شمال القطاع، ولا سيما في منطقة جباليا التي شهدت عملية أسر وقتل عدد من الجنود، ذكّرتنا بمعركة السابع من أكتوبرتشرين الأوّل الماضي، في رسالة واضحة أن المقاومة ما زالت فاعلة في عموم القطاع. الفشل المتوقّع في رفح، دفع رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنيغبي للقول؛ نتوقّع 7 أشهر أخرى من القتال لتعميق إنجازاتنا وتحقيق هدفنا المتمثل في تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس والجهاد الإسلامي. مضيفًا فقط لا ينبغي أن نستخدم ساعة توقيت على أنفسنا أو نحدّد إنذارات نهائية، في إشارة واضحة إلى أفق مفتوح، تصعب السيطرة على خطه الزمني أو نتائجه المتوقعة، بعد تجربة الأشهر الثمانية الماضية، التي جعلت الزمن غير مقدّس في أحلامهم لتحقيق النصر المطلق. تحقيق الهدف إذن، في نظر غادي آيزنكوت رئيس الأركان السابق والوزير في وزارة الحرب، سيستغرق سنوات طويلة وليس مجرد أشهر سبعة، ما يجعل حلم تحقيق النصر المطلق أقرب للسراب، كلما اقترب تكشف عن هباء، لكن الأمل الذي يحدو العطشى يتجدد دائمًا. هذا تحديدًا هو حال حكومة الحرب بقيادة نتنياهو التي وعدت بالقضاء على حماس والمقاومة خلال الشهر الأوّل من المعركة، ثم بنهاية العام الماضي، ثم مع دخول مدينة خان يونس مطلع العام الجاري، إلى أن وصلت إلى مدينة رفح بعد سبعة أشهر من القتال المتواصل، وما زالت تَطرح آجالًا جديدة هي بين الأشهر والسنوات. ما يفقد الاحتلال قدرته على وضع تقدير زمني أو أهداف عسكرية واقعية، هو فقدانه للمعلومات الدقيقة عن قدرات كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية التي تمثل صندوقًا أسود، في وقت اتّسعت فيه رقعة الصراع في الضفة الغربية، وعلى الحدود اللبنانية وحتى اليمن والبحر الأحمر والأبيض المتوسّط، حتى تحوّلت المعركة إلى حرب استنزاف يغرق فيها الاحتلال، وتجعل الزمن في غير صالحه، إذ انهارت روايته، وتآكلت شرعيته، وازدادت عزلته الدولية. العديد من الوزراء في حكومة الحرب يدركون أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، ويرون أن إطلاق سراح الأسرى يجب أن يشكّل أولوية، وضرورة البحث عن أفق سياسي لإدارة القطاع بعيدًا عن الاحتلال المباشر، لأنه سيشكل معضلة لإسرائيل على المستويين العسكري، والاقتصادي، وعلى مستوى السمعة الدولية، وسيعرقل فرص التطبيع، وإعادة تموضع إسرائيل في الشرق الأوسط. ولكن بنيامين نتنياهو لا يزال مصرًّا على موقفه رغم ذلك، وإصراره يعود لأسباب شخصية وسياسية وأيديولوجية لديه؛ فنهاية الحرب دون تحقيق نصر مطلق، ستنهي مستقبله السياسي وتحمله مسؤولية الفشل، وستضعه في مواجهة ملفات الفساد التي تلاحقه أمام القضاء. كما أن قناعته السياسية التي تتقاطع مع اليمين الصهيوني القومي المتطرف، برفض الدولة الفلسطينية، وضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، ستصبح سرابًا بعد أن فقدت إسرائيل قدرتها الردعية في 7 أكتوبرتشرين الأول 2023، وفشلها في استعادته أو ترميمه طوال الأشهر الثمانية التالية، ولذلك يجد نتنياهو في سياسة العناد والهروب إلى الأمام منجاة ومخرجًا محتملًا له ولقناعاته السياسية التائهة في هذه الحرب. يعيش نتنياهو مزيجًا من الأنا المتضخمة والفكر الأيديولوجي المتطرّف، وهو يرى نفسه ملكًا متوجًا لإسرائيل وأحد أهم الشخصيات التاريخية. وتخيل نفسه خارج سدة الحكم أو في قفص الاتهام يسبب له حالة من الرهاب والفزع العميق، وهو يزداد عنادًا كلّما استشعر اقتراب تلك النهاية، ويظن القتال مُنقِذًا له، ولا سيّما مع تحرج الإدارة الأميركية من سحب دعمها له، وإن مارست نقدًا تكتيكيًا لسلوكه، وذلك حتى لا تُغضب اللوبي الصهيوني قُبيل الانتخابات الرئاسية. لا يشكل الانسياق وراء تلك الأبعاد الشخصية والأيديولوجية لنتنياهو ظاهرة صحية لإسرائيل، في ظل التراجع المتصاعد لقدرتها على الردع، وإنهاك جيشها، وانهيار سمعتها، وتزايد عزلتها الدولية بعد القرارات العدلية الدولية ضدها، ناهيك عن مشاكلها المتفاقمة اقتصاديًا واجتماعيًا؛ بسبب الحرب الاستثنائية في تاريخها. استبعاد التفكير العقلاني، لصالح التفكير الرغائبي الأيديولوجي لبعض قادتها، وفي مقدمتهم نتنياهو، سيأخذ إسرائيل بعيدًا عن تحقيق النصر المطلق، ولا يستبعد أن تحمل الأشهر القادمة مزيدًا من الفشل الإستراتيجي لإسرائيل بسبب تراكم أزماتها الداخلية والخارجية. يقول اللواء احتياط إسحق بريك إسرائيل لا تملك القدرة على كسب الحرب ضد حماس أو حزب الله اللبناني، وعدم إنهاء تلك الحرب سيحوّلها إلى حرب استنزاف تستمر لسنوات، وستؤدي في النهاية إلى انهيارها، ويضيف الجيش الإسرائيلي صغير ومهترئ وليس لديه فائض في القوات، وكل يوم تتواصل فيه الحرب يزداد الوضع سوءًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/4/%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d9%86%d9%87%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%b3%d8%b9%d9%8a%d8%af%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-06-04T06:34:12
2024-06-04T06:34:12
مقالات
2,348
الهجوم الإيراني.. ضربة موجعة لإسرائيل أم ردع في الوقت الضائع؟
حزب الله ليس مُجرد حليف لبناني لطهران أو وكيل إقليمي قوي لها فحسب، بل جزء من العقيدة الدفاعية الإيرانية. وأي تهديد وجودي له سيؤدي إلى إضعاف هذه العقيدة وإلى تقويض قوة وكيل يُمثل أهم خط دفاع إيراني.
من الأخطاء الكبيرة التي يُمكن أن يرتكبها طرف مُنخرط في حرب لا يُريدها، ويسعى للحد من أضرارها عليه إظهار التردد عندما يكون الطرف الخصم مُندفعًا بقوة؛ لأن التردد يُشجعه على الإفراط في استعراض القوة؛ لاعتقاده بأن تكاليفه محدودة عليه. تنطبق هذه الحالة على المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في حرب السابع من أكتوبرتشرين الأوّل. لقد أفرطت إيران منذ الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل نيسان الماضي في التردد بإظهار الردع القوي، وهو ما شجّع إسرائيل على مواصلة تصعيد المواجهة من خلال اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو تموز الماضي، ثم تصعيد الحرب على حزب الله باغتيال فؤاد شُكر أحد قادته الكبار، وصولًا إلى اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله الأسبوع الماضي، وتوسيع نطاق الحرب على لبنان. إن نجاح إسرائيل في فرض إيقاعها على الحرب في الأسابيع الأخيرة، ورفع تكاليفها الكبيرة على حزب الله عقّدا من المأزق الإستراتيجي الذي تواجهه إيران. فقد أصبحت تكاليف مواصلة إظهار التردد آخذة في الارتفاع على إيران، وحليفها حزب الله. فمن جانب، لم يردع التردد إسرائيل عن مواصلة تصعيد الحرب. ومن جانب آخر، عمّق من الانكشاف الإستراتيجي الذي يواجهه حزب الله. وفي ضوء ذلك، لم يكن أمام طهران خيار سوى التخلي عن هذا التردد بشن هجوم صاروخي مباشر على إسرائيل الثلاثاء. لكنّ الهجوم لا يزال مُتسقًا مع إستراتيجية إيران الرئيسية التي تُركز على ردع الحرب الإقليمية. وحقيقة أن الهجوم الصاروخي الأول في أبريل نيسان الماضي لم يُظهر الردع الكافي أمام إسرائيل، فإن الهجوم الجديد جاء مُختلفًا عن السابق من حيث الشكل والمضمون. في الشكل، فإن إيران تعمّدت أن يكون الهجوم أوسع نطاقًا من هجوم أبريلنيسان، وأن يُحدث أضرارًا واضحة على عكس الهجوم الأول. وفي المضمون، فإن تزامن الهجوم الجديد مع تصعيد الحرب على الجبهة الأولوية، مُصمم لتحذير إسرائيل من أن مواصلة اندفاعتها ضد حزب الله ستؤدي إلى حرب إقليمية. لا تزال إيران تُظهر رغبتها الصريحة بتجنب التورط المباشر في الحرب. وهذا مفهوم؛ لأن مثل هذا التورط سيجلب تكاليف باهظة على طهران نفسها، وقد يُشكل تهديدًا وجوديًا لنظامها. لكنّ المخاطر الكبيرة التي يواجهها حزب الله في الوقت الراهن تجعل الفوائد المتصورة لتجنب التورط المباشر في الحرب أقل أهمية بالنسبة لإيران من عواقب الانخراط فيها إذا أصبحت أمرًا واقعًا. فحزب الله ليس مُجرد حليف لبناني لطهران أو وكيل إقليمي قوي لها فحسب، بل جزء من العقيدة الدفاعية الإيرانية. وأي تهديد وجودي له سيؤدي إلى إضعاف هذه العقيدة، وإلى تقويض قوة وكيل يُمثل بحكم الجغرافيا خطَ دفاعٍ إيرانيٍ على الجبهة مع إسرائيل. علاوة على ذلك، فإن أي نجاح إسرائيلي في إضعاف قوة حزب الله، سيُحفز تل أبيب في المدى المنظور على تصعيد عملياتها العسكرية ضد الوجود الإيراني في سوريا، في إطار إستراتيجيتها الرامية إلى إضعاف اعتماد إيران على وجودها الإقليمي، وعلى شبكة حلفائها في المنطقة كجزء من عقيدة الدفاع لديها. لقد أظهرت عقيدة الصبر الإستراتيجي التي انتهجتها إيران منذ بداية حرب السابع من أكتوبرتشرين الأول نقاط ضعف كبيرة؛ لجهة أنها لم تُحقق الفوائد المرجوة منها على صعيد تجنب تعميق تورطها بالوكالة في الحرب، وتجنب تعميق التورط المباشر لحزب الله فيها. كما أن عقيدة التراجع التكتيكي التي أعلنها المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي بعد اغتيال هنية في طهران، جاءت بنتيجة عكسية؛ لأنها عززت مؤشرات الضعف الإيرانية، وعززت اعتقاد إسرائيل بأن تكاليف تصعيد الحرب على حزب الله ستبقى مُنخفضة. واليوم تنتقل إيران إلى تبني عقيدة جديدة تمزج بين الصبر الإستراتيجي واستعراض إضافي للقوة؛ بهدف تأكيد الردع الذي يمنع الحرب الإقليمية بالتوازي مع رفع مخاطرها؛ لتحذير تل أبيب وواشنطن من عواقب الذهاب بعيدًا في إضعاف حزب الله. مع ذلك، فإن هناك حقيقتين سيتعين على إيران التعامل معهما منذ الآن فصاعدًا أكثر من أي وقت مضى من هذه الحرب. الأولى؛ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبح أكثر جرأة في تصعيد الحرب لاعتبارات مُتعددة؛ أهمها قلق إيران من التورط المباشر فيها. والثانية أن الولايات المتحدة، التي لعبت دورًا مهمًا في الحد من مخاطر الحرب الإقليمية منذ أبريل نيسان الماضي، لم تعد قادرة على مواصلة لعب هذا الدور، إما لأنها تعتقد أن إيران لن تتورط بالحرب بأي حال، أو لأنها لم تعد قادرة على التأثير في سلوك نتنياهو في الحرب، أو كلا الأمرين معًا. وفي المحصلة، فإن هذا الوضع يوجد المزيد من المخاطر الكبيرة على إيران وحزب الله. في حين أن طهران صممت إستراتيجيتها في الحرب منذ البداية للحد من تكاليفها عليها وعلى حليفها حزب الله، فإن نتنياهو لا يُدير الحرب من منظور الحد من التكاليف واستعادة الردع الذي كان قائمًا قبل السابع من أكتوبرتشرين الأول، بل من منظور الفرص التي أوجدتها إسرائيل لنفسها من أجل إعادة تشكيل التهديدات المحيطة بها من حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، وإعادة تشكيل التهديد الإيراني من خلال إضعاف عقيدة الدفاع الإيرانية، وهذا ما قلل في الواقع من تأثير رسائل الردع الإيراني، وعظم تأثير الاندفاعة الإسرائيلية في الحرب. ومن غير المُرجح أن يُحقق الهجوم الإيراني على إسرائيل الثلاثاء هدف إظهار الردع أو الضغط على إستراتيجية إسرائيل الجديدة في لبنان. وقد تُصبح الخيارات، التي سعت إيران جاهدةً لتجنبها منذ بداية الحرب، أمرًا لا مفر منه في نهاية المطاف. لقد وعد نتنياهو في بداية الحرب بتغيير الشرق الأوسط. وأي تأخير إضافي إيراني في التكيّف مع الأهداف الحقيقة لإسرائيل في الحرب، سيرفع التكاليف الباهظة عليها، وعلى حلفائها ودورها الإقليمي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/2/%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%ac%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d8%b6%d8%b1%d8%a8%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-10-01T22:24:52
2024-10-01T22:25:57
مقالات
2,349
أربع مفارقات مقلقة عاشها المغرب مؤخراً
يكشف النص عن أربع قضايا تُظهر تراجع النخب المغربية فكريًا وأخلاقيًا، بدءًا من زعيمة يسارية متناقضة، مرورًا بتصريحات وزراء مثيرة للجدل، وصولًا إلى أزمة القيم الأكاديمية والإعلامية.
في أقلّ من شهر عاش المغرب حالات أربعًا، تَشي باندحار فكري مريع، وأخلاقي مهول. كل حالة كان من شأنها أن تملأ الدنيا وتشغل الناس، وكادت أن تمرّ مرور الكرام، سوى الحالة الرابعة، حين انبرى صاحب أكبر مجموعة إعلامية مغربية ينتقد المحكمة الجنائية الدولية التي أدانت نتنياهو وغالانت، على أساس أن قرار المحكمة الجنائية الدولية يمسّ بسيادة إسرائيل، ويتدخل في شؤون القضاء الإسرائيلي، وهو الأمر الذي استهجنه أصحاب الرأي ولم يدعوه يمرّ مرور الكرام. وأولى هذه القضايا التي تستأثر بالاهتمام، زعيمة سياسية من اليسار الجديد الذي يؤاخذ على اليسار القديم تخليه عن مبادئه، نادت من قبة البرلمان أن يجهر الخطباء في خطب الجمعة بالجهاد في فلسطين، وذكّرت أن تاريخ المغرب تاريخ جهاد ومجاهدين، وسبق للمغرب أن فتح الأندلس وغزاها. لا يُشكُّ في حسن نوايا الزعيمة اليسارية، وفي صواب توجهاتها فيما يخصّ واجب النُّصرة والدفاع عن المظلوم، لكن الجهاد، والفتح، والغزو، لم تكن قطُّ مرجعية يسارية، وهي بلا مراء مرجعية إسلامية. وكان يكفي أن تدافع الزعيمة اليسارية عن واجب النصرة، وحرية الأئمة في الخطب، من غير ما حاجة للتذكير بفتح الأندلس واحتلالها كما ورد على لسانها. والمفارقة الثانية، هي لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، الذي أفشى ما دار بينه وبين وزير الداخلية الفرنسي، إذ قال القيّم على الشأن الديني بالمغرب إن المغرب بلد علماني، وأن الكل حر فيما يريده، وبقي وزير الداخلية مشدوهًا، أو حال فمُّه حسب تعبير السيد الوزير، وطالب بلقاء ثانٍ، لأن اجتهاد وزير الشؤون الدينية المغربي يعطي الوزير الفرنسي المدد في الحرب ضد أهالي الجمهورية، أو مسلمي فرنسا. حاول الوزير سُدى أن يُنسّب ما ورد عنه، من أن العلمانية علمانيات، لكن السهم طاش. طبعًا، لم يأتِ الوزير بجديد، لأن واقع الحال يفيد أن هناك علمنة مع وقف التنفيذ، كما ينعتها بعض الباحثين العلمانيين، ولكن ليس لوزير الأوقاف أن يقول بذلك، أو يُقرَّ به، أو حتى أن يُفشي ما جرى له مع المسؤولين الفرنسيين، ومع وزير الداخلية بالأساس، حيث يُعتبر الإسلام في فرنسا شأنًا أمنيًا. وقد كتب كاتب يرد على الوزير أتُعتبر مؤسسة إمارة المؤمنين، التي هي المرجعية التي تحتكم إليها وزارة الشؤون الدينية، من العلمانية، ما دام المغاربة علمانيين؟ وهل تستقيم مع العلمانية، أو لا يُخشى تنافر بينهما، يوجب رفع إحداهما؟ وهل يجوز الإفطار علانية في رمضان، والقانون الجنائي يُجرم ذلك، والوزير يقول بأن الكل حر أن يصنع ما يشاء؟ كان حريّا بوزير الشؤون الدينية المغربي أن يقول لوزير الداخلية الفرنسي إن الدين يُسر، ومن غالب هذا الدين غلبه، وأن الإسلام يدعو بالمجادلة بالتي هي أحسن، وأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، ولن يعدم الوزير استشهادات من مرجعية إسلامية حول تدبير الشأن الديني في المغرب، في اتجاه الرفق، وخفض الجناح، وعدم الغلو، عوض الخوض في مرجعيات أخرى، يمكنه أن يشاطرها توجهها بصفته الشخصية، ولكن لا يسوغ له أن يجهر بذلك من منطلق المسؤولية. وثالثة الأثافي، وزير التعليم المغربي الجديد، الذي في أول خروج إعلامي له بالبرلمان، وجد العَنت الشديد في قراءة ما كُتب له بالدارجة المغربية، ولم يجد حرجًا أن يرد في حصة الأسئلة الشفوية بالقول إن وزارته سترد كتابة.. ولا يُدرى لِمَ تُسمى الحصة بأسئلة شفوية، إن كان الرد سيكون كتابيًا؟. بضاعة وزير التعليم، من اللغة العربية ليست مزجاة فقط، بل منعدمة، ولا يُعرف عنه أن عُني بالشأن العام، ولا أن له أدنى إلمام بقضايا التعليم، ويوكل له مع ذلك أهم قطاع يبني الإنسان. والحقيقة أن هناك استهتارًا بهذا القطاع إذ أوكِل لتقنيين لا يعرفون قضايا التربية، ولا حتى قضايا المجتمع، واشتغل أحسنهم بتحسين الوضع المادي للمؤسسات التربوية، أما محتوى التعليم وكيفية التدريس، فكانت قضايا مستغلقة عليهم، واعترفوا أنهم لا يفقهون فيها. فهل من قبيل المصادفة أن يتولى قطاع التربية أشخاصٌ يجهلون العربية ويمقتونها، وعلى جهل تام بالجوانب الثقافية لبلدهم؟ أما الطامة الكبرى، فهو ما كتبه السيد أحمد الشرعي، في تايمز أوف إسرائيل منتقدًا قرار المحكمة الجنائية الدولية بتجريم كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، واعتبر ذلك مساسًا بسيادة دولة إسرائيل وتدخلًا في القضاء الإسرائيلي. لسنا في هذه النازلة في حرية الرأي، لأن حرية الرأي تفترض الجهر بآراء يعتبرها مثقف أو صحفي، متعارضة لتوجهات فكرية يؤمن بها، أو لمرجعية يأتمُّ بها، أو لمبدأ عام، ومن حقه أن يعارضها أو يدحضها. وهي ليست حالة السيد الشرعي الذي لم يسبق له أن تحرك في قضية ما تهم المغرب والمغاربة، فلم يكتب حرفًا واحدًا أو أدلى بتصريح، حين ضرب الزلزال منطقة الحوز بالمغرب، ولم يُعرف عنه تجنده لقضية إنسانية خارج المغرب، وكل إسهاماته هي تلك المرتبطة بإسرائيل، دفاعًا عنها، وتعريضًا بمن يقف ضدها، كما في مقال له بعد طوفان الأقصى بعنوان كلنا إسرائيليون. أي إننا، في حالة السيد الشرعي، أمام ما يمكن اعتباره عمالة لدولة أجنبية، وفق ما ورد في بلاغ لحزب العدالة والتنمية. مرد الخطورة، كما ورد في أقلام صحفية، هو أن السيد الشرعي تم احتضانه من قِبل جهات أمنية، في فترات للرد على الصحافة الحرة، إبّان عنفوانها، ويحظى برعاية ضافية، مثلما تسرب في الصحافة، من أشخاص كانوا قريبين من الأوساط الأمنية، ويحدثون بلسانها، ويلهجون بخطابها. هل هي رَمْية من غير رامٍ؟ أو أن وراء الأكمة ما وراءها، كما كتب صحفي اعتبر أن خرجة الشرعي تقتضي قراءتين، إما أنها كُرة اختبار، أو أن السيد الشرعي شبّ عن الطوق مما يجعله أكبر من أن يأتمر بأمر محتضنيه. لقد أضحت الكثير من الهيئات المؤثرة مخترقة، ومن شأنها أن تهدد سياسة الدولة، وتُقلب سُلّم القيم، وترفع من ترفع؛ لأنه ينطبق مع توجهاتها، وتحط من لا يطابق تلك التوجهات، وتُزري به في أحسن الأحوال، وتُضيّق عليه في غالب الأحوال. كنا نُغبَط في المغرب، لفترة، لعقلانيتنا وعمق تصورنا، لكن ما نشهده على مستوى النخب السياسية والإعلامية والفكرية يظهر وميض نار، قد يأتي على هذا الرصيد الذي كنا نفخر به ونفاخر. لم يعد اليساري يساريًا، وأضحى وزير الشؤون الدينية مدافعًا عن العلمانية، ووزير التعليم غير متعلم لا يُحسن التعبير، والعمالة أصبحت تُعتبر حرية رأي. ولعل ما يعزز هذا التوجه المريع، ما كتبه صحفي مغربي عن واقع الجامعة المغربية، التي سرت فيها السرقات في رسائلها وأبحاثها، والمحاباة والولاء الزبونية للارتقاء في أسلاكها، والرشوة للانخراط فيها، والقصاير على مستوى بعض الأساتذة، أي الحفلات الماجنة، يُستغل فيها حالات بعض الفتيات لأغراض غير التعليم والمعرفة. ليس باندحار الجامعة يمكن أن نحافظ على الرصيد الذي كان يميز المشهد الثقافي المغربي والتي أنجبت أساطين أغنوا المكتبة العربية، ومدوها بأدوات عقلانية. وليس هو المغرب الذي كان يُؤمله جيل ما عُرف بالانتقال الديمقراطي. لا جَرَمَ أن المغرب عرف قفزة نوعية في البنيات التحتية، ولكنه عرف اندحارًا من حيث القيم والمرجعيات، حتى كاد أن يكون بدون نخب سياسية وثقافية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/2/%d8%a3%d8%b1%d8%a8%d8%b9-%d9%85%d9%81%d8%a7%d8%b1%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%ae%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d8%b4%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%85%d8%a4%d8%ae%d8%b1%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-12-02T08:01:48
2024-12-02T12:56:22
مقالات
2,350
كيف تكون القرارات الحكومية الجيدة.. مضرة؟
ينبغي ألا نكتفي بدراسة الجدوى الاقتصادية لما قد نتخذه من قرارات، وإنما ينبغي أيضًا دراسة الجدوى القيمية والأخلاقية والحضارية لتلك القرارات، وإلا فإنه من الوارد جدًا أن تكون تلك القرارات جد مكلفة.
سأحكي لكم في بداية المقال ثلاث قصص مختلفة، بثلاثة دروس مختلفة. منها قصتان من الولايات المتحدة الأميركية، وقصة من إحدى المدن الصغيرة والمغمورة في المغرب.. وأعد القرّاء الأوفياء الذين سيكملون قراءة المقال، بقصص ممتعة أخرى في المتن. يحكي ريتشارد ثالر قصة طريفة كان يدرّس صفًا عن اتخاذ القرارات التِّجارية لطلاب كلية إدارة الأعمال.. وكان بعض الطلاب يغادرون الحصة مبكرًا، ويتسلّلون خارج القاعة بشكل خفيّ قدر الإمكان، ومن سوء حظّهم أن الطريق الوحيد أمامهم للخروج يمرُّ عبر باب كبير مزدوج، مزوّد بمقبضين خشبيين طويلين في كل جهة. وقد كان المقبضان مركبَين بشكل رأسي. عندما يهم الطلابُ بالمغادرة، متسللين ويصلون إلى هذا الباب المزدوج، كانوا يواجهون غريزتين متنافستين إحداهما مستمدّة من الخبرة السابقة في التعامل مع الأبواب، وتقول؛ إن مغادرة القاعة تتطلب دفع الباب. والغريزة الأخرى مصممة للتعامل مع التوجيه الضمني الكامن في المقبضين الواضحين، وتقول؛ إنه عندما يواجه الطالب المقبضين الخشبيين الكبيرين المصممين للإمساك بهما فعليه جذب الباب، وتبيّن أن الغريزة الأخيرة، تفوّقت على الأولى، وبدأ كل طالب يهمّ بالخروج بجذب الباب، لكن الباب يقاوم ولا يفتح؛ لأنه كان يفتح إلى الخارج للأسف. ولكم أن تتخيّلوا المواقف الطريفة التي تحدث نتيجة ذلك، والحرج الذي يعانيه الطلبة المتسللون دومًا، وهم يصارعون الباب رغبة في الخروج، بينما أستاذهم ثالر وبقية الطلبة يستمتعون بمشاهدتهم وهم محرجون ومحاصرون أمام الباب المزدوج الذي يكشف تسللهم في كل مرة. الدرس الأول يقول؛ إنه قد يبدو لنا أننا أحرار في اتخاذ الكثير من القرارات في حياتنا، لكن في الواقع أن ما نواجهه في حياتنا من اختيارات، قد يتأثر في الغالب بالعديد من التوجيهات الضمنية والخفية التي قد لا ننتبه إليها، لكنها مع ذلك تؤثر في حياتنا وفيما نتخذه من قرارات، فالطلبة لم يستطيعوا تجاهل الرسالة الواضحة التي كان يصدرها المقبض الخشبي الكبير أنا هنا لتجذبني. الحكاية الثانية؛ بطلاها كل من كارولين وآدم؛ كارولين هي مديرة خدمات التغذية لنظام المدارس في إحدى المدن الأميركية، وآدم هو مستشار إداري يعمل مع سلاسل أسواق كبرى. لاحظت كارولين أن معظم الطلاب في المطاعم المدرسية يختارون أطعمة قد تكون أقرب إلى نظام الوجبات السريعة وأبعد عن النمط الصحي؛ فقرّر الصديقان القيام بتجربة طموحة، مضمونها تغيير الطرق التي تعرض بها الأطعمة والشكل الذي ترتّب به، دون إحداث أي تغيير في قوائم الطعام وهكذا في بعض المدارس وضعت الحلويات أولًا، وفي مدارس ثانية وضع الجزر على مستوى النظر في أول صفّ، وتم تأخير البطاطس المقلية إلى آخر صف في الأسفل، وهكذا. وكانت نتيجة التجربة مذهلة باستطاعة كارولين زيادة استهلاك الطلبة للأغذية الصحية، وتقليل استهلاكهم للأغذية غير الصحية دون التدخل في حريتهم للاختيار، ودون تعديل قائمة الطعام، بل فقط من خلال إحداث تغييرات طفيفة على طريقة عرض الأطعمة. الدرس الثاني الذي نتعلمه هنا، هو أنه بإمكاننا التدخل لتحسين نوعية القرارات التي يتخذها الناس، بشكل يضمن من جهة مصالحهم وتحسين حياتهم، ومن جهة ثانية الحفاظ على حريتهم الكاملة في الاختيار، ويتحقق ذلك من خلال تصميم الاختيارات على نحو معين. الحكاية الثالثة من المغرب، فمع اتساع رقعة التمدن، بدأت ألاحظ أن المدن الكبرى تتجه بشكل أسرع نحو التخلي عن العادات والتقاليد الأصيلة التي نشأنا عليها، ففي أحد الأحياء الراقية في مدينة فاس، حينما أدخل بعض المتاجر وألقي السلام، أفاجأ من حين إلى آخر بأن زبائن المتجر يستديرون إليّ من باب الفضول لمعرفة من ذلك الغبي الذي ما زال يتمسك بتحية السلام عليكم، ثم يستديرون ويتابعون ما يفعلون بتجاهل تام لتحيتي.. ويجعلني ذلك أشعر بقدر كبير من الاستياء. لكن في مدينتي الصغيرة، حيث ولدت ونشأت، ما زال الناس يحرصون على رد السلام، ومساعدة المحتاج، واحتضان الغريب، لكن يبدو أن ذلك لن يستمر طويلًا فقد تم افتتاح متجر متوسط يحاكي تجربة الأسواق الكبرى في طريقة الدخول والخروج، وترتيب البضائع على الرفوف، مع وجود بائعتين بصفي انتظار، وقد نجح المتجر في اجتذاب الكثير من الزبائن الذين يبحث معظمهم عن إرضاء غريزة التحضر والتمدن. الأمر الطريف الذي حدث لي، هو أنني أجد نفسي لأول مرة في مدينتي الجميلة، أدخل متجرًا، وما من معنى ولا دافع لإلقاء السلام فباب الدخول يقودني إلى أول جناح عرض للبضائع، وأجده فارغًا من الزبائن في الغالب، فعلى من ألقي التحية؟ ثم أبدأ في مصادفة مشترين مشتتين بين الرفوف، فهل أسلم على كل زبون التقيته؟ أسوأ ما يقلقني في هذا الأمر، هو أن سكان مدينتي الطيبين، يتلقون في كل مرة يلجون فيها هذا المتجر، تعلمًا اجتماعيًا عمليًا، مفاده أنه توجد سياقات يمكنك ألا تلقي فيها السلام، ومع مرور الوقت، سيبدأ الناس في التخلي عن آداب التحية في سياقات مختلفة، وينسون تدريجيًا التأدب مع الآخرين والاكتراث لأمرهم، ويصبحون مثل سكان الحواضر الكبرى، الذين يجمعون أحيانًا بين شدة التأنق في المظهر، وقمة البرودة في التعاطف الإنساني الدرس الثالث هنا، هو أنّ بعض السياقات التي تنتمي إلى مجالات معينة، قد تؤثر بشكل سلبي في مجالات أخرى تبدو بعيدة عنها، من خلال توجيه الناس بشكل غير متعمد وغير مباشر للقيام باختيارات وسلوكات سلبية. وإذا أردنا تركيب الدروس الثلاثة السابقة في حكمة مركزة، فإنها ستكون على الشكل التالي إن الكثير من القرارات التي قد تتبناها جهات حكومية، أو توجهات تجارية أو فنية، قد تكون مفيدة في مجالها الضيق، لكنها مكلفة على المستوى الأخلاقي أو الحضاري أو القيمي.. وهي تؤثر سلبًا في المجتمع من خلال ما قد تتضمنه من توجيهات خفية وغير واضحة للأفراد. ولأثبت لكم أن بعض القرارات الجيدة قد تكون مضرة، سأحكي لكم القصة التالية، وهي تحتاج إلى بعض التأمل في إحدى المدن المغربية، قامت السلطات المختصة أخيرًا بتفكيك حي عشوائي كبير جدًا، نشأ من خلال استقطاب المهاجرين القادمين من البوادي والذين أرغمهم الجفاف على الهجرة بحثًا عن العمل، ولم تكن ظروفهم تسمح باكتراء منزل مناسب، فكانوا يشيدون مساكن عشوائية توسعت وتناسلت على مرّ السنوات. ونظرًا للظروف التي نشأ فيها أبناء ذلك الحي، الذي تأخر المسؤولون طويلًا جدًا في التعامل معه، فقد تحول إلى بؤرة إجرامية خطيرة هددت أمن المدينة الصغيرة الهادئة التي اشتهرت بأمنها وطيبة أهلها على مرّ السنوات. ورغم أن بعض الاعتداءات الإجرامية بدأت تظهر من حين إلى آخر في المدينة، فإن معظم أحياء المدينة ظلت محافظة نسبيًا على أجوائها الآمنة، باستثناء الحي العشوائي الذي كان مسرحًا للاعتداءات وصراع العصابات الإجرامية.. وقد قام المسؤولون مؤخرًا بخطوة إيجابية تمثلت في هدم الحيّ العشوائي بأكمله، تمهيدًا لتعويضه بحيّ جديد منظم، يضمن سكنًا كريمًا بجميع المرافق الضرورية من مدارس وغيرها. ونتيجة لذلك، تفرق سكان الحي المذكور في أنحاء المدينة بأكملها، فاكتروا شققًا بشكل مؤقت في انتظار اكتمال تهيئة الحي الجديد. لكن الذي حدث، هو أن بعض المنحرفين والمجرمين والمراهقين المتهورين الذين كان نشاطهم الإجرامي منحصرًا في حيهم الأصلي، قد تفرّقوا أيضًا في جميع أحياء المدينة، فنقلوا معهم عاداتهم الإجرامية وسلوكهم العنيف، وقيادتهم المتهورة للسيارات المتهالكة، وشتائمهم البذيئة، ومجاهرتهم باستعمال المخدرات إلى جميع الأحياء.. فأصبحت الكثير من التجمعات السكنية الهادئة والآمنة تعاني من إزعاج شديد وقلق من التعرض للاعتداء. ولا تنحصر الكلفة الاجتماعية والأخلاقية لقرار الإخلاء الكلي في إزعاج سكان المدينة وتعريضهم للاعتداءات المتكررة فقط، بل يتعلق الأمر بتغيير هُوية مدينة بأكملها، فالمنحرفون الموزعون على جميع الأحياء يقدمون خبرة إجرامية جاهزة لبعض المراهقين الذين يحملون استعدادًا للانحراف، ويجعلونهم أكثر جرأة على تحدي قيم المجتمع وعادات المدينة، بل ويتعب رجال الأمن في التصدي لتلك الظواهر الإجرامية بعد أن تبعثرت المعطيات الاستخباراتية التي كانوا يتوفرون عليها وقد تفرَّق المنحرفون في كل مكان. فقرار هدم الحي العشوائي وتجهيز حي ملائم في مكانه، قرار سليم وناجع بكل معايير الكرامة والتخطيط العمراني وسياسات المدينة، لكن المسؤولين عنه، لا يستطيعون لطبيعة عملهم واختصاصاتهم أن يتوقعوا أن طريقة تنفيذ قرارهم هذا هي مكلفة جدًا على مستويات أخرى بعيدة عن مجال التخطيط العمراني فالقرار مكلف على المستوى الأخلاقي والتربوي والاجتماعي، وهو يغير هوية المدينة بشكل كامل، وكأنهم أطلقوا عن غير قصد فيروس إجرام شديد العدوى في كل المدينة. خلاصة القول؛ إن كثيرًا من القرارات التي قد تتبناها جهات حكومية، أو يصدرها مسؤولون مختلفون في مجالات السياسة والاقتصاد والفن وتنظيم المجال الديني والتعليم والفلاحة وغيرها.. قد تكون قرارات صائبة ومفيدة في مجالها الضيق، لكنها مكلفة على المستوى الأخلاقي أو الحضاري أو القيمي أو المجتمعي عمومًا.. وهي تؤثر سلبًا في المجتمع من خلال ما قد تتضمنه من توجيهات خفية للأفراد، تدفعهم إلى اكتساب عادات اجتماعية سلبية، أو التخلي عن ممارسات اجتماعية مفيدة. لذا فإنه ينبغي ألا نكتفي بدراسة الجدوى الاقتصادية لما قد نتخذه من قرارات، وإنما ينبغي أيضًا دراسة الجدوى القيمية والأخلاقية والحضارية لتلك القرارات، وإلا فإنه من الوارد جدًا أن تكون تلك القرارات جد مكلفة الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/16/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d9%83%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%af%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-05-16T11:39:15
2024-05-16T11:39:15
مقالات
2,351
هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشتباك جديدة بالمنطقة؟
لا شك أن إسرائيل تعاني معضلة أمنية وسياسية كبيرة وخطيرة داخليًا وخارجيًا؛ لأن هناك معادلة جديدة تفرضها تطورات المنطقة على مستوى القضية الفلسطينية، وعلى مستوى المنطقة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
يبدو أن الخيارات الإسرائيلية صعبة ومعقّدة في الرد على الضربة الإيرانية من حيث توقيت الضربة وحجمها، لأنها تصطدم بمحددات ومواقف متعددة، ومنها موقف واشنطن غير المعني بالحرب مع إيران والرافض توسيعَ الصراع في المنطقة لحسابات كثيرة تتعلق بالتنافس الدولي مع روسيا والصين، وكذلك اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، بالإضافة إلى أنّ إسرائيل عالقة في غزة ومستنزَفة، ولن تكون قادرة على الذهاب إلى فتح هذه الجبهة على الأقل في الوقت الحاضر. ولكن من يراقب التصريحات والتهديدات الإعلامية لقادة الاحتلال يجد أنها لا تتسق ولا تتناسب مع الضربة التي وجهتها إيران لإسرائيل، لكون الرد الإسرائيلي جاء ضعيفًا ومبهمًا وغامضًا في مدينة أصفهان، بحيث لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن هذه الضربة إلى يومنا هذا، لاسيما أن هذه الضربة لم تؤدِّ إلى خسائر تذكر على جميع المستويات العسكرية والاقتصادية والمدنية. إنّ الضربة الإيرانية أعادت تأهيل إسرائيل لدى الغرب، حيث تعاني من عزلة خارجية كبيرة، حيث هُرع الغرب إلى تقديم الدعم الكامل للتصدي للهجوم الإيراني، وقد بدا ذلك واضحًا في السياسة الأميركية التي تحوّلت من الانتقاد والدعم المشروط لحكومة نتنياهو إلى الدعم الكامل والمشاركة في التصدّي للهجوم الإيراني، علمًا أن الحكومات الغربية بصورة عامة، تمر بمرحلة حرجة جدًا أمام شعوبها والعالم؛ نتيجة الدعم الكامل الذي تقدمه لحكومة نتنياهو على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكونها أظهرت سياسة مزدوجة في التعامل مع قضايا المنطقة، وخاصة الإنسانية منها، لا سيما أنها انتقدت روسيا على جرائمها في أوكرانيا، وبنفس الوقت دعمت جرائم الإبادة الجماعية التي تنفّذها إسرائيل في قطاع غزة على مرأى ومسمع العالم الغربي المتحضّر الذي ينادي بحقوق الإنسان. ناهيك عن فشل المنظمات الأممية التابعة للأمم المتحدة في وقف هذه المجازر أو حتى إدانتها؛ بسبب الدعم الأميركي والغربي لحكومة الاحتلال؛ بحجة الدفاع عن النفس، بل إنها شريكة في هذه الجرائم ضد الإنسانية؛ لكونها هي من تقدم السلاح، فالذي يستطيع إدخال الأسلحة لإسرائيل لقتل المدنيين، يستطيع إدخال المساعدات الطبية والغذائية، ولكنها وفق سياسة التجويع. لقد أحدثت التصريحات الإيرانية رعبًا كبيرًا في الداخل الإسرائيلي، قبل تنفيذ الضربة التي جاءت ردًا على ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل نيسان الجاري، وذلك من خلال زيادة وتيرة الحرب الإعلامية والنفسية بإطلاق القادة الإيرانيين الكثير من التهديدات والتصريحات التي تتوعد بالرد على هذه الضربة التي أدّت إلى مقتل العديد من قادة الحرس الثوري الإيراني، ومنهم العميد محمد رضا زاهدي، قائد قوات فيلق القدس في سوريا ولبنان، وهو مكلف بقيادة وإدارة العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، حيث يقول حسين علايي القيادي في الحرس الثوري إن أفضل الرد هو إبقاء إسرائيل في خوف دائم، علمًا أن هذه الضربة أثبتت الفشل الاستخباري الكبير للمنظومة الأمنية الإسرائيلية التي لم تقدر عواقب هذه الضربة وتداعياتها على الأمن القومي الإسرائيلي. لقد اتّهم وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان الولايات المتحدة الأميركية بإعطاء الضوء الأخضر لقصف القنصلية الإيرانية، بينما قال المرشد الإيراني علي خامنئي يجب أن تعاقب إسرائيل وستعاقب، وقد حاولت الولايات المتحدة الأميركية التواصل مع إيران عن طريق العديد من دول المنطقة، لنزع فتيل الأزمة ومنعها من التحوّل لحرب إقليمية، ولكنها فشلت في ثني إيران عن الرد، خصوصًا أن أحداث السابع من أكتوبرتشرين الأول جعلت إيران أكثر جرأة على كسر الخطوط الحمراء مع تل أبيب التي بدت ضعيفة وغير قادرة على الدفاع عن نفسها. علمًا أن هناك تسريبات تشير إلى أن الضربة ستكون محدودة، ولن تؤدي إلى توسيع الصراع في المنطقة، وأن واشنطن صرّحت بأنها ملتزمة بأمن إسرائيل، وستقوم بمساعدة إسرائيل للتصدي للهجوم الإيراني، ولكنها لن تشارك بأي هجوم على إيران؛ لكونها لا تريد تصعيدَ وتوسيع الصراع في المنطقة. إن إصرار إيران على الرد العسكري على إسرائيل له دوافعه الداخلية والخارجية فلا يمكن السكوت عن توجيه ضربات مباشرة للسيادة الإيرانية دون أن يكون هناك عقاب أو ردّ يتناسب مع التجاوزات الإسرائيلية؛ لإعادة رسم خطوط حمراء، وقواعد اشتباك جديدة، خصوصًا أن الضربة الإسرائيلية جاءت خرقًا سافرًا لقواعد الاشتباك المعمول بها سابقًا في المنطقة بين الجانبين، والتي كانت تتسم بالمواجهة غير المباشرة جغرافيًا من خلال الضرب في مناطق النفوذ الإيراني. كما أن إيران ترى أن قواعد الاشتباك بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول عام 2023 قد تغيّرت بالنسبة للقيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية بعد تآكل منظومة الردع لديها، لذا فهي لن تقبل ولن تنتظر بعد اليوم عملية عسكرية جديدة على غرار التي جرت في السابع من أكتوبرتشرين الأول الماضي، كما أن مكانة إيران الإقليمية والدولية أصبحت على المحك أمام شعبها وحلفائها في المنطقة، وأن نفوذها في سوريا مهدد بالزوال بعد ضرب أهداف سيادية إيرانية، مما يستدعي الردّ، واستعادة الردع العسكري لوقف هذه الهجمات. لا شكّ أن محددات الرد الإيراني كثيرة فيما يخصّ توجيه ضربة لإسرائيل، خصوصًا أننا وصلنا إلى ذروة التصعيد الذي يمكن أن ينتقل إلى مواجهة محدودة أو إلى مواجهة شاملة ومفتوحة، ما يعني أننا نذهب إلى حرب أقل ما يمكن أن نطلق عليها حربًا إقليمية، خصوصًا إذا دخلت فيها أطراف أخرى كالولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، وهذا يعني أن النفوذ الإيراني في المنطقة، سيتعرض لهزات قوية قد تؤدي لزواله أو إضعافه في حالة المواجهة المفتوحة، لا سيما إذا استهدفت المصالح الأميركية في المنطقة. يضاف إلى ذلك أن إيران لن تستطيع تحمّل التداعيات والتبعات في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها وسط تحديات الوضع الداخلي السيئ الذي يعاني من نقاط ضعف أمنية كبيرة على مستوى المنظومة الأمنية الإيرانية، والتهديدات الداخلية المسلّحة وأقصد هنا جيش العدل الذي توغل في الفترة الماضية إلى عمق الأراضي الإيرانية في سيستان وبلوشستان في مدينتي راسك وتشابهار، ودارت مواجهات عنيفة مع الحرس الثوري الإيراني، ما يعني أنها رسالةُ فوضى وتهديدٍ مباشرةٌ للعبث في الداخل الإيراني، وكذلك الجماعات الكردية المسلحة المتواجدة في شمال العراق، وكذلك جماعة مجاهدي خلق وإمكانية حصولها على الدعم الدولي في حال تحوّل الصراع إلى مواجهات مفتوحة، ناهيك عن الوضع الاقتصادي السيئ، والوضع الإقليمي الرافض النفوذَ الإيراني بالمنطقة. لقد تباينت التقييمات العسكرية والسياسية فيما يخصّ الضربة الإيرانية لإسرائيل، فهناك من ذهب إلى أنها مسرحية بإخراج بائس، بينما وصفتها إيران بأنها انتصار، وأنها كانت ضرورية لوضع حدّ للعربدة الإسرائيلية في التعامل مع المصالح الإيرانية المباشرة وغير المباشرة، ما يعني أنها كانت ملحّة لاستعادة الردع الإقليمي، دون الانخراط في مواجهة شاملة قد تشعل المنطقة بأكملها. وهذا يفسر لنا تبليغ بعض دول المنطقة من قِبل إيران بأن اشتراك القواعد الأميركية في أي عمل هجومي ضد طهران سيجعلها أهدافًا مشروعة للقوات الإيرانية، علمًا أن إيران أطلقت على هذه العملية العسكرية ضد إسرائيل تسمية الوعد الصادق، حيث أطلقت أكثر من 130 طائرة مسيرة مفخخة و120 صاروخًا باليستيًا و 30 صاروخ كروز في 14 أبريل نيسان الجاري، بحسب ما أحصته صحيفة واشنطن بوست علمًا أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وصف الهجوم بأنه كان إجراء محدودًا وعقابيًا، لا سيما أن الهجوم استمرّ عدة ساعات. لقد حملت الضربة الإيرانية رسالة واضحة تقول؛ إن قواعد الاشتباك قد كُسرت، وإن الأمور ستختلف بعد اليوم على جميع المستويات وخاصةً على المستويَين الإستراتيجي والعملياتي لأن إسرائيل قامت بانتهاكها، ما يعني أن تهديد الأمن القومي الإيراني سيقابل بالمثل، ولن يتم تجاهل أي هجمة بعد اليوم، على الأقل حسب التصريحات التي صدرت، علمًا أن الضربة التي نفذتها إيران لا تحمل أيّ قيمة عسكرية من ناحية التدمير المادي، لكون المسافة بعيدة، والطائرات المسيرة بطيئة وغير متطورة، وكذلك صواريخ كروز التي كانت في غالبها من الجيل الأول، وهي قديمة وغير متطورة أيضًا، قياسًا بما وصلت إليه الترسانة الصاروخية الإيرانية. وهو الأمر الذي أدّى إلى نجاح إسرائيل وحلفائها في التعامل مع التهديد الإيراني، بعد أن تم إسقاط أكثر من 99 من الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، لا سيما أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا شاركت عمليًا في التصدي للهجوم الإيراني، علمًا أن إسرائيل تقول إن دفاعاتها الجوية ومنظوماتها الصاروخية نجحت في إسقاط أكثر من 84 من الصواريخ والطائرات الإيرانيّة. قبل أن أخوض في القدرات العسكرية الإسرائيلية وإمكانية الرد على إيران، لا بد لي أن أستعرض الموقف العسكري لأقول في هذا إن فتح جبهات متعددة من مناطق جغرافية مختلفة، يزيد من إضعاف القدرات العسكرية الإسرائيلية، ويخفف الضغط على قطاع غزة، علمًا أن إسرائيل تواجه تهديدات خطيرة، وعلى جبهات متعددة، ومنها الجبهة الشمالية مع لبنان التي تتزايد فيها العمليات العسكرية، وكان آخرها وأقواها عملية عرب العرامشة التي أدت إلى سقوط 18 جنديًا بين قتيل وجريح، فيما تتصاعد المواجهات والاشتباكات في الضفة الغربية، بينما تستمر العملية البرية في غزة، والتهديد بالذهاب إلى معركة رفح، ناهيك عن جبهة الحوثي، وكذلك تنفيذ المجاميع المسلحة العراقية التابعة لإيران بعضَ الضربات على أهداف داخل الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى الجبهة السورية. وهو الأمر الذي يجعلنا نقول؛ إن هناك إنهاكًا واستنزافًا للقدرات العسكرية؛ نتيجة الخسائر الكبيرة التي مني بها الجيش الإسرائيلي على الصعيد الميداني، حيث بدأت تظهر بعض الأرقام عن هذه الخسائر، ومنها وجود 7200 معاق منذ بدء العملية العسكرية في 7 أكتوبرتشرين الأول، حسب ما أقرت به شعبة التأهيل في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وقال موقع والا الإسرائيلي إن تل أبيب تسجل يوميًا 60 معاقًا، ناهيك عن عدد القتلى في الجيش الإسرائيلي. الأمر الآخر، أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص كبير في الذخائر والمعدات على الرغم من أن إسرائيل دولة مصنِّعة للأسلحة والمعدات العسكرية، وتتلقى دعمًا عسكريًا ولوجيستيًا كبيرًا من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا، والكثير من الدول الغربية، مما يعني أن فتح أي مواجهة جديدة مع إيران سيكون ضربًا من الجنون على المستوى العسكري، لا سيما أن الوضع الداخلي محتقن ضد حكومة نتنياهو حيث يتّهم بتغليب مصالحه الشخصية على مصالح البلد. وهناك انقسام على المستويَين السياسي والعسكري، وهناك تردٍّ على المستويَين الاقتصادي والاجتماعي، مما يعني أن فتح جبهة إيران بصورة حقيقية سيكون مغامرة ومجازفة غير محسوبة؛ لأنها ستختلف عما تخوضه من معارك في قطاع غزة، لأننا نتكلم عن دولة تمتلك من القدرات العسكرية الكثير، ما يمكنها من جعل المواجهة العسكرية قاسية وعنيفة ومدمّرة. وقد بدأت الأصوات ترتفع للذهاب إلى انتخابات مبكرة، كما أن هناك مطالبات قوية بإبرام صفقة لتبادل الأسرى، وهذا يجعلنا نقول؛ إن تقدير الموقف على جميع المستويات لا يسمح لإسرائيل بأن تقوم بأي ضربة عسكرية وازنة وعنيفة ضد إيران، على الأقل في هذه الفترة، لأنها لن تتحمل تبعات هذه الضربة في حال قررت إيران أن ترد بقوة، لا سيما أن أي ضربة ستكون مختلفة عما ذهبت إليه إيران في 14 أبريل نيسان عندما تم إسقاط جميع الطائرات المسيرة والصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل، خصوصًا إذا اشترك وكلاء إيران في هذا الردّ سأبدأ في طرح سؤال مهم لمناقشة هذا العنوان وهو هل يمكن لنا أن نعتبر إرسال ثلاث طائرات إسرائيلية مسيرة طراز كواد كوبتر إلى إحدى القواعد الجوية في أصفهان ردًا عسكريًا إسرائيليًا وازنًا يوازي الضربة الإيرانية التي لم يتمخض عنها أي خسائر مادية ؟، أم أن كلا الهجومين لا يشكلان قيمة عسكرية؟، وبالتالي هي رسائل سياسية بوسائل عسكرية متبادلة، لا يرمي فيها الطرفان إلى التصعيد والمواجهة الشاملة، ولكن يراد منها استعراض القوة، وتذكير الطرف الآخر بما يمكن القيام به، خصوصًا أن إسرائيل أزبدت وأرعدت وهددت بالرد على إيران، ولكن يبدو أن الأقوال ليست كالأفعال، وكما يقول المثل تمخض الجمل فولد فأرًا. ويكفي أن أصف الضربة الإسرائيلية على إيران بما قاله وزير الأمن القومي الإسرائيلي إتيمار بن غفير بأنه مسخرة، فإرسال ثلاث طائرات مسيرة صغيرة الحجم إلى مدينة أصفهان التي تعج بالأهداف النووية والاقتصادية والتصنيعية والجوية دون استهداف أي منها أو التسبب في أي خسائر فيها، يثير الكثير من علامات الاستفهام؟ لذا نقول؛ هي ضربة محدودة غير مؤثرة ولا يعتد بها، علمًا أن الطائرات اقتربت من إحدى القواعد الجوية وتم التعامل معها وإسقاطها جميعًا من قبل الجيش الإيراني، كما أن إيران تعاملت مع الهجوم على أنه عمل وحادث أمني ليس إلا، ولم توجه إيران الاتهام لإسرائيل على هذا الحادث إلى الآن، وهناك من يقول؛ إنها أطلقت من الداخل الإيراني من خلال عملاء تابعين لإسرائيل. الأمر الآخر الذي نود الإشارة إليه؛ هو إذا كانت إسرائيل تقف وراء هذا الهجوم، فهل يمكن لنا أن نسميه هجومًا وردًا عسكريًا وازنًا على إيران؟، أم حادثة أمنية لا تستحقّ الردّ عليها ولا يوجد هجوم خارجي، كما تقول إيران، وإذا كانت هذه الطائرات عبارة عن هجمات لجسّ واستطلاع الوضع في المنطقة، فهذا يعني أن إمكانية الرد الإسرائيلي على إيران لا تزال قائمة، خصوصًا أن هذا الهجوم لا يتّسق مع الهجوم الإيراني على إسرائيل كردّ وهجوم مقابل، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول طبيعة هذه الضربة التي لا تشكل أيّ قيمة عسكرية على المستويين الإستراتيجي والعملياتي، بل إنها حطت من هيبة الجيش الإسرائيلي أكثر من السابق؛ لعدم قدرته على الردّ بنفس مستوى الهجوم الإيراني. وتأتي هذه الضربة في ظل محادثات أميركية إسرائيلية ناقشت الرد دبلوماسيًا مرفقًا بعقوبات أميركية على كيانات وشخصيات إيرانية؛ للمحافظة على التحالف الذي وقف مع إسرائيل في ردّ الهجوم الإيراني، أو أن يكون هناك رد عسكري رمزي المراد منه إيصال رسالة مفادها أنّ إسرائيل تستطيع أن تنفذ ضربات في الداخل الإيراني، وأن الضربة الإيرانية لن تثني إسرائيل عن تنفيذ هذه الضربات، ولن يتم استعادة الردع الإقليمي، كما تقول إيران، ولن يتم تغيير قواعد الاشتباك الجديدة التي وضعتها إسرائيل بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول والتي تجاوزت فيها إيران الخطوط الحمراء بالانتقال من حرب الظل إلى الضربات المباشرة، لأن إسرائيل تخشى من تآكل إستراتيجية الردع الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي. لا شك أن إسرائيل تعاني معضلة أمنية وسياسية كبيرة وخطيرة داخليًا وخارجيًا؛ لأن هناك معادلة جديدة تفرضها تطورات المنطقة على مستوى القضية الفلسطينية، وعلى مستوى المنطقة بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول الماضي، لذا نرى أن هناك تباينًا في الرد بين إيران وإسرائيل، حيث أعلنت الأولى نيّاتها في الرد وأرسلت أكثر من 300 طائرةٍ مسيرة وصاروخٍ باليستي وكروز، بينما التزمت إسرائيل الصمت والغموض والترقب حيال هجوم أصفهان، ولم تجرؤ على إعلان مسؤوليتها عن الهجوم إلى يومنا هذا وهذا يعتبر ردًا غير مسبوق ينمّ عن ضعف كبير في إستراتيجية الردع، على رغم التسريبات التي أعلنتها صحيفة واشنطن بوست التي تقول؛ إن مسؤولًا إسرائيليًا كبيرًا يقول إنه تم شن غارة جوية على إيران ردًا على الهجوم الإيراني في 14 أبريل نيسان، لذلك نقول؛ إن إسرائيل لن تذهب إلى تنفيذ ضربة عسكرية معتبرة ووازنة لإيران إلا في الحالات التالية الأمر الذي استوجب السماح لإسرائيل بتنفيذ مثل هذه الضربة على إيران، ما يعني أن هناك حسابات أميركية دقيقة في معرفة ردود الفعل على هذه الضربة، لأن واشنطن لن تقف متفرجة على ضرب إسرائيل، والدليل على ذلك هو التصدي للهجوم الإيراني في 13 أبريل نيسان الماضي، وأعتقد أن إدارة بايدن لا تريد هذا الخيار على الأقل في الوقت الحاضر، لأسباب كثيرة منها اقتراب الانتخابات الأميركية، وكذلك حسابات التنافس مع الصين وروسيا من ناحية القوة والنفوذ على المستوى الدولي، وكذلك لا تريد الانغماس في حرب إقليمية في هذه المنطقة التي تعجّ بالمصالح الأميركية. يبدو أنّ إيران وإسرائيل لا تريدان الذهاب إلى مواجهة مفتوحة على الأقل في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها الطرفان، كما أن هذه الرؤية جاءت متوافقة مع رؤية الولايات المتحدة الأميركية التي لا تريد توسيع الصراع في المنطقة التي تعجّ بالمصالح الأميركية، كما أن هذه الضربات لا تحمل قيمة عسكرية إستراتيجية ما عدا تبادلًا للرسائل واستعراضًا للقوة، ومحاولة رسم السيناريوهات المقبلة لكلا الطرفين. ويبدو أن كلا الطرفين له من يقف وراءه في الدعم والإسناد، مما يعني أن قرار المواجهة ليس مستقلًا عن الأحداث والتطورات التي تجري في المنطقة حسب أولوية التهديد والقدرة على مواجهته، خصوصًا أن غادي آيزنكوت يقول إن العدو الأضعف في الشرق الأوسط ألحق بنا الضرر الأكثر شدة، مما يعني أن أي مواجهة مع إيران ستكون مدمرة وقاسية، خاصةً إذا كانت المواجهة حقيقية بين الجانبين، وسيبقى هذا مرهونًا بتطورات الأحداث في المنطقة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/23/%d9%87%d9%84-%d8%aa%d8%b1%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%88%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…size=1880%2C1080
2024-04-23T14:02:22
2024-04-23T14:02:22
مقالات
2,352
أردوغان يؤكد موعد انصرافه.. هل تشهد تركيا حقبة جديدة؟
نجح أردوغان منذ ظهوره المبكر رئيسًا لبلدية إسطنبول عام 1994 (كان عمره حينها 40 عامًا) ثم رئيسًا للوزراء عام 2003، في أن يملأ الدنيا ويشغل الناس (مع أو ضد).
في اجتماع مع الشباب مساء الجمعة 8 مارس آذار أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن الانتخابات البلدية المزمع عقدها في الحادي والثلاثين من مارس آذار الجاري، هي الأخيرة له في السلطة وفق القانون، إذ يحدد الدستور مدة الرئاسة المسموح بها بمدتين فقط. وأضاف أردوغان أنه سيعمل خلال الفترة المقبلة، على منح الثقة لمن سيحملون المسؤولية من بعده. ورغم أن الولاية الرئاسية الحالية ستنتهي في 2028، إلا أن هذا التأكيد المبكر أثار حالة من التباين داخل البلاد بين المؤيدين والمعارضين على حد سواء. فقد نجح أردوغان منذ ظهوره المبكر رئيسًا لبلدية إسطنبول عام 1994 كان عمره حينها 40 عامًا ثم رئيسًا للوزراء عام 2003، في أن يملأ الدنيا ويشغل الناس مع أو ضد. بحلول عام 2028 سيكون أردوغان قد أمضى 25 عامًا في الحكم، رئيسًا للحكومة، ثم رئيسًا للدولة، أي أننا أمام جيل ولد ونشأ وترعرع ولم يعرف له رئيسًا سوى أردوغان، وهناك أجيال أخرى عاشت شطرًا من حياتها في مراحل انهيار الدولة أواخر التسعينيات، وتعرف الفرق جيدًا بين ما قبل وما بعد الأردوغانية، لهذا فانصراف الرجل لن يكون بالحدث السهل. لذا فالساعات الأولى التي تلت الإعلان أفرزت عددًا من الأسئلة الأولية بشأن دوافع أردوغان، ولماذا أبدت المعارضة تشككها؟، ومستقبل حزب العدالة والتنمية الحاكم وإمكانية تماسكه بعد أردوغان؟ ذهب البعض إلى أن هدف التصريح المفاجئ هو جذب تعاطف الناخبين الأتراك، للتصويت للحزب في الانتخابات البلدية. استرشادًا بما سبق وردده أردوغان العام الماضي من أن انتخابات الرئاسة 2023 هي الأخيرة بالنسبة له. لكن أردوغان آنذاك طالب الجماهير صراحة بالتصويت له، ورغم ذلك لم يحسم الانتخابات إلا في الجولة الثانية، أما هذه المرة فلم يطلب ذلك، وكل من شاهد لقاءه المتلفز رأى كيف بدا متأثرًا وهو يؤكد موعد الانصراف. في تقديري أن الإعلان لم يكن مناورة، بل ربما أراد طمأنة المعارضة بشأن عدم ترشحه مرة أخرى، لعلها توافق على التعاون معه في إنجاز دستور جديد، بدلًا من الحالي الذي كتبه العسكر عقب انقلاب سبتمبرأيلول 1980 الذي قاده الجنرال، كنعان إيفرين، ووافق عليه الشعب آنذاك، وأجريت عليه تعديلات كثيرة حتى الآن. فالمعارضة تخشى من أن يمنح الدستور الجديد أردوغان فرصة الترشح مجددًا، لذا تفضل بقاء الدستور الحالي، الذي لا يمنحه تلك الفرصة باعتباره استفاد من الفترتَين المسموح بهما دستوريًا. علمًا بأن المادة 116 من الدستور الحالي تقرر أنه إذا قرر البرلمان بأغلبية ثلاثة أخماس إجمالي عدد الأعضاء 360 نائبًا تجديد الانتخابات، فإنه تجرى انتخابات البرلمان والرئاسة معًا، وأنه إذا كان هذا الإجراء خلال المدة الثانية للرئيس فإن من حقّه الترشح مجددًا. لكن أردوغان يبدو فعلًا مصممًا على الانصراف، ولن يبحث عن أي مخارج دستورية للبقاء، فما يهمه الآن أن يختم حياته السياسية بإعداد دستور مدني، لذا أتوقع أن تبدأ المفاوضات بشأنه مع الأحزاب عقب الانتخابات البلدية. قابلت المعارضة التركية إعلان أردوغان بالتشكيك، بزعم أنه سبق أن صدرت مثل تلك الإعلانات، لكنها لم تنزل إلى حيز التنفيذ. فصحيفة جمهوريت اليسارية المعارضة والداعمة لحزب الشعب الجمهوري، أعادت نشر تصريحات سابقة لأردوغان، على حسابها على منصة إكس، كان يؤكد فيها رحيله. لكن عند التدقيق يتأكد مصداقية موقف أردوغان الحالي، ففي عام 2009 أعلن أن انتخابات 2011 ستكون آخر ترشح له للبرلمان، وبالفعل لم يترشح أردوغان بعدها للبرلمان نهائيًا، إذ تولى منصب الرئاسة في أغسطسآب 2014 وحتى الآن. وفي عام 2012 أعلن أنه لن يترشح مرة أخرى لرئاسة حزب العدالة والتنمية، وبالفعل ترك أردوغان رئاسة الحزب عام 2014 مع توليه منصب الرئاسة كان النظام آنذاك لا يزال برلمانيًا، ولم يعد إلى رئاسة الحزب إلا بعد التعديل الدستوري الذي تم عام 2017 وتحول بمقتضاه نظام الحكم إلى نظام رئاسي. وفي العام الماضي أعلن أن انتخابات 2023 هي الأخيرة له، وجاءت تصريحاته الأخيرة لتؤكد ذلك المعنى. إذن، لا أرى مبررًا لهذا التشكيك من المعارضة، بل عليها أن تعمل على مواجهة استحقاقات اللحظة التي ستصحو فيها وتجد الساحة خالية أمامها من أردوغان، الذي فشلت في هزيمته في أي استحقاق انتخابي منذ عام 2002. نجح أردوغان في تأسيس حزب العدالة والتنمية باعتباره حزبًا يصنف كـ يمين وسط، وليس حزبًا محافظًا إسلاميًا خالصًا، على غرار الأحزاب المتعاقبة التي أسسها الراحل نجم الدين أربكان. كان مفهوم أردوغان، وهو يؤسّس الحزب مع مجموعة من الأقران في أغسطس آب 2001، قريبًا من فكر الرئيس الراحل، تورغوت أوزال، وحزبه الوطن الأمّ. لذا، فالتحدي الماثل أمامه الآن كيف يحافظ على تماسك الحزب في وجود أطياف متعددة داخله؟ خاصة أنه على مدار عشرات السنين من التجربة الحزبية، تعرضت أحزاب تركية للأفول أو التفكّك عقب رحيل المؤسس أو تركه رئاسةَ الحزب، والأمثلة كثيرة، لكنّي أذكر فقط حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه مؤسس الجمهورية، كمال أتاتورك، ولم يصل من بعد رحيله إلى الحكم إلا لفترات قليلة ناهيك عن الانشقاقات داخله، وتعرّضه للحل عقب انقلاب 1980. يضم حزب العدالة والتنمية عدة كتل رئيسية، يأتي في مقدمتها كتلة المحافظين، ومعظم رموزهم من المنتمين لحركة المللي غروش التي أسسها أربكان، مثل نائب رئيس الحزب ورئيس البرلمان، نعمان قورتولموش، ووزير العدل السابق، عبد الحميد غل، ورئيس الحزب في إسطنبول، عثمان نوري كاباك تبه. ويأتي بعدهم كتلة القوميين، وأبرز وجوههم، وزير الداخلية السابق، والنائب البرلماني الحالي، سليمان صويلو. إضافة إلى تيار الشباب أمثال بلال أردوغان، وسلجوق بيرقدار، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط الشباب التركي، لدوره المعروف في تطوير الطائرات المسيرة. هذه الأسماء وغيرها لها من الثقل والرمزية ما يمكنها من تأسيس أحزاب مستقلة في أي وقت، بل إن بعضها كان رئيسًا بالفعل لحزب آخر، قبل أن ينضم للعدالة والتنمية، مثل قورتولموش وصويلو. من هنا فإن التحدي الكبير الذي سيواجه أردوغان خلال السنوات المتبقية، هو ترتيب الحزب، بحيث ينجو من لعنة التفكك. ولِمَ الذهاب بعيدًا؟ فعندما ترك أردوغان رئاسة الحزب عام 2014 لأحمد داود أوغلو، كاد الحزب يتسرب من بين يديه. بل لم ينجُ فعلًا من الانشقاقات، فقد انشقّ داود أوغلو وأسس حزب المستقبل، وكذلك فعل الوزير السابق، علي باباجان، بتأسيس حزب التقدم والديمقراطية، وكان يمكنهما جذب شريحة مؤثرة من حزب العدالة والتنمية، لكن ذلك لم يحدث، وعجز الحزبان عن ضم أي نائب برلماني من الحزب الحاكم. وما ذاك إلا لوجود أردوغان في رئاسة الحزب. وبعيدًا عن هذه التحديات، فإنه سيكون من المفيد لتركيا إتمام أردوغان هذا الانتقالَ في حياته وبإشرافه، منعًا لأيّ هزّات مؤثرة، ثم يتفرغ بعدها لكتابة مذكراته التي ستكون حال إتمامها وثيقةً سياسيةً مهمة تميط اللثام عما خفي من تجربته السياسية بكلّ ما فيها من إنجازات كبيرة، وأيضًا إخفاقات لم تخلُ منها مسيرتُه. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/10/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%A4%D9%83%D8%AF-%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%86%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%87-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B4%D9%87%D8%AF
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-03-10T09:48:28
2024-03-10T09:48:28
مقالات
2,353
تعويض القيادة.. سمة للمقاومة الفلسطينية يجددها اغتيال العاروري
إنّ المقاومة تدرك أن مسيرتها نحو التحرّر طويلة ولذا تتصرف كما تفعل شركات الطيران في رحلاتها فتضع إلى جانب الطيار مساعدًا له لا يقلّ عنه كفاءة، أو يمتلك القدرة نفسها في أن يصل بالطائرة إلى محطة الوصول.
كلّ طفل في فلسطين قائد، هكذا قالت أم قتيبة أخت صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي اغتِيل في بيروت الثلاثاء الماضي. كانت السيدة تحاول أن تُفرّغ انتشاء إسرائيل بقتل أخيها من مضمونه، متغلبةً على ألم الفراق، ولوعة الفقد، وأسى الرثاء وأسفه. لكن هذا التحدي لا يخلو من حقيقة- حتى وإن بدا الأمر برمته ينطوي في نظر البعض على مبالغة شديدة، أو يبدو محاولة لإظهار التماسك والتأسّي- هذه الحقيقة تُبنى على ثلاثة أشياء أساسية، هي 1 قسوة البيئة الاجتماعية؛ فالطفل الفلسطيني يولد في وسط اجتماعي مثقل بالتحديات الجسيمة، التي يرتّبها وجود الاحتلال، وتغذيها حكايات الكبار عن تجاربهم الصعبة. هذه الظروف لا تدعه يتريث في عيش طفولته، لتأخذ مداها الاعتيادي، بل يحرق المراحل نحو هموم ومشاغل تنتظر الشباب والكبار في مجتمعات أخرى. ومع تكثيف تجربته الحياتية يجد الطفل الفلسطيني أنه مأخوذٌ إلى أن يتحمل ويقرر ويختار، وكأنه ليس طفلًا، بل عليه أن يحمل على كتفيه جزءًا من ثقل قضية الشعب الذي ينتمي إليه، ويتعلم أن يفعل هذا عن طيب خاطر، وبلا تردد. 2- قانون المقاومة المتوارث؛ فالمجتمعات التي تشكل بيئة حاضنة لجماعات أو تنظيمات أو فصائل مقاومة، تجعل من أطفالها جزءًا لا يتجزأ من هذا الاحتضان، بل إنها تسند إليهم أدوارًا في نقل الرسائل والمؤن أحيانًا، وهم- في كل الأوقات- ملزمون بأن يعيشوا كمقاومين صغار، أو ينتظروا أن يأخذوا مكانهم حين يشبّون فتيانًا. ولا يقتصر دورهم هذا على حمل السلاح، إنما أداء أدوار حياتية، لا غنى عنها لمجتمع يقاوم، حتى لو كانت فلاحة أرض، أو تشغيل ورشة، أو التعليم والتثقيف، أو ملء الأرواح بحب الكفاح، وإذكاء الاستعداد للتضحية في سبيل الحرية. 3 ممارسات التنظيمات السياسية السرية أو حتى العلنية؛ فهذه الجماعات أو الفصائل تربي أتباعها في ظل تسلسل قيادي، وهي تضع في اعتبارها أن رجالها مطاردون، قد يُقتلون أو يُسجنون أو يتم نفيهم واستبعادهم من الساحة، وعليها أن تجعل مخزنها البشري عامرًا بالبدائل، فإن غاب شخص، وترك فراغًا، سرعان ما يتم ملؤُه بشخص آخر، يكون قد تم تجهيزه لهذا اليوم. وليست التنظيمات ذات الأيديولوجيات الدينية استثناء من هذه القاعدة، بل هي تمارسها ربما أكثر من غيرها، كما تنبئنا تجربتها ليس في فلسطين فحسب، إنما أيضًا في كل الدول الإسلامية التي وجدت فيها، وعاشت في خطر، أو انخرطت في تحديات شديدة، بسبب سعيها إلى تحقيق أهدافها. وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة تزيد التحديات بالطبع أمام مثل هذه التنظيمات أو الفصائل، إذ إنها مستهدفة طَوال الوقت، وليست لديها فرصة لالتقاط أنفاسها، ومطلوب منها العمل النضالي المستمر بلا هوادة، وأن تظل غريزة البقاء لديها يقظة على الدوام، فيما تجد صعوبات جمة في التعبئة والتجنيد. وهناك ثلاثة أمور أساسية تتعلّق بقدرة المقاومة الفلسطينية على تعويض قياداتها، أو ملء الفراغ الذي يترتّب على فقدان بعضهم. أولها أن هذه التنظيمات قد اعتادت الموت غير البيولوجي لقادتها، فهؤلاء لا يضمنون البقاء على قيد الحياة حتى يبلغوا من الكبر عتيًا، إذ يمكن أن تخطفهم يد الموت في أي وقت، حتى لو كانوا خارج الأراضي المحتلة؛ بفعل يد سلاح الجو الإسرائيلي الطويلة، وقد لا يقتلون لكن يؤخذون إلى غياهب السجون ويمكثون فيها زمنًا طويلًا، منعزلين عن الميدان، في حال هي أشبه بالموت. إن إسرائيل لم تكفّ عن تعقب القيادات الفلسطينية منذ اغتيال غسان كنفاني في لبنان عام 1972 وحتى قتل العاروري، مرورًا بكثيرين، مثل الشيخ أحمد ياسين، وفتحي الشقاقي، وأبو علي مصطفى، وحسن سلامة، وعبد العزيز الرنتيسي، بل إنها قتلت ياسر عرفات نفسه بالسمّ، كما يؤكد كثيرون، لكن الساحة الفلسطينية تمكّنت على الفور من التعويض، وترميم الشروخ. والأمر الثاني هو غزارة التعرض لمهارات اكتساب القيادة لدى حركات المقاومة، ففضلًا عن التدريب الذي يتم على هذا، فإن أسلوب حرب العصابات الذي تتبعه المقاومة يجعل الفرد فيها مجهزًا لاتخاذ القرار، أو إصدار الأمر لنفسه في ميدان القتال، وليس مقيدًا- مثل الجندي في الجيش النظامي- بالأوامر التي تأتيه من قيادته المباشرة، والتي تكون بدورها قد تلقتها من قيادة تعلوها. أما الأمر الثالث فيرتبط بالتركيبة العمرية للقائمين بالعمل المسلح، حيث يجب أن يكونوا جميعًا- أو أغلبيتهم الكاسحة- من الشباب القادرين على القتال، وتسود فيهم هذه الطبيعة الشبابية، ما يمنحهم فرصًا متواصلة لإفراز العناصر المؤهلة للعب أدوار قيادية. وكان على حركات المقاومة الفلسطينية أن ترفد حياتها على الدوام بصنفَين من القيادات؛ الأول هو قيادات عسكرية ميدانية تخرج من رحم التدريب الشاق والكتمان الأشد. والآخر هو قيادات سياسية، لها هامش من الخطاب المرن، والحركة الحرّة نسبيًا، وهي تتعامل مع الداخل الفلسطيني في تنظيم شؤونه وإدارتها، ومع العالم الخارجي، حيث التمثيل السياسي، وإعلان المواقف، والتفاوض. وتوضع صور هذه القيادات على جدار النضال الفلسطيني زمنًا، ويعتاد الناس على وجوهها، لكنهم يستيقظون صباحًا ليجدوها قد اختفت، وهنا يُطرح السؤال مَن بوسعه أن يأتي بعد هذا، ويعوض غياب ذلك؟ ولا تمر سوى ساعات حتى يجد المتسائلون وجهًا جديدًا قد خرج إليهم، وأطل عليهم، ليملأ عيونهم. إنّ المقاومة تدرك أن مسيرتها نحو التحرّر طويلة وشاقة، ولذا تتصرف كما تفعل شركات الطيران في رحلاتها، فتضع إلى جانب الطيار مساعدًا له لا يقلّ عنه كفاءة، أو يمتلك القدرة نفسها في أن يصل بالطائرة إلى محطة الوصول إن جرى للطيار الأصلي مكروه. ويصبح هذا الأمر ضرورة أكثر في الرحلات البعيدة جدًا. وبالطبع فإن كل المجتمعات السليمة، والدول في حال قوتها، تمتلك قدرة على إنتاج البدائل بمن فيها القيادات الإدارية والسياسية والعسكرية، بل وفي الاقتصاد والثقافة، لكن هذا مع فصائل المقاومة، وفي أي زمان أو مكان، يختلف في مسألتَين؛ الأولى أن القيادة تكون في الغالب- مغرمًا وليست مغنمًا، لاسيما بالنسبة للقيادات العسكرية أو الأمنية، التي عليها أن تضع أرواحها على أكفها طوال الوقت. والثانية أن وتيرة الإحلال والإبدال في القيادات عند المقاومين تكون أسرع. لا يعني كل هذا أن المقاومة لا تخسر بقتل أو غياب بعض قادتها، لاسيما النبهاء الأذكياء الشجعان منهم، لكن هذا بعض قدرها، الذي تؤمن به، بل يمكن أن يفيدها في كثير من الأحيان؛ لأن القتل- على بشاعته- يعطي قادتها فرصة ليبرهنوا على أن مصيرهم لا يختلف عن مصير أفراد المجتمعات الحاضنة للمقاومين، وأن دماءهم ليست أزكى من دماء الذين يساندونهم، ويعولون عليهم. لقد استُشهد العاروري في وقت ترتفع فيه أصوات أولئك الذين يقدحون في المقاومة بالقول؛ إن قادتها في مأمن، يمضون حياتهم منعمي العيش في فنادق بدول خارجية، بينما أهل غزة يتلظون بنار مستعرة، فجاء الاغتيال ليرد على هذه الأصوات، لاسيما أن العاروري نفسه تحدث- قبيل وفاته- عن أن قتله في منفاه الإجباري وارد، وهو يتوقعه، ولا يخشى منه، شأنه في هذا شأن بقية الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال في غزة والضفة الغربية. لكل هذا فإن اغتيال العاروري لا يمثل مكسبًا ضخمًا لإسرائيل يمكن أن تسوّقه على أنه النصر الصعب المراوغ الذي تسعى إلى تحقيقه في غزة، أو هو الغطاء الذي يمكن أن تستر به عورات جيشها التي تزيد منذ انطلاق طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/7/%d8%aa%d8%b9%d9%88%d9%8a%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%b3%d9%85%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%88%d9%85%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-07T05:18:15
2024-01-07T07:18:52
مقالات
2,354
تحذيرات عاجلة من المقررة الخاصة قبل فوات الأوان
الأسبوع الماضي، جاءت تحذيرات السيدة “باولا غافيريا بيتانكور” -مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للنازحين داخليًا- لتدق الجرس عاليًا، وتقرع ناقوس الخطر، وتصرخ في وجوه كافة الجهات.
في مقالي بعنوان يا أهل غزة.. لا تعبروا الحدود قبل أكثر من شهر؛ ناشدتُ أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بألا يستجيبوا لنداءات الكيان الصهيوني المتكررة بالنزوح من مناطقهم إلى جنوب القطاع باتجاه الحدود مع مصر، وفي حال لاحقتهم أدوات القتل الصهيونية إلى هناك؛ ناشدتُهم ألا يعبروا الحدود إلى مصر مهما كان الثمن؛ لأنه سيكون عبورًا بلا عودة. الأسبوع الماضي، جاءت تحذيرات السيدة باولا غافيريا بيتانكور -مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان للنازحين داخليًا- لتدق الجرس عاليًا، وتقرع ناقوس الخطر، وتصرخ في وجوه كافة الجهات المسؤولة المعنية الأممية وغير الأممية، لتتحرك في أسرع وقت؛ لوقف الجريمة الكبرى التي يقوم مجلس الحرب الصهيوني بقيادة رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، حين قالت إن إسرائيل تعمل على طرد السكان المدنيين من غزة، فهل تتحرك الجهات المسؤولة المعنية فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا ودوليًا قبل فوات الأوان، تحرُّكًا لا يقتصر على بيانات الرفض والإدانة والشجب والتنديد. مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان إن الاستنتاج المنطقي الوحيد هو أن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، تهدف إلى ترحيل غالبية السكان المدنيين بشكل جماعي، فقد قام الجيش الإسرائيلي بتسوية المساكن والبنية التحتية في غزة بالأرض، وأحبط أي احتمالات واقعية لعودة السكان النازحين إلى ديارهم حذَّرت المقررة الأممية الخاصة المعنية بيتانكور، بكل وضوح من أن الكيان الصهيوني يسعى إلى تغيير تركيبة سكان غزة بشكل دائم، من خلال أوامر إجلاء متزايدة باستمرار، وهجمات واسعة النطاق ومنهجية؛ على المدنيين والبنية التحتية المدنية في المناطق الجنوبية من القطاع المحاصر. وشدّدت على أن الكيان الصهيوني نكث بوعود السلامة التي قطعها لأولئك الذين امتثلوا لأمره بإخلاء شمال غزة قبل شهرين متسائلة إلى أين سيغادر النازحون الذين نزحوا من قبل؟ وأين سيذهبون غدًا؟ وقد جاءت تحذيرات بيتانكور هذه على إثر قيام الجيش الصهيوني في الأسبوع الماضي بإلقاء المزيد من المنشورات التي تدعو أهالي المغازي والبريج والنصيرات وسط قطاع غزة إلى النزوح جنوبًا، وإلا فإنهم يتحملون مسؤولية ما سيحدث لهم بعد ذلك من دمار وقتل. وقد أعقب ذلك نزوح الآلاف من منازلهم باتجاه الجنوب؛ هربًا من القتل تحت القصف أو القنص، رغم مرارة رحلة النزوح، وما تنطوي عليه من إذلال واضطهاد ومخاطر ومعاناة. وهذا ما دفع المقررة الخاصة بيتانكور إلى القول إن الاستنتاج المنطقي الوحيد هو أن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة تهدف إلى ترحيل غالبية السكان المدنيين بشكل جماعي، وأوضحت أن هذا الاستنتاج مبني على أن الجيش الصهيوني قام بتسوية المساكن والبنية التحتية في غزة بالأرض، مما أحبط أي احتمالات واقعية لعودة سكان غزة النازحين إلى ديارهم. مشيرة إلى أن الأفراد الذين لا يمتثلون لأوامر الإجلاء لا يفقدون حقهم في الحماية بموجب القانون الدولي، الذي فشلت إسرائيل في الوفاء بالتزاماتها تجاهه، من حيث ضمان ألا ينتهك النزوح حقوق المتضررين في الحياة والكرامة والحرية والأمن، وضمان تمتع النازحين داخليًا بمستوى معيشي لائق، والحصول على المساعدات الإنسانية، وقد قامت بـاستهداف المستشفيات والمدارس والملاجئ عمدًا، دون أدلة موثوقة على أنها أهداف عسكرية، أو هاجمتها دون اتخاذ احتياطات لتقليل الخسائر العرضية في الأرواح أو الإصابات بين المدنيين. إن سكوت الدول العربية والإسلامية على جرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة واقتصارها على مواقف خطابية، تحت ذرائع المصالح الوطنية الخاصة والتزاماتها الإقليمية والدولية، يعني اشتراكها في هذه الجرائم، وموافقتها الضمنية على تفريغ قطاع غزة وتهجير الشعب الفلسطيني منه حثّت المقررة الخاصة بيتانكور المجتمع الدولي، على الاعتراف بتجاهل إسرائيل الصارخ للقانون الدولي، وقانون حقوق الإنسان، وأوضحت أنّ أوامر الإخلاء التي يصدرها الجيش الإسرائيلي غير دقيقة ومتناقضة، عرّضت المدنيين لهجمات عشوائية أسفرت عن مقتل ما يزيد على 20 ألفًا من الفلسطينيين، وإصابة أكثر من 56 ألفًا آخرين. كما شددت على أنه لا يوجد مكان آمن في غزة، وكررت مخاوفها من أن تصرفات إسرائيل ترقى إلى جرائم حرب، تتمثل في العقاب الجماعي والترحيل القسري، ودعت إسرائيل إلى الوقف الدائم لإطلاق النار، والسماح بمرور المساعدات دون قيود، وإعطاء الأولوية للحوار؛ لضمان الإفراج الآمن عن الرهائن. وتعتبر المقررة الخاصة، السيدة باولا غافيريا بيتانكور، واحدة من المقررين الخاصين ضمن ما يعرف بالإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وهي أكبر هيئة من الخبراء المستقلين في نظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذين يعملون كأفراد متطوعين لا يتقاضون أي أجر، وهم مستقلون عن أي حكومة أو منظمة. وهذا يعطي لتحذيرات بيتانكور قوّة وصدقية عاليتين تتطلبان التوقف عن إصدار بيانات الشجب والتنديد الأحادية والثنائية والجماعية، والقيام بإجراءات تنفيذية عاجلة تجبر التحالف الصهيو-أميركي على الرجوع عن مخطط تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، وتضمن تطبيق القانون الدولي والإنساني الخاص بحماية المدنيين في ظروف الحرب. إن كل يوم يمر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، يفقد فيه مئات القتلى والجرحى، ولا يلوح في الأفق حتى الآن؛ أي مؤشرات لوقف هذه المأساة الإنسانية الدامية. التقى الزعيمان المصري والأردني يوم الأربعاء الماضي في القاهرة، وأعلنا في بيان مشترك رفضهما الكامل لجميع محاولات تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين قسرًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه الدول العربية والإسلامية مرارًا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة التي مضى عليها أكثر من 80 يومًا. لقد آن الأوان لاتخاذ إجراءات تنفيذية فورية لفرض وقف إطلاق النار، وإنهاء هذه المأساة الإنسانية، وهذه المهزلة التاريخية، التي يعجز العالم عن إسدال الستار عليها؛ بسبب عُنْجُهية الكيان الصهيوني وتمرده، والدعم المطلق الذي يتمتع به من الإدارة الأميركية، بحيث يجعله يتعالى على القانون الدولي والإنساني، وعلى الأنظمة الأممية والدولية، ويتجاهل بكل رعونة وصلافة كافة المناشدات والقرارات والتوصيات التي تدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار. إن سكوت الدول العربية والإسلامية على جرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة واقتصارها على مواقف خطابية وبيانات توثيقية، تحت ذرائع المصالح الوطنية الخاصة والتزاماتها الإقليمية والدولية، أو غيرها من الذرائع، وعجزها عن اتخاذ خطوات تنفيذية عملية لمواجهة التمرد الصهيوني المتوحّش، وهذا التواطؤ الأميركي الإجرامي الذي يبرر له ما يقوم به من همجية وعدوان- يعني اشتراك الدول العربية والإسلامية في هذه الجرائم، وموافقتها الضمنية على تفريغ قطاع غزة، وتهجير الشعب الفلسطيني منه. إن تحذيرات الخبيرة الأممية الخاصة؛ حول تهجير سكان قطاع غزة، تجعل من هذه المسألة أمرًا بالغ الخطورة، ينبغي أن يوضع على رأس سُلم الأولويات، وذلك يتطابق مع الخطط التي قدمتها مراكز الاستشارات والاستخبارات الصهيونية لنتنياهو، وأيّدته فيها علنًا بعض الدوائر الأميركية، تحت ذريعة أنها الطريقة المثلى لحماية المدنيين الفلسطينيين من القتل في الحرب التي يشنها الجيش الصهيوني ضد حركة حماس والمقاومة الفلسطينية. ويبدو أنَّ إصرار نتنياهو على مواصلة حربه البربرية في قطاع غزة ــ ورفضه الوقف الدائم لإطلاق النار، والإصرار على الاستمرار فيها لعدة شهور قادمة، رغم خسائره الباهظة في الأرواح والمعدات، ورغم ما قد ينتج عن هذه الحرب من القضاء على الأسرى والمختطفين تحت وابل القصف العشوائي المتواصل، وكذلك إصراره على المضي قدمًا دون خطة واضحة ــ هو حرصٌ منه على إتمام عملية تفريغ قطاع غزة وتهجير شعبه، لعل ذلك يشفع له عند شعبه داخل إسرائيل وخارجها، وينجيه من حبل المشنقة أو القضاء بقية عمره خلف قضبان السجن. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/31/%d8%aa%d8%ad%d8%b0%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d8%a7%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b5%d8%a9-%d9%82%d8%a8%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-31T05:54:40
2023-12-31T05:55:06
مقالات
2,355
الفساد وقد تسرب للأحزاب في المغرب
الأحزاب التي يفترض أن لها مسؤوليةً كبرى في محاربة الفساد، لم يرُقها التقرير الذي عرّى واقعًا مزريًا، انتعش فيه الفساد وتحول فيه العمل السياسي إلى مصعد لقطف الامتيازات وخدمة الأغراض الشخصية.
لا تزال مقدمة ابن خلدون صالحة لزماننا وكاشفة للأسباب الحقيقية التي تقف وراء انحطاطنا وفشل نهضتنا. فصاحب المقدمة أمسك بمعادلة تنطبق على أوضاعنا التي حولها الفساد إلى خراب، عجزَ عن إصلاحه العديد من المبادرات التي كلفت خزينة الدولة أموالًا طائلة من دون أن تنفرج الأزمات ويتراجع الفساد الذي ضيع على البلاد، فرص الانتصار على فيروس مدمر للاقتصاد ومُصادر للتنمية. أسباب النزول كما يقول الفقهاء هو التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، وهو مؤسسة دستورية بالمغرب، الذي كشف عن اختلال في صرف الدعم المالي الذي تتلقاه الأحزاب السياسية من الدولة، وهو ما دفع بالجمعية المغربية لحماية المال العام إلى مطالبة النيابة العامة باستدعاء الأحزاب السياسية المعنية؛ لفتح تحقيق قضائي حول الخروقات التي شابت وضعيتها المالية. والغريب أن هذه الأحزاب التي يفترض أن لها مسؤوليةً كبرى في محاربة الفساد ودورًا هامًا في تخليق الحياة العامة، لم يرُقها التقرير الذي عرّى واقعًا مزريًا، انتعش فيه الفساد، وطغت فيه توجهات انتهازية وتحول فيه العمل السياسي إلى مصعد لقطف الامتيازات وخدمة الأغراض الشخصية. وبدلًا من أن تسارع الأحزاب السياسية المعنية بالتقرير إلى فتح تحقيق داخلي لتحديد المسؤوليّات واتخاذ ما يلزم من قرارات، اتّجهت إلى انتقاد المجلس الأعلى للحسابات، متهمة إياه بالتركيز على الأحزاب السياسية، وإبرازها كما لو كانت البؤر الوحيدة التي يغزوها الفساد. إننا أمام انحدار غير مسبوق، ينذر بخراب عام. فالأحزاب السياسية التي فشلت في تدبير شفاف لمالية حزب سياسي، كيف لها أن تدير دفة بلاد بأكملها؟ وهذه حقيقة، تضع البلاد في أزمة حقيقية. فمن جهة خوّل الدستور للأحزاب السياسية تأطير المواطنين، إذ نص الفصل السابع منه على أن تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، ومن جهة أخرى انفض الناس عنها؛ لكونها لم تعد تعني لهم شيئًا يحملهم على الانخراط في صفوفها، وخاصة الشباب الذي يمثل القاعدة العريضة في المجتمع. فالأرقام التي يعلنها العديد من مراكز الدراسات مخيفة، كما هو حال المعهد المغربي لتحليل السياسات. حيث سجلت نسبة عدم المشاركة في الأحزاب السياسية عام 2022 حوالي 96 في المائة لتنتقل صعودًا في السنة الموالية إلى 98 في المائة. وهذا دستوريًا يُسائِل الأحزاب السياسية عن الأدوار المنوطة بها، والحال أنها إذا أصبحت مرفوضة من المواطنين ولا تحظى بقبولهم لتمثيلهم والدفاع عن قضاياهم، فهذا يطرح مشروعية وجود هذا الكم الهائل من الأحزاب السياسية في الساحة المغربية التي تجاوزت 34 حزبًا سياسيًا. ففي أنماط سياسية عديدة، الأحزاب التي لا تحصل على ما مجموعه 4 في المائة من مجموع الأصوات، تحل نفسها أو تندمج في أحزاب أخرى، وليس في هذا ظلم لهذه الأحزاب؛ فشرط العتبة، يصون المجال السياسي من إغراقه بطفيليات لا تعمل إلا على تمييع العمل السياسي. وحتى لا نذهب بعيدًا فالجارة موريتانيا الغارقة في تعددية سياسية واسعة، فاقت المائة حزب سياسي، وضعت قانونًا جديدًا للأحزاب السياسية، يقضي بحل كل حزب لم يتمكن من تجاوز عتبة 1 في المائة. إذْ لا بد من سن قوانين تكبح هذه التعددية المرضية التي لا علاقة لها بحرية التنظيم ولا بالديمقراطية المفترى عليها. فهناك من الأحزاب السياسية في المغرب، من لم تتمكن من الحصول على مقعد واحد في البرلمان طيلة حياتها، وهناك أحزاب بينها وبين الوصول إلى إدارة الشأن العام مسافات ضوئية. والحال أن هذه الصورة القاتمة لوضع الأحزاب السياسية، ساهمت فيها الأحزاب نفسها التي كلما برزت في صفوفها خلافات سياسية، عالجتها بانشقاق وتفريخ حزب جديد. فالبنية الحزبية، بنية انقسامية، يغلب عليها الطابع الشخصي أكثر مما تتحكم فيها المؤسسة الحزبية التي يفترض فيها أنها غرست ثقافة متينة ودربت أعضاءَها على ميزة العمل الجماعي، والارتباط بالمبادئ لا بالأشخاص مهما كان وضعهم الحزبي. فالثقافة السياسية التي كرستها الأحزاب السياسية بتعبير إخواننا المشارقة -خربانة، وتخترقها الولاءات والاصطفافات التي تتحول عند الأزمات إلى معاول هدم وتخريب لبنية الحزب عبر التوجه رأسًا إلى انشقاق، ما دامت أرض الله واسعة، كما يقولون. هذا الواقع المُبتئس، لم تكن الدولة بعيدة عن المساهمة في إنتاجه. ففي الوقت التي كانت فيه الأحزاب السياسية الوطنية مرتبطة بالشارع ومعبرة عن تطلعاته ومصالحه، لم تكن الدولة مرتاحة لقوة الأحزاب وجماهيريتها وعملت على إضعافها بكل الطرق. ففي سنوات الرصاص التي حاولت هيئة الإنصاف والمصالحة طي صفحتها المظلمة، لم تكن الأحزاب السياسية التاريخية كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والقوى اليسارية عمومًا على وئام تام مع النظام السياسي، بل كانت العلاقة متوترة ولم تكن السجون حينها تخلو من قيادات ومناضلي تلك الأحزاب. فإضعاف الأحزاب السياسية والتدخل في قراراتها من قبل السلطة، أنتج واقعًا ضعيفًا، مترهلًا وفاقدًا للمصداقية. وهكذا فقدت هذه الأحزاب ثقة الناس وانفض الجمْع من حولها وأصبحت عبئًا على الوطن. قبل أكثر من شهر بقليل ودّع المغاربة، رمزًا وقائدًا استثنائيًا -إلى رحمة الله- هو المجاهد محمد بنسعيد آيت يدر، الذي يحكي في مذكراته أنه حينما عُرض التعديل الدستوري للاستفتاء سنة 1996، قررت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي كان الراحل الرمز، أمينًا عامًّا لها، التصويت بلا على التعديل الدستوري، فما كان من وزير الداخلية السابق إدريس البصري، وبنبرة لم تخلُ من تهديد، إلا مطالبة الراحل بنسعيد بالتراجع عن موقف المنظمة، وإلا فهناك من سيستجيب ويعلن التصويت بـنعم. وفعلًا تمكن تدخل السلطة من شق المنظمة عبر ولادة قيصرية وإغلاق جريدة أنوال الناطقة باسمها. وهذا مثال من تدخلات كثيرة، قربت أحزابًا وأبعدت أخرى، لتجد الدولة نفسها أمام مأزق خطير، يتمثل في غياب دور الوسيط النزيه بينها وبين الشعب. كان على الأحزاب السياسية أن تلتقط الرسالة من تقارير المجلس الأعلى للحسابات، فتبادر إلى تنظيف فنائها من الأعشاب الضارة لا أن تدخل في سجال؛ دفاعًا عن أوضاع تحوم حولها شبهات كثيرة. فالفساد إذا تسرب للأحزاب، وهو بلا شك تمكن من بعضها، فهذا معناه، استحالة التنمية والديمقراطية في ظل الفساد. فالتنمية مع الفساد، خطان لا يلتقيان والديمقراطية مع أحزاب ضعيفة وفاسدة، بدورها مستحيلة ومتعذرة. ففي دستور 2011 الذي جاء عقب الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية، نص على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، والآن يتم الكشف عن اختلالات مالية وإدارية خطيرة واختلاس أموال عمومية، كما في شأن التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية التي تم فتح تحقيق مع رئيسها السابق الذي كان يستعد للهجرة إلى بلد لا تربطه بالمغرب أية اتفاقية تعاون قضائي. والحال أن هذه النازلة سجلت بين 2010 و2019؛ أي في الحقبة التي تولى فيها حزب العدالة والتنمية إدارة الشأن العام، حينها أطلق رئيس الحكومة عبارته الشهيرة عفا الله عما سلف بخصوص ملفات فساد سابقة، تتعلق باختلاس أموال طائلة من مؤسسات عمومية. وهي عبارة مع ضعف المراقبة والتفتيش، أطلقت يد الفاسدين في المال العام. وهكذا يواصل الفساد طريقه، ليولد أزمات ويعطل مشاريع التنمية، ويرهن بذلك لسنوات مستقبل الأجيال القادمة. لا حل مع الفساد غير الإرادة لمحاربته بدون هوادة. فليس ثمة وصفة سحرية، ومن أراد معرفة إيقاف زحف الفساد الذي لا يُبقي ولا يذر، فليعد لتجربة رواندا، هذا البلد الجريح الذي استطاع بعد حرب أهلية عصفت بمليون مواطن من أبنائه، في صراع بين أقلية التوتسي وأغلبية الهوتو أجّجه المستعمر الفرنسي السابق، أن ينهض من جديد، وينطلق بخطوات ثابتة نحو تنمية حقيقية، تعوض الإنسان الرواندي عن السنوات العجاف التي ذاق فيها القهر والفقر وغياب الطمأنينة والأمان. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/29/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b3%d8%a7%d8%af-%d9%88%d9%82%d8%af-%d8%aa%d8%b3%d8%b1%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b2%d8%a7%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-03-29T14:03:31
2024-03-30T10:13:45
مقالات
2,356
ماذا سيحدث لو تغير النظام العالمي؟
السؤال “ماذا لو اختفت أميركا؟” لم يُطرح يومًا ما على العقل العربي ليستفز فيه الجانب الموضوعي في المسألة، فالعرب جزء من العالم الذي لا نعرف ماذا سيحل به حال انسحبت الولايات المتحدة إلى ما وراء المحيط.
ماذا سيحدث للعالم إذا استيقظ ذات صباح، فوجد الولايات المتحدة وقد ابتلعها البحر؟ لا شك في أن هذا ما تتمناه كل أمة دولة تضررت من التدخل الأميركي في شؤونها، والعالم العربي على رأس هذه الأمم بطبيعة الحال. بيد أن السؤال ماذا لو اختفت أميركا؟ لم يُطرح يومًا ما على العقل العربي ليستفز فيه الجانب الموضوعي في المسألة، فالعرب جزء من العالم الذي لا نعرف ماذا سيحل به حال انسحبت الولايات المتحدة إلى ما وراء المحيط، وتركت العالم لمصير ما بعد أميركا. وفي حين غاب السؤال تمامًا عن المنطقة التي تكتظ بالحضور العسكري الأميركي وتتأذى يوميًا من اعتداءات حليفها التوسعي ـ إسرائيل ـ عليها، فإنه شغل العقل الأميركي وبإلحاح منذ السنة الأولى من حكم الرئيس أوباما. ففي نهاية 2009، كان الخبراء يتحدثون فعلًا عن عالم ما بعد أميركا، بعد تسجيل نقاط تراجع بالتزامن مع صعود قوى إقليمية بديلة ومحتملة، لها ذات أشواق وأحلام الولايات المتحدة الأميركية. وبعدها بست سنوات، انتقل السؤال من الهامش إلى متن الجدل العام الأميركي، وفي الأثناء صدر كتاب استثنائي لماذا يحتاج العالم إلى أميركا القوية Exceptional Why the World Needs a Powerful America، وذلك في يوليو تموز من عام 2015، ألفه ديك تشيني، الذي شغل منصب نائب الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة من عام 2001 إلى عام 2009، وابنته ليز تشيني، وهي مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية الأميركية. وصفت الكتاب، في ذلك الوقت نيويورك تايمز The New York Times بـالأكثر مبيعًا، وخلَّف صخبًا واسع النطاق في غالبية المنصات الإعلامية الأميركية، على اتساعها وتنوعها. فبعد عرض ومناقشة قضية الاستثنائية الأميركية في الكتاب، يقول تشيني نحن كما قال لينكولن، آخر وأفضل أمل للأرض، ويزعمون أن أميركا ليست أكثر من مجرد كيان آخر لا يمكن تمييزه على المسرح العالمي، بل إن الولايات المتحدة كانت ضرورية للحفاظ على الحرية وتقدمها، ويجب على أولئك الذين يقودوننا في السنوات القادمة أن يذكّرونا، كما فعل روزفلت وكينيدي وريغان، بالدور الخاص الذي نلعبه. ويخلص المؤلفان ـ تشيني وابنته ـ إلى نحن في الواقع استثنائيون. انتقد تشيني في الكتاب تخلي أوباما ـ أثناء رئاسته ـ عن قيادة أميركا للعالم، وتأصيله لمبدأ استخذائي القيادة من الخلف، ويشرح الكتاب تفصيلًا كيف خالف الرئيس أوباما بشكل جذري الإجماع الحزبي في السياسة الخارجية الذي مكَّن أميركا من الانتصار في الحرب العالمية الثانية، والفوز في الحرب الباردة، والانتصار في العقد الأول من الحرب ضد الإرهاب. وأشار تشيني وابنته ـ بحسب زعمهما ـ إلى الضرر الذي أحدثته سياسات الرئيس أوباما، ويبينان كيف أدى عدم رغبته في الدفاع عن القوة الأميركية وحمايتها إلى إضعاف الأمة وتقليص قدرة الرؤساء المستقبليين على الدفاع عنها. ويعتقد خبراء أميركيون أن أميركا ـ تاريخيًا ـ تأسَّست صراحة على فكرة الفرار من الدول المتحاربة في أوروبا بكل ما فيها من نقاط ضعف وسفك للدماء، من أجل إقامة مدينة على التل بعيدًا عن القارة العجوز. ورغم أنها لم تكن محايدة تمامًا، فإنها كانت قادرة ـ إلى حد كبير ـ على البقاء بعيدًا عن الشؤون الأوروبية الأساسية. وترى تلك المقاربات أن الانعزالية التي سادت في عشرينيات القرن العشرين لم تكن تعني أن أميركا لم تعد قوة عظمى، بل كانت تعني ـ ببساطة ـ أن الحرب العالمية الثانية قد أجبرت أميركا، وخاصة قادتها، على الاعتراف بالواقع الذي برز في عام 1917، وهو انهيار النظام القديم، الذي كان من المفترض على أوروبا أن تحافظ عليه، وأنه قد انتهى تمامًا إلى الأبد، وأنها ـ أي أميركا ـ كانت قوة عظمى غائبة. وفي غياب تلك القوة القادرة على ردع صعود الأنظمة الخطيرة أو على الأقل الحد من الصراعات، اندلعت حرب عالمية ثانية، كانت أسوأ من الأولى. وبعد الحرب العالمية الثانية لم يكن هناك أحد آخر غير أميركا إما أن تحافظ الولايات المتحدة على السلام، حتى لو كان سلامًا باهظ الثمن ومضرًا بالأخلاق، أو أن يحدث ما لا يمكن تصوره مرة أخرى. يقول آفي وولف في مقال له على ذا ديسباتش The Dispatch إنه لا يمكن لأميركا أن تكون سويسرا، للسبب البسيط المتمثل في أن سويسرا لن تكون قادرة على أن تكون سويسرا إذا أصبحت أميركا بطريقة أو بأخرى. فمع القوة العظمى تأتي مسؤولية عظيمة، ملتزمة تقريبًا بالحفاظ على السلام وحماية التجارة وسلاسل التوريد، فضلًا عن العمل كمنارة للقيم الديمقراطية والغربية في أفضل حالاتها، وأنه ببساطة لا يوجد أحد آخر غير أميركا كما يزعم وولف. الأسانيد التي يتكئ عليها الباحثون الأميركيون في تعزيز حججهم بأن العالم ليس بوسعه الاستغناء عن الولايات المتحدة، تستدعي ـ عادةً ـ التاريخ وتجارب انهيار القوى العظمى القديمة. يقول روبرت كاجان ـ على سبيل المثال ـ فقد أدى سقوط الإمبراطورية الرومانية إلى نهاية ليس فقط للحكم الروماني، بل وللحكومة الرومانية والقانون الروماني ونظام اقتصادي كامل يمتد من شمال أوروبا إلى شمال أفريقيا، أما الثقافة والفنون، بل وحتى التقدم في العلوم والتكنولوجيا، فقد تراجعت إلى الوراء لقرون. وأن التاريخ الحديث سار على نفس المنوال فبعد الحروب النابليونية في أوائل القرن التاسع عشر، وفرت السيطرة البريطانية على البحار وتوازن القوى العظمى في القارة الأوروبية قدرًا نسبيًا من الأمن والاستقرار، وزاد الرخاء، وتوسعت الحريات الشخصية، وأصبح العالم أكثر ترابطًا بفضل الثورات في التجارة والاتصالات. ربما يصادف هذا التنظير الأميركي مسوغاتٍ من التاريخ القريب، لوضع مدونة أخلاقية تبرر حاجة العالم إلى أميركا الآن.. وبعد الآن، لا سيما درس اقتراب العالم إلى حافة الانهيار والفوضى، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث انهار عصر السلام المستقر والليبرالية المتقدمة، ليحل محله عصر القومية المفرطة والاستبداد والكوارث الاقتصادية، وتوقف انتشار الديمقراطية والليبرالية الواعد، ثم انعكس مساره، تاركًا حفنة من الديمقراطيات المحاصرة تعيش في ظل جيران فاشيين وشموليين. صحيح أن انهيار النظامين البريطاني والأوروبي في القرن العشرين لم ينتج عصرًا مظلمًا جديدًا ــ ولو كان من الممكن أن يحدث ذلك لو انتصرت ألمانيا النازية واليابان الإمبراطورية ــ لكن الصراع المروع الذي نتج عنه كان مدمرًا بنفس القدر. ويحاول آخرون الإجابة عن قدرة القوى البديلة على تعويض انسحاب الولايات الأميركية وترك العالم وحده بدونها، ولاحظتُ وجود شبه إجماع على أن غياب أميركا يعني تحول الميزان لصالح الأنظمة الاستبدادية، التي ترشحها التطورات كبديل طموح فكل من بكين وموسكو تحميان بالفعل دكتاتوريين ودمويين في بعض بلدان الشرق الأوسط، وإنهما إذا اكتسبتا نفوذًا نسبيًا أكبر في المستقبل، فسوف نشهد عددًا أقل من التحولات الديمقراطية، والمزيد من المستبدين الذين يتمسكون بالسلطة. غير أن ثمة مناقشات أخرى ما انفكت تخفف من المخاوف التي قد يخلفها الابتزاز الأميركي للعالم، متوقعة أن توازنًا في عالم جديد متعدد الأقطاب قد يكون أكثر مُلاءمة للديمقراطية، إذا ما عوضت بعض الديمقراطيات الصاعدة البرازيل والهند وتركيا وجنوب أفريقيا الفارق الذي قد تخلفه الولايات المتحدة المنسحبة أو المتدهورة. بيد أن هذا الاتجاه ـ الأقل تشاؤمًا ـ غير واثق من هذه البدائل التي يقترحها، من خلال خطاب استدراكي يشير إلى أن كل هذه الديمقراطيات ليس لديها الرغبة أو القدرة على القيام بذلك، فضلًا عن أن هذه الدول ـ من المتوقع حتمًا ـ قد لا تتمكن من مساعدة نفسها، وذلك لأن إنشاءَ نظام اقتصادي ليبرالي وبقاءَه كان يعتمد ـ تاريخيًا ـ على القوى العظمى الراغبة والقادرة على دعم التجارة المفتوحة والأسواق الحرة، وغالبًا بالقوة البحرية. وإذا كانت أميركا المتدهورة عاجزة عن الحفاظ على هيمنتها التي دامت طويلًا على أعالي البحار، فهل تتحمل دول أخرى أعباء وتكاليف دعم القوات البحرية لسد الفجوات؟ ويضيف البعض إلى تلك المقاربات الحكمة القائلة إن الفكرة الأفضل يجب ألا تفوز لمجرد أنها فكرة أفضل، بل إنها تتطلب من القوى العظمى أن تدافع عنها. التنظير الأميركي لاستحالة أن يعيش العالم بدون أميركا، يحاول عقلنة بروباغندا أميركا التي يحتاجها الجميع، بالمرور فوق أرضية صلبة من التاريخ، وغياب البدائل المؤهلة للزعامة منفردة، واستحالة الاعتماد على نظام تعددي يقوم بدور الشرطة الجماعية لحفظ النظام الدولي من الانهيار. وامتدادًا لهذه المقاربة، يُعتقد أنه إذا ما تراجعت القوة الأميركية، فسوف تتراجع أيضًا المؤسسات والمعايير التي دعمتها القوة الأميركية، أو على الأرجح، إذا كان التاريخ دليلًا، فقد تنهار تمامًا مع انتقالنا إلى نوع آخر من النظام العالمي، أو إلى الفوضى. وقد نكتشف ـ حينئذ ـ أن الولايات المتحدة كانت ضروريةً للحفاظ على النظام العالمي الحالي، وأن البديل للقوة الأميركية لم يكن السلام والوئام بل الفوضى والكوارث، وهو ما كان عليه العالم قبل ظهور النظام الأميركي مباشرة، كما يزعم روبرت كاجان. ويبدو لي أنَّ هذه الفرضية هي المرجحةُ حتى الآن، بيد أنَّ ما يدعو إلى القلق هو العشم العربي الزائد في البدائل التي تعوزها شروط القيام بدور شرطي العالم وحسن الظن العربي بها، بوصفها قوى قد تكون رحيمة ـ أو أكثر رحمةً ـ من الولايات المتحدة الأميركية، رغم أن تلك ، وليس بوسع أحد أن يقدم للعرب شهادة ضمان منها، تكفل وداعتها وحنانها، حال استفردت بالعالم مجددًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/11/25/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%84%d9%88-%d8%a7%d8%a8%d8%aa%d9%84%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%8a%d8%b7-%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-11-25T12:22:59
2024-11-25T14:20:01
مقالات
2,357
كم سنة متبقية لتسقط إسرائيل نهائياً؟
أظهرت عملية طوفان الأقصى فجأة الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام أعين العالم. فقد أصبح الوجه العنصري والمتعجرف والظالم والمجرم مرتكب المجازر والإبادات الجماعية، الذي كان متخفيًا وراء القناع، معروفًا للجميع.
لقد مرّ عام على طوفان الأقصى. كان عامًا من أثقل الأعوام في تاريخ البشرية، حيث كانت الدقائق فيه تمرّ وكأنها شهور، وبدت الإنسانية وكأنها تسقط إلى الحضيض، إلا أن مشاهد المقاومة أعادت الآمال المرتبطة بالإنسانية لتبعث من جديد. أما بالنسبة لأهالي غزة، الذين تعرضوا لظلم وحشي وإبادة جماعية، فكان هذا العام بلا شك أطول وأثقل بكثير. والآن حان الوقت لاستخلاص الدروس والعبر حول تقييم ما اكتسبته الإنسانية وما خسرته من هذه التجربة. أولًا، يجب التأكيد على أن الأحداث لم تبدأ في 7 أكتوبر تشرين الأول، لا من حيث الاحتلال الصهيوني، ولا من حيث العدوان المستمر، ولا من حيث المقاومة التي ظهرت كرد فعل. ولكن ما جعل من 7 أكتوبر تشرين الأول نقطة تحول هو أن المقاومة، لأول مرة منذ 75 عامًا، أخذت زمام المبادرة وقامت بهجوم مفاجئ ومدهش أثار صدمة كبيرة. وعلى مدار هذا العام، استمرت إسرائيل في تبرير وحشيتها الإباديّة ضد غزة، مستخدمة عملية طوفان الأقصى كذريعة. وبطبيعة الحال، كانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تواصل دعمها لإسرائيل، متجاهلة الحقائق ومتبنية تلك التبريرات. لكن العالم بأسره أدرك أن 7 أكتوبر تشرين الأول لم يكن سببًا، بل نتيجة لعقود من العدوان والاحتلال. على مدار الـ 75 عامًا التي سبقت طوفان الأقصى، قدمت الولايات المتحدة وأوروبا دعمًا لا حدود له لإسرائيل، قدمت دعمًا دبلوماسيًا وسياسيًا في المحافل الدولية واستخدمت الفيتو مرارًا وتكرارًا لحماية سياساتها الاحتلالية والتوحشية. قدمت دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا بمليارات الدولارات سنويًا، وتحيزًا إعلاميًا صوّر إسرائيل كدولة ديمقراطية وحضارية محاطة بأعداء بربريين جاهزين دائمًا لالتهامها. وعلى مدار 75 عامًا من الوحشية والعدوان اللذين يمارسهما الاحتلال الإسرائيلي، لم يتلقَّ الفلسطينيون أي دعم يُذكر لا من العالم العربي والإسلامي، ولا من الأمم المتحدة، ولا حتى من الولايات المتحدة التي تدّعي بين الحين والآخر بوقاحة أنها وسيط محايد. واستمرت إسرائيل في احتلال الأراضي الفلسطينية، وسلب حقوق الفلسطينيين، وتهجيرهم من منازلهم وأراضيهم. لقد تجاهلت إسرائيل قرارات الأمم المتحدة واستمرّت في عمليات الاحتلال والانتهاكات بلا رادع، حتى أصبح هذا النمط من السلوك مألوفًا في جميع أنحاء العالم. وقد أدت هذه الألفة إلى تطبيع هذه الانتهاكات، مما جعلها تبدو وكأنها حق مكتسب لإسرائيل. والأسوأ من ذلك، أن جميع أعمال المقاومة الفلسطينية باتت تُصوَّر على أنها تهدد هذا الروتين وتخلق حالة من الاضطراب وعدم الأمان، مما أدى إلى شعورٍ بالإحباط والملل منها. وبذلك، تحولت القضية الفلسطينية إلى قضية مهملة يُنظر إليها على أنها عبء لا طائل منه، يثير الضجر ويزعزع استقرار العالم. وللأسف، لم تقتصر هذه الرؤية على الدول الغربية وشعوبها فقط، بل بدأت تتسرب إلى أذهان شعوب العالم الإسلامي أيضًا. فكان يُزعم أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الحديثة والمؤسسية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، ويُعتبر المستوطنون الذين يقيمون فيها جزءًا من حالة إنسانية مأساوية ترتبط في خلفيتها بمأساة المحرقة، مما أضفى شرعية إنسانية على وجودهم. أما تهجير الفلسطينيين من منازلهم بسبب هذا البرنامج الاستيطاني، فقد بات يُعتبر مسألة يمكن التغاضي عنها. لقد تمكنت إسرائيل الصهيونية، على مدار 75 عامًا من الاحتلال الوحشي الذي تمارسه بلا حدود وبشكل واضح، من إقناع أصدقائها وأعدائها بأن هذا الاحتلال هو بمثابة جهد أصيل للحفاظ على وجودها وبقائها. ولكن عملية طوفان الأقصى وما تلاها من تحركات لجهاز القتل الصهيوني، أظهرت فجأة الوجه الحقيقي لإسرائيل أمام أعين العالم. فقد أصبح الوجه العنصري والمتعجرف والظالم والمجرم مرتكب المجازر والإبادات الجماعية، الذي كان متخفيًا وراء القناع، معروفًا للجميع. وخلال عام واحد، تجاوز عدد القتلى الذين أزهقت إسرائيل أرواحهم 41,788 شخصًا، يشكل الأطفال والنساء والشيوخ 75 منهم أكثر من 16,891 طفلًا و11,458 امرأة. ولا يزال أكثر من 10,000 فلسطيني، من بينهم أكثر من 5,000 طفل، عالقين تحت أنقاض المنازل المدمرة. ووَفقًا لوزارة الصحة، تجاوز عدد الجرحى 96,794، ومعظمهم من الأطفال والنساء. وقد فقد أكثر من 17,000 طفل في غزة أحد والديه أو كليهما. كما تُوفي العديد من الأطفال، خاصة في شمال قطاع غزة، نتيجة سوء التغذية والعطش في ظل تفاقم أزمة نقص المواد الغذائية. ومنذ 7 أكتوبر تشرين الأول، استشهد ما لا يقل عن 54 فلسطينيًا في السجون الإسرائيلية نتيجة التعذيب المنهجي والإهمال الطبي المتعمد. ووفقًا لمنظمة الأورومتوسطية للحقوق Euro-Mediterranean Human Rights Monitor، تم اكتشاف 130 مقبرة جماعية في قطاع غزة حتى الأول من مايو أيار. وذكرت وزارة الصحة، أنه عُثر على سبع مقابر جماعية في ثلاثة مستشفيات في غزة، تحتوي على أكثر من 520 جثة شهيد، بمن في ذلك الأطفال والنساء. وأسفر قصف المستشفى المعمداني في 17 أكتوبر تشرين الأول عن مقتل 471 شخصًا. كما قُتل أكثر من 85 فردًا من فرق الإنقاذ التابعة للدفاع المدني، وأكثر من 885 من العاملين في المجال الصحي أثناء أداء واجبهم. بالإضافة إلى ذلك، قُتل 212 من موظفي الأونروا UNRWA على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء قيامهم بواجبهم. هذه الأرقام تعكس بوضوح النظام الممنهج للإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة على مدار عام واحد فقط. ومن الواضح تمامًا أن دولة قادرة على تقديم هذا النوع من الإحصائيات تمثل تهديدًا للإنسانية جمعاء. فكلما زادت الجرائم المرتكبة في مجتمع ما، ازدادت خطورة السماح للأفراد الذين لهم سوابق إجرامية بالتجول بحرية. بيدَ أن إسرائيل، من خلال ارتكابها هذه الجرائم، أظهرت أنها قادرة على تكرارها وارتكاب المزيد منها. ورغم ذلك، واصلت الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل على مدى العام المنصرم، رغم كل الجرائم التي ارتكبتها خلال تلك الفترة. وعلى مدار عام، واصلت إسرائيل ارتكاب جرائمها، وواصلت الولايات المتحدة بدورها دعمها غير المشروط. لكن استمرار تراكم هذه الجرائم طوال هذا العام ـ كيفما نظرنا إليه ـ ما هو إلا فشل ذريع سواء لإسرائيل أو للقوى التي تستمر في دعمها دون حدود. عندما بدأت إسرائيل هجماتها العدوانية التي تحولت إلى إبادة جماعية، أعلنت عن هدفين رئيسيين الأول، تدمير قدرة حماس على القتال وقيادتها، والثاني، تحرير الرهائن المحتجزين لديها. ورغم القوة غير المتناسبة والعدوانية التي استخدمتها، نجد بعد مرور عام أن أهدافها لم تحقق أي نتائج، حيث لم تحصد سوى الفشل التام في كلا الهدفين. إن التاريخ يخبرنا أن إسرائيل أصبحت تمتلك كل المقومات والعوامل التي تهدد وجودها. فضائح الفساد التي تورط فيها رؤساء حكومتها والقضايا القانونية التي يواجهها نتنياهو، التوسع العسكري المفرط الذي يستنزف الدولة ومقدراتها، تكاليف الحرب الثقيلة التي تنذر بأزمة اقتصادية ستواجه حكومتها وشعبها، الاحتجاجات المستمرة التي تهدد المجتمع الإسرائيلي وقدرة الحكومة على المحافظة على استقرار النظام. هذه الاحتجاجات ضد الحكومة الإسرائيلية تزايدت خلال السنوات الأخيرة، سواء بسبب القضايا السياسية أو الاجتماعية. هذه الاحتجاجات تعكس حالة الاستياء من سياسات الحكومة. إسرائيل تواجه بالفعل عزلة دبلوماسية جزئية؛ بسبب سياساتها تجاه الفلسطينيين. الكثير من الدول والكيانات الدولية تُدين سياسات الاستيطان والاحتلال. في حال زادت عزلة إسرائيل على الساحة الدولية، فإن هذا قد يؤدي إلى تراجع دعمها الخارجي، خاصة إذا تغيرت مواقف الولايات المتحدة أو أوروبا؛ بسبب الضغوط الداخلية أو تحولات السياسة الدولية. أيضًا، لا عجب من تلك التنبؤات بحرب أهلية قريبة في إسرائيل، فهي مجتمع متنوع، يشمل العلمانيين والمتدينين واليهود من أصول مختلفة. التوترات بين هذه المجموعات حول القيم الثقافية والاجتماعية موجودة وقائمة، ثم زادت بشكل عنيف بعد الحرب. إذا استمرت هذه الانقسامات، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار المجتمع بالكامل. إن تصعيد العدوان الذي نشهده اليوم من قبل إسرائيل يبدو أنه مستوى آخر من الجنون، ولكنها تسعى لاستعادة هيبتها المفقودة أمام حركة حماس والعالم كله، وتعلم في قرارة نفسها أنها أصبحت في وضع يهدد وجودها بشكل حقيقي. إسرائيل تعيش يوميًا هزائمها التي بدأت منذ 7 أكتوبر تشرين الأول، وستستمر هذه الهزائم بفعل صمود الشعب الفلسطيني وصمود المقاومة التي لا تواجه فقط جيشًا، بل كيانًا سياسيًا هشًا، يعاني من أزمات داخلية حادة تضاف إلى الضغوط الخارجية. مع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية، ومع تآكل الدعم الدولي مع مرور الوقت، قد تواجه إسرائيل مستقبلًا غير مستقر. كل هذا يشير إلى أن سقوط إسرائيل قد يكون أقرب مما يتوقعه البعض، ولن تكون إلا سنوات قليلة لنشهد سقوط إسرائيل التام والمدوي. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/8/%d9%83%d9%85-%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%84%d8%aa%d8%b3%d9%82%d8%b7-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%86%d9%87%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-10-08T07:15:44
2024-10-08T08:44:11
مقالات
2,358
نداء أخير.. أنقذوا الأونروا قبل فوات الأوان
تطلق الماكينة الدعائية الإسرائيلية خطابًا تحريضيًا على أهمّ وكالة أممية هي وكالة الأونروا المعنية بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
في رسالة إلى رئيس الجمعيّة العامة للأمم المتحدة الخميس 22 فبراير شباط 2024، حذّر فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، من أن الوكالة وصلت إلى نقطة الانهيار. جاء هذا النداء الأخير بعد تعليق دول دعمَها للأونروا. فما هي القصة ولماذا هذا التحذير؟ تطلق الماكينة الدعائية الإسرائيلية خطابًا تحريضيًا على أهمّ وكالة أممية هي وكالة الأونروا المعنية بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. جوهر الخطاب الإعلامي الإسرائيلي يقوم على أن استمرار عمل المنظمة يؤدي إلى إطالة أمد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وأن وجود هذه المنظمة الدولية هو عقبة في طريق السلام. وأن سلوك هذه المنظمة الدولية يتطابق مع سلوك حركة حماس الإرهابي. لا يمكن أن تشكل هذه الدعاية أيّ مسّ بالمركز القانوني لملايين اللاجئين الفلسطينيين 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني، أو أن تمس بحقوقهم غير القابلة للتصرف، كما لا يمكن أن يبقى هؤلاء لاجئين إلى الأبد. ليس من الصعوبة اكتشاف أن الدول الغربية تقدم الدعم لإسرائيل، سواء في ظروف السلم أم الحرب، وأنها هي من أطالت أمد أزمة اللجوء، وعمقت معاناتهم خلال 7 عقود من الزمن ويزيد. ومع حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على 2.3 مليون إنسان في قطاع غزة 72 منهم لاجئون، علَّقت 17 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي- مساعداتها لوكالة الأونروا. وهذه الدول تغطي 78.4 من إجمالي موارد الأونروا السنوية، بحسب آخر ميزانية معلنة عام 2022؛ أي نحو 921 مليون دولار مما مجموعه 1175 مليون دولار. وقد تم ذلك تحت ذريعة الادعاء الإسرائيلي بأن 12 موظفًا في الأونروا في قطاع غزة، قد شاركوا في هجوم السابع من أكتوبرتشرين الأول عام 2023. تتعرض وكالة الأونروا لاستهداف إسرائيلي مباشر وواضح المعالم منذ سنوات، رغم أهمية دورها بالنسبة لملايين اللاجئين. ولقد نجحت إسرائيل بدفع 17 دولة أغلبها غربية- لتعليق تمويلها للأونروا. هناك عشر ملاحظات عاجلة نوردها بهذا الخصوص، وهي ثمة معطيات رقمية تفيد بأن تعليق تمويل الأونروا له انعكاسات جوهرية تتعلق بحياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، تشمل التعليم والصحة والإغاثة والبنى التحتية، وسوف يؤدي ذلك إلى زيادة نسبة الفقر والأمية والبطالة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشتت اللاجئين أكثر وأكثر، وقد يدفعهم إلى الهجرة نحو الدول الغربية. والدول الغربية معنية بهذا الخصوص بمعالجة أسباب الهجرة ومعالجة جذورها. إن عجز الوكالة الدولية عن الإيفاء بالتزاماتها الدولية تجاه اللاجئين، سوف ينعكس بشكل كبير على الدول المضيفة التي تعاني أساسًا من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة ومتراكمة، وهي عمليًا غير قادرة على تلبية احتياجاتهم، الأمر الذي قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية، ومن المتوقع أيضًا أن ينعكس ذلك على أمن واستقرار المنطقة بما فيها أمن دولة الاحتلال. إن تعليق تمويل الأونروا بسبب فعل قد يكون ارتكبه أفراد سوف يشمل تأثيره ملايين اللاجئين- هو فعل محظور حسب القانون الدولي، وهو يصنف على أنه شكل من أشكال العقوبات الجماعية، وبالتالي قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب. هذا القرار غير قانوني وغير أخلاقي؛ لأن الدول المنضوية تحت إطار الأمم المتحدة عليها تعهدات والتزامات تجاه الشعوب الأخرى خلال الأزمات الإنسانية الناجمة عن الكوارث والزلازل والحروب. فكيف والحال مع لاجئين منذ عام 1948؟ إن هذا القرار سوف يتسبب بضرر بالغ على اللاجئين في مناطق عمل الأونروا الخمسة، وبشكل خاص على اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في قطاع غزة؛ بسبب حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل هناك. ومن الجدير ذكره أن هؤلاء الذين يعتمدون بشكل كلي على الأونروا في قطاع غزة الآن، كانوا يعيشون أساسًا تحت حصار إسرائيلي غير قانوني منذ عام 2007. هذا الحصار الخانق والظالم دمر آمال شباب اللاجئين وطموحاتهم، وأصاب إنسانيتهم بمقتل. إن الدول التي علقت تمويلها للأونروا أخطأت ثلاث مرات؛ مرة عندما ساهمت ابتداءً بخلق أزمة لاجئين فلسطينيين، وسمحت بقيام دولة إسرائيل على أنقاض حقوق وأرض شعب فلسطين، دونما أي سند قانوني، وعدم قدرتها أو ربما عدم رغبتها على مدار عقود من الزمن بإعادتهم إلى مدنهم وقراهم التي هجّروا منها خلال الحروب الإسرائيلية عام الـ 1948 و1967. أما المرة الثانية فهي عندما سمحت لهذه المنظمة الدولية بأن تتسوّل فتات الأموال لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وجعلتها، ومن تخدم من اللاجئين، عرضة للابتزاز والإذلال على حد سواء. أما المرة الثالثة فهي عندما انساقت وراء خداع الاحتلال وصدّقت كذبه في أصعب الظروف الإنسانية. إن ثمة مؤشرات ومعلومات تفيد بأن إسرائيل ومنذ اتفاق أوسلو عام 1993 بدأت بالترويج أن الأونروا لم يعد لها حاجة فعلية، وأن على العالم أن يهتم بقيام دولة فلسطينية التي سوف تناقش بعد خمس سنوات من هذا الاتفاق وقد وَضعت خططًا لذلك، كما صرّح أكثر من مسؤول بذلك علانية. وقد استغلت إسرائيل حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة؛ لتتابع حملتها ضد الأونروا. إسرائيل لا تريد للشاهد الملك أن يبقى على قيد الحياة، وهو هدف إسرائيلي إستراتيجي لا تهاون أمام تحقيقه، بل وتعتبر أن موضوع اللاجئين يشكل عقبة أمام عمليات التطبيع مع الدول العربية. إن استبدال منظمة الأونروا بأية هيئة دولية أخرى أمر غير مقبول، لعدة أسباب، أهمها أن وكالة الأونروا تمتلك خبرة عميقة تمتد لعقود من الزمن، كما تعمل من خلال كادرها البشري الكبير 33 ألف موظف، ولديها رصيد طويل في حسن التعامل مع احتياجات اللاجئين. كما أن وكالة الأونروا لها معنى سياسي وقانوني مرتبط بأطول أزمة لجوء شهدها التاريخ الحديث، فضلًا عن الهدف الخدماتي التي تؤديه تجاه اللاجئين قطاع غزة، الأردن، سوريا، لبنان، الضفة الغربية إضافة إلى القدس المحتلة. في حين أن المنظمات الدولية الأخرى لا تمتلك تلك المزايا التي تمتلكها الأونروا لا سياسيًا ولا قانونيًا ولا خدماتيًا، وهي لا تؤكد المركز القانوني للاجئين الفلسطينيين. إن تعليق التمويل من قبل الدول المانحة، يتزامن مع قرار محكمة العدل الدولية الذي أثار استياء إسرائيل، مما يعتبر ردَّ فعلٍ واضحًا من هذه الدول لصالح إسرائيل. لقد قبلت هذه المحكمة الطلب الجنوب أفريقي، واعتبرت أن ثمة مؤشرات قوية لارتكاب إسرائيل جرائم إبادة، وأن إسرائيل فعلًا لا قولًا متهمة. لقد تغاضت هذه الدول عن جرائم الاحتلال بحق مراكز الأمم المتحدة، واستشهاد أكثر من 150 موظفًا أمميًا، فضلًا عن استهداف مراكز إيواء النازحين التابعة للوكالة نفسها، واستشهاد وجرح المئات منهم. وفي الوقت الذي يكون فيه الجاني معروفًا وهي إسرائيل ولا يحتاج إلى كثير من الجهد والبحث الاستقصائي، فإنه لا خطوات ولا إجراءات ولا عقوبات ولا حتى شكلية. وفي المقابل الآخر، تفرض هذه الدول عقوبات جماعية على 5.9 ملايين لاجئ؛ بسبب سلوك أفراد 12 موظفًا من أصل 30 ألف موظف، لم يثبت بالتحقيقات أنهم ارتكبوا ما يعتبر خرقًا للحيادية. أي منطق هذا؟ وهل هذا التعليق يتوافق مع التزامات الدول واحترامها أجسامَ الأمم المتحدة بما فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أنشأت الأونروا، أو محكمة العدل الدولية التي طالبت بضرورة إدخال المساعدات الإنسانية؟ من المثير للحزن والأسى أن مساهمات الدول العربية المادية والعينية تبلغ نسبة 5.1 لصندوق الأونروا، بحسب التقرير المالي للأونروا لعام 2022 من إجمالي المساهمات الدولية. هذه النسبة لا تساهم في سد احتياجات اللاجئين، كما أن هذه النسبة لا يمكن أن تعوض النقص الكبير فيما لو مضت الدول الكبيرة في قرارها بتعليق التمويل 78. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذه المساهمة قليلة إلى هذا المستوى؟، ولماذا يُترك اللاجئون الفلسطينيون العرب لابتزاز الدول الغربية؟ إن السلوك الإسرائيلي تجاه المنظمة الدولية أو تعليق الدول مساهماتها المالية لا يمكن أن يغير المركز القانوني للأونروا التي نشأت بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة. إن القرار لا يلغى إلا بقرار مثله. وعليه فإن هذه الإجراءات لا تغير من الولاية القانونية للأونروا. الأثر المتوقع لكل هذا الضجيج أو هذا الابتزاز هو أن يجعل هذه المنظمة الدولية غير قادرة عمليًا على الوفاء بالتزاماتها الدولية، الأمر الذي قد يجعل هذه المنظمة عاجزة. ومع مرور الزمن قد تستغل إسرائيل والدول الغربية المؤيدة لإسرائيل فرصة دولية مناسبة لطرح المشروع أمام الجمعية العامة لإلغاء الأونروا، واستبدالها بهيئة دولية أخرى. الأونروا هي تعبير عن إرادة دولية. ولقد كلفت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأونروا بتقديم المساعدة والحماية للاجئي فلسطين حتى يتم إيجاد حل سياسي عادل ودائم يعالج محنتهم. والأونروا مرتبطة بالقرار 194، وهو قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. أن تعيد الدول التي علقت تمويل الأونروا النظر في قرارها بشكل فوري، بل وتزيد من مساهماتها المالية لسد العجز المزمن، ولضمان استمرار عمل الوكالة، وتقديم خدماتها الحيوية للاجئين. وأن تبذل هذه الدول، بما تملك من نفوذ سياسي واقتصادي جهودًا دبلوماسية لربط موازنة الأونروا بموازنة الأمم المتحدة نفسها. وأن تحترم هذه الدول قرارَ محكمة العدل الدولية الصادر في ينايركانون الثاني من عام 2024 والذي دعا إلى تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، لا أن تفرغه من مضمونه أو أن تلتف عليه. إن هذا السلوك يشكل إهانة للأمم المتحدة وأجسامها، لا سيما محكمة العدل الدولية. وأن تطالب هذه الدول بتشكيل لجنة تحقيق دولية بخصوص استهداف إسرائيل مقرات الأمم المتحدة، بما فيها مراكز الأونروا، واستشهاد أكثر من 150 موظفًا أمميًا. الفاعل معلوم والضحية معلومة الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/28/%d9%86%d8%af%d8%a7%d8%a1-%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1-%d8%a3%d9%86%d9%82%d8%b0%d9%88%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%86%d8%b1%d9%88%d8%a7-%d9%82%d8%a8%d9%84-%d9%81%d9%88%d8%a7%d8%aa
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-02-28T06:07:26
2024-02-28T06:07:34
مقالات
2,359
ذاكرة ليست للنسيان .. خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية
شحن الذاكرة، دومًا- بالأقوال والحكايات والتواريخ والأسماء والأماكن والوقائع – واجب، عند الشعوب التي يكون هناك من يتربّص بيومياتها وحَولياتها، ليقطع الحبل السُّرّي بينها وبين الأوتاد التي ترتكز عليها.
من المتعارف عليه أن ذاكرة من يكافح في سبيل استرداد حقه السليب، أو استعادة مجده الذي ذهب، أو يواجه قوة قاهرة تريد أن تجرّده من تاريخه وهُويته، تبقى ذاكرة حاضرة دومًا، بل تظل في حالة التهاب أو حيوية فائضة فائرة، لا تعرف جمودًا ولا ركودًا ولا قعودًا؛ لأن البلادة إن سرَت فيها، وحلّت بها، ضاع الدرب من أقدام الساعين إلى الحق، والحرية، والمجد، والأصالة. إنّ أول الطريق إلى اغتصاب الحق، هو محو الذاكرة، فمن ينسى يُفرّطُ. والذاكرة إن ألهبت نفوس مَن كابدوا لحظة الاستيلاء على الإرث المادي- وفي مقدمته الأرض- أيامَ الصدمة الأولى والمواجهة البكر، فإن أي غشاوةٍ تطمسها أو تزييفٍ يلحق بها، أو تغيير يجعلها تنحرف عن التمسك بحق الاستعادة والاسترداد والرجوع- سيؤثر، دون شك، على مواقف الأجيال اللاحقة، التي يعول المحتل على تغييب الحقوق من رأسها، فترضى بالسائد والمتاح، أو تسلم، بفعل وعي زائف مبتور، برواية المحتل، وتعتبرها قدرًا مقدورًا لا فكاك منه، وتشرع في تربية الأجيال الجديدة عليها، حتى تزيح الرواية الأصلية والحقيقية تمامًا. وشحن الذاكرة، دومًا- بالأقوال والحكايات والتواريخ والأسماء والأماكن والوقائع والأحداث- واجب، بل ضرورة عند الشعوب التي يكون هناك من يتربّص بيومياتها وحَولياتها، ليقطع الحبل السُّرّي بينها وبين الأوتاد التي ترتكز عليها، والجذور التي تمدها بأسباب الوجود والتعافي، فتثبُت وترسخ أمام كل من يريد زحزحتها أو إزالتها أو تركها تجفّ وتموت وحيدة. لهذا لا يكتفي المقاوم بحمل السلاح ضد المحتل، إنما عليه أن يتسلح أيضًا ضد تزييف التاريخ، وطمس الهُوية، بالإبقاء على الذاكرة حية، لاسيما إن كان يواجه احتلالًا استيطانيًا إحلاليًا، يريد أن يلغي وجود السكان الأصليين، وهو إلغاء يبدأ بخلع الإنسان من تاريخه الشخصي، وقبله التاريخ العام الذي يشكل إطارًا يحيل إليه، وسندًا يتكئ عليه، وجدارًا صلبًا يحمي ظهره. وطالما شهدت البشرية في عمرها المديد ألوانًا من التاريخ المنسي أو المستبعد، حين أتيح للمنتصرين أن يكتبوا اليوميات والحَوليات، فاستبعدوا منها كل ما يصنع للمهزومين أيامًا حاضرة، مثلما فعل الإنجليز والفرنسيون بالهنود الحمر، الذين صاروا أثرًا بعد عين، ومثلما فعل الاحتلال المتعاقب بالمصريين حين أزاح تاريخهم القديم قرونًا طويلة، إلى أن أُعيد اكتشافه بعد فكّ شفرات اللغة الهيروغليفية. ويعي الفلسطينيون هذه المسألة جيدًا، لذا يحتفظون في ذاكرتهم بخرائط فلسطين قبل نكبة 1948، بل قبل وعد بلفور 1917، وما تلاه، حين تم تهجيرهم قسرًا، وتغيير أسماء قراهم ومدنهم عربية الأسماء إلى أسماء عبرية. بل إنهم يحتفظون بما هو أدقّ وأكثر تفصيلًا من الخطوط العامة، مثل مفاتيح بيوتهم التي أُخرجوا منها، وأزيائهم التي اعتادوا ارتداءها، وأكلاتهم الشعبية التي نسبها الإسرائيليون إلى أنفسهم، وطقوسهم في الأفراح والأتراح، فحملها المحاصَرون في المعازل التي أزيحوا إليها في الضفة الغربية وغزة، ورافقتهم إلى الشتات في البلدان المجاورة، وإلى المهجر والمنافي البعيدة التي اضطُروا إلى أن يتخذوها أوطانًا جديدة، توزعهم بلا رحمة على قارات العالم الست. ويعرف الفلسطينيون جيدًا أسماء البارزين من قادتهم السياسيين والميدانيين، الذين أدوا أدوارهم تباعًا عن طيب خاطر، وفي تضحية ظاهرة، وحرصوا على أن تبقى الراية مرفوعة، يسلّمها جيل إلى جيل، والجذوة مشتعلة، رغم العواصف العاتية التي هبّت عليهم. كما يعرف الفلسطينيون الأحداث الأساسية والمفصلية في تاريخهم، ويستخلصون منها الكثير من المدَد والعِبر، وأسباب الوفاء لقضيتهم، أكثر من أي شعب آخر؛ لحاجتهم الماسّة إلى ذلك. ومن حاصل جمع الأشخاص والأحداث، تفرز الساحة الفلسطينية، بلا انقطاع، شخصيات جديدة، وأحداثًا متوالية، تعطي زخمًا لقضيتهم. فالذكراة الفلسطينية ليست نوعًا من الحنين إلى الماضي النوستالجيا، وليست صنفًا من النكوص، الذي يعني مرض الهروب من الحاضر إلى الماضي. كما أنها ليست مجرد تقضية كل فرد وقته في استرجاع ما فاته، كي يندم عليه، أو يتلذذ به، إنما هي الإبقاء على الشغف قائمًا، ووصل ما جرى بما يجري، واستعادة الماضي ليكون في خدمة الحاضر، ويكون كلاهما في خدمة المستقبل. والذاكرة الفلسطينية لا تحويها فقط كتب التاريخ، ولا الموسوعات التي تغطي كل شاردة وواردة في حياة الشعب الفلسطيني، إنما هي إلى جانب ذلك ذاكرة شفاهية، محمولة على مساحة التذكر والتخيل والربط والإبداع في عقل كل فلسطيني على حدة، وفي ذاكرة المجموعة المتمثلة في فصائل المقاومة والنضال، وفي الذاكرة الجمعية للشعب كله. لقد توقفنا جميعًا عند العجوز التي قالت قبل استشهادها بأيام في طوفان الأقصى وبكل ثقة واعتزاز أنا أقدم من إسرائيل. فهذا القول لم يطلق في فراغ، ولا عفو الخاطر، إنما هو مشحون بالدلالات المهمة، ومنها ما تتذكره هذه المرأة من تاريخ الصراع، وقامت بنقله إلى أولادها وأحفادها، وهم بدورهم سينقلونه إلى من يأتون من أصلابهم، وهكذا دواليك. كما تحلّ هذه الذاكرة في الأعمال السردية لأدباء فلسطينيين، التي تسجل فنيًا تاريخ الناس، وتلتقط من الحياة شخصيات واقعية، وإن أضافت إليها فكل محمول عليها ليس ابتداعًا كاملًا، إنما هو مستمد من العيش الذي مرّ به الأديب الفلسطيني؛ أي حياة فئة من الشعب، سمعها ورآها واختلط بها وصار واحدًا منها. لقد كتب الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش كتابًا سرديًا عنوانه ذاكرة للنسيان، عن تجربة حصاره مع المقاومة الفلسطينية في بيروت إثر اجتياح إسرائيل لها عام 1982، وهو عنوان قد يتأوّل على أنه يحمل رغبة صاحبه في نسيان الآلام التي جرت له، لكن قد نستطيع أن نرى فيه معنى مضادًا تمامًا، إذ صار للنسيان نفسه ذاكرة. وبغض النظر عن هذين التأويلين المتضادين، فإن شعر درويش نفسه احتفى بالذاكرة الفلسطينية. أما الاحتفاء الأشد فقد حملته الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والسيرة الذاتية والغيرية والخواطر، وهي كثيرة ومتواصلة عبر الأجيال، والنصوص العابرة للأنواع، ومن أبرزها كتاب مريد البرغوثي رأيت رام الله. ظلت الذاكرة الفلسطينية طوال الوقت قوية، حاضرة، قادرة على مقاومة كل عوامل التعرية والتآكل، حتى في وجه محو الأماكن، أو تغيير الجغرافيا، الذي يتم بفعل التوسع في الاستيطان، حيث يتم تجريف أراضٍ، وإقامة حواجز، وشق طرق التفافية؛ ولأن كل هذا يتم عنوة، فإن تذكر كل ما كان قائمًا، ثم تغير أو أُبيد، يصبح أكثر سطوعًا. وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة- والذي أعقب طوفان الأقصى- أزيلت أحياء كاملة، وجرفت شوارع وطرق، وتم محو معالمها تمامًا، وهي إن أعيدت مع الإعمار، فلن تأخذ هيئتها التي كانت عليها، ليظلّ قديمها في الذاكرة، التي قد تستدعيه حنينًا، لكنها، حتى في هذه الحالة، لن تخلو من تحدٍّ وعناد إيجابي تحت لافتة تقول كي لا ننسى. فالفلسطينيون لم يغيروا معالم مدنهم اختيارًا، وبحكم تقادم يجعل بعض المباني آيلة للسقوط ويجب أن تنقضّ، وبعض الطرق والشوارع يحتاج إلى توسعة، وكثير من الأنشطة التجارية القديمة- حيث الحوانيت التي تحتل الجانبين من كل شارع- تتبدل بأنشطة أخرى حديثة، إنما تغيرت بعض المعالم جبرًا، ولذا يعد تذكرها نوعًا من المقاومة. ستظل ذاكرة الفلسطينيين هي خط الدفاع الأول عن قضيتهم؛ لأن العدوان الإسرائيلي المتواصل عليهم لا يعطي أيًا منهم فرصة لنسيان ما يجري، ولأنهم يدركون، من تلقاء أنفسهم، أن طمس ذاكرتهم أو محوها أو حتى تلويثها هو أول معول في هدم حُلمهم بالحرية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/31/%d8%b0%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d9%8a%d8%b3%d8%aa-%d9%84%d9%84%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%ae%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84-%d8%b9%d9%86
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-31T05:29:16
2023-12-31T05:29:16
مقالات
2,360
جورجيا تضع سابقة قد تُقوّض توسع الاتحاد الأوروبي
جورجيا تعلق مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي، مما يثير احتجاجات شعبية واسعة. القرار يعكس توازنًا بين النفوذ الروسي والأوروبي، ويهدد بإعادة تشكيل مسار التوسع الأوروبي شرقًا.
تستمر الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جورجيا منذ أكثر من أسبوعين، دون أي بوادر على نهايتها. ففي 28 نوفمبر تشرين الثاني، أعلن رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه تعليق مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لمدة أربع سنوات، مما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا. ورفع المتظاهرون علم الاتحاد الأوروبي، متحدين قمع الشرطة، حيث واجهوا مدافع المياه والغاز المسيل للدموع، فضلًا عن الاعتداءات الجسدية. وقد حظيت الاحتجاجات بدعم رئيسة جورجيا، سالومي زورابيشفيلي، كما دعت دول مثل ليتوانيا إلى فرض عقوبات أوروبية على كوباخيدزه، وعلى مؤسس حزب الحلم الجورجي GD بيدزينا إيفانيشفيلي، إلى جانب شخصيات بارزة أخرى في تبليسي. وعلى الرغم من استمرار الاحتجاجات، يبدو من غير المرجح أن يتراجع حزب الحلم الجورجي GD عن قراره. بل على العكس، فقد ضاعفت الحكومة إجراءاتها القمعية، حيث اعتُقل أكثر من 400 شخص، وتزايدت تقارير الضرب والتحرش التي تمارسها السلطات ضد المتظاهرين. قرار جورجيا بالتخلي عن مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي له تداعيات ليس فقط على آفاق انضمام البلاد إلى الاتحاد، ولكن أيضًا على عملية التوسع شرقًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي ككل. الحكومة الجورجية توصلت إلى قناعة بأن الوضع الراهن يخدم مصالحها. فجورجيا تتمتع بالفعل بامتيازات اقتصادية مهمة مع الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك السفر بدون تأشيرة والوصول التفضيلي إلى السوق الأوروبية. لكن السعي إلى الانضمام الرسمي إلى الاتحاد الأوروبي، قد يكون مكلفًا سياسيًا للحكومة الجورجية. فعلى سبيل المثال، الالتزام بالإصلاحات المطلوبة من قبل الاتحاد الأوروبي، مثل ضمان نزاهة الانتخابات، ومنع تمرير القوانين القمعية مثل قانون العملاء الأجانب المستوحى من نظيره الروسي، سيقيد قدرة الحكومة على التحكم في الانتخابات وتمرير التشريعات الاستبدادية. كما أن تسريع المحادثات مع الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى رد فعل انتقامي من روسيا، التي تمتلك نفوذًا كبيرًا في جورجيا. ويعتقد أن روسيا تراقب من كثب بيدزينا إيفانيشفيلي، الملياردير الذي كوّن ثروته في موسكو. ولهذا السبب، اختار حزب الحلم الجورجي سياسة الموازنة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. في مواجهة الانتقادات الشديدة من البرلمان الأوروبي، ردَّت الحكومة الجورجية بإبداء تجاهل صارخ لبروكسل، وأصرت على أنها ستستأنف المحادثات لكن بكرامة وعدالة ودون ابتزاز، وفقًا لما قاله كوباخيدزه في 4 ديسمبر أيلول. بالطبع، يستطيع الاتحاد الأوروبي الرد بفرض عقوبات اقتصادية على تبليسي، لكن إيفانيشفيلي وكوباخيدزه يعولان على دعم حلفاء مثل رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، الذي قد يعرقل أي تحرك لفرض العقوبات. كما أن هناك احتمالًا بأن الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، قد يصبح شريكًا لجورجيا، حيث يُتوقع أن يتراجع عن سياسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تبنتها الإدارة الأميركية الحالية. لكن الأخطر من ذلك هو أن جورجيا، قد تضع سابقة خطيرة قد تغري الدول المرشحة الأخرى باتباع نفس النهج. فقد أنشأت جورجيا الآن نموذجًا شبه منفصل، حيث تتمتع بامتيازات الاتحاد الأوروبي دون الحاجة إلى تنفيذ الإصلاحات الشاقة المطلوبة للحصول على العضوية. هذا النموذج قد يغري حكومات أخرى، حيث يمكن لبعض القادة التظاهر بالتقيد بالمطالب الأوروبية، بينما يعملون على ترسيخ سلطتهم المحلية والسيطرة على مؤسسات الدولة. صربيا مثال على ذلك. حيث تجري الحكومة الصربية محادثات الانضمام، لكنها تتلكأ في تنفيذ مطالب الاتحاد الأوروبي، مثل فرض العقوبات على روسيا أو حل النزاع مع كوسوفو. كما أن نظام الحكم في صربيا لا يفي بالمعايير الديمقراطية التي يطلبها الاتحاد الأوروبي. مقدونيا الشمالية تواجه وضعًا مشابهًا، حيث توقفت المحادثات مع الاتحاد الأوروبي، بسبب رفض مقدونيا تعديل دستورها لتلبية المطالب البلغارية. ومولدوفا قد تواجه وضعًا مماثلًا، حيث إن فوز القوى المؤيدة لروسيا في انتخابات العام المقبل، قد يعيق مسار الانضمام ويؤدي إلى إبطاء وتيرة الإصلاحات. لكن جورجيا ليست السبب الوحيد في عرقلة توسع الاتحاد الأوروبي. فقد كانت هناك عقبات كبيرة حتى قبل قرار جورجيا بتجميد المحادثات. الغزو الروسي لأوكرانيا أعطى التوسع دفعة كبيرة، حيث وافقت دول الاتحاد الأوروبي على فتح محادثات الانضمام مع أوكرانيا ومولدوفا. وانضمت البوسنة إلى الركب، لكن لا يمكن المضي قدمًا في توسيع الاتحاد الأوروبي دون حل الأزمة في أوكرانيا، حيث لا تزال الأولويات الأمنية أكثر أهمية من قضايا العضوية. في مولدوفا، تستخدم روسيا المال والدعاية لبثّ الانقسام السياسي، وإفساد أجندة الاتحاد الأوروبي. كما أن هناك عقبات داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. فبعض أعضائه يرون أن التوسع يتطلب إصلاح مؤسسات الاتحاد، بما في ذلك عدد المفوضين الأوروبيين، وطرق التصويت في مجلس الاتحاد الأوروبي، حيث يتم التصويت بالإجماع حاليًا، مع اقتراح التصويت بالأغلبية المؤهلة. ومن غير الواضح ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرًا على التعامل مع إصلاحات داخلية كبرى، بينما يتعامل في الوقت نفسه مع الأزمات الخارجية. ومع ذلك، إذا كان هناك أمر إيجابي في التطورات الجارية في جورجيا، فهو أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يتمتع بجاذبية هائلة بين المواطنين العاديين في شرق أوروبا، فقد أدت احتمالية تخلي جورجيا عن مسار الانضمام إلى موجة من التعبئة الشعبية الضخمة تفوقت على الاحتجاجات السابقة، بما في ذلك المظاهرات التي اندلعت بعد الانتخابات المتنازع عليها في 26 أكتوبر تشرين الأول. وفي مولدوفا، جاءت إعادة انتخاب الرئيسة مايا ساندو، المؤيدة للاتحاد الأوروبي، كإشارة إيجابية، حيث صوّت المواطنون أيضًا على تعديل دستوري يضيف هدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كأحد الأهداف الوطنية. لذلك، فإن توسع الاتحاد الأوروبي لم يمت، بل تم تأجيله مرة أخرى. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/17/%d8%ac%d9%88%d8%b1%d8%ac%d9%8a%d8%a7-%d8%aa%d8%b6%d8%b9-%d8%b3%d8%a7%d8%a8%d9%82%d8%a9-%d9%82%d8%af-%d8%aa%d9%82%d9%88%d8%b6-%d8%aa%d9%88%d8%b3%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d8%af
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-12-17T09:03:02
2024-12-17T12:40:45
مقالات
2,361
ما بعد تعنت نتنياهو
قد ينجح نتنياهو في كسب بعض الوقت على المستوى الشخصي، لكن التآكل في مؤسسات ومكونات دولة الاحتلال يتزايد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو مناخ يهيؤ الفرص لوقوع حالة غير متوقعة تدفعه مرغماً إلى الاتفاف.
منذ السابع من أكتوبرتشرين الأوّل 2023، لم يدَعْ رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاولةً للتوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار في غزة إلا وأفسدها. وقد زاد مؤخرًا من حدة التصعيد ضد المدنيين النازحين؛ سعيًا لدفع حركة حماس إلى الانسحاب من مائدة التفاوض، فيُخلي بذلك مسؤوليته عن الإفشال المتعمّد، إلا أن حماس نجحت في إحباط مخططه، ووضع الكرة دائمًا في ملعبه. سعْي نتنياهو إلى إفشال خطط وقف إطلاق النار متوقع؛ إذ يعلم أن اليوم التالي للصفقة سيكون نهاية حياته السياسيّة، وبداية رحلته إلى السجن. وقد منعه خوفه من هذا المصير من التجاوب مع عروض المعارضة الإسرائيلية التي اقترحت توفير شبكة أمان له في الكنيست في حال مرّر الصفقة رغمًا عن حلفائه. أجواء الأسابيع الأخيرة كانت تدفع إلى بعض التفاؤل، فضغوط إدارة جو بايدن عليه تزايدت، وكأنما كانت تقوم بمحاولة أخيرة لإنجاح اقتراح الرئيس الأميركي الذي أعلنه قبل أسابيع. كما عملت الإدارة الأميركية على إحاطة أجواء التفاوض بتصريحات إيجابية. وأبدت حركة حماس مرونة أكبر لتحقيق وقف إطلاق النار، وبقيت الكرة في ملعب الحكومة الإسرائيليّة. أما على المستوى الداخلي الإسرائيلي، فكانت هناك محاولة لعزل نتنياهو باعتباره حجر العثرة الوحيد أمام صفقة معقولة ومقبولة، وأظهرت المؤسّسات الأمنيّة والعسكرية الإسرائيلية جرأة أكبر في دعم الصفقة والضغط على نتنياهو، الأمر الذي زاد من عزلته. الشهور الماضية شهدت العديد من التغيرات إلا في موقف نتنياهو، فقد راوحت الولايات المتحدة بين دعمه المطلق، وبين بذل جهد محدود للضغط عليه، لكنها لم تفلح في جرّه إلى توقيع صفقة. وانسحب الوزيران بيني غانتس، وغادي آيزنكوت من مجلس الحرب، وزادت ضغط عوائل الأسرى عليه، وتكررت زيارات وزير الدفاع يوآف غالانت إلى الولايات المتحدة؛ دعمًا للصفقة، كما تصاعد اختلافه مع نتنياهو في عدة ملفات، منها ملف مشروع قانون تجنيد الحريديم. ومع تزايد تلك الخلافات بين نتنياهو وغالانت، راهن البعض على حدوث تصدّع في حزب الليكود الذي ينتمي له الرجلان. وحظي غالانت بدعم أطراف من المعارضة، لكن ثبت حتى الآن أنه ليس قويًا بما فيه الكفاية لمواجهة نتنياهو. وقف نتنياهو صامدًا في وجه كل ما سبق، فلا هو رضخ لضغوط إدارة بايدن، ولا اهتزّ لخروج حلفاء الأمس؛ غانتس، وآيزنكوت من حكومته، ولا تأثر بالمظاهرات المتواصلة لعوائل الأسرى، واستطاع أيضًا إدارة الخلافات بين حلفائه بشكل يمنعها من التوسع. أي أنه بقي قادرًا على إدارة المشهد متحكمًا في عناصره، والظهور في صورة صاحب القرار الأخير الذي تنفرج العُقد بكلمة منه، وتتحطم الجهود على صخرة لاءاته المتكررة، وهي صورة لطالما كان من أهدافه الشخصية أن يحافظ عليها. والحقيقة، ما كان يجب أن ينشغل أحدٌ بسؤال هل سينجح نتنياهو أم يفشل في الوصول إلى صفقة؟ فليس في عقل الرجل خياران، ولذلك فالسؤال الصحيح في حالته هو ما الذي سيفعله نتنياهو هذه المرّة ليعطل الصفقة؟ وإلى متى سيعطلها؟ الوقت عامل مهم في حسابات نتنياهو، وساعته مضبوطة على توقيت الانتخابات الأميركية، فهو يدرك أن التوصّل إلى صفقة في ظلّ إدارة ديمقراطية في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى الإطاحة به، عبر تهيئة الساحة الداخلية الإسرائيلية لصالح شخصية تزيحه. لذا يعوّل على تضييع الوقت لحين وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومن المرجّح أن يحمل خطابه المجدول أمام الكونغرس الأميركي الكثير من رسائل الدعم للجمهوريين. يدرك نتنياهو أنّ إدارة بايدن ليست في هذا التوقيت أكثر من نمر من ورق، وأنها تعيش مأزِقًا حقيقيًا. فمن ناحية، هي لا تستطيع التوقف عن مدّ الاحتلال الإسرائيلي باحتياجاته العسكرية لأسباب إستراتيجية. ومن ناحية أخرى، تريد التخلص من التبعات الأخلاقية والقانونية لدعمه في هذه الحرب التي خلقت لها أزمة داخلية تؤثر على حظوظها في الانتخابات المقبلة، لكنها لا تجد صيغة ناجحة للجمع بين هذه الأضداد. داخليًا، يحظى نتنياهو حتى الآن بتكتل ائتلافي صلب وداعم، وهو يحافظ على تماسك هذا الائتلاف المشكل من أحزاب اليمين المتطرف عبر مغازلتهم بتأكيد التصلب في مواقفه. ومع أن استمرار تماسك هذا الائتلاف لفترة طويلة هو أمر مشكوك فيه، فإن أطرافه لا يبدو أنهم يملكون بديلًا آخر. فنتنياهو لا حليف له إلا هؤلاء، وهؤلاء الذين يبتزونه أحيانًا لا يستطيعون العمل مع غيره إذا ما سقط. ومن التقاء هذه المصالح يستمد نتنياهو قوته الداخلية التي ساعدته ليصمد حتى الآن أمام التحديات الداخلية والخارجية. بدء الإجازة السنوية للكنيست التي تستمر 3 أشهر ابتداء من 28 يوليوتموز الجاري- تمثل هي الأخرى فرصة لنتنياهو، البعض يتوقعون أن يغتنمها ليقيل غالانت من منصب وزير الدفاع فيتخلص مما يسببه له من متاعب، أما حليفه أفيغدور ليبرمان فيخشى أن يلجأ نتنياهو إلى حل الكنيست خلال فترة إجازته، ولذلك فقد دعا نواب حزبه؛ إسرائيل بيتنا إلى إلغاء إجازة الكنيست. هذه التكهنات تكشف إلى أي مدى يبدو نتنياهو مستعدًا لفعل أي شيء في مقابل البقاء في مقعده، وتقليل الضغوط عليه، لا يفرق في ذلك بين خصوم وحلفاء، ومهما كان لخطواته من تداعيات ضارة لدولة الاحتلال ذاتها. وكلما واصل تنياهو تعنته، زاد التآكل في بنية الدولة والمجتمع، وأصبح الموقف الإسرائيلي أضعف. لماذا لا ينسحب نتنياهو إذن من المفاوضات، ما دام لا ينوي التوصل لاتفاق؟ يدرك نتنياهو أن استمرار المفاوضات يوفر الحد الأدنى لإدارة بايدن التي تملأ الدنيا بتصريحات حول رعايتها جهودَ التوصل لوقف إطلاق النار. وهو يوفر لها هذا الحد الأدنى، ويحرص على استمرار المفاوضات؛ لينتزع المزيد من التنازلات، لكنه في النهاية لا يريد التوصل لاتفاق إلا إذا تزامن مع ظروف تضمن استمراره. لحظة موافقة نتنياهو على صفقة ستأتي عندما يقتنع أن أوراق بقائه في السلطة تتفوق على أوراق خصومه الذين يريدون نزعها منه، ولن يمتلك هذه الأوراق إلا في حالة من اثنتين قد ينجح نتنياهو في كسب بعض الوقت على المستوى الشخصي، لكن التآكل في مؤسسات ومكونات دولة الاحتلال يتزايد منذ 7 أكتوبرتشرين الأول بدءًا من الجيش ووصولًا إلى المعسكر المتشدّد، وهو مناخ يهيئ الفرص لوقوع حالة غير متوقعة تدفع نتنياهو مرغمًا إلى الاتفاق، فسياسة حافة الهاوية التي أجاد لعبها سابقًا في الساحتين الداخلية والخارجية قد لا تنجح معه مستقبلًا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/7/19/%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%aa%d8%b9%d9%86%d8%aa-%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-07-19T08:00:00
2024-07-19T03:10:41
مقالات
2,362
خطاب الكراهية والتّحريض على قتل الفلسطينيين.. هل من سبيل لتجريمه؟
في إطارِ الحرب على غزّة، يتسابق قادةُ الاحتلال على إطلاق تصريحات تخلق مناخًا مواتيًا للقتل والإبادة، فما التكييف القانوني لهذه التصريحات؟ وما الخيارات القانونية والحقوقيّة الممكنة؟
في إطارِ الحرب على غزّة، يتسابق قادةُ الاحتلال على إطلاق تصريحات تخلق مناخًا مواتيًا للقتل والإبادة، مُستخدمين عبارات تحريضية لا لبسَ فيها. تتناغم أقوالهم مع أفعالهم، فهي لا تعبّر عن حالة غضب أو اندفاعة عاطفية في ظروف ضاغطة، بل إنّ الأفعال والأقوال تتطابقان في غالب الأحيان، وتعبّر عن سلوك تاريخي قائم على منهجية واحدة النظرة إلى الفلسطينيين نظرةَ احتقار وعبودية. كما أن قادة غربيين أيّدوا العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، واعتبروا أنّها في حالة دفاع عن النفس ضد إرهابيين. وتأتي هذه التصريحات في ظلّ حالة توتر متواصلة، ما يؤجّج الصراع ويهيئ الأرضية لارتكاب مزيدٍ من الجرائم. فما هو التكييف القانوني لهذه التصريحات؟، وما هي الخيارات القانونية والحقوقيّة الممكنة؟ لا يوجدُ تعريف موحّد لخطاب الكراهية في القانون الدولي، ولكن غالبًا ما يُعرَّف بأنه أي شكل من أشكال التواصل الذي يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس هُويتهم، مثل العِرق أو الدّين أو الجنس، أو أي هُويَّة أخرى. كما أنَّ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان- وإن كانت قد أشارت إلى خطاب الكراهية- لم تضع بشكل صريح وواضح آليات قانونية لمواجهة المحرّضين على الكراهية والعنف، باستثناء ما يصدرُ عن مجلس حقوق الإنسان أو نظام الآليات التعاقدية من توصيات لا تحمل قوةً إلزامية. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، تذكر الفِقرة 2 من المادّة 20 من العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسية لعام 1966 تُحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية، أو العنصرية، أو الدينية تُشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف. وكذلك تضمّنت كل من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها 1948، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري 1965 إشارات لخطاب الكراهية. إذا ما قرَّر المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق جِدّي وعاجل في جرائم الاحتلال خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، فإنّ تصريحات قادة الاحتلال ستصبح دليلا ملموسا لا يقبل الشكّ إنَّ مراجعة الفظائع التي ارتُكبت أو التي يجري ارتكابُها في عالم اليوم، تثبت أن النزاعات التي تستند إلى خطاب الكراهية هي أكثر تدميرًا للإنسانية من النزاعات التقليدية، حيث إنها تستند إلى الكراهية والعنف، وليس إلى الخلافات السياسية أو الاقتصادية. لقد ثبَت في الواقع أنَّ قيام الآلاف من المتورّطين في مذابح في المسلمين في البوسنة، مجزرة سربرنيتسا نموذجًا، لم يكن بدافع غريزي للقتل، بل يعود ذلك إلى خطاب الكراهية والتحريض الذي تمّ نشره من خلال وسائل الإعلام وغيرها من الوسائل. لقد تم تشكيل محاكم جنائية خاصة بالبوسنة والهرسك ورواندا، واعتبرت خطابات الكراهية والتحريض جرائم يتوجّب المحاسبة عليها. خطاب الكراهية يتدرج من الأشدّ خطورة إلى الأقلّ، فقد يشكل هذا الخطاب جريمة جنائية إذا استوفى معايير التحريض الجنائي، وقد يكون مسوغًا لدعوى مدنية أو عقوبات إدارية إذا لم يصل لهذه الدرجة، وقد لا يستدعي هذه ولا تلك. ولوصول التحريض على الكراهية إلى عتبة الجرائم الجنائية، يجب توافر عدة عوامل تتمثل في بيئة مواتية وخطيبٍ مؤثر ذي منزلة سياسية أو اجتماعية أو دينية أو غيرها، تتجه نيته للتحريض، وفئة مستهدفة، ومحتوى تحريضي واضح. دأب قادةُ الاحتلال السياسيون والدينيون منذ نشأة دولة إسرائيل على إطلاق تصريحات صريحة لقتل وتهجير الفلسطينيين، وبما أنَّ التاريخ زاخرٌ بها، فنكتفي بعرض أحدثها، خصوصًا تلك المرتبطة بالحرب الدائرة على قطاع غزة. ولتصريحات قادة الاحتلال مساران؛ المسار الأوّل هو المسار التنفيذي المباشر وزير، قائد جيش، رئيس بلدية، والمسار الثاني هو المسار التأثيري التأثير بالمستوطنين وبالجنود الميدانيين. ما نودّ قوله إن تصريحات القادة الإسرائيليين تأتي في مستوى التصريحات الأشد خطورة، وتتوفر فيها كل معايير التحريض الجنائي. خلال زيارات تضامنية مع الاحتلال، عبّر أكثر من مسؤول غربي عن حقّ إسرائيل المطلق في الدفاع عن نفسها في مواجهة إرهاب حماس الداعشية حسَب تصنيفهم. وفهمت إسرائيل من هذا الدعم أنَّها مطلَقة اليدَين في فعل ما تشاء، فقصفت الأعيان المدنية، ومنها المستشفيات بطريقة عشوائية، وقتلت آلاف المدنيين. وتبنّت الدول الغربية رواية الاحتلال في قصف المستشفى المعمداني، وحمّلت فصائل المقاومة المسؤولية، ثم وعلى خجل شديد تمنّت على إسرائيل احترام قواعد القانون الدولي الإنساني. نناقش في هذه الجزئية تصريحات قادة الدول الغربية التي اعتبرتها بعض الأوساط الحقوقية تحريضًا على القتل والانتقام وسفك الدم الفلسطينيّ، تحت حُجّة الدفاع عن النّفس. ولقد شكّل تصريح الرئيس بايدن- بأنّ المقاومة الفلسطينية تقطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين، ثم تراجع عنه بعدما ثبَت عدم صحته- دعوة واضحة لآلة القتل الإسرائيلية لحصد أرواح الأبرياء، خصوصًا الأطفال منهم، تحت حُجّة الدفاع عن النفس. صحيح أنَّ المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أعطت الدول حقَّ الدفاع عن النفس، لكنها في نفس الوقت وضعت شروطًا لذلك، أهمُّها عدم انتهاك قواعد القانون الدوليّ الإنساني. ويبدو من الواقع أن انتهاك قواعد الحرب أصبح هو القاعدة، وأنّ حماية المدنيين من القتل أصبحت هي الاستثناء. ومن خلال الإحصاءات المتوفرة حتى الآن، فإنّ عدد الشهداء من النساء والأطفال يتجاوز الـ 60 من إجمالي عدد القتلى المدنيين. لم يكن موقفُ المجتمع الدولي موفّقًا في التصدّي لخطاب الكراهية على المستوى الجنائي، بل شهد تناقضًا واضحًا، عكسته النظم الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية. ففيما جرّمت محكمتا يوغوسلافيا السابقة ورواندا خطاب الكراهية، وعدّته جريمة مستقلة كافية لتحريك المسؤولية الجنائية الفردية، نرى أنَّ النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية استبعدَ خطاب الكراهية وكل صور التحريض منه، ما لم يكن خطاب التحريض بجريمة وردت على سبيل الحصر في المادة نفسها. إنَّ عدم تجريم خطاب الكراهية والتحريض على القتل دوليًا، سيعني تشجيعًا على ارتكاب جرائم أخرى بحقّ الإنسانية، وهو ناقوس خطر سيدقّ في أي لحظة مُخلّفًا المزيدَ من الحروب القائمة على الكراهية. ورغم تدخل العوامل السياسيّة، وهي التي تحول دون تحقيق العدالة، فإنَّ ثمة خيارات ممكنة يمكن لمجموعة من الدول أن تطلبَ من الجمعية العامة للأمم المتحدة استصدار فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن مدى التزام دولة معينة بتعهداتها في مجال احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حظر التحريض الكراهية والقتل. ويعتبر هذا الطلب نوعًا من الضغط على الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان المتعلقة بحظر التحريض على الكراهية، وذلك لأنّ رأي المحكمة، وإن كان غير ملزم- كالأحكام التي تصدرها في المنازعات- إلا أنه يتمتع بصفة شرعية، ولا يمكن لأي دولة أن تغفله أو تقلل من شأنه. يمكن أن تلعب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ECHR دورًا مهمًا في تجريم خطاب الكراهية في الدول الأعضاء في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسانECHR . لقد أكدت المحكمة في العديد من قراراتها أنّ خطاب الكراهية يمكن أن يشكل انتهاكًا للمادة 10 من الاتفاقية، والتي تضمن حرية التعبير. ولعلّ تصريحات قادة الاحتلال قد تسبّبت بمقتل فلسطينيين يحملون جنسيات أوروبية، عندها يمكن التحرك باتجاه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ويسري الأمر نفسه مع المحاكم الأميركيّة. في غياب محاكم دولية مختصة لملاحقة جرائم الكراهية، فإنه يجب تفعيل الطرق والوسائل غير الجنائية. ويمكن أن تساعد إدانة خطاب الكراهية علانية من قبل سياسيين وإعلاميين ومؤثرين في الحدّ من هذا الخطاب. يمكن أن تشمل هذه الآليات إنشاء محكمة دولية خاصة لخطاب الكراهية، أو إنشاء آلية تابعة للأمم المتحدة لرصد ومتابعة خطاب الكراهية والتحريض على القتل. وإذا ما قرَّر السيد كريم خان المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق جِدّي وعاجل في جرائم الاحتلال خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، فإنّ تصريحات قادة الاحتلال ستصبح مادة دسمة ومفيدة يمكن الاستفادة منها كدليل ملموس لا يقبل الشكّ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/10/31/%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%91%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%b6-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%82%d8%aa%d9%84
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2023-10-31T07:53:20
2023-10-31T07:53:20
مقالات
2,363
نتنياهو وبداية النهاية
إذا ذهبت المنطقة لحرب إقليمية طويلة، سيكون مستقبل الكيان الإسرائيلي متعلقًا بالإجابة عن السؤال: إذا تعارضت مصالح الولايات المتحدة في مواجهة الصعود الصيني والروسي، مع حماية إسرائيل فأيهما ستختار؟
أعلن حزب الله اللبناني مرارًا عبر أمينه العام السيد حسن نصر الله، أن الحزب ولبنان هما جبهة تضامن وإسناد للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وأكد أن الحزب لا ينشد حربًا موسعة، ولكنه مستعد لها إذا فُرضت عليه. تقاطعت طهران مع الحزب في موقفه، مؤكدةً ضرورة وقف العدوان والإبادة الجماعية في قطاع غزة، وبذلت دبلوماسيتها جهدًا لتحقيق ذلك بالتشاور مع الصين، وروسيا، ودول المنطقة، والوسطاء في مصر، وقطر. وحذرت من جرّ المنطقة إلى حرب إقليمية موسّعة يسعى لها الاحتلال بسياساته الرعناء. كانت الإدارة الأميركيّة تأمل في بداية معركة طوفان الأقصى أن يقضي جيش الاحتلال على حركة حماس ويهجّر الفلسطينيين من قطاع غزة، لكن بعد الفشل الإستراتيجي، فضّلت واشنطن المقاربة السياسية بوقف إطلاق النار، والنظر لاحقًا في كيفية تنحية حماس، أو القضاء عليها بالتعاون مع إسرائيل، تحت ما يُسمى بـ اليوم التالي في غزة. فشل مسعى الإدارة الأميركية؛ لأنها لم تستطع إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم تمارس عليه ضغوطًا مؤثرة لتغيير موقفه الرافض لوقف الحرب؛ حتى لا تُغضب جماعات الضغط الصهيونية والشرائح الأميركية المناصرة لإسرائيل، قُبيل الانتخابات الرئاسية. سياسة الاغتيالات ليست جديدة على الاحتلال فقد انتهجها طوال عمر المقاومة الفلسطينية، وصولًا إلى حركة حماس التي قدّمت شخصيات كبرى كالشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة، وإبراهيم المقادمة، ويحيى عيّاش، وأحمد الجعبري، وآخرين. بيدَ أن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس الحركة، والمسؤول العسكري في حزب الله الشهيد فؤاد شُكر في طهران وبيروت خلال أقل من 24 ساعة، كان له وقع خاص وأهداف مهمة في سياق المعركة المستمرة منذ السابع من أكتوبرتشرين الأول، ومنها بعد عشرة أشهر، ما زال الاحتلال يتجرّع مرارة الفشل الإستراتيجي في قطاع غزة؛ فلم يحقق أيًا من أهدافه بالقضاء على حركة حماس أو استعادة الجنود الأسرى بالقوّة. وتحوّل المشهد إلى حرب استنزاف حذّر من كارثيتها العديد من الجنرالات والخبراء. وجاءت عمليات الاغتيال في محاولة لاستعادة كبرياء إسرائيل وهيبتها وردعها المتآكل. يعاني بنيامين نتنياهو من تراجع التأييد وثقة الجمهور الصهيوني فيه، بعد فشله في تحقيق أهداف الحرب على غزة، مما يسبب له شعورًا بالعجز والنقص، لا يتناسب مع نرجسيته كقائد تاريخي لإسرائيل. فنسبة من أيّدوا اغتيال هنية بلغت نحو 65، مما يدل على فهم نتنياهو لطبيعة المجتمع الصهيوني وتطرفه، والأشياء التي تسبب له نشوة ولو مؤقتة، عبر محاكاة أيام مجد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. سعى نتنياهو طوال الأشهر الماضية إلى استدامة العمليات القتالية في قطاع غزة، عبر وضع المزيد من الشّروط والعراقيل أمام اتفاقية وقف إطلاق النار؛ لأنه يرى في وقف إطلاق النار قبل تحقيق الأهداف وصفة لتغييبه وسقوطه عن سدّة السلطة، وانهيار حكومة الائتلاف الحالية. وهو، إذن، يحتاج إلى استمرار الحرب لحماية مستقبله السياسيّ، وحكومته من السقوط، عبر البحث عن صورة انتصار تكتيكي، مثل اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، مادام حسم المعركة مستبعدًا. وهذا يحقق له إطالة المعركة حتى الانتخابات الأميركية؛ أملًا في أن تشكل له عنوانًا جديدًا لإدارة مشهد العلاقة مع الفلسطينيين، لا سيّما إذا كان المرشّح دونالد ترامب هو القادم الجديد إلى البيت الأبيض، وهو الذي تماهى في فترته السابقة مع أهداف بنيامين نتنياهو في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وقام بإعداد صفقة القرن؛ لحسم الصراع على قاعدة أن تصبح إسرائيل دولة قائدة في المنطقة العربية، مع منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا تحت السيادة الإسرائيلية. إذا كانت غاية نتنياهو هي شطب القضية الفلسطينية بالتعاون مع الإدارة الأميركية القادمة، فما علاقة اغتيال الشهيد فؤاد شُكر في بيروت، والشهيد إسماعيل هنية في طهران؟ ولماذا لم يُبقِ الاحتلال التصعيد في مستواه الحالي حتى الانتخابات الأميركية؟ لدى بنيامين نتنياهو رؤية إستراتيجية قديمة تتكوَّن من شقين هذا يفسّر الهدف المزدوج الذي أراد تحقيقه عبر اغتيال رئيس حركة حماس في طهران، فعلاوة على استهداف حركة حماس وقياداتها، أراد دفع إيران لتكون طرفًا مباشرًا في حربه ضد الفلسطينيين، تمهيدًا لحرب موسّعة تُجبر فيها الولايات المتحدة على التدخل للدفاع عن إسرائيل في مواجهة إيران، ومحور المقاومة. نتنياهو حاول سابقًا منع الرئيس باراك أوباما من توقيع الاتفاق النووي مع إيران وفشل، لكنه نجح في دفع الرئيس دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق من طرف واحد، لدفع واشنطن للصدام مع طهران. في المقابل، نجحت إيران في تدوير الزوايا الحادة مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، لكن اغتيال هنية في طهران، بعد أشهر من قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في أبريل نيسان الماضي، وضع طهران في زاوية ضيقة لا خيارات فيها سوى الرد بقوة، مع الحرص على عدم الذهاب إلى حرب إقليمية، إلا إذا فرضها الاحتلال. مع أن واشنطن تتجنّب الحرب الإقليمية، فإنها قد تجد نفسها طرفًا مباشرًا فيها دفاعًا عن إسرائيل، وهذا ما سيرفع تكلفة الحرب، ويعقد المشهد في الشرق الأوسط، مما ستكون له تداعيات على مستقبل إسرائيل ودول المنطقة. بنيامين نتنياهو يُدخل إسرائيل في مقامرة وصفها بعد السابع من أكتوبرتشرين الأول بأنها حرب وجودية، وإذا كانت كذلك، فهي ستكون حربًا خاسرة له ولإسرائيل، وقد تكون بداية النهاية. لأن الحرب الإقليمية إذا بدأت فستواجه إسرائيل جبهات متعددة أقوى وأشرس من قطاع غزة، مما سيؤدي إلى تداعيات اقتصادية وأمنية واجتماعية هائلة على الكيان الإسرائيلي، وقد تفضي إلى موجات من الهجرة المعاكسة هربًا من جحيم الحرب. إذا ذهبت المنطقة لسيناريو الحرب الإقليميّة وطال عمرُها، فإن اللحظة الحاسمة في مستقبل الكيان الإسرائيلي تتعلق بالإجابة عن السؤال إذا تعارضت مصالح الولايات المتحدة عالميًا مواجهة الصعود الصيني والروسي مع مصلحة حماية إسرائيل في شرق أوسط مضطرب، فأيهما أولى للولايات المتحدة، ريادتها للعالم أم حمايتها لإسرائيل؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/8/9/%d8%a5%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%82%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%87%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-08-09T08:00:00
2024-08-10T00:55:28
مقالات
2,364
إيران والتطبيع السوري التركي متلازمة البوسنة
إيران التي مدّت نفوذها في سوريا خلال سنوات الحرب، تخشى أن يتكرر معها ما حدث في البوسنة بعد اتفاق دايتون عام 1995، حيث فقدت كل مكاسبها.
شهدت العلاقات بين تركيا وسوريا تحولات جذرية خلال السنوات الأخيرة، فانطلق مسار تطبيع العلاقات بعد سنوات القطيعة. ولم يمر ذلك دون أن يثير قلق إيران. فهي تخشى أن يؤدي ذلك التطبيع إلى أن تخسر نفوذها في سوريا الذي بنته على مدى سنوات الحرب، في سيناريو يكرر ما حدث لها في البوسنة عام 1995 بعد اتفاق دايتون، حين فقدت نفوذًا كانت اكتسبته بشقّ الأنفس. منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، مرت العلاقات بين تركيا وسوريا بثلاث مراحل متتالية. الأولى كانت مرحلة الحل والحوار بين عامي 2011 و2012، حيث كانت تركيا تحاول إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة السورية. ومع تصاعد الصراع، دخلت العلاقة بين البلدين مرحلة الانفصال والمواجهة بين عامي 2012 و2017، إذ دعمت تركيا قوى المعارضة المسلحة ضد النظام السوري. ثم جاءت المرحلة الثالثة، الممتدة من 2017 إلى 2023، التي عرفت بـمرحلة التفاهم والتخفيف، حيث حاولت تركيا وسوريا إعادة بناء قنوات التواصل بينهما. في عام 2023، دخلت العلاقات بين أنقرة ودمشق مرحلة جديدة، هي عملية التطبيع، التي شهدت أول لقاء رسمي بين وزيري الدفاع ورؤساء الاستخبارات من كلا البلدين في موسكو في ديسمبركانون الأول 2022، تحت رعاية روسيا. وفي مايوأيار 2023، انعقد اجتماع رباعي آخر في موسكو ضم وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا وإيران، إلا أن هذه المحاولات فقدت زخمها بعد اندلاع عملية طوفان الأقصى في أكتوبرتشرين الأول 2023. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعاد إحياء الجهود في يوليوتموز 2024، بعد عودته من قمة الناتو، معلنًا استعداد بلاده لإعادة إرساء السلام مع سوريا، مع تأكيد أن وزير الخارجية هاكان فيدان سيعمل مع نظيرَيه السوري والروسي لوضع خارطة طريق لعملية التطبيع. رد الأسد لم يتأخر، إذ أعلن عن استعداده لأي مبادرة تهدف إلى تطوير العلاقات مع تركيا، مشيرًا إلى أن أي لقاء مباشر مع الرئيس التركي لن يتم دون شروط مسبقة. تستمر الآن عملية التطبيع، التي أُعيد إحياؤها عقب تصريحات أردوغان، وسط وساطة روسية وتطلعات إقليمية متزايدة. تركيا ترى أن تطبيع العلاقات مع سوريا يخدم مصالحها الوطنية والإقليمية على عدة مستويات. ففي مقدمة هذه الأسباب، تأتي المخاوف المتعلقة بمستقبل سوريا. بعد أكثر من 13 عامًا من الأزمة، تغيرت الديناميكيات الداخلية السورية بشكل كبير، حيث تستمر الحكومة السورية في السيطرة على دمشق، في حين تظل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وهيئة تحرير الشام، والجيش السوري الحر، قوى مؤثرة في أجزاء مختلفة من البلاد. إلى جانب هؤلاء، هناك جماعات مسلحة مدعومة من إيران تنشط في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. على الصعيد الاجتماعي، فقد تغيرت التركيبة السكانية لسوريا، مع ولادة ملايين الأطفال السوريين في بلدان اللجوء، مثل تركيا، ولبنان، والأردن، والدول الغربية. هؤلاء الأطفال باتوا جزءًا من ثقافات جديدة، مما يزيد من تعقيد الصورة المستقبلية لسوريا. أما السوريون الذين عاشوا في البلاد خلال الحرب، فقد مروا بتجارب قاسية وصادمة شكلت رؤيتهم للمستقبل. أمام هذه التغيرات، تجد تركيا أن سوريا لن تتمكن بسهولة من استعادة وحدتها السياسية. لذلك، قد يُطرح نموذج الإدارة الإقليمية كحل سياسي في المستقبل، وهو ما يذكر بالنموذج اللبناني الذي طبق بعد الحرب الأهلية، أو النموذج العراقي بعد الغزو الأميركي. لكن هذا النموذج لم يكن أبدًا وسيلة لتحقيق الاستقرار، بل أسهم في استمرار الصراعات والتدخلات الأجنبية. اليوم، يخشى كثيرون أن يكون هذا هو النموذج الذي قد يفرض على سوريا. تركيا، التي تمتلك أطول حدود برية مع سوريا، ترى أن الحفاظ على أمن هذه الحدود يمثل أولوية. كما أن الأحداث الأخيرة في غزة، والهجمات الإسرائيلية، أعادت تسليط الضوء على الطموحات الإقليمية لإسرائيل. يرى أردوغان أن المقاومة الفلسطينية تدافع ليس فقط عن غزة، بل عن أمن المنطقة كلها، بما فيها تركيا. لذلك، ترى أنقرة في تطبيع العلاقات مع سوريا وسيلة لتعزيز أمنها الإقليمي في مواجهة التهديدات المتزايدة. من جانب آخر، يشكل الهيكل الذي تسعى قوات سوريا الديمقراطية إلى إنشائه في شرق سوريا، بدعم أميركي، تهديدًا كبيرًا للمصالح التركية. تركيا شنّت عدة عمليات عسكرية ضد وحدات حماية الشعب، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وسيطرت على عدة مدن، أبرزها عفرين. أنقرة ترفض بشدة وجود كيان كردي على حدودها، وترى أن تسليح الولايات المتحدة لهذه القوات يزيد من التهديد على أمنها القومي. هذا الوضع، الذي يشكل خطرًا مباشرًا على الحدود التركية، هو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع تركيا لتعجيل عملية التطبيع مع دمشق. تركيا ترى أن تطبيع العلاقات مع سوريا وسيلة لتعزيز أمنها الإقليمي في مواجهة التهديدات المتزايدة، خصوصًا مع الطموحات الإقليمية لإسرائيل والمخاطر الناتجة عن المشروع الكردي في شرق سوريا تعتبر تركيا أن جهود التطبيع مع سوريا جزء لا يتجزأ من سياستها العامة للتطبيع مع دول المنطقة. ففي السنوات الأخيرة، قامت أنقرة بإصلاح علاقاتها مع السعودية والإمارات. وتعد هذه الخطوات جزءًا من رؤية تركيا للتكيف مع التحولات العالمية وظهور قوى جديدة على الساحة الدولية. منذ عام 2017، تبنت تركيا سياسة خارجية متوازنة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وسعت لتوسيع نطاق نفوذها في الشرق الأوسط، أفريقيا، وآسيا الوسطى. وهذا التوجه الجديد يمكن رؤيته بوضوح في تحركات تركيا الأخيرة في دول مثل السودان، الصومال، ليبيا، أذربيجان والنيجر. من زاوية دمشق، التطبيع مع تركيا ليس مجرد ضرورة سياسية، بل هو أيضًا مخرج من عدّة أزمات محلية وإقليمية. فكما هو الحال في أنقرة، تخشى دمشق من مستقبل النظام السياسي الذي سيتشكل في سوريا بعد سنوات الحرب. الوجود الأميركي شرق الفرات يثير قلق النظام، خاصة مع محاولات قوات سوريا الديمقراطية تأسيس نموذج إداري خاص بها. علاوة على ذلك، يضاف إلى هذا الخليط المعقد الحضور الإيراني والجماعات المسلحة المرتبطة بها. رغم أن إيران تقول إن وجودها في سوريا جاء بدعوة من دمشق، فإن نفوذها المتزايد بدأ يشكل مصدر إزعاج لبشار الأسد. منذ تدخل روسيا في الساحة السورية عام 2015، حاول الأسد موازنة هذا التأثير الإيراني، ونجح إلى حد ما في تحقيق ذلك. من هنا، يمكن أن يساعد التطبيع مع تركيا على تقليص النفوذ الإيراني، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان حاجة الأسد لموازنة الأطراف الدولية المتداخلة في الشأن السوري. جانب آخر يزعج الأسد هو النفوذ الثقافي لإيران في سوريا. فإلى جانب تواجد المليشيات والمستشارين العسكريين، أنشأت إيران مراكز ثقافية؛ حسينيات، ومساجد، مما يعمق من تأثيرها الاجتماعي والديني في البلاد. لهذا السبب، يمكن أن يكون التطبيع مع تركيا جزءًا من إستراتيجية دمشق للحد من هذا التغلغل الإيراني. إلى جانب ذلك، تسعى دمشق إلى استعادة اندماجها الإقليمي، خاصة بعد عودتها إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وهي خطوات أعطتها شرعية جديدة في المنطقة. التطبيع مع تركيا والدول الإقليمية الأخرى يُعتبر مفتاحًا لتخفيف الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، حيث تأمل دمشق أن يسهم هذا التطبيع في تحسين أوضاعها الاقتصادية عبر تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي. على الرغم من أن عملية التطبيع قد لا تسير بسرعة كبيرة، فإن الإرادة السياسية التي برزت تعدُّ خطوة مهمة لدفع العملية إلى الأمام. في هذا الإطار، تشير بعض المصادر في أنقرة إلى إمكانية عقد لقاء مرتقب بين أردوغان والأسد في موسكو في نهاية سبتمبرأيلول أو منتصف أكتوبرتشرين الأول 2024، وهو ما يمكن أن يكون خطوة محورية في هذا السياق. من جهة أخرى، تراقب إيران تطورات التطبيع بين تركيا وسوريا من كثب. فقد صرح المسؤولون الإيرانيون مرارًا بأنهم يدعمون هذا التطبيع، لكن رغم ذلك، ثمة تحفظات غير معلنة. شاركت إيران في الاجتماع الرباعي الذي عقد في موسكو عام 2023، لكنها لم تشارك في الاجتماعات اللاحقة. في أنقرة، يعتقدون أن إيران تدفع دمشق إلى تبني موقف متشدد، مفاده أنه ينبغي على تركيا سحب قواتها أولًا، قبل أن تبدأ أي عملية تطبيع حقيقية. أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان أعلنا في أكثر من مناسبة أنهما يتوقعان من إيران أن تلعب دورًا بناءً في هذه العملية. السفير التركي في إيران، حِجابي قرلانجيش، عبّر عن رسالة مماثلة خلال مقابلة له مع وكالة أنباء تسنيم الشهر الماضي، مشيرًا إلى أهمية أن تتبنى طهران موقفًا إيجابيًا لدفع الأمور قدمًا. من منظور إيران، لا يبدو أن الحكومة في طهران متحمسة لتغيير الوضع الراهن في سوريا. فهي تشعر بأن أي تطبيع بين دمشق وأنقرة قد يقوض النفوذ الذي بنته طهران في سوريا على مدار 13 عامًا. إيران تدرك أن إعادة ترتيب النظام السياسي في سوريا قد تهدد مكاسبها الإستراتيجية، ولهذا تفضل استمرار الوضع الحالي الذي يمنحها مساحة أكبر للحركة. التاريخ يقدّم دروسًا لا تغفلها طهران. فإيران كانت حاضرة بقوة في البوسنة بين عامي 1992 و1995، حيث دعمت البوشناق ضد الصرب. لكن بعد اتفاق دايتون، وجدت إيران نفسها مجبرة على الخروج من المشهد، رغم أنها كانت تخطط للبقاء عبر مؤسسات القوة الناعمة والمستشارين العسكريين. التجربة البوسنية كانت درسًا قاسيًا لإيران، وهي الآن تسعى لتجنب تكرار هذا السيناريو في سوريا، حيث بنت نفوذًا واسعًا لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يشمل أيضًا الجوانب الثقافية والدينية والاقتصادية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/22/%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a-%d9%85%d8%aa%d9%84%d8%a7%d8%b2%d9%85%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-09-22T05:00:00
2024-09-21T23:45:27
مقالات
2,365
العدوان على غزة وفخّ الحرب الحضارية الثانية.. في الردّ على حسن أوريد
الغرب؛ مفهوم كُليٌّ شاملٌ لا تاريخيٌّ، يضم عناصر متباينة، وهذه سمة لصيقة بطريقة التفكير في القرن العشرين التي تقوم على الاستقطاب بين ثنائيات متعارضة.
استخدمت أنظمةٌ وقوى سياسيّةٌ في المِنطقة، القضيةَ الفلسطينية -تاريخيًا- لتسميم الأجواء الفكريّة والسياسيّة، وتحقيق مصالح شخصية أو حزبية، ومنذ النّصف الثاني من القرن العشرين تمّ ذبح كثير من القرابين في أحداثها الكُبرى. مَن منّا يتذكّر شعار لا صوتَ يعلو فوق صوتِ المعركة، الذي رفعتْه النظم القومية في ستينيات القرن الماضي، واستخدمته لمصادرة الحريات والديمقراطيّة في أوطاننا؟ الطريفُ أنّه كلما علا صوت هذا الشعار، ازدادَ الاحتلال الإسرائيليّ تغوّلًا على الأرض وفي العقول والأفئدة. ظلَّ حافظ الأسد 1971-2000 يبتزّ دولَ الخليج لدفع مزيد من الأموال تحت دعاوى استمراره في حرب إسرائيل التي لم يُطلق عليها رصاصة واحدة بعد حرب أكتوبرتشرين أول 73 وحتى الآن. وكما كانت القضية الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي -تاريخيًا- سبيلًا لأنظمة الحكم العربية للقفز على المطالبة بالديمقراطية، فمن المتوقع أن تصادر الحرب على غزّة -ولو إلى حين- قضايا حقوق الإنسان أيضًا تحت دعاوى الاصطفاف الوطني وتفويض القيادة، ومواجهة الغرب المتآمر. صحيح أنّ نشأة مفهوم الغرب في عالمنا العربي كانت ذات طابع حضاريثقافي؛ إلا أنّ المفهوم تأثر بتطورات السياسة إلى حد كبير. فقد تأسس -أولًا- على الغزو الاستعماري في مرحلة الاحتلال الغربي للعالم العربي، ثم تعمّق بعد أن ورثت الولايات المتحدة كلًا من فرنسا وبريطانيا في قيادتها للغرب بعد الحرب الثانية 1939-1945، وازداد رسوخًا في فترة انفراد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي 19901991. تخلل هذه الفترة ما أطلق عليه الحرب على الإرهاب، والتي كان مسرحها الأساسي العالم الإسلامي أو ما سمّوه الشرق الأوسط الكبير، وفيها تم غزو أفغانستان 2001، والعراق 2003. ظلّت القضية الفلسطينية، ودعم الغرب للكيان الصهيوني حاضرَين منذ إعلان دولة إسرائيل 1948 حتى الآن في قلب الموقف من الغرب. هل نحن إزاء موقف حضاريّ من الغرب تأسَّس على الاحتكاك السياسيّ، أم موقف سياسيّ تأسّس على النظرة الحضارية؟ أظنّ -والله أعلم- أنَّ الاثنَين غذَّى أحدُهما الآخرَ، لكن المعضلة أنّه مع كل أزمة سياسية كبرى مع الغرب كالتي نحن بصددها الآن- يصيبنا تشوّش فكري يربك -إلى حد كبير- كيفية إدراكنا ذاتَنا، وتفكيرنا في العالم بتطوراته المختلفة، وأولويات العمل السياسي. معضلة مفهوم الغرب، أو بناء مفهوم ما يُدعى الغرب أنّه كان جزءًا لا يتجزأ من بناء العرب لصورتهم الذاتية، على حد قول أحد الباحثين، وأضيف أنّ منهج النظر للغرب والهوس به كما أشرت في مقال سابق على الجزيرة. نت هو من الإشكاليات التي حكمت تفكيرنا في القرن العشرين، والأخطر أنَّ منهج النظر هذا لايزال ممتدًا حتى الآن، كما ظهر في مقالَي أستاذنا حسن أوريد اللذَين نشرهما تعليقًا على معركة طوفان الأقصى. الغرب؛ مفهوم كُليٌّ شاملٌ لا تاريخيٌّ، يضم عناصر متباينة، وهذه سمة لصيقة بطريقة التفكير في القرن العشرين التي تقوم على الاستقطاب بين ثنائيات متعارضة، وهو أيضًا مفهوم اختزاليّ يستند إلى اليقين المعرفيّ؛ لأنه يرتبط بالأيديولوجيا الشرق في مواجهة الغرب، والاتحاد السوفيتي أو الكتلة الشرقية في مواجهة الكتلة الغربية، والرأسمالية في مقابل الاشتراكية. بالطبع يدرك الأستاذُ أوريد هذه الحقيقة، وهو المفكّر البارز؛ إذ يقول الغرب مفهومٌ حمَّال أوجه، يفيد الرقعة الجغرافية التي انتسجتْ فيها الحضارة الغربيّة، ويُحيل إلى القيم التي قامت عليها تلك الحضارة، ويعني كذلك السياسة التي تأخذُ بها دول الغرب، بل كان يفيدُ ..الإنسان الأبيض...، بَيدَ أنَّ مفهوم الغرب تطوَّر عبر الزمن، وتحدَّد من خلال آخر. فقد كان يعني الأنوارَ والعقل، في القرن الثامنَ عشرَ ضدّ التقاليد، وما كان يُسمّى بالظلامية، وكان يعني المهمة الحضاريّة في القرن التاسعَ عشرَ، إبّان الحِقبة الاستعماريّة، وأضحى يعني العالم الحر ضد الفاشية والنازية، واقترن بالديمقراطيّة والسوق ضد الشيوعية، إلى أن أضحى هدفًا مطلقًا، وبروفة صالحة لكل زمان ومكان، بعد أن انتفى أي خَصم محتمل، حينما بلغ التاريخ منتهاه، حَسَب زعم فوكاياما. ورغم وضوح التوصيف الذي يقدّمه السيد أوريد لمفهوم الغرب؛ فإنّه سرعان ما يتخلّى عنه في تأسيس موقفه السياسي والفكري من تطوّرات الحرب على غزة، إذ يظل يصدر عن المفهوم الكلي المصمت للغرب في جانبه السياسي فقط، كما تعبر عنه بعض الحكومات الغربية. يقول بدا جليًّا اصطفاف الغرب مع إسرائيل، ويعلّق متأثرًا بالقصف الغادر على المستشفى المعمداني قائلًا ونعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر، أي إلى الانشطار ما بين الغرب والعالم الإسلامي، ويضيف اختارت إسرائيل في خطابها أن تستثيرَ الغرب وتحرّك هواجسه بمقارنة طوفان الأقصى بأحداث 11 سبتمبر. ومن التعابير التي تشيع في مقالَيه الضمير العالمي الغربي. وإذا تم تأسيس النظر للغرب باعتباره مفهومًا كليًا شاملًا؛ فلابدَّ أن ينتهي إلى نتيجتَين متلازمتَين الأولى أننا في طوفان الأقصى على مشارف الحرب الحضارية الثانية كما عنون مقاله- بين الغرب والعالم الإسلامي، باعتبار أنَّ الحرب الأولى كانت إبّان حقبة سبتمبر 2001-2021. الثانية فقدان الغرب بريقه؛ تأسيسًا على أن القيم السائدة الآن والتي يتم انتهاكُها من الغرب ذاته هي قيم غربية تحولت إلى عالمية، ويصبح المشكل عنده كيف نستطيع أن نُقنع الجيل الجديد بعالميّة القيم الغربية؟. المشكل مع هذه الأفكار التي تحولت إلى مسلّمات هي أنها تعيد توصيف طبيعة القضية الفلسطينية، وترسم إدراكنا ذاتَنا، وطريقة نظرنا للعالم من حولنا، وقد تمتدّ لإعادة التفكير في كل شيء يحيط بنا، وهذا ما طالب به السيد أوريد نحن مطالبون بإعادة النظر في كل شيء؛ في الآخر، ودعوته العالمية، وفي أنفسنا، وفيمن يُعتبرون ضمائر حية، وهم كائنات مختبرية، في حقيقة الأمر. كانت الحرب على الإرهاب ما بعد سبتمبر ذات طبيعة سياسية تختبر فيها الأطراف المختلفة موازين القوى في ظل امتزاج شديد للمصالح السياسية والاستراتيجية بالمشاعر الدينية والقيم الثقافية، ولم تكن بأية حال حربًا حضارية. جرى توظيف الرطانات الثقافية لتحقيق أغراض سياسيّة بالأساس. القضية الفلسطينيّة قضية شعب يبحث عن حقّه المشروع في تحرير أرضه من الاحتلال الصهيوني، والقضاء على الفصل العنصري، وإقامة دولته المستقلّة، وَفق الشرعية الدولية. ما أخشاه أن يلتقي التوصيف الحضاري مع كثير من خطاب الحكومات الغربية، الذي جعلَ من الحرب في غزة قضية إنسانية تتعلّق بالمدنيين الفلسطينيين؛ وليست قضيةَ تحرُّرٍ وطني، وحقًا مشروعًا في المقاومة. مفاهيم حقوق الإنسان -على سبيل المثال- شهدت تطورات كثيرةً حتى انتهت إلى ما هي عليه الآن، وستشهد تطورات أخرى مثل ما يُثار الآن عن مسألة الخصوصيّة في مواجهة شركات التكنولوجيا الكبرى. ستلقي القواعد التي يجب أن تحكم الذكاء الصناعي بظلالِها على المفهوم أيضًا. نحن إزاء مفاهيم وتعريفات للقيم تشهد تطورًا دائمًا. صحيح أنّ الغرب- تاريخيًا- ساهمَ فيها بنصيب وافر، لكنّ أطرًا حضارية وتجارب سياسية أخرى شاركت في تطورها، بما يجعلها منجزًا إنسانيًا يجب أن يسعى الجميع للحفاظ عليه وتفعيله في الواقع لا التخلّي عنه. العهود الدولية المتعددة لحقوق الإنسان أثْرتها حركات التحرر الوطني في الستينيات من القرن الماضي، كما أغنتْها التجارب الشيوعية أيضًا. استند تقييم السلوك الإسرائيليّ أساسًا إلى المرجعيات المختلفة التي نشأت على مدار عقود في تنظيم عمليَّات الحرب والقانون الدوليّ الإنساني ...إلخ. وبرغم ما يبدو من وهْن وتراجع على المستوى الإلزامي لها في التنظيم الدولي المعاصر، فإنَّ التنازل عنها أو غيابها سيجعلُ البشرية في حالة فوضى، وقد يرجعنا إلى شريعة الغاب. لا مصلحةَ على الإطلاق في إهدار هذه القواعد وما استندت إليه من اتّفاقيات وآليات في التنظيم الدوليّ. إذ هي منجز إنساني ساهم فيه الجميع، ومن الضرر التخلّي عنه بأية حال. ضمَّت المظاهرات -التي هي من مكوّنات الغرب أيضًا- عناصر متعدَّدة اليسار والنسويات والسود في أميركا، وأعضاء مجتمع الميم، بجوار العرب والمسلمين، كما تقدّمت حركات اليهود غير الصهيونية الصفوفَ في تحدٍ واضح للسرديات السائدة أو المفاهيم الكبرى. في حراك آخر- كالحقّ في الإجهاض أو تعليم الجنس في المدارس- سنجد المسلمين بجوار المحافظين والبروتستانت الإنجيليين الذين يدعمون إسرائيل اليوم. مفهوم الحضارة من المفاهيم التي لم تعد تصلح لتحليل واقعنا المعاصر. وحدات التحليل يجب أن تختلف، ولا تَنبني على قديم من قبيل الحضارة والدولة والغرب والشرق والمجتمع... إلخ. هذه تقسيمات العالم القديم، نحن بصدد قضايا مستجدّة وظواهر مختلفة تستدعي نماذجَ معرفية جديدة في ظلّ التشابك والتعقيد الذي يبدو عليه العالم المعاصر، وما تشهده المجتمعات من انقسام وتشرذم، وظواهر عابرة للدولة القومية المعاصرة، وفواعل فوق قومية وما دونها من غير الدول، وتطورات تكنولوجية تغير وجه العالم ...إلخ. على سبيل المثال، فإنّ مشكلة المساواة في الدخول والثروات والفرص هي مشكلة عالمية لا تخص نظامًا ولا دولة دون أخرى؛ بل هي لصيقة بالنيوليبرالية التي شاعت. أصبحَ الناسُ حساسّين للفجوة المتزايدة بين الرابحين والخاسرين في الاقتصاد المُعَولَم الذي خلق لا مساواة أو ظواهر مُعولَمة. قد يتعاون الناس حول هذه التداعيات بغض النظر عن انتمائهم الوطني، أو القومي، أو العِرقي، أو الحضاري، كما نشهد الآن في دعم الفلسطينيين. التخلّي عن المفاهيم الكلية المصمتة التي حكمت تفكيرنا من شأنه أن يسمح بتعدد مستويات النظر، ورسم الخرائط التفصيلية، وإظهار المواقف المتعددة وحركيّتها الدائبة، بما يسمح ببناء الموقف الفكري والفعل السياسي. ودون ذلك، سنظل أسرى طريقة تفكير القرن العشرين المصمتة المعتمدة على الثنائيات المتصارعة. الغرب مفهوم مضلّل، ليس له وجود في الواقع المعاصر إلّا في ذهن بعض المثقفين الذين وّرثوه عن طريقة التفكير في القرن العشرين. ومشكلته الأساسية أنه يُوقعنا في فخّ تفكير الأعداء الذين أرادوا أن يعطوا عدوانَهم على البشر والمكان رسالةً حضاريةً ليست موجودة أساسًا. في القديم استخدمنا حروبَ الفرنجة، ولم نستخدم الحروب الصليبية إلا في الزمن المعاصر، وفي اتّباع الأسلاف سُنّةٌ حسنةٌ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/14/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%88%d9%81%d8%ae%d9%91-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-14T12:02:10
2023-11-14T12:02:10
مقالات
2,366
حان الوقت لتعترف أستراليا بفلسطين
إن المكانة العالمية التي تتمتع بها أستراليا تجعلها في وضع قوي يمكنها من المساهمة في التوصل إلى حلّ يفضي لإحلال السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، والخطوة المهمة في هذا الاتجاه، الاعتراف بفلسطين.
على مدى الأشهر الثمانية الماضية، قامت إسرائيل بشنّ حرب إبادة وتشريد جماعي للفلسطينيين، وتخريب ودمار في غزة تحت ستار الدفاع عن النفس. وفي ظل هذا الواقع المأساوي الذي تواصل فيه الحكومة الإسرائيلية تجاهل التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي بحماية المدنيين، ووقف أعمال الإبادة الجماعية، فإنه يتحتم على الدول ذات النفوذ أن تتخذ موقفًا حاسمًا. إن المكانة العالمية التي تتمتع بها أستراليا وقيمها الديمقراطية، تجعلها في وضع قوي يمكنها من المساهمة في التوصل إلى حلّ يفضي لإحلال السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، والخطوة المهمة في هذا الاتجاه، هي الاعتراف بدولة فلسطينية، وهي أيضًا واجب قيمي وأخلاقي. في 29 مايو، تم تقديم اقتراح إلى مجلس النواب في البرلمان الأسترالي من قبل حزب الخضر للتصويت على ما إذا كان يجب على أستراليا اتباع إسبانيا والنرويج وأيرلندا وسلوفينيا والأغلبية الساحقة من دول العالم في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنه فشل في تمريره حيث صوّت 80 نائبًا ضده. لقد تبنى حزب العمل الأسترالي، باستمرار موقفًا مناهضًا لهذه الاقتراحات على اعتبار أنها حيل سياسية من جانب الخضر من أجل ما يعتبره نقاطًا رخيصة للتأثير على الرأي العام الأسترالي. بيدَ أنه لو كان الأمر كذلك، فإن هذا التسييس لا ينتقص من الحقيقة الأساسية المتمثلة في أن الإبادة الجماعية مستمرّة، والجمهور الأسترالي يعرف ذلك. فقد تمّ قتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، بينهم 15000 طفل. لقد شاهد الأستراليون بأنفسهم هذه الفظائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومن هذه المآسي صورة سدرة حسونة البالغة من العمر سبع سنوات، وهي تتدلى من جدار وساقاها متفحّمتان، ولقطات لرجل يحمل جثة لطفل يبلغ من العمر 18 شهرًا مقطوعة الرأس بقصف إسرائيلي. لقد سمعوا الكلمات الأخيرة لهند رجب البالغة من العمر ست سنوات، وهي تتوسل بشدة للمساعدة، بينما دهمتها الدبابات الإسرائيلية. تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو لأطفال بترت أطرافهم. وتم محو عائلات بأكملها من السجل. ووفقًا لمرصد حقوق الإنسان الأورومتوسطي ومقرّه جنيف، تم إلقاء أكثر من 70,000 طن من القنابل على غزة بين أكتوبرتشرين الأول 2023 وأبريلنيسان 2024. لقد قرأ الأستراليون التقارير العديدة الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان من أمثال منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وحتى بتسيلم الإسرائيلية التي تصف الحكم في إسرائيل بأنه أقرب إلى الفصل العنصري، وغزة بأنّها سجن في الهواء الطلق. لقد استمعوا إلى وزراء إسرائيليين يدعون إلى التطهير العرقي واحتلال غزة، واطلعوا على قرار محكمة العدل الدولية بشأن قضية الإبادة الجماعية في غزة، وطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت لارتكابهما جرائم حرب. لقد دعمت دول مهمة قرار المحكمة الجنائية الدولية مثل فرنسا والسويد. وأعلنت ألمانيا أنها ستعتقل نتنياهو إذا صدرت مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، وصرّحت السيناتورة الأميركية إليزابيث وارن بأن هناك أدلة وافرة للمحاكم الدولية لإدانة إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية. كما أن البروفيسور الأميركي الشهير جون ميرشايمر الذي جاء إلى مركز الدراسات المستقلة في أستراليا، أكد بشكل قاطع، أن إسرائيل تمارس الفصل العنصري والتطهير العرقي في معاملتها للفلسطينيين. وصرّح خبراء الأمم المتحدة بأن إسرائيل ارتكبت ثلاثة أعمال إبادة جماعية على الأقل خلال الأشهر الثمانية الماضية، إذ قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز إن الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة هي مرحلة تصعيدية لعملية محو استعمارية استيطانية طويلة الأمد. لذا، فإن اعتراف أستراليا بدولة فلسطينية داخل حدود عام 1967، سيكون رفضًا رمزيًا وجريئًا لمحاولة إسرائيل الحالية لإبادة الشعب الفلسطيني. فالاعتراف بدولة فلسطينية لن يعطل عملية السلام؛ بل سينقذها ويبقيها حية. لقد كان ذلك هو الدافع كي تتحرك أيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا للاعتراف بدولة فلسطينية. فلم يكن الهدف هو استعداء إسرائيل، بل كانت الغاية إنقاذ عملية السلام التي تحاول إسرائيل تدميرها بشكل محموم. من هذا المنطلق، ينبغي على أستراليا أن تعزز المبدأ الأخلاقي الأساسي في قلب الصراع، وهو الحق في تقرير المصير. وللشعب الفلسطيني، شأنه شأن أي شعب آخر، حق أصيل في أن يحكم نفسه، وأن يعيش بحرية على أرضه، وأن يبني مستقبله. وهذا الحق منصوص عليه في القانون الدولي، وفي ميثاق الأمم المتحدة. فمن خلال الاعتراف بدولة فلسطينية، ستؤكد أستراليا التزامها بهذا المبدأ العالمي، وتحبط محاولة إسرائيل لسحق مثل هذه التطلعات للفلسطينيين. يجب ألا يصبح بلدنا خانقًا للأصوات التي تدعو إلى العدالة، أو شخصًا يراقب المضطهدين الذين يسعون إلى الحرية. إن الأستراليين بطبيعتهم يميلون للعدالة والوقوف بجانب الحق، وقد تجلى ذلك في الدعم الذي أظهره طلاب الجامعات في جميع أنحاء البلاد للفلسطينيين، والاحتجاج على المجازر التي ترتكب ضد المدنيين في غزة، والدعوة لوقف الحرب، وهذا بالضبط ما فعله أسلافهم عندما شجبوا الحروب في فيتنام، والعراق، وأفغانستان. لقد كان الطلاب على حق في كل من هذه الصراعات التي تحدد هُويات الأجيال. هل يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى، لنتجاهله من جديد؟ كان رئيس الوزراء وحزب العمل حينما كانوا في موقع المعارضة مناصرين متحمّسين لفلسطين. هذه الروح التي كانت سائدة في الماضي، ينبغي أن تكون حاضرة الآن وهم في السلطة. دع المؤرّخين يكتبون عنا أننا كنا على الجانب الصحيح من التاريخ، وأننا عززنا بجرأة القانون الدولي، وأننا كنا منارة مشرقة وصوتًا للحرية. حان الوقت للاعتراف بفلسطين. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/22/%d8%ad%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d8%aa-%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%aa%d8%b1%d9%81-%d8%a3%d8%b3%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7-%d8%a8%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-06-22T13:37:34
2024-06-22T13:37:34
مقالات
2,367
لماذا لا يوجد تفسير نفسي للقرآن الكريم حتى الآن؟
مع تطور العلوم الإنسانية في العصر الحديث، بدأت حركة الدراسات الإنسانية للقرآن الكريم تخطو خطوات في هذا المجال، وإن لم تخلُ منها كتب التفسير التراثية من قبلُ
اختلفت مسالك المفسرين للقرآن الكريم، فمنهم من اتخذ المسلك الفقهي ليكون بابًا لتفسيره، ومنهم من اهتم بالعلوم اللغوية؛ من نحو وصرف وبلاغة، ومنهم من تعددت مواهبه، فجمع بين المسالك اللغوية والفقهية والعقدية، كل ذلك يرجع إلى ثقافة المفسِّر الشخصية، وكذلك ثقافة عصره، وما يموج بها من أفكار، احتاجت لعلاج، فكانت عن طريق النظر في كتاب الله تفسيرًا. ومع تطور العلوم الإنسانية في العصر الحديث، بدأت حركة الدراسات الإنسانية للقرآن الكريم تخطو خطوات في هذا المجال، وإن لم تخلُ منها كتب التفسير التراثية من قبلُ، من حيث إشارات ودلالات التقطها من عنوا بالبحث في هذا المجال. ولكنها لم تكن في كتابات التراث بارزة بهذا الشكل الذي وصلت إليه العلوم الإنسانية حاليًا، وبدأت تزداد في القرن العشرين وما تلاه؛ نظرًا لزيادة عدد المختصين بهذه العلوم من المعنيين والمهتمين بالدراسات القرآنية، أو بالقرآن الكريم، سواء من حيث التأمل فيه، أو من حيث التعامل مع ما اشتمل عليه من جوانب تشريعية وقصصية وغيرها. كتب العالم الأزهري الجليل الدكتور عبد الغني الراجحي ثلاث مقالات في مجلة منبر الإسلام تحت عنوان التفسير النفسي للقرآن الكريم، وقد جمعت مؤخرًا مع مقالات أخرى له بعنوان في رحاب القصص القرآني، أصدرتها مشيخة الأزهر ضمن سلسلة كتب لعلماء الأزهر المعاصرين. اكتفى فيها بالسرد التاريخي للعلماء الذين تعرضوا لهذا الموضوع، سواء من خلال التراث، وذلك بالنظر في تفاسير للقدامى، التقط منها موضعًا من هنا، وآخر من هناك، من تفاسير الكشاف للزمخشري، والتفسير الكبير للرازي، أو من خلال بعض كتابات المعاصرين، مثل قصص الأنبياء لعبدالوهاب النجار، وغيره. وقد رصد رغبة ملحة كانت لدى الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي، الذي كان له عزم على تأليف كتاب في الإعجاز النفسي، على منهجية يسميها الطريقة النفسية في الطريقة اللفظية. لعل أول من التفت لهذه المساحة، وأشار إليها من المعاصرين، حيث أفردها بحديث علمي، الأستاذ عبد الوهاب حمودة، في كتابه القرآن وعلم والنفس، وهو نفس عنوان كتاب صدر فيما بعد عن الدكتور محمد عثمان نجاتي، لكن كتاب حمودة، عَقد فيه فصلًا بعنوان التفسير النفسي، وبدأ يضرب لذلك نماذج مهمة في الموضوع، وأهمية هذا التناول، والإشارات والنماذج التي ذكرها مهمة، وهي هادية لمن يريد السير في هذا المسلك. أما كتاب الدكتور نجاتي، فقد كان أشبه بالتفسير الموضوعي، حيث تناول النفس البشرية في القرآن الكريم، بناءً على محاور علم النفس الحديث، وتناول الدوافع والنزعات في النفس البشرية من خلال آيات القرآن الكريم، والانفعالات النفسية لدى الإنسان، وأنماط الشخصية باختلافاتها وتنوعها، كل ذلك من خلال ما تناوله القرآن الكريم للنفس البشرية بمختلف مستوياتها. نجد اهتمامًا كبيرًا لدى سيد قطب بالدراسات القرآنية، ويستعين بخلفيته الثقافية من الدراسات الإنسانية، إضافة لمهارته الفائقة في علوم اللغة والأدب والنقد أمّا الدكتور مصطفى محمود، فقد حاول الكتابة في الموضوع، وجعل عنوان أحد كتبه علم نفس قرآني جديد، وهو مأخوذ من فصل بعنوان علم نفس قرآني، من كتابه من أسرار القرآن، مع تعديلات طفيفة. وكتاب محمود ليس فيه عن الموضوع سوى محور واحد، وبقية الكتاب موضوعات أخرى، كشأن كتبه الأخيرة، فقد تحمل عنوانًا، ولا تجد داخل الكتاب ما يعالجه سوى مقالة كتبها في جريدة الأهرام التي كانت تنشر مقالاته في أخريات سنوات حياته، رحمه الله. وكان جلّ تركيز محمود في كتابه على معايب علم النفس الحديث، وخاصة سيجموند فرويد، والمدرسة الغربية في علم النفس، وبيان الرؤية القرآنية في النفس وأمراضها، وكيفية النجاة من ذلك. حاول المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد البهي، تقديم تفسير للقرآن الكريم، وإن أطلق على سلسلته عنوان التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وقد فسر عدة سور، ولم يفسر القرآن كله، وإن حمل عنوان السلسلة التفسير الموضوعي، إلا أنه لم يكن تفسيرًا موضوعيًا بالمعنى المعروف علميًا، بل كان يتناول السورة تناولًا عامًا، ويفسرها بما هو أقرب للتفسير التحليلي العام. ولأن دراسة البهي وتخصصه في الدراسات الإنسانية، فقد برز ذلك بقوة في تفسيره، وبخاصة علوم الفلسفة والنفس والاجتماع، لكنه لم يكمل تفسيره، فقد وافته المنية قبل التكملة. أما سيد قطب، فإن كتابه في ظلال القرآن، يعد أقرب كتب التفاسير المعاصرة التي اقتربت من هذه المحاولة، حيث نجد اهتمامًا كبيرًا لدى سيد بالدراسات القرآنية، ويستعين بخلفيته الثقافية من الدراسات الإنسانية، إضافة لمهارته الفائقة في علوم اللغة والأدب والنقد، مما مكّنه من إصدار كتاب يمكن أن يكون أرضية مهمة لهذا الموضوع، وذلك من خلال كتابه التصوير الفني في القرآن. ففضلًا عن أهمية الكتاب بوجه عام في موضوعه، إلا أنه في المباحث التي تناول فيها القصة في القرآن، تعرض لما يمكن أن يدخل في التفسير النفسي، ثم طبقه بنموذج تفسير موضوعي في كتابه مشاهد القيامة في القرآن، ثم طبق نظريته بوجه عام في كتابه الكبير في ظلال القرآن، ونجد فيه إشارات ونظرات مهمة تدخل في موضوعنا، وإن لم يعره اهتمامًا كبيرًا، بحيث يشمل كل السور والآيات. بعد محاولة استقراء تجارب التفسير النفسي للقرآن، نجد جلها كان يتحدث عن أثر القرآن النفسي على الإنسان، أو ما يمكن أن ندخله في باب التفسير الموضوعي، وهو تناول الآيات التي تتحدث عن النفس، واهتدائها، وانحرافها، وعوامل الهدى والانحراف. وكان جل الاهتمام منصبًا على دراسة النفس البشرية من خلال حديث الآيات المباشرة عنها، لكن المطلوب هنا تفسير ينظر للآيات الكريمات كلها بهذا المنظار، فالقرآن كتاب نزل لهداية البشر، ولخطاب المؤمنين به وغير المؤمنين، ولا شك أن تنوع خطابه، واستهدافه النفس المخاطَبة، سيكون له مجالات مختلفة، وأساليب مختلفة، لا يبرز ذلك من خلال التفسير الموضوعي للنفس، بل من خلال التفسير كاملًا. فالمطلوب تفسير كامل للقرآن، من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، كما رأينا في التفاسير الأخرى، فتجد تفسير القرطبي، يفسر القرآن كاملًا، لكنه يستخرج من الآيات الأحكام، ولذا أسماه الجامع لأحكام القرآن. والقرآن الكريم لا يخلو منه نص من هذا المعنى النفسي، سواء في خطاب البشر مؤمنين وغير مؤمنين، أو في حواراته، أو قصصه، أو أحكامه وتشريعاته، فكلها تنطوي على كنوز مهمة، استخرجها علماء ومفسّرون سابقون من خلال ثقافتهم، ويمكن لعلماء النفس والاجتماع، أن يستخرجوا منها كذلك، كما رأينا تركيزًا كبيرًا من الإمام محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، في تفسيرهما المنار، على استخراج السنن الاجتماعية في التفسير. ولكي يتم ذلك لا بد من مواصفات أو شروط فيمن يقوم بهذا العمل المهم، وهي ألا يسعى وراء إثبات نظرية من النظريات النفسية بآيات قرآنية، وهو ما يخطئ فيه من يتناول القرآن الكريم، في ضوء نظريات العلم، فالنظريات قد تصح وتبطل، وبخاصة في مجال كعلم النفس، وهو من أعقد المجالات البحثية على مدار التاريخ، وعلى مدار مسيرته العلمية. وألا يستحضر المفسر ما يقوله الغربيون، سواء من باب إثبات صحته، أو الرد عليه، فعليه التعامل مع القرآن من حيث مخاطبته للإنسان، وليس الهدف من عمل كهذا هو الرد، بل استجلاء ما يحتويه هذا الكتاب العظيم من مخاطبة للنفوس، وقراءة لها، وبحث عن كل وسيلة لهديها سواء السبيل. القيام بعمل ضخم ومهم كهذا، يحتاج من صاحبه تضلّعًا في اللغة العربية، أو تمكنًا منها، وعلى الأخص في علوم البلاغة العربية؛ لأن عمله سيتم من خلال تأمله في مفردات الآيات، وفي مراميها، ومعانيها، وما أثر هذا الخطاب على النفس، ولماذا كان ختام الآيات بعبارات معينة، وسياق الآيات، وابتداء وانتهاء السور، وما إلى ذلك من تمكن من الخطاب القرآني، حتى يستطيع القيام بهذه المهمة. لعل من المجالات- التي يمكن أن يضرب بها النموذج أو المثل في التقريب لعمل تفسير نفسي للقرآن الكريم- مجالَين من مجالات القرآن، وهما القصة في القرآن الكريم، وآيات الأحكام والتشريع، وهو ما نفصل فيهما- إن شاء الله تعالى- كمداخل لهذا اللون من التفسير المنشود. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/24/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d9%88%d8%ac%d8%af-%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2023-12-24T05:36:07
2023-12-24T05:36:07
مقالات
2,368
ما التكلفة التي تريدها إسرائيل لإيقاف الحرب؟
إن التصريحات التي تعتبر سكان غزة “حيوانات بشرية” تدقّ ناقوس الخطر، ولا يمكن أن تكون مقبولة، بل إن ما يضاعف الذعر والهلع إقدام مسؤول دولي على التصريح “بالقتل بدون رحمة”.
إنه لأمر مفجع أن نشاهدَ تزايد أعداد القتلى في الأسبوع الأخير للحرب، ويستحيل معها تصور معاناة المدنيين في الصراع الدائر بين غزة وإسرائيل، لا سيما أن الضحية الكبرى هم الأطفال والنساء والشيوخ، وقد تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين حتى كتابة هذه السطور نحو 10 آلاف، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى. وعلى الجانب الآخر، أعلنت إسرائيل عن مقتل 1500 وجرح 5 آلاف، أما قلق المنظمات الإنسانية الأكبر فيكمن في القصف الجوي من قبل القوات الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر، والذي تسبب بتدمير البنية الأساسية والمدارس والمستشفيات، وتهجير عدد لا محدود من المدنيين وتركهم بلا مأوى. حصيلة الضحايا الضخمة من المدنيين لآلة القتل الإسرائيلية تنقض ادعاء إسرائيل حق الدفاع عن النفس، ويُقابل هذا الادعاء بانتقادات واسعة باعتباره تبريرًا للخروقات المستمرة لاتفاقيات جنيف لعام 1949. وهنا يبرز سؤال ملحّ -وهو مطروح على مختلف الصعد- ما الحصيلة الكافية للقتلى المدنيين التي تستدعي وقف الحرب؟ إنّ التصريحات التي ترى سكان غزة حيوانات بشرية تدقّ ناقوس الخطر، ولا يمكن أن تكون مقبولة، بل إن ما يضاعف الذعر والهلع إقدام مسؤول دولي على التصريح بالقتل بدون رحمة، مما يعني الرغبة بسحق كل من هو غير مسلح، ولا يملك وسيلة للدفاع عن نفسه. يعيش الفلسطينيون الأبرياء منذ 16 عامًا في مكان محاصر بجدران إسمنتية وأسلاك شائكة في سجن قطاع غزة المفتوح، وحرم ملايين الفلسطينيين في هذا المكان حقوقهم الأساسية لحساب حياة مرفهة لسكان نظام الفصل العنصري في إسرائيل، ووصل الأمر في الأشهر القليلة الأخيرة إلى أن تثير الحكومة اليمينية في إسرائيل التوتر في غزة بهدف إرهاب الشعب الفلسطيني. لا شكّ في أن استفزازات حكومة إسرائيل اليمينية المتواصلة خلال الأشهر القليلة الماضية هي التي فجّرت التوتر مع غزة، والهدف من إحداث التوتر هو تهديد الشعب الفلسطيني وترويعه. وبتعاظم هذا الترويع واستمراره في الأيام المقبلة تظهر حاجة ماسّة لتدخل جميع الأطراف، بمن فيهم القوى الدولية الكبرى في العالم، وتوحيد الجهود من أجل وقف إطلاق النار، وخفض التصعيد الذي من شأنه أن يشعل المنطقة بأكملها. ومن المهمّ كذلك عدم السماح باتساع الصراع ليطال المنطقة بأسرها، ومن هنا تكرّر ماليزيا دعواتها بإلحاح لوقف فوري للصراع مع إدانة صريحة لعدوان الكيان الإسرائيلي المستمر. لكن المؤسف جدًا هو أن بعض القوى تصمّ آذانها إلى اليوم، وفي نفاق مؤلم لمبادئ حقوق الإنسان التي تدعي هذه القوى الدفاع عنها، إذ لا يمكن لأحد ادعاء الدفاع عن حقوق الإنسان وهو يغمض عينيه عن المذبحة التي ترتكب بحق الفلسطينيين. ومن خلال سلسلة اتصالات هاتفية ولقاءات مباشرة، تحدثت مع عدد من نظرائي واتفقنا على الحاجة إلى معالجة القضية بشكل عاجل، فإيصال المساعدات الإنسانية من دون أية عوائق يحتل أهمية قصوى. وفي اجتماعها الطارئ لمناقشة الصراع العنيف والتوتر المتصاعد، نددت منظمة التعاون الإسلامي بشدّة بالعدوان الإسرائيلي غير المسبوق على المدنيين الفلسطينيين، وبصفتها عضوًا في المنظمة، أيدت ماليزيا البيان النهائي الذي يشدد على وقف العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، كما دعا المجتمع الدولي إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى الشعب الفلسطيني. كما دعت ماليزيا المجتمع الدولي لاتخاذ إجراء حازم لمنع مزيد من الاعتداءات والعدوان، وطالبت مجلس الأمن في الأمم المتحدة بتحمل المسؤوليات المنوطة به في ميثاق الأمم المتحدة، والتي تشمل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وقوبلت نتائج التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالترحاب، وتمّ التصويت على هدنة إنسانية. إن ماليزيا بقيادة رئيس الوزراء أنور إبراهيم سوف تستمر بالتأكيد على الأهمية القصوى للسلام وإقامة ممر آمن ومن دون أي إعاقات لمعالجة عاجلة للأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وقد استغلّ رئيس الوزراء فرصة انعقاد قمة آسيان ومجلس التعاون الخليجي في الرياض، لبحث تطورات الصراع في غزة مع ولي العهد رئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، بما في ذلك جهود خفض تصعيد التوتر وضمان أمن وسلامة المدنيين. وأخذًا في الاعتبار المكانة التي تحظى بها المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي، وما لها من أثر بالغ في مجال القضية الفلسطينية، يلتقي هذا الموقف الثابت مع الوضع الإنساني على الأرض. ولذلك، فمن خلال الجهود الدبلوماسية، فإن رئيس الوزراء أنور إبراهيم واصل المناقشات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحثا الجهود المشتركة للوصول إلى حل جذري للصراع المقلق. وفي القاهرة تمركزت مباحثات رئيس الوزراء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي حول جهود وقف الأعمال العدائية وفتح ممر إنساني لإيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة من خلال معبر رفح الحدودي. وفي هذه المرحلة الحرجة، تعرب ماليزيا عن استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة ونقلها من خلال جهود دولية منظمة، خصوصًا ما يتعلق بالمواد الغذائية والطبية، وتعكس هذه الجهود التزام ماليزيا الثابت تجاه القضية الفلسطينية، والتخفيف من مأساة الشعب الفلسطيني ومحنته المستمرة، التي هي نتيجة مباشرة لسياسات التهجير التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي منذ 75 عامًا. ومع استمرار المحنة، فإن واجب ماليزيا أن تستنفر ضمير الشعوب التي تؤمن بقيم العدالة والإنسانية والحرية والحب والوئام، وأن تستمر في البحث عن حل سلمي للصراع المستمر منذ عقود. وبعد 30 عامًا من التوقيع على اتفاقية أوسلو، فإنه لمن المؤسف جدًا أن استمرار الهجمات على الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وطردهم من وطنهم، تسببت كلها في عرقلة الحل الممكن، ولذلك فإن ماليزيا ستبقى ثابتة على موقفها الداعم لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وهو حق غير قابل للتصرف، وذلك بما يتماشى مع الموقف المبدئي بأن الشعب الفلسطيني يستحقّ العيش في ظلّ دولة مستقلة في حدود معترف بها دوليًا، قبل عام 1967، وعاصمتها القدس. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/6/%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%83%d9%84%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%aa%d8%b1%d9%8a%d8%af%d9%87%d8%a7-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-06T09:26:38
2023-11-06T10:15:11
مقالات
2,369
ماذا وراء هروب أخطر سجين في الإكوادور؟
ويتفهّم الإكوادوريون خضوع الحكومة لأوامر “فيتو”، لاسيما في حفاظه على مقر إقامته في سجن ليتورال، فالرجل الذي يعتبر الأخطر في الإكوادور، يسجّل من داخل “جناحه” في السجن مقاطع فيديو على شبكات التواصل
عاشت الإكوادور مساء الأحد الماضي على وقْع خبر اختفاء السجين الأخطر في البلاد من سجن ليتورال في مدينة غواياكيل الساحليّة، لكن السلطات اعترفت بعد ذلك أن رئيس عصابة لوس تشونيروس، والملقّب بـ فيتو، قد هرب من السجن. ورغم أن شهرة فيتو، في عالم الجريمة، انحصرت في بلدان أميركا اللاتينية، فإن نيله مستوى العالمية تحقق في أغسطس آب الماضي، عندما اجتاحت صورته وسائل الإعلام الدولية، وهو عاري الصدر، مُكبّلٌ بين جحافل من الأمنيين، وذلك أثناء نقله من سجن إلى سجن شديد الحراسة، على خلفية شبهة تورطه في تصفية المرشح الرئاسي فيافسنسيو في العاصمة كيتو. ولئن حرصت السلطات الإكوادورية في ذلك الوقت على الترويج لتلك الصورة المُهينة لـ فيتو، فإنّها اليوم عاجزة عن لملمة فضيحة هروبه. كانت الإكوادور قبل 2017 توصف بجزيرة السلام في منطقة أميركا الجنوبيَّة؛ نظرًا لانخفاض معدل الجريمة فيها، لاسيما أنها لم تكن يومًا من الدول المنتجة للمخدِّرات، والكوكايين على وجه الخصوص، لكن الأوضاع انقلبت بشكل سريع وصادم في السنوات الأخيرة، وصارت أسماء عصاباتها ورؤسائها متداولة بشكل واسع في عالم الجريمة المنظمة وتجارة المخدّرات، من خلال القصص المُثيرة التي تنتشر عنها خارج القارة. وعلى خطى بطولات إمبراطور المخدِرات بابلو إسكوبار في كولومبيا أو اِل تشابو في المكسيك، ها هو اليوم فيتو الإكوادور، ينحت قصة اختفائه أو هروبه من السجن وربما من البلاد، تاركًا الجميع في حَيرة. قبل عرض خبر هروب فيتو، وجبت الإشارة إلى أن اللقطات الهوليودية التي نشرتها وزارة الداخلية الإكوادورية الصيف الماضي- الخاصة بنقله إلى سجن شديد الحراسة؛ بهدف التحقيق معه في صحة إصداره أوامر بتصفية المرشح فيافسنسيو- لم تدم سوى أيام معدودات، خضعت بعدها الحكومة السابقة لأمر فيتو بإرجاعه إلى السجن الذي يقيم فيه، بين جيشه من عصابة لوس تشونيروس التي تعمل بالتنسيق مع عصابة سينالوّا المكسيكية ذائعة الصيت. ويتفهّم الإكوادوريون خضوع الحكومة لأوامر فيتو، لاسيما في حفاظه على مقر إقامته في سجن ليتورال، فالرجل الذي يعتبر الأخطر في الإكوادور، يسجّل من داخل جناحه في السجن مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، ويتمتع بخدمات الإنترنت، ولديه هواتفه المحمولة، ويتواصل مع الخارج، حتى في طلب وجبات ديلفري، ولا أحد يجرؤ على الوقوف في وجهه، لكنه- ظاهريًا- مسجون. أما عن غرفته التي وثقتها كاميراته وكاميرات صحفي استقصائي السنة قبل الماضية، فتتضمن تلفزيونًا وثلاجة ولابتوب، وستائر وحوض سباحة وكل مستلزمات الراحة، إضافة إلى امتلاكه مزارع لتربية الأسماك والخنازير في مساحة السجن الخارجية، لتغذية عناصر عصابته. إضافة إلى أن فيتو لا يرتدي زيّ السجناء، ولا يلتزم بوقت زيارة، لاسيما في حال زيارات زوجته، التي أقامت معه خمسة أيام سنة 2021، في جناحه. على صعيد آخر، تتزين جدران سجن ليتورال من الداخل، بصور فيتو المرسومة بعناية. وفي أكتوبر تشرين الأول من سنة 2022، سجلت كاميرات سكان محيط السجن، مقاطعَ فيديو لألعاب نارية وموسيقى دي جي، في ساحة السجن، اتضح بعد ذلك أنها أقيمت بمناسبة عيد ميلاد فيتو. وكشفت مقاطع تيك توك السجناء الحاضرين أجواء احتفالية توفرت فيها المشروبات الروحية والراقصات، اللاتي تمّ جلبهن من الخارج. والغريب أن وسائل الإعلام تناقلت في ذلك الوقت، الخبر بالصوت والصورة، دون اتهام جدّي للحكومة أو إدارة السجن بمسؤوليتهما عن تلك التجاوزات، وكأن الجميع مُسلّم بأن أوامر فيتو تسري على الجميع، حكومة وشعبًا. أمّا الحدث الذي تغلّب على عيد الميلاد، فتمثّل في فيديو كليب، صوّره أنصار فيتو من داخل السجن، وجلبوا له موسيقيين وفريق تصوير، وذلك لتهنئته بالعودة إلى مقرّه. وتتحدث كلمات الأغنية عن شهامته وطيبته والنظرة الخاطئة التي يتناقلها البعض عنه، وتبدأ لقطات الفيديو بصورة له ممسكًا بكتاب، ثم وهو يحتضن بعض أنصاره. وتمثل الأغنية لونًا موسيقيًا مكسيكيًا، غالبًا ما يتمّ إهداؤه لرؤساء العصابات. كل ذلك، والحكومة لم تتجرأ على اتخاذ خطوة حازمة ضده ورغم كلّ هذا النفوذ الذي يحظى به فيتو، وبعض رؤساء العصابات الأخرى في السجون وخارجها، فإن الحكومة تتعامل مع هذه الحقيقة المُرّة بهامش سُلطة توهم بها الشعب بمسكها ظاهريًا بزمام الأمور، من خلال اتفاقات تعقدها مع المجرمين. غير أن إخلالات المجرمين بهذه الاتفاقات- أحيانًا تضع الحكومة في مواقف محرجة، تفضح ضعفها بشكل كامل، من ذلك هروب فيتو الأخير. فعند انتشار خبر اختفاء فيتو، لم تخرج الحكومة على الفور لتوضّح اللبس الذي تملّك الرأي العام، وخرج ممثلان عن جهاز الأمن والمسؤول الإعلامي بمؤسسة الرئاسة، بعد ساعات، ليقولا إن فيتو غير موجود في السجن، لكنهما لا يؤكّدان هروبه. وأمام موجة الاستنكار التي اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي، تمّ تكذيب التصريح، ثم تمت العودة لتأكيد صحته، ولم يتمّ تأكيد هروب فيتو إلا بعد أكثر من 16 ساعة، كل ذلك حدث وسط غياب فاقع لتصريح أو بيان من رئيس البلاد ووزيرة الداخلية والإدارة المركزية للسجون. غير أنه، وبعد تواتر التسريبات من داخل السجن إلى شخصيات سياسية نافذة، ثبت أن فيتو، هرب منذ يوم 25 ديسمبر كانون الأول الماضي، ومعه 21 سجينًا من عصابته، والأرجح أنه هرب من باب السجن، لاسيما أن السجناء قاموا بتعطيل أغلب كاميرات المراقبة. ورغم هذا لم تفصح السلطات إلى الآن عن تورط الأسماء التي سهّلت عملية هروبه. واكتفى الرئيس بالإعلان عن فرض حالة الطوارئ لمدة شهرين في البلاد، بما في ذلك السجون، لكن العصابات أعلنت حالة التمرد، وأدخلت البلاد في دُوامة عنف وتفجيرات عشوائية. ليست هذه المرة الأولى التي يهرب فيها فيتو المحكوم بـ34 سنة سجنًا، بل هرب سنة 2013، وتمكنت الشرطة من إلقاء القبض عليه بعد شهرين، لكن مؤهلات الحكومة، المنتخبة حديثًا، لا توحي بأي نجاح على مستوى اتّباع خُطة أمنية واضحة لمكافحة تفشّي ظاهرة انتشار الجريمة في البلاد، وتضاعف نفوذ عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات. يُضاف إلى ذلك، التطور الهائل الذي سجلته الإكوادور في انتشار الجريمة وتجارة المخدرات، ما أدى بالضرورة إلى ارتفاع معدّل جرائم القتل العمد، وجعلها تحتل المرتبة الأولى في بلدان أميركا الجنوبية، سنة 2023 بـ44 ضحية لكل 100000 ساكن، بعد أن كان 5.8 سنة 2017. ويعتبر معدل جرائم القتل العمد معيارًا لقياس غياب دور الدولة، أمام هيمنة قانون العصابات على المجتمعات. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/9/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d9%87%d8%b1%d9%88%d8%a8-%d8%a3%d8%ae%d8%b7%d8%b1-%d8%b3%d8%ac%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%83%d9%88%d8%a7%d8%af%d9%88%d8%b1%d8%9f
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-01-09T08:26:18
2024-01-09T14:37:12
مقالات
2,370
عقدة فرنسا تجاه المسلمين أسبابها وسبل فكّها
فرنسا تشعر بأنّ ظهرها محمي، فمهما صعّدت من سياستها مع المسلمين فإنّها ستجد من النخبة المستلبة في البلدان الأم لمسلمي فرنسا من أصول غير فرنسية دعمًا لا مشروطًا بل منوالًا تستند إليه
كثير من المتابعين للشأن الفرنسي يصعب عليهم فهم ما يسمّى بالاستثناء الفرنسيّ البائس المتعلق بالإسلام والمسلمين. الصعوبة تتأتى من صورة فرنسا المخيالية، بلد الأنوار والحرية والديمقراطية، ومن جهْل بتاريخها الاستعماري والاحتلال المغتصب للثروات، والمهندس للعقول والنفوس. نحاول في هذا المقال أن نتعرض إلى الأسباب العميقة للعدائية الفرنسية، وكيفية الحد منها وتجفيف منابعها. في البدء نحتاج إلى تنسيب الأشياء، متى كانت فرنسا في علاقة ودية مع الإسلام والمسلمين؟ إن المستعرض وقائع التاريخ يلحظ دون أدنى عناء- هذا المنسوب القوي من العدائية للإسلام والمسلمين. مع الملاحظة أنّه بالرغم من كثافة الصخب الإعلامي، الذي نشهده اليوم، فإنّ هذا المنسوب- في تقديري- في انخفاض مستمر؛ باعتبار اتساع المسافة بين الواقع المعيش والمخيال الوهمي. بعد هذه الملاحظة العامة نمرّ إلى الحديث عن الأسباب العميقة لهذه العدائية، وسنتوقف عند خمسة أسباب رئيسية السبب الأول ما زالت فرنسا تتعامل مع المسلمين باعتبارهم رعايا لبلدان محتلة indigènes. بمعنى أن فرنسا ما زالت محكومة ذهنيًا- وليس واقعيًا- بمنطق الاحتلال بخصوصيته الفرنسية القائمة على تدمير ثقافة الآخر. السبب الثاني فرنسا تشعر بأنّ ظهرها محمي، فمهما صعّدت من سياستها مع المسلمين فإنّها ستجد من النخبة المستلبة في البلدان الأم لمسلمي فرنسا من أصول غير فرنسية دعمًا لا مشروطًا بل منوالًا تستند إليه؛ لإعطاء مشروعيّة لسياستها ضد المسلمين. طبعًا من حق أئمة الحداثة المغشوشة أن يدخلوا التراب الفرنسي متى شاؤوا، وكيفما شاؤوا لدعم سياستها، ولكن يمنع ذلك على أئمة المسلمين من أصحاب المبادئ من العالم الإسلامي؛ باعتبار ذلك من وجهة نظرها تدخلًا أجنبيًا. السبب الثالث فرنسا تنتقم من نفسها؛ لأنها فشلت في سياسة الاستلاب التي راهنت عليها. فلم يقطع المسلمون الوافدون مع هُويتهم الدينية والثقافية، واختار أغلبهم التعايش مع قيم الجمهورية. ولهذا ما زالت تعتقد أن ما لم يحصل طوعًا يمكن أن يحصل كرهًا. السبب الرابع على خلاف ما هو شائع، مشكلة فرنسا ليست مع التطرف الإسلامي- بل إن التطرف الإسلامي، إن لم يوجد كان من الضروري إيجاده بل مشكلتها مع الإسلام المعتدل. وعليه فإن البعض- وخاصة من الأجيال غير الشبابية- يعمل على تغذية هذه العدائية لخلق حالة من التلبيس التي تأمل فرنسا أن تؤدي إلى التخويف من الإسلام. السبب الخامس تعتبر فرنسا نفسها المدافعة عن هوية المجتمع؛ اليهودية- المسيحية، وتعيش حالة من الهستيريا أمام واقع متغير سيفضي لا محالة إلى تغير نوعي في طبيعة المجتمع، بحيث يصبح من طبيعة ذات أبعاد ثلاث مسيحي، يهودي، إسلامي. ولا ننسى أن السياسة العدائية التي نشهدها اليوم ضد المسلمين في فرنسا، مورست- وبشكل لعلّه أفظع- مع اليهود قبل حقبة الثقافة المسيحية- اليهودية. ما العمل؟ وكيف يمكن الحد من هذه العدائية؟ لا شك أن قدرة المسلمين على التأثير إعلاميًا لمواجهة هذه الظاهرة ضعيفة، على الأقل حاليًا. وقدرتهم على التأثير سياسيًا تكاد تكون منعدمة، وعليه لم يبقَ أمامهم إلا إمكانية التأثير الاجتماعي في العلاقة بالآخرين، والتأثير القانوني في العلاقة بالدولة والتأثير الديني في العلاقة بالمسلمين أنفسهم. في هذا العالم المعولم، يكاد الافتراضي يصبح هو المعبّر عن حقيقة واقعنا. بمعنى آخر؛ أنَّ العولمة جعلت القريب المادي بعيدًا، والافتراضي البعيد قريبًا افتراضيًا، وهذا أدّى إلى إخراج الواقع المحسوس من دائرة الاهتمام. الأمر الذي أنتج تضخمًا في وسائل الاتصال وضعفًا كبيرًا في قيمة التواصل، وخاصة مع المحسوس القريب. فتجد من يتواصل افتراضيًا مع العشرات والمئات وحتى الآلاف، ولم يفكر في التواصل مع جاره بالجنب. ولكن التواصل الافتراضي الرقمي تواصل بلا روح، وأحيانًا بلا طعم، ما يخلق حالة من الشعور بالعزلة عن عالم البشر، وهي- لعمري- مفارقة من أنكد مفارقات هذا العصر. وعليه فإن المسلمين إذا وعَوا أهمية هذا الأمر في تعاملهم مع محيطهم الاجتماعي، وأعطوه هذا الدفء الذي يفتقده، فسيغيرون وبسرعة الانطباع الذي يريد أن يرسخه الخطاب العدائي ضدهم. هذا الأمر لا يحتاج إلى أموال كثيرة ولا إلى إعلام، يحتاج فقط إلى قلوب مفعمة بالحب للإنسان. لا يمكن أن نتخيل تأثير الانتشال النفسي لكثير من الناس الذين فقدوا الإحساس بالوجود. ذلك من السبل التي تساعد على إزالة هذا الانطباع السلبي عن المسلمين، ولا يحتاج إلى جهود كبيرة، بل إلى وعي بأهميته، وبعد ذلك يمكن لكل فرد أن يفعّله بالطريقة التي يراها مناسبة. أمر آخر في المجال الاجتماعي على قدر من الأهمية، تعوّد المسلمون في أوروبا على الخروج إلى الشارع في قضايا تهم العالم الإسلامي، وأساسًا القضية الفلسطينية أو قضايا تتعلق بالطقوس الدينية، وهكذا يثبتون عمليًا- وخلافًا لما يعتقدون- أنّهم علمانيون. لا تهمّهم قضايا الفقر والتهميش التي يعاني منها كثير من الفرنسيين، لا تهمّهم قضايا الصحة وقضايا البيئة. من واجبهم ومن مصلحتهم أن يكونوا إلى جانبهم. كثير من قضايا هذا البلد قضاياهم، ولها تأثير مباشر على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، خاصة أن الدفاع عن قضايا العدالة من صميم دينهم، ولكن في الوقت نفسه هو البوابة التي يدخلون منها إلى قلوب الآخرين. إذا لم يجد ضحايا الرأسمالية المتوحشة والناعمة- وما أكثرهم- المسلمين إلى جانبهم، ولم يشعروا بأن آلامهم واحدة وهمومهم واحدة فسيصدقون كل ما يقال عنهم. احترام القوانين وتغييرها بالأساليب التي يجيزها القانون علامة تحضر الشعوب. يقول الضعفاء القوانين وضعها الأقوياء فلماذا نحترمها؟ ولكن بدل أن يعملوا يدًا واحدة على تغييرها يعمدون إلى التحايل عليها، ولذلك كثيرًا ما يسقطون في شر أعمالهم. صحيح أن الأقوياء هم من يتلاعبون بالقوانين ولكن بحرفية عالية تجعل القانون نفسه عاجزًا عن متابعتهم. سادت، للأسف، عند بعض المسلمين فكرة التصادم والتحيّل على القانون؛ بعضهم بدعوى أن احترام القانون يكبّل الضعفاء، وآخرون بدعوى أن قوانينهم تحمي مسروقاتهم، دمّروا بلداننا وسرقوا باسم القوة، ويريدوننا أن نستسلم لهم باسم القانون، فنحن عندما نتحايل على القانون في الحقيقة -حسب زعمهم- نسترد بعض الفتات من حقوقنا المسلوبة. لا يسع المجال هنا لمناقشة هذه التبريرات الواهية، الذي يهمنا هي الصورة التي ترسخها هذه الممارسات في أذهان الآخرين. الإنسان بالقيم التي يحملها وليس بالمنافع التي يتحصل عليها بالطرق الملتوية. احترام القانون في حد ذاته قيمة أخلاقية، الالتزام بها يبعد الإنسان عن الشبهات، خاصة عندما يكون تحت مجهر يعمل على مدار الساعة، ويجب ألا ننسى أن ما يرتكبه المسلم من صغائر يصبح عند الإعلام المتأهب لكل زلّة كبائر. الالتزام بالقانون- فضلًا على كونه ضرورة أخلاقية- هو سبب من الأسباب المهمة التي تساعد على إزالة الانطباعات السيئة عن المسلمين، والتي يستثمرها الخطاب العدائي بنجاح. الالتزام بالقانون يدخل المسلم في عالم المنافسة المفتوحة، ويفرض عليه الإتقان في كل أعماله. من السهل مناقشة الفكرة بالفكرة، ومن السهل بيان ضحالة الفكرة المتهافتة، ولكن من الصعب جدًّا إزالة انطباع إذا ترسّخ، والانطباع يترسّخ بالصورة، والصورة لا تزيلها إلا صورة مغايرة، ومن هنا تأتي أهمية المادة الإعلامية، وليس الوسيلة الإعلامية. كان امتلاك الوسيلة الإعلامية يمثّل مشكلة كبيرة في السابق، ولكن الآن مع التّدفق الإعلامي وتعدّد وسائله أصبح من اليسير امتلاكها، ولكن المشكلة في المادة الإعلامية التي تتحرك ضمن سياسة إعلامية ذات بعد إستراتيجي حتى تكون مؤثرة وقادرة على صناعة الرأي العام أو على الأقل تعديله. من المهام التي يجب أن تعكف عليها النخبة المسلمة- بكل جرأة وشجاعة- المراجعة الفكرية والنقدية، إنها من أعقد المهمات وأخطرها. في تراثنا الحضاري أفكار ومواقف وممارسات، لا تشرّف المسلمين. هي لا تختلف حقيقة عن مثيلاتها في الحضارات الأخرى، الفرق الوحيد في الحضارات الأخرى جعلوها جزءًا من التاريخ وربطوها بسياقاتها الاجتماعية والتاريخية، وفي حضارتنا جعلوها فوق التاريخ، وثيقة إدانة يحاسب عليها المسلم في كل مكان وزمان. لا شك أن عدم النزاهة العلمية لعب دورًا مهمًا في ذلك، ولكنّ المسلمين عليهم أيضًا مسؤولية كبيرة؛ لأنّ تاريخهم ما زال يتحكم في حاضرهم. لم يشتغلوا عليه بالشكل العلمي المطلوب، لم يقوموا بالمستخلصات الضرورية منه ويعيدوا جزئياته التي أنهكتهم إلى سياقاتها التاريخية والاجتماعية. التاريخ إن لم تتحكم فيه يتحكم فيك، ويستخدمه الآخرون لخنقك. ولكن ما يهمنا هنا تحديدًا تاريخ الفقه الإسلامي، مقاصد الدين كثيرًا ما تمّ تغييبها في الثقافات السائدة فأعاقت النفاذ إليها، بل أحيانًا تصادمها. وبما أن أفهام الدين من كسب الإنسان، فكل كسب بشري يجب أن يعرض على محك العلم من حين لآخر، فلا يصح القول بقائله، ولكن يصح بمتنه حين يصمد أمام النقد. المقررات الدراسية المعتمدة في المدارس والمعاهد الإسلامية مليئة بالأقوال والأحكام، إذ جعلوا منتجات عقولهم البشرية وحيًا منزهًا عن الخطأ، لكن يجب وضعها على بساط البحث العلمي الرصين بما يلائم روح العصر. هذا عمل ضروري، وللأسف، تأخر كثيرًا، ولكنه لا يكون مثمرًا إلا عندما يكون نابعًا من إرادة ذاتية، وليس استجابة لنزوات خارجيّة مفروضة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/17/%d8%b9%d9%82%d8%af%d8%a9-%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d8%a7-%d8%aa%d8%ac%d8%a7%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d9%87%d8%a7-%d9%88%d8%b3%d8%a8%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-16T21:00:35
2023-11-16T21:00:55
مقالات
2,371
تحرير الأسرى بالقوة.. الاحتلال لا يتعلم من التجارب العلمية ولا العملية
وفي الحرب الأهلية الأميركية حاولت القوات الاتحادية تحرير الأسرى من معسكرات الاعتقال الكونفدرالية؛ مما أدّى إلى معركة “سبرينغفيلد” التي هُزمت فيها القوات الاتحادية.
حتى أيام قليلة قبل بدء الهدنة المؤقتة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة حماس، واصلت عائلات الأسرى الإسرائيليين- المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة- مسيراتها أمام مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب والقدس الغربية بمشاركة عشرات الآلاف من أجل الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي ظلّ يكرر أن قواته ستواصل حربها على غزة حتى تحرير هؤلاء الأسرى بالقوة. وقد خسر الاحتلال، وفقًا لاعترافاته، أكثر من 70 جنديًا في داخل قطاع غزة، إذ يتوقع أن العدد الحقيقي للقتلى هو عدّة أضعاف هذا الرقْم، إضافة إلى آلاف المصابين ومئات الآليات المدمّرة. وقد كانت الخسارة الكبرى- بالنسبة لأهالي المحتجزين- مقتلُ العديد من المحتجزين خلال عمليات القصف الإسرائيلي على المنازل في قطاع غزة، حيث أشارت تصريحات المقاومة إلى مقتل 60 منهم خلال القصف الإسرائيلي، وهذه نتيجة، وحدها، تشير إلى فشل خيار تحرير الأسرى بالقوة في غزة. وبالطبع كانت الهدنة- التي استمرت 7 أيام منذ 24 نوفمبر تشرين الثاني- دليلًا عمليًا على انهيار مسار تحرير المحتجزين في غزة بالقوّة، بعد أن فشلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليًا في فعل أي شيء، كما فشلت كل رواياتها ومعلوماتها التي روّجت أن المحتجزين وقيادة حركة حماس يتواجدون في مقرات تحت مستشفيي الشفاء والرنتيسي، وهو ما ثبت كذبه أمام مرأى العالم كله. على المستوى العملي، لم تستطع دولة الاحتلال- تاريخيًا- النجاحَ في تحرير أسرى لها لدى منظمات فلسطينية أو حتى دول عربية، إلا من خلال المفاوضات على مدار التاريخ، كان هناك العديد من المحاولات الفاشلة في تحرير الأسرى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أدّت هذه المحاولات إلى نتائج عكسية؛ كان أولها إيقاع قتلى وجرحى في الطرف المهاجم، أحيانًا تكون أكثر من عدد الأسرى الذين كانت تتم محاولة تحريرهم، وفي أغلب الأحيان كان الأسرى أنفسهم يتعرّضون للقتل. كما تؤدي محاولات تحرير الأسرى بالقوّة إلى زيادة احتمال تصاعد النزاع، وفقدان الثقة؛ مما يؤدّي إلى خروج الأمور عن السيطرة. وعلى سبيل المثال حاولت القوات الروسية في الحرب العالمية الأولى تحرير أسرى الحرب من معسكرات الاعتقال الألمانية؛ مما أدّى إلى معركة كورسك التي انتهت بهزيمة القوات الروسية. وفي الحرب الأهلية الأميركية حاولت القوات الاتحادية تحرير الأسرى من معسكرات الاعتقال الكونفدرالية؛ مما أدّى إلى معركة سبرينغفيلد التي هُزمت فيها القوات الاتحادية. وبالنظر إلى النتائج العلمية حول هذا الموضوع، فقد وجدت دراسة علمية لجامعة هارفارد 2015- اعتمدت على التحليل الإحصائي- أن نسبة نجاح تحرير الأسرى بالقوة تبلغ 20 فقط. فيما أثبتت دراسة لجامعة كامبريدج عام 2017- اعتمدت على دراسة حالات مخصصة- أن نسبة نجاح تحرير الأسرى بالقوة تبلغ 15 فقط، فيما وجدت دراسة في جامعة أكسفورد عام 2019 بعنوان تحرير الأسرى بالقوة تحليل تكلفة الفائدة، أن تحرير الأسرى بالقوة غالبًا ما يؤدي إلى تصعيد النزاع وزيادة الخسائر البشرية. على المستوى العملي، لم تستطع دولة الاحتلال- تاريخيًا- النجاحَ في تحرير أسرى لها لدى منظمات فلسطينية أو حتى دول عربية، إلا من خلال المفاوضات التي كان آخرها الهدنة المؤقتة في نوفمبرتشرين الثاني 2023، وصفقة غلعاد شاليط في 18 أكتوبرتشرين الأول 2011 مع حركة حماس، وصفقة النورس عام 1983 مع الجبهة الشعبية القيادة العامة، وقبلها صفقة أخرى أيضًا مع الجبهة الشعبية عام 1979. فعلى سبيل المثال أدّى استخدام أسلوب تفاوض قطعي إلى فشل صفقة تبادل حول الطيار الإسرائيلي رون أراد الذي وقع في الأسر عام 1986، وانقطع الاتصال مع الآسِرِين إلى يومنا هذا، وما زال كل من يقوم بأسر جنود إسرائيليين- للتفاوض لإخراج أسرى فلسطينيين مقابلهم- يذكّر الاحتلال بتعامله مع قضية رون أراد. ولهذه الحادثة بُعد خاص برئيس الأركان الحالي هرتسي هليفي الذي كان مشاركًا في عملية اختطاف القيادي في حركة أمل مصطفى الديراني عام 1994 للحصول على معلومات حول رون أراد، لكن الاحتلال لم يحصل على شيء، بل إن الديراني خرج عام 2004 في صفقة تبادل. وفي عام 1992 رفض رئيس الوزراء حينها إسحاق رابين الإفراجَ عن الشيخ أحمد ياسين، مقابل إطلاق سراح الجندي نسيم توليدانو، وبعد انتهاء مهلة كتائب القسام، التي حُدّدت بعشرة أيام، تم قتل الجندي. وبالمناسبة، فقد قامت حكومة الاحتلال بإبعاد 415 قياديًا من حركة حماس إلى مرج الزهور؛ ردًا على هذه العملية، وقد كانت النتيجة عكسية تمامًا، حيث وفّرت عملية الإبعاد لقاء جامعًا لحركة حماس، ساهم في توحيد فكر وقرار الحركة وتماسكها. وفي عام 1994 رفضت حكومة الاحتلال الإسرائيلي التعاطي مع مطالب حركة حماس، التي قامت بأسر الجندي نحشون فاكسمان، وفي النهاية قُتل الجندي، وقُتل وأصيب عدد من الجنود الإسرائيليين الذين حاولوا تحريره بالقوة، ولا تزال هذه الحادثة عالقةً في عقل صانع القرار لدى حكومة الاحتلال، وتحديدًا هرتسي هليفي الذي كان عضوًا في وحدة سيريت ميتكال، التي كانت تحاصر المنزل الذي تواجد فيه الجندي. وفي عام 2014 أسرت حركة حماس الجنديَين أرون شاؤول، وهدار غولدن، في كمين عسكري. وفي 2016 أسرت كتائب القسام أبراهام منغستو، وهشام السيد، ولا يزال الاحتلال يماطل في تحقيق اتفاق تبادل بخصوصهم؛ مما جعل مصيرهم أقرب إلى مصير رون أراد. إنّ الحالة الوحيدة في تاريخ الصراع التي نجحت فيها دولة الاحتلال، نسبيًا، في تحرير رهائن لم تكن في فلسطين، ولم تكن نجاحًا في الحقيقة بالمحصلة الكلية، وجاءت بعدما اختطف فلسطينيان من الجبهة الشعبية في عام 1976 طائرة ركاب على متنها 103 إسرائيليين، وانطلقا بها من مطار أثينا إلى مطار عنتيبي في أوغندا، وقد كان أحد أسباب نجاح التحرير بالقوة هو إيهام الآسِرَين أنها تتفاوض معهما، وعلى وشْك الاستجابة لمطالبهما في إطلاق 53 أسيرًا فلسطينيًا، ومع ذلك قتل الكوماندوز الإسرائيلي 20 جنديًا أوغنديًا، كما قتل خلال العملية الضابط جوناثان نتنياهو شقيق بنيامين نتنياهو، إضافةً إلى 3 محتجزين إسرائيليين آخرين. وبهذا فقد قُطعت العلاقات بين أوغندا وتل أبيب، وتسبّب المهاجمون في قتل 3 رهائن إسرائيليين، أحدهم يظل محفورًا- على وجهٍ خاص- في ذاكرة نتنياهو نفسه الذي يقود اليوم عملية صنع القرار، فيما يتعلق بتحرير المحتجزين والأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. وبهذا يمكننا القول إنه إذا أثبتت دراسات في 3 جامعات مرموقة أن نسبة تحرير الأسرى بالقوّة تصل إلى 15- 20، فإن نسبة نجاح الاحتلال الإسرائيلي في تحرير أسرى داخل فلسطين بالقوة- وتحديدًا من أيدي كتائب القسام- محصلتها صفر. وإذا اعتبر البعض أنّ عملية عنتيبي مثالٌ لعملية ناجحة في تحرير الأسرى بالقوة، فإن قطع العلاقة الدبلوماسية مع أوغندا، ومقتل ضابط مهاجم كبير، و3 محتجزين إسرائيليين كنتيجة لهذه العملية، يشكّك ذلك في نجاح هذا المثال بدرجة كبيرة. في الواقع، يقع الاحتلال في مأزِق كبير أمام قضايا أسر جنوده ومستوطنيه، فهو في الحالتَين سيكون خاسرًا لا محالة؛ سواء بقبوله بمطالب قوى المقاومة الفلسطينية، وتنفيذ صفقات التبادل، أو باتباعه العناد والعُنْجُهية، والسعي لتحرير الأسرى بالقوة؛ مما يوقعه في خسائر قد تفوق حساباته، وفي نتائج أثبتت التجربة العلمية والعملية أنها لن تكون لصالحه في النهاية. لقد كتبت سطور هذا المقال قبل إعلان القسام- خلال العدوان الحالي على غزة- مقتل الأسير الإسرائيلي باروخ ساعر، وإصابة ومقتل عدد من القوة الإسرائيلية التي حاولت الوصول له عبر التسلل للمكان بواسطة سيارة إسعاف تتبع منظمة إنسانية؛ مما يعطينا دليلًا عمليًا حديثًا، ليس على عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على تحرير أي أسير فحسب، بل خسارته المتزايدة خلال محاولاته والتكريس لفشله في هذا الملف. وَفقًا للتجرِبة التاريخية والعلمية، فإنّ الاحتلال لن يحصل على أي من أسراه من يد المقاومة، إلا من خلال الموافقة على شروط المقاومة، ويكفي نتنياهو وهليفي- على وجه الخصوص- نسيان إمكانية تحقيق أي نجاح يغطي على فشلهما الحالي والسابق. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/16/%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d9%89-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%84-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%85
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-16T14:56:49
2023-12-16T14:56:49
مقالات
2,372
إسرائيل.. هل ينقطع حبل الناس عنها؟
أكدت تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية، أن قوات الاحتلال لم تنجح إلا في تدمير ثلث أنفاق حماس، فيما يؤكد الكثير من المحللين الصهاينة أن كتائب القسام لا تزال تحتفظ بالآلاف من قواتها العاملة في غزة.
ارتبطت قوة واستدامة كيان الاحتلال بالعلاقة الإستراتيجيّة، والدعم الأميركي الثّابت له، والمرتبط بقوّة اللوبي اليهوديّ السياسية والاقتصادية، والتغلغل في الحزبَين الحاكمَين، ومن خلال إدماج كينونة ووجود الاحتلال، بخدمة المصالح الأميركية والغربية في المنطقة. وتعزّز ذلك بهيمنة القطب الواحد، ولكنه يميل للتراجع بعد بروز الصين، وسعي روسيا لتحدّي الهيمنة الأميركية. وفي ظل ذلك، جاء طوفان الأقصى؛ ليزعزع المكانة الإستراتيجية لإسرائيل في المنطقة، والمرتبطة بتفوق جيشها الذي لا يقهر، وليضرب نظرية الردع المستندة للتفوق النووي والتكنولوجي. أما مجريات العدوان على غزة وتوحش الاحتلال، فقد بدأ ذلك يخلخل قواعد الانحياز الأميركي للكيان، من خلال التأثير على القاعدة الشعبية، وكشف زيف بكائيات الاحتلال وأخلاقية جيشه. هذا فضلًا عن انقلاب صورة الكيان في العالم. اتّضح كذب الدعاية الإسرائيلية من خلال تدفق الصور والفيديوهات للمجازر الإسرائيلية التي ركزت على الأطفال والنساء ومهاجمة المستشفيات والمدارس وعمال الإغاثة والفلسطينيين الذين يُهرعون لتسلّم المساعدات تحدثنا في المقال المنشور في الجزيرة نت في 28 يناير كانون ثاني عن أن مكانة الكيان الإستراتيجية في المنطقة، تضررت، بعد أن أصبح غير قادر على حماية نفسه، فضلًا عن أن يحمي غيره، الأمر الذي شكل تهديدًا حقيقيًا لمصالح الولايات المتحدة، ودفعها للعودة بقوة للمنطقة لحماية الكيان، بعد أن كانت تعتبره حصنًا متقدمًا لها، وسعت إلى تتويجه على عرش المنطقة، عبر عملية التطبيع والتعاون الأمني مع الدول العربية. ولذلك، سنركّز هنا على تطورات الحرب التي قطعت حتى الآن أكثر من ستة أشهر، دون أن يتمكن الاحتلال من تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية فيها، ولجوئه إلى إستراتيجية استهداف المدنيين وتجويعهم، واستهداف قوافل الإغاثة بعد الإغلاق شبه الكامل لمعبر رفح، ليصل إلى استهداف طواقم منظمة المطبخ المركزي العالمي، وقتل 7 من موظفيها الأجانب، وهو ما فتح أبواب جهنّم عليه. ومع أن الدول التي سقط لها قتلى في المجزرة، وهي بريطانيا، وأستراليا، والولايات المتحدة، وكندا، وبولندا، لم تدِنْ مقتل رعاياها، ولكن كانت لها تصريحات تنبئ عن حجم الضجر والسخط على إسرائيل، بما عزّز مواقف معظمها الداعي لوقف الحرب، بعد أن دعمتها في بدايتها. هذا التحول كان ملموسًا في المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي جو بايدن مع نتنياهو عقب الحادثة، وقالَ فيها إنّ العالم تحوّل ضد إسرائيل، وإن حلفاء لواشنطن أبلغوها بتحوّل في سياستهم. وعندما يصدر هذا التصريح على لسان رئيس أكبر وأهم حليف لإسرائيل، فهذا له مدلول عميق يتركز في التحول في المواقف الأوروبية وعلى الأخصّ الدول الأنجلوساكسونيّة في دعمها للحرب على غزّة. ويعود ذلك لسببَين ولذلك، فإن مجمل المواقف الغربية، الآن، لا يدعم استمرار الحرب، فيما لا تزال إدارة بايدن تدعو لوقف مؤقت لإطلاق النار، مع دعمها استمرارَ الحرب؛ ولكن لأجل محدّد، بحيث يسمح لها أن تخرج منها بثمرة سياسية تقود للتطبيع في المنطقة، تستخدمه كورقة انتخابيّة. إن هذه المواقف لا تعني زوال الدعم عن الاحتلال، حيث لا تزال ألمانيا -مثلًا- المزوّد الثاني لإسرائيل بالأسلحة بعد أميركا، ولكن من الواضح أن هناك تحولًا في موقف الولايات المتحدة والغرب بالعمل على إضعاف حماس سياسيًا بعد فشل الاحتلال في إنهائها عسكريًا، أو حتى إضعافها لدرجة الإخضاع في مواقفها السياسيّة. وقد أكّدت تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية، أن قوّات الاحتلال لم تنجحْ إلا في تدمير ثلث أنفاق حماس، فيما يؤكد الكثير من المحللين الصهاينة أن كتائب القسام لا تزال تحتفظ بالآلاف من قواتها العاملة في غزة، فضلًا استمرار المقاومين في التصدي للاحتلال في كل مناطق القتال التي سبق أن قال الجيش الإسرائيلي؛ إنه قضى على قوة حماس فيها. إن فشل الاحتلال في مهمته سيضعف قطعًا مكانته الإستراتيجية في المنطقة، بما قد يجعله عبئًا على داعميه، ولكن الجانب الآخر هو أن ممارساته بدأت في إحداث تحول في الرأي العام الغربي، بما يشكل خميرة مستقبلية مهمة لإحداث تغييرات في المواقف السياسية لدى الأحزاب الحاكمة والمعارضة، وهو ما سينعكس بالضرورة سلبيًا على حجم وطبيعة الدعم الذي ستوفره لإسرائيل، ويتيح المجال بشكل أكبر للمقاومة الفلسطينية لاستمرار دورها الذي ينحت في الاحتلال ويضعفه. كما أن ذلك سيُساهم في إضعاف الأنظمة في المنطقة والتي تتحالف مع الكيان أو تطبّع معه، ويعزز مكانة الحركة الشعبية الداعمة للمقاومة. ونستدعي في هذا السياق استطلاع غالوب الذي أظهر انخفاض التأييد الأميركي للحرب الإسرائيلية في غزة من 50 نوفمبرتشرين الثاني الماضي، إلى 36 في مارسآذار 2024. وكذلك الاستطلاع الصادم لمعهد بيو الأميركي للأبحاث الذي جاء فيه أن 58٪ من الأميركيين يرون أنه يجب السماح بالتعبير عن معارضة حقّ إسرائيل في الوجود. وتكمن أهمية نتائج هذه الاستطلاعات في أنّها تؤشر على تحرر المجتمع الأميركي، ومعه الغربي من قيود القوانين التي تم سنّها؛ لمنع انتقاد إسرائيل، أو إدانتها تحت مسمى معاداة السامية، وانكشاف زيف الدعاية الصهيونية التي استندت إلى البكائيات، ومحاولة إظهار أن إسرائيل تعيش وسط غابة من الإرهابيين. فقد اتّضح كذب هذه الدعاية من خلال تدفق الصور والفيديوهات للمجازر الإسرائيلية التي ركزت على الأطفال والنساء ومهاجمة المستشفيات والمدارس وعمال الإغاثة والفلسطينيين الذين يُهرعون لتسلّم المساعدات. كما انكشفت الأكاذيب الإسرائيلية التي اتهمت المقاومة في 7 أكتوبرتشرين الأول بارتكاب الفظاعات ضد الأطفال، واغتصاب النساء، ما أحدث ردَّ فعلٍ عكسيًا عند الناشطين الاجتماعيين الذين ساهموا بكشف زيف هذه الروايات وقد فنّدت صحيفة لوموند الفرنسية كذبة الأطفال مقطوعي الرأس في تحقيق جديد نشر في 342024 الذي خلَص إلى أن إسرائيل لم تفعل شيئًا لمحاربة المعلومات المضللة، وفي كثير من الأحيان حاولت استغلالها بدلًا من إنكارها. وقد حاولت الدولة العميقة الدفاع عن النفوذ اليهودي، حينما استجوب الكونغرس الأميركي رؤساء 4 جامعات أميركية عريقة؛ بسبب عدم ضبطهم للمظاهر المناهضة للكيان في جامعاتهم والتي صنفت ضمن معاداة السامية ومن الأمثلة عن الضجر الغربي من مجازر الاحتلال، هو عدد الإندبندنت البريطانية الذي كتب على غلافه كفـى Enough، حيث جاء في افتتاحيتها لقد أصبح عمال الإغاثة الـ7 الذين قُتلوا في غارة جوية رمزًا للطريقة المتهورة الخارجة عن القانون التي أدار بها نتنياهو هذه الحرب. لقد حان الوقت للقيام بكل ما يلزم لإجبار حكومة إسرائيل على إنهائها. كانت إسرائيل ولا تزال كيانًا غريبًا في المنطقة، ومنبوذًا من شعوبها. وعلى الرغم من اتفاقات السلام والتطبيع التي تمت معه من قِبل بعض الأنظمة العربية، فإن التطبيع بقي حبيس الأنظمة دون أن يطال الشعوب. والحقيقة أن قادة الكيان يدركون هذه الحقيقة منذ البداية، ولذلك بقي صمام أمان وجودهم في المنطقة، هو اعتمادهم على الدعم الغربي، وعلى الأخص الأميركي بالمال والسلاح. وقد كشفَ 7 أكتوبرتشرين الأول هشاشة الجيش الإسرائيلي الذي لم يصمد أمام هجمة مئات من الشبان المسلحين بالأسلحة الخفيفة، فضلًا عن أن مجرى الحرب، أكّد أن الكيان غير قابل للصمود بدون الدعم العسكري والمالي الأميركي، مصحوبًا بتأمينه سياسيًا بالفيتو الذي يمنع إدانته في مجلس الأمن على جرائمه وانتهاكه المواثيق والأعراف الدولية. ولذلك، فإن تخلخلَ المكانة العسكرية والأمنية للكيان، الذي أكدته الأحداث، واستمرارَ حاجة الاحتلال للدعم الأميركي دون أن يكون مؤهلًا لحراسة المشروع الغربي، سيجعلان هذا الكيان يخسر مكانته الإستراتيجية في المنطقة، وقد يصبح عبئًا على داعميه في المرحلة المقبلة. وإذا أضفنا لذلك انقلاب صورته -التي سوقها لنفسه بأنه يواجه إرهاب الفلسطينيين- إلى كيان إرهابي متمرد على القيم والمبادئ الإنسانية، فسيؤدي ذلك إلى تغييرات مهمة في الرأي العام الغربي الذي سيضغط بدوره على الأحزاب المختلفة في الغرب لتغيير طريقتها في التعامل معه. لقد وصل الكيان إلى انحطاط غير مسبوق في مكانته العالمية، حينما أوصلته جرائمه لمحكمة العدل الدولية وانضمام دول إلى جنوب أفريقيا في الدعوى ضده بارتكاب الإبادة الجماعية، وهي حالة لم تمر بالكيان منذ تأسيسه. كما أنّ رفع نيكاراغوا دعوى مماثلة في نفس المحكمة ضد ألمانيا المصنّفة ثانيةً في دعم الكيان بالسلاح، سيؤدّي إلى تحسّب الدول التي تدعم هذا الكيان من أن توضع في خانة الإدانة الدولية، الأمر الذي قد يفرمل مستوى تعاون أو تحالف أي دولة مع هذا الكيان مستقبلًا. كل ذلك يؤكّد أن إسرائيل تسير برجلَيها إلى خراب كيانها المصطنع، عبر فقدانها التدريجي حبلَ الناس الذي يبقيها على قيد الحياة. ولو سُمح لمحيطها العربي والإسلامي بالتحرك ضدها جماهيريًا وسياسيًا، فإن ذلك سيعجّل بنهايتها، وذلك بعد أن تصبح عبئًا على أميركا والغرب. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/12/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%86%D9%82%D8%B7%D8%B9-%D8%AD%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3-%D8%B9%D9%86%D9%87%D8%A7
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-04-12T08:52:54
2024-04-12T08:52:54
مقالات
2,373
المقاومة في الضفة فرصة لتعزيز الوحدة أم تصعيد للمخاطر؟
تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية ضرورة لمواجهة الاحتلال، رغم المخاطر. الهدوء لم يوقف سياسات الاحتلال التوسعية، والمقاومة قد تعيق هذه المخططات على الرغم من تكاليفها.
تصاعدت المقاومة في الضفة الغربية بشكل ملحوظ في الأشهر الماضية، وبدا أن مجموعات المقاومة المسلحة تزداد عددًا وعدة وقدرة على الفعل، خاصة بعد أن دخلت على الخطّ محافظة الخليل، ذات الثقل السكاني والتاريخ المميز في الفعل المقاوم. بموازاة ذلك، تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، وعمدت قوات الاحتلال إلى إحداث دمار كبير في البنى التحتية، لا سيما في طولكرم وجنين. هذه التطوّرات فتحت نقاشًا بين العديد من الكتّاب والنخب الفلسطينية حول انعكاس هذا التطور على الضفة الغربية والحرب في قطاع غزة، ومدى جدوى العمليات المسلحة في الضفة في كبح جماح العدوان الإسرائيلي على القطاع، وإمكانية استغلال جيش الاحتلال هذه العمليات للقيام بما قام به في غزة من تدمير وقتل وتخريب. هذا الرأي، وإن كان بعض أصحابه من مناصري المقاومة والمدافعين عنها وعن دورها في قطاع غزة، إلا أنه يعني فيما يعنيه أن تترك غزة وحيدة في مواجهة آلة البطش الصهيونية، وأن يُترك جزء من الشعب الفلسطيني، الذي حكم عليه الاحتلال بالتجزئة القسرية، يعاني ويصمد منفردًا، فيما المكونات الأخرى في الجغرافيات المختلفة تقوم بأدوار محدودة لا تؤثر جوهريًا على سير المعركة، وتكتفي كما شعوب ومكونات الأمة العربية والإسلامية بالإشادة بصمود وبطولة غزة ومواطنيها، والتعبير عن مدى حبّهم وتقديرهم وإعجابهم بهذه الفئة الصابرة المؤمنة، مذكّرين بما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش مت كي تعرف كم نحبك. هذه الفكرة أو الموقف ينطوي على أخطار وأضرار إستراتيجية تتعلق بالقضية والشعب الفلسطيني. فماذا يعني عدم مشاركة الضفة الغربية في المواجهة المفتوحة مع الاحتلال بداعي السلامة وتفويت الفرصة؟ نجاح الاحتلال بالاستفراد بكل تجمع فلسطيني منفردًا، يعني الاستسلام لهذه السياسة والقضاء على فكرة وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة قضيته. وهو ما ينبغي العمل بعكسه تمامًا، لما له من انعكاسات على مستقبل القضية الفلسطينية، والفلسطينيين ووحدتهم ووحدة قضيتهم. كيف يمكن أن يستقيم ذلك مع شعار شعب واحد، أرض واحدة، وقضية واحدة؟ أي ثمن يمكن أن تدفعه الضفة يمكن تعويضه في إطار وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة مصيره ومشروعه. وإن انقسامًا عميقًا قد ينجم عن هذا الموقف سيلحق ضررًا بالغًا بالفلسطينيين وقضيتهم، ويخدم مشروع الاحتلال، وقد يحتاج لعقود لتجاوزه. يقول بعض الداعين لتحييد الضفة الآن إنهم يدركون المخاطر التي تتعرض لها الضفة الغربية والقضية الفلسطينية بشكل عام، وضرورة أن يكون للضفة دور في مواجهة الاحتلال، لكنهم لا يرون أن المقاومة المسلحة الآن هي الأداة الأنسب لهذا الدور. كما يرون أن تأخر الضفة في الانخراط في هذه المواجهة قد قلّص من أهمية وفاعلية دورها، إذ إن المذبحة والتدمير في غزة قد حدثا، ولن يغير تطور الفعل المقاوم في الضفة الواقع القائم أو يساهم في التأثير على نتائجه. وهو رأي تعوزه الدقة ويفتقد للمنطق، وما الاهتمام الكبير بسلوك الضفة من قبل الأطراف المختلفة، وخاصة الولايات المتحدة وأجهزة أمن الاحتلال، إلا دليل على مدى أهمية وتأثير الضفة الغربية على مشهد الحرب وبيئتها السياسيّة. عملت الولايات المتحدة منذ بداية الحرب على ضمان هدوء الضفة الغربية، وهو ما تحدث به العديد من المسؤولين الأميركيين مرارًا. وقد وصل الاهتمام الأميركي بهذا الأمر إلى حد فرض عقوبات على بعض المستوطنين الذين يعملون على توتير الأجواء عبر الاعتداء على الفلسطينيين. كما حذر الكثير من القيادات العسكرية والسياسية والخبراء الإسرائيليين من انفجار الضفة الغربية وما قد يترتب عليه من تداعيات خطيرة على أمن الاحتلال ومسار حربه على غزة. وعليه، فإن الراعي الأميركي والخبراء في الكيان يدركون أهمية وفاعلية دور الضفة الغربية، وما له من انعكاسات على حرب الإبادة في غزة والقضية الفلسطينية، والتي يمكننا التعرض لبعضها كل ما ورد أعلاه لا يعني عدم تفهّم التخوفات المرتبطة بمواجهة مفتوحة مع احتلال غاشم مدعوم من قوى الاستعمار والغطرسة الغربية، خاصة في ظل بيئة سياسية فلسطينية ضعيفة، ناجمة عن غياب قيادة فلسطينية ممثلة للشعب الفلسطيني وطموحاته وقادرة على قيادته في هذه المحطة التاريخية، وكذلك انعكاس الانقسام الداخلي على قدرة الفلسطينيين على الإنجاز، وغياب الظهير العربي والإسلامي والانحياز الغربي الأعمى والدعم والشراكة الأميركية الكاملة في الحرب. لكن هذه العوامل حاضرة، وبكل أسف، منذ أمد بعيد، وإن انتظار تغيير جوهري عليها لوقف حرب الإبادة ولجم العدوان لا يبدو منطقيًا أو عمليًا. ولا بد لكل فرد أو مجموعة أو تجمع فلسطيني أن يقوم بكل ما يستطيع دفاعًا عن ذاته وقضيته ومستقبله، ومساهمة في لجم العدوان ووضع حدّ للإبادة الجماعية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/11/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%88%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d9%81%d8%a9-%d9%81%d8%b1%d8%b5%d8%a9-%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1600%2C1080
2024-09-11T05:00:00
2024-09-11T04:27:09
مقالات
2,374
في ذكراها السنوية.. ماذا بقي من الثورة التونسية؟
في الانعطافة الفريدة لمسار الثورة في تونس تحت عنوان: “مسار الخامس والعشرين من يوليو” ما يفسر المعركة حامية الوطيس بين سرديتَين تتنازعان الحديث باسم الثورة واتهام الطرف الآخر بخيانتها.
مع سنة أخرى تحت الحكم المطلق للرئيس قيس سعيّد، تحيي تونس ذكرى ثورتها وسط أزمة سياسية واقتصادية مركّبة، تطرح أسئلة حارقة حول أسبابها وآفاقها. سياق مثّل مادة أساسية لعدد من الأعمال الوثائقية التي أنجزتها، تلك التي لاحظت أنني كنت في كل مرة أحوم فيها حول سؤال مركزي يحمل في أحشائه مفارقة غريبة وهو ما الذي حدث بالضبط في تونس ذات 14 يناير كانون الثاني 2011؟ من الطبيعي أن تذهب الإجابات عن هذا السؤال طرائق قددًا، في قوس يمتد من اعتبارها حدثًا ثوريًا عظيمًا، إلى من يراها مؤامرة غربية على الدولة الوطنية، قامت على تحريك دمى محليّة. لكن السؤال ذاته يحيل على دلالة أخرى هي ما يمكن وصفه بالفرادة التي اتّسم بها الحدث الذي امتد من ديسمبر 2010 إلى يناير 2011 راسمًا مشهدًا إقليميًا وعربيًا مختلفًا عما استقرّت عليه المنطقة لعقود. جاءت فرادة الحدث في تونس من كونه أُنجز على يد شبان مهمشين في سنة اعتمدت فيها الأمم المتحدة مقترحًا رسميًا تونسيًا لاعتماد 2011 سنة دولية للشباب. وجد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي نفسه أمام فئة من المجتمع خارج التصنيفات التقليدية، تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي أداة أساسية في كسر الستار الأمني الحديدي الذي كان مضروبًا على التونسيين آنذاك. مرة أخرى- وبقطع النظر عن التقابل الحاد في تشخيص الحدث ودلالاته- يمكن اعتبار ما حدث مناسبة وفرصة ثورية، تقاسمه اعتباران أساسيان أحدهما؛ أفق رامَ إرساء ديمقراطية حديثة، وهو ما تم ترجمته في دستور وهيئات دستورية ومحطات انتخابية نزيهة. والآخر؛ هو أرضية وقف عليها الحلم الديمقراطي، وتتمثل في ذهنية اجتماعية مطلبية، وقبل ذلك وبعده تركيبة عميقة لشبكة من المصالح وأصحاب النفوذ، كانت تراقب خريطة سياسية منحت الإسلاميين الشرعية القانونية والأدوار المتقدمة في التفاعل مع تحولاتها، وهو الأمر الذي كان يثير ريبة أطراف، ورفض أخرى للواقع الجديد. ولّد التصادم بين الواقع والأفق خطوط اشتباك فاقمت مشاكل البلاد عوض حلّها، ليصبح التحول الديمقراطي شيئًا فشيئًا أزمة زادتها الأحداث الأمنية والاعتداءات الإرهابية تعقيدًا. لا شكَّ أن مخاض التحول- في أي بلد من البلدان- عملية شاقة ومؤلمة، تحفها الرهانات والمخاطر من كل مكان، لكن محدودية الوعي العام بهذه الحقيقة، وإخفاق النخب التي عارضت نظام بن علي في بناء تكتل تاريخي في مواجهة استحقاقات المرحلة، كل ذلك صنع الفراغ من حول المسار الديمقراطي، وجعله يتآكل من داخله شيئًا فشيئًا، إلى حد استعادت فيه قوى الماضي ثقتَها في إمكانية استعادة زمام الأمور، وأغرت جهات إقليمية وعربية بالتفكير في الثأر من مهد ثورات الربيع العربي، وطي هذه القصة من حيث انبثقت. يثير هذا الأمر سؤالًا لا يمكن تجاوزهما الذي مثّلته تونس لتلك الجهات الإقليمية والعربية قياسًا بساحات أخرى ملتهبة كسوريا واليمن وحتى الجارة ليبيا؟ تعود بنا الإجابة إلى جانب تهمله كل المقاربات التي تختزل المواجهات الشرسة فقط فيما هو عسكري مسلح، بينما تذكرنا تجارب عدة أن اندلاعَ النزاعات وإنهاءَها يعود إلى معطيات رمزية وقيمية ترتبط بمشاريع ورهانات للقوى المتصادمة أو المتنافسة. ها هنا تمثل تونس كثيرًا.. فقد صنعت الثورة للبلاد صورة تقترب من المثالية ليتحدث الجميع في ألفين وأحد عشر عن تونس ذات الإرث الإصلاحي العريق، بلد الحضارة والشعب المثقف المنفتح، ما يفسر ريادته في صنع ذلك التحول الذي غيّر وجه المنطقة للأبد. كان يجب العودة إلى تلك الصورة وإلى أبعادها الواقعية والمثالية؛ لإعادة رسمها من جديد وَفق اعتبارات مختلفة، يظهر فيها التونسي حاسمًا في أمر الديمقراطية، متأففًا بل وممتعضًا من دعاتها، غير راغب في سماع أي شيء من السياسة وأهلها، مستغرقًا في همومه اليومية لا يشغله سوى تأمين قوته أو امتطاء أحد قوارب الموت، كما تسمى في هجرة غير نظامية صوب الفردوس الأوروبي. في هذه المساحة ما يكفي إلى حد ما لتفسير مفارقات عدة تكتنف المشهد الحالي في تونس وترفع عنه ما تيسّر من اللبس، ذلك أنه أريد للثورة التي طردت الراحل بن علي أن تنتهي كما بدأت بأقل كلفة دموية، بل وبصفر قطرات من الدماء. كما أريد لها أن تنتهي بنفس ما أرسته من آليات ديمقراطية، فكان الرهان على الانتخابات وتحالفاتها المتقلبة، وأريد لها أن تنتهي بأعمق وأفضل شعاراتها؛ ألا وهو مقاومة الفساد، لكن هذه المرة لا يتم توجيه التهمة فقط لبقايا النظام البائد كما كان يصفه الثوريون، وإنما كذلك لأولئك الذين قاوموا نظام بن علي القمعي ذات يوم. في الانعطافة الفريدة لمسار الثورة في تونس تحت عنوان مسار الخامس والعشرين من يوليو ما يفسر المعركة حامية الوطيس بين سرديتَين تتنازعان الحديث باسم الثورة واتهام الطرف الآخر بخيانتها. سرديتان تتنازعان مصطلحات مركزية من قبيل؛ البناء الجديد والفعل التاريخي وتوزيع السلطة والثروة في تونس الراهنة، مع ما يشمله ذلك من إعادة تعريف للسلطة، وإعادة إنتاج للتوازنات عبر إلغاء الأجسام الوسيطة بتحجيمها وتقزيمها سواء أكانت سياسية أم نقابية. هل هناك قدر من الواقعية في القول بأن الثورة التونسية انتهت، أو أنها حية ترزق، رغم الموت السريري الذي تمرّ به؟ نعم ولا، ففي الإجابة نوع من الفوضى التي لا يعرف على وجه التحديد ما إذا ستكون خلاقة أم خنّاقة.. ذلك أنّ الأفق يبدو متلبدًا في وجه سلطة تقول؛ إنها تخوض معركة شرسة ضد ما تصفه بشبكة الفاسدين والمحتكرين والخونة، وكذلك في وجه معارضة استنفدت كل الوسائل السياسية السلمية في مقاومة ما تعتبره انقلابًا على غير منوال سابق لم تنفع معه بيانات واجتماعات ومسيرات. بين هذا الطرف وذاك شعب عزف عن المشاركة في كل المحطات التي اقترحها الرئيس سعيد، دون أن يعني ذلك حنينًا إلى ما قبل ذلك المسار، وهو الذي تعوَّد أن يدلي بدلوه بشأن الواقع الذي يعيشه، من خلال فئات وتعبيرات ووسائل تتجاوز سقوف الدولة ومعارضيها. تلقي الأزمات بظلالها الثقيلة على ساحة ما، تجعلها هشة أمام تدخلات آتية من الخارج، لكنها تقود بتراكماتها البطيئة والعميقة نحو تحوّل ما. تحوّل يقول الرئيس قيس سعيد؛ إنه بصدد صنعه وفرضه، وتؤكد المعارضة أنه قادم ذات يوم في اتجاه الحرية والديمقراطية، لا تفعل سياسة الأمر الراهن سوى تأخيره ما ينذر بثمن فادح لتحقيقه، في بلد لطالما تفاخر بأنه صنع تحولاته بأقل الأثمان كلفة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/14/%d9%81%d9%8a-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%a8%d9%82%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-14T12:25:28
2024-01-14T12:25:28
مقالات
2,375
تهميش الجيش ومؤشرات حرب أهلية في إسرائيل
طوال الوقت، يموج المجتمع الإسرائيلي بالعديد من أسباب الصراع، حيث هناك خلافات عميقة وممتدة بين المتدينين والعلمانيين حول قضايا عدة تتعلق بمسائل من قبيل: قداسة يوم السبت، والأطعمة والذبائح، ووضع النساء.
قبل انطلاق طوفان الأقصى كان في إسرائيل تحذير مرتفع النبرة من اندلاع حرب أهلية جراء سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهي ليست المرة الأولى التي تعلو فيها أصوات تتحدث هكذا في بعض المحطات والأوقات داخل إسرائيل، التي تفادت وقت تأسيسها حربًا من هذا النوع، كان يمكن أن تندلع لو شرعت الدولة العبرية في وضع دستور لها، إذ أدرك مؤسسوها أن بسببه قد يحتدم جدل بين العلمانيين والمتدينين، قد يتصاعد إلى شقاق يؤدي إلى انهيار المشروع منذ بدايته. فطوال الوقت، يموج المجتمع الإسرائيلي بالعديد من أسباب الصراع، حيث هناك خلافات عميقة وممتدة بين المتدينين والعلمانيين حول قضايا عدة تتعلق بمسائل من قبيل قداسة يوم السبت، والأطعمة والذبائح، ووضع النساء، والزواج المختلط، والتعليم والخدمة العسكرية، والاستيطان، أضيفت إليها قضايا أخرى مع الزمن، مثل قانون تشريح الجثث وزراعة الأعضاء، وقانون حقوق الإنسان، وتجنيد الفتيات المتدينات، والتسوية مع الفلسطينيين. وهي صراعات تبلغ من الحدة المكتومة إلى درجة أن بين الإسرائيليين من يراها أسبابًا دائمة لاندلاع شرارة حرب أهلية في أي وقت. يحكي الدبلوماسي المصري رفعت الأنصاري في مذكراته عن فترة خدمته في إسرائيل أن بعض جمهور اليمين الديني المتطرف قد عزموا على تنظيم مظاهرة أمام مبنى السفارة في تل أبيب بعد أسابيع من اغتيال الرئيس المصري أنور السادات؛ احتجاجًا على اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية، ووقتها سمع من السفير محمد بسيوني أول سفير لمصر في تل أبيب عبارة لافتة قال فيها إذا ما اندلعت حرب أهلية في إسرائيل سيكون مائير كهانا زعيم حركة كاخ وراء ذلك. ولم يأتِ هذا الحكم من فراغ إنما كان مستندًا إلى تقدير معطيات واقعية ظاهرة للعيان. فالأحداث اللاحقة برهنت على أن مثل هذا التقدير لم يكن جزافيًا، من منطلق إدراك صاحبه رفض اليهود المتدينين للتخلي عن حلم إسرائيل الكبرى، ولذا يرون دومًا أن أي تسوية سلمية تعيد إلى العرب أرضهم السليبة يجب رفضها على الفور. لهذا رأينا حركات مثل جوش أمونيوم وكاخ، اللتين تحالفتا مع بيغن وشامير زعيمي حزب الليكود، تهددان بحرب أهلية إذا انسحبت إسرائيل بشكل كامل من الأرض العربية المحتلة، وفق مبدأ الأرض مقابل السلام الذي رُفع في مؤتمر مدريد عام 1991. وتجدد هذا الوضع مع الانسحابات الأحادية لإسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وقطاع غزة عام 2004، إذ تحدث البعض وقتها عن احتمال قيام الجيش، الذي تصاعد فيه وجود الضباط المتدينين المتشددين، بانقلاب على الحكومة؛ لأنهم يرونها قد فرطت في مشروع إسرائيل الكبرى. وهنا ينقل الباحث الإسرائيلي تسفكيه عميت في كتابه انقلاب عسكري في إسرائيل.. الاحتمالات والواقع عن أحد الأكاديميين الإسرائيليين المنتمين إلى اليمين قوله لقد كانت هناك مخاطر حقيقية لاحتمال نشوب حرب أهلية في إسرائيل.. التطرف الحادث لدى الجانبين، وعدم الصبر والعداء بينهما، دفعت بإسرائيل إلى الجلوس على برميل بارود، يمكن لأي شرارة أن تفجره وتجعله يمزق الدولة أشلاء وينثرها في الهواء. وأنا أعتقد أنه يجب علينا أن نشكر أولئك الذين أحدثوا الانقلاب. ومن بين الإسرائيليين من فكر في هذه الحرب الأهلية من زاوية أخرى، متوقعًا أن يطلقها فلسطينيو الداخل أو عرب الـ48، فها هو رحبعام زئيفي رئيس حركة مولديت، الذي قُتل أثناء انتفاضة الأقصى عام 2000، كان يرى أن نمو الحركة الإسلامية في إسرائيل سيقود ذات يوم إلى حرب أهلية. وزاد هذا الاعتقاد وقت التمرد الواسع لفلسطينيي الداخل عام 2021 مع اندلاع عملية سيف القدس، فما جرى وقتها نُظر إليه على أنه أشبه بحرب أهلية، حيث فقدت الشرطة وقوات حرس الحدود السيطرة على بعض المدن، وخصوصًا اللد، واضطرتا إلى إخلاء بعض الأسر اليهودية منها. قبيل طوفان الأقصى كانت إسرائيل على شفا حرب أهلية بالفعل، وهو أمر أكده أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان مناحم كلاين، إذ اعتبر الاحتجاجات التي شهدتها ضد اتجاه نتنياهو إلى تعديلات قضائية ترسخ الدكتاتورية، أنها تمثل المراحل الأولى من حرب أهلية. وهي مسألة أكدها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في معرض تعليقه على إقرار الكنيست مشروع قانون الحد من المعقولية المتعلق بالتعديلات القضائية، واصفًا القانون الجديد بأنه يمثل تهديدًا خطيرًا لأمن إسرائيل. بناءً على هذا، لم يكن مستغربًا أن يحذر تقرير لموقع كاونتر باتش الأميركي من مخاطر اندلاع حرب أهلية إثر استقالة عدد من قادة إسرائيل، مثل بيني غانتس، وغادي آيزنكوت، حيث كشف هذا عن انقسامات عميقة، تختلف عن الاستقطابات العادية التي تشهدها الديمقراطيات الغربية، ليس فقط لأن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية في جوهرها، ولكن لأن التكوين السياسي لها فريد من نوعه، لا سيما في ظل سعي نتنياهو وحلفائه إلى إعادة تشكيل الطبيعة السياسية لإسرائيل، بما يختلف عما جرت عليه العادة منذ قيامها عام 1948. فنتنياهو أراد تغيير علاقة السلطة السياسية بالجيش، خارجًا على القاعدة التقليدية التي ترى أن الجيش هو جوهر النظام السياسي، حين قال إسرائيل دولة لها جيش، وليست جيشًا له دولة. بينما الحقيقة التاريخية والسارية تبين أن إسرائيل تأسست واستمرت من خلال الحرب، وأن الجيش له مكانة خاصة في المجتمع، سواء من خلال تمتعه بامتيازات مهمة عندما يتعلق الأمر بصناعة القرار السياسي، أو كون كبار قادة الجيش هم من تولوا المناصب السياسية الرفيعة. ثم جاء طوفان الأقصى ليحدث تحولًا جذريًا في المشهد السياسي الإسرائيلي، وفق تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست، حيث تضررت ثقة إسرائيل بنفسها وفي قادتها السياسيين والعسكريين، وتراجع إحساسها بالأمن، وبات من المرجح حدوث زلزال في المشهد السياسي بعد الحرب. في الثالث عشر من أغسطس آب 2024، عاد الحديث عن حرب أهلية من جديد، حين حذر رئيس حزب معسكر الدولة بيني غانتس من اندلاعها قائلًا إذا لم نعد إلى رشدنا فستندلع هنا حرب أهلية، ويجب عدم طمس الحقيقة، هناك قيادة تنفر الناس، وتسمم البئر التي نعيش منها.. تندلع الحرب الأهلية عندما يتم إهدار كرامة العائلات الثكلى وأهالي المختطفين عبر قوات الشرطة خلال المظاهرات، وعندما يتم تصنيف الموظفين الحكوميين المخلصين على أنهم خونة. كان غانتس يعلق في هذا على حادثة اقتحام جمهور وجنود ملثمين من اليمين الديني المتطرف يقودهم نواب في الكنيست، قاعدةَ سدي تيمان في النقب جنوب إسرائيل؛ احتجاجًا على اعتقال الشرطة العسكرية تسعة جنود متهمين بالاعتداء الجنسي على أسير فلسطيني، ومحاولة الغاضبين إطلاق سراحهم بالقوة. حين تضع الحرب أوزارها ستطفو على السطح من جديد آثار خطة نتنياهو لتهميش دور الجيش في الحياة السياسية، حتى لو أخلَّ هذا بالركيزة الأساسية للتوازن في مجتمع يوصف بأنه جيش له دولة، لكن الجيش، على الأرجح، لن يصمت على تقليص دوره، وسيصارع في سبيل الحفاظ على موقعه وموضعه، وستكون مواجهة حامية بعد تسلل المتدينين المتشددين إلى المناصب القيادية في الجيش، والذي صار ظاهرة حدَت بالبعض إلى المطالبة بعدم جمع الضباط المتدينين في الوحدات العسكرية نفسها. لقد سبق أن نشب صراع مسلح بين الجيش الذي كانت تهيمن عليه عصابات الهاغاناه خلال حكم بن غوريون، وبين قيادات مليشيات مسلحة عندما قصف الجيش سفينة كانت تحمل أسلحة إلى عصابة الأرجون وقتل واعتقل العديد من عناصرها، وليس هناك ما يحول تمامًا دون تكرار هذا بين وحدات الجيش بعد الحرب، فإن جرى ذلك، في ظل الدور المحوري للجيش في المجتمع، فقد يفتح الباب أمام حرب أهلية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/11/14/%d9%87%d9%84-%d8%b3%d8%aa%d9%86%d8%af%d9%84%d8%b9-%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a3%d9%87%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a8%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-11-14T10:06:17
2024-11-14T11:02:33
مقالات
2,376
فرنسا تعارضه بشدة.. مستقبل الميركوسور والاتحاد الأوروبي
أعضاء الحكومة الفرنسية، والبرلمان بأغلبيته، وجلّ الأطياف السياسية في البلاد، قد أعربوا عن معارضتهم إبرام هذا الاتفاق، لكن الهيئة التنفيذية الأوروبية تعتبر موضوع التوصل إلى اتفاق ضرورة إستراتيجية.
بعد مفاوضات شاقة بين المفوضية الأوروبية برئاسة أورسولا فون دير لاين، ومجموعة دول الميركوسور المتشكلة من البرازيل، والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي، تم التوصل إلى إعلان مشترك، وأُسدل الستار يوم الجمعة السادس من ديسمبر كانون الأول لهذه السنة على القمة الخامسة والستين للميركوسور بمدينة مونتيفيديو بأوروغواي. وبالرغم من معارضة بعض أعضاء دول الاتحاد الأوروبي، تشبثت المفوضية الأوروبية بضرورة التصديق على اتفاقية التبادل التجاري الحر مع المجموعة، في ظل تحولات جيوستراتيجية يعرفها العالم، من أهمها صعود ترامب والحزب الجمهوري اليميني إلى سدة الحكم بالولايات المتحدة الأميركية، وتلويحه برفع الرسوم الجمركية على واردات الاتحاد الأوروبي، معتبرًا أن المستفيد الأول من الاتفاقيات التجارية التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بالاتحاد الأوروبي، هو هذا الأخير. هذا في الوقت الذي يتّجه العالم إلى تعزيز مقومات الاقتصاد الأخضر، ومصادر الطاقات المتجددة، من هيدروجين أخضر وطاقة حيوية ذات المصدر النباتي، وغيرها. كما تعمل دول العالم قاطبة على البحث عن المواد الأولية الضرورية لتطوير صناعتها، وتعتبر دول الميركوسور الأربع مصدَرًا هامًا لهذه المواد، وهو ما يُسيل لعاب الكثير من الدول، منها دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون. انطلقت المفاوضات بين الطرفين سنة 1999، وبعد عشرين سنة، تم التوافق على نص الاتفاق بتاريخ 28 يونيوحزيران من سنة 2019. وفي سنة 2022، تم الاتفاق على ملحق لتوضيح النقاط الإضافية الغامضة. واصل بعد ذلك الخبراء من الطرفين، مراجعة الوثيقة من الناحية القانونية والتقنية، رغم معارضة فرنسا التي تزعم أن إتمام هذه العملية سيلحق خسائر فادحة بالقطاع الزراعي والحيواني. المفوضية الأوروبية التي كان لها دائمًا موقف آخر، تسعى جاهدة لإتمام هذا المسار، حيث سيتم رفع حجم التبادلات التجارية مع هذا السوق بعد إلغاء زهاء 90 من الرسوم الجمركية بين الميركوسور والاتحاد الأوروبي، في وقت يُتوقع فيه أن يتم فرض ضرائب جمركية جديدة في الولايات المتحدة الأميركية على صادرات دول الاتحاد. هذا، وكانت الهيئة التنفيذية للمفوضية الأوروبية، قد أوصت بتعزيز المفاوضات مع دول الميركوسور من أجل التوصل إلى اتفاق قبل نهاية هذه السنة، خصوصًا بعد أن تم التوصل إلى اتفاق لمجموعة دول العشرين يخص ملفات كانت عالقة خلال الاجتماع الأخير. فقمة مونتيفيديو بأوروغواي لدول الميركوسور مطلع هذا الشهر، ديسمبر كانون الأول 2024، شكلت فرصة لحسم العملية التفاوضية التي دامت أكثر من عقدين. بيدَ أن أعضاء الحكومة الفرنسية، والبرلمان بأغلبيته، وجلّ الأطياف السياسية في البلاد، قد أعربوا عن معارضتهم إبرام هذا الاتفاق، لكن الهيئة التنفيذية الأوروبية تعتبر موضوع التوصل إلى اتفاق ضرورة إستراتيجية، وهو طَرح تزكيه اثنتان من أكبر الاقتصادات الأوروبية هما إسبانيا وألمانيا. يرى فيديريكو ستاينبرغ الباحث في المعهد الملكي إلكانو، أن الظروف تغيرت في السنوات الأخيرة، حيث إنه في الوقت الحالي نحن أمام فرص يتيحها الوضع الجيوسياسي واستعداد الأطراف المعنية لتوقيع الاتفاق. كما يوضح ستاينبرغ لصحيفة سينكو دياس الإسبانية والمتخصصة في شؤون الاقتصاد إنه لا يمكن لدولة واحدة أن تستخدم حق النقض ضد السياسة التجارية الأوروبية، وهذا ما عاينّاه مؤخرًا عندما عارضت ألمانيا فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية. إذ تم اتخاذ القرار بالأغلبية في مجلس الاتحاد الأوروبي، رغم معارضة فرنسا. وعليه يمكن المضي قدمًا بحسب الخبير. المفوضية الأوروبية ترى في اتفاق التبادل التجاري مع دول الميركوسور تحولًا تاريخيًا، حيث سيكون أول اتفاق تجاري بهذه الأهمية والرمزية، يربط الاتحاد الأوروبي بهذا القطب التجاري المهم والذي يمثل حوالي خُمس الاقتصاد العالمي. هذا الاتفاق سيمكّن من جني 50.000 مليون يورو من مجمل الواردات والصادرات، كما يعد شراكة إستراتيجية واقتصادية لفضاءين جغرافيين يبلغ عدد سكانهما 700 مليون شخص، وسيعمل على خلق فرص جديدة للطرفين، مع الرفع من القدرة التنافسية لمقاولات دول الاتحاد الأوروبي. في نفس السياق، تؤكد المفوضية على أن هذه الشراكة التجارية، سترفع الناتج الداخلي الخام لدول الاتحاد إلى 15.000 مليون يورو. وإلى 11.400 مليون يورو لدول مجموعة الميركوسور. وستمكن دول الاتحاد من الاستثمار بدول أميركا الجنوبية والاستفادة من المواد الخام الضرورية؛ لتطوير الصناعات الحديثة، وربط اقتصادات دول الميركوسور بالاقتصاد الأوروبي الذي يبحث عن بدائل بعد تلويح الولايات المتحدة الأميركية برفع الرسوم الجمركية على واردات الاتحاد، وفقًا لتصريحات أحد النواب التنفيذيين لأورسولا فون دير لاين رئيسة مفوضية الاتحاد، السيد فالديس دومبروفسكيس، في زيارة قام بها مؤخرًا إلى البرازيل، التي تعتبر من أكثر الدول المتحمّسة للاتفاق منذ سنوات. بروكسل ترى أن هذه الاتفاقية من شأنها تعزيز الأمن الاقتصادي للمنطقة الأوروبية في عالم يشهد انقسامات متزايدة؛ حيث إن الأوضاع الجيوسياسية المضطربة تبرز أهمية تأمين اتفاقات تجارية مع شركاء موثوق بهم، اتفاقات تسهم بالفعل في حماية سلاسل الإمداد الحيوية من التقلبات، وتقليل الاعتماد على أطراف قد تتخذ قرارات مضرة بمصالح الاتحاد، مع ضمان الوصول إلى المواد الخام الأساسية الضرورية، والواردات الحيوية لتطوير الصناعات الأوروبية الطموحة، وتعزيز سلاسل الإمداد قصد الرفع من قدرة الاقتصاد الأوروبي على الصمود، في سياق اقتصاد دولي لا تعرف له مخرجات. أيضًا، تعتبر المفوضية الأوروبية أن خفض الرسوم الجمركية المرتفعة في الميركوسور سيعزز بشكل كبير من تنافسية الشركات الأوروبية في أسواق دول المجموعة، مما سيفتح آفاقًا جديدة لقطاعات متعددة. وهو الأمر الذي سيتيح للمصدرين من الاتحاد الأوروبي توفير أكثر من 4 مليارات يورو سنويًا. في نفس السياق، سيرتفع منسوب تدفق العمليات التجارية للمصدرين الأوروبيين لأكثر من 26.000 شركة صغيرة ومتوسطة في الاتحاد الأوروبي التي تصدر حاليًا إلى دول الميركوسور. كما أن الشركات الأوروبية سيكون بإمكانها المشاركة في عملية تقديم عروض والتنافس على المناقصات العامة للتوريد أو لتلبية احتياجات القطاع العام في إطار العقود العمومية لدول الميركوسور، وهو ما كان متاحًا في السابق فقط للشركات المحلية. خرج المزارعون للاحتجاج على توقيع الاتفاق، ليس الفرنسيون فقط، وإنما في إسبانيا كذلك على سبيل المثال تظاهرت بعض اتحادات المزارعين ضد التأثير المحتمل الذي قد تسببه واردات المنتجات من أميركا الجنوبية على نشاطهم الاقتصادي؛ بحجة أن السلع القادمة من دول الميركوسور لا تحترم المعايير الصحية الأوروبية، وهو ما سيضرّ لا محالة بتنافسية المقاولات الأوروبية. وهو نفس ما دفع المزارعين من دول أوروبية أخرى كبولندا والنمسا. توقعت دراسة حديثة لمفوضية الاتحاد الأوروبي زيادة في الواردات من دول الميركوسور في اتجاه دول الاتحاد قد تصل إلى حوالي 1.800 مليون يورو بحلول سنة 2032، مع التركيز بشكل خاص على المنتجات الزراعية واللحوم. على سبيل المثال، تشير الدراسة إلى أنه بحلول سنة 2032، سيستورد الاتحاد الأوروبي من الميركوسور الأرز بقيمة تصل إلى 152 مليون يورو، وهو ما سيشكل 10 من واردات أرز الاتحاد الأوروبي، أما واردات السكر فسترتفع لتصل إلى 114 مليون يورو. الأمر الذي سيؤثر سلبًا على الميزان التجاري للاتحاد الأوروبي مع هذا التكتل. لكن في المقابل، سيكون لدول الاتحاد الحصة الوافرة من السوق في قطاعات أخرى مثل الفواكه والزيوت النباتية والمشروبات الكحولية. كما تشير الدراسة إلى أن تنفيذ 10 اتفاقيات للتجارة الحرة والتي فاوض عليها الاتحاد الأوروبي، سيرفع واردات لحم البقر إلى 529 مليون يورو، أي بزيادة قدرها 24، مع الأخذ بعين الاعتبار كون الميركوسور هي المصدّر الرئيسي لهذا المنتوج، أي أنها تجني حوالي 432 مليون يورو. وعليه، من المتوقع أن تنخفض أسعار المنتوجات الأوروبية بنسبة حوالي 2,4، وأن ينخفض الإنتاج بنسبة حوالي 0,9. هذا وقد ترتفع الواردات الإجمالية من لحوم الدواجن، حسب نفس الدراسة، بنسبة تصل إلى 28,3، أي حوالي 260 مليون يورو من دول الميركوسور إلى الاتحاد. يرى العديد من الخبراء أن طبيعة الاتفاق هي سياسية، بمعنى أن الاتفاق يحتاج مسطريًا إلى المصادقة البرلمانية لدول مجموعة الميركوسور، وإلى توافق وزراء الاقتصاد داخل مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يتقاسم الاختصاص التشريعي مع البرلمان الأوروبي قبل عرضه على هذا الأخير قصد التصديق. وحتى بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، سنكون أمام ضرورة مصادقة البرلمانات الوطنية للدول السبع والعشرين قصد استكمال مسار الإجراءات القانونية. وغني عن البيان ما تعانيه بعض دول الاتحاد من حالة الاضطراب، كإسقاط حكومة ميشال بارنييه بفرنسا المدعوم من طرف الرئيس إيمانويل ماكرون، والمعارضة الشديدة لحكومة جورجيا ميلوني في إيطاليا، ومعارضة أنصار حماية البيئة لتوجهات الحكومة الإيطالية. كل هذه العوامل قد تسهم في عرقلة الخطوات القانونية والتنظيمية الضرورية لتأمين تنزيل الاتفاق، لكن عرقلة مسار التنزيل القانوني للاتفاق هذا يتطلب 35 من مجموع دول الاتحاد، و45 من مجموع ساكنته، وهو أمر صعب التحقق. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/20/%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d8%b1%d8%b6%d9%87-%d8%a8%d8%b4%d8%af%d9%87-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d9%88%d8%b3%d9%88%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-12-20T02:07:56
2024-12-21T21:13:55
مقالات
2,377
هل تبخّر حلم إسرائيل في فوز حليفها برئاسة الأرجنتين؟
يمثّل ميلاي ظاهرةً شغلت الناس والإعلام وأسالت حبرًا كثيرًا، بسبب ملامح شخصيته سواء فيما يتعلق بالجانب الخاص من حياته أو بالجانب السياسي، ويكفي القول إنَّ اسم شهرته هو “المجنون”
عندما فازَ المرشَّح اليمينيّ المتطرّف خافيير ميلاي بالمركز الأوّل في الانتخابات التمهيدية الرئاسية منذ شهرَين في الأرجنتين، تضاعفت حظوظُ شبيه ترمب وبولسونارو، بالفوز بالرئاسة، لأسبابٍ تتعلّق بأسلوبه فائقِ الشعبويّة، في وقتٍ بلغ فيه مستوى الغضب الشعبيّ على الحكومة الحالية وسابقتها، أعلى معدّلاته. لكنّ نتائج الجولة الأولى يوم الأحد الماضي مثّلت مفاجأة أقوى من مفاجأة الانتخابات التمهيدية، وأكَّدت إلى حدّ كبير عودة الرّشد إلى النّاخبين، الذين تراجعوا عن دعم المرشّح الذي يباهي باصطفافِه التامّ مع السياسات الإسرائيليّة والأمريكيّة، لاسيما بعد طوفان الأقصى. إذن، وعلى عكس التوقّعات واستطلاعات الرأي، قفز مرشّح الائتلاف الحاكم، وزير الاقتصاد الحالي سرخيو ماسا، إلى المركز الأوّل، وحصل على 36.68، تاركًا خافيير ميلاي في المركز الثاني بـ29.99، لتشتدّ وتيرة التنافس والتحالفات من أجل الفوز برئاسة الأرجنتين يوم 19 نوفمبر تشرين الثاني المقبل، خلفًا لألبيرتو فرنانديز. وبغضّ النظر عن المفاجآت، التي أكّدت أنّ الخاسر الأكبر فيها، هو المرشح اليمينيّ المتطرّف ميلاي- الذي كان يراهن على حسم الفوز منذ الجولة الأولى، لتجنّب الاستمرار في كشف جوانب أكثر من أفكاره وتصرّفاته التي صدمت العديدين، وجعلتهم ينفضّون من حوله- فإنه حريّ بنا التعرف على هذه الظاهرة السياسية. يعرّف ميلاي نفسه بأنّه اقتصادي ليبرالي متحرر ورأسمالي فوضوي، قادر على إخراج الأرجنتين من أزمتها المالية الحادّة، من خلال أفكاره الفذّة والشجاعة، وأنه مُعجب جدًا بالديانة اليهودية، ويدعم إسرائيل قلبًا وقالبًا، ويعتبرها الشريك الأبرز لحكومته، في حال فوزِه. في المقابل، يعِد بإلغاء كل دور للدولة في الشراكة مع الصين وروسيا، وكل الأنظمة الاشتراكيّة، وتلك المعادية لإسرائيل، بما في ذلك البرازيل، التي تعتبر أقوى شريك اقتصادي إقليمي للأرجنتين. كما تضم قائمة البلدان التي لاتروق له، الفاتيكان، ووعدَ بقطع علاقات بلاده معها، ولم ينجُ البابا ذو الأصول الأرجنتينية من بذاءته ولعناته المشهورة، واصفًا إياه بأنه مرتزِق، وهو ما ألّبَ عليه غضب فئات واسعة من المجتمع، لكنها على الجانب الآخر، راقت لفئات شبابية متمرّدة على كل شيء. في الحقيقة، يمثّل ميلاي ظاهرةً شغلت الناس والإعلام وأسالت حبرًا كثيرًا، بسبب ملامح شخصيته سواء فيما يتعلق بالجانب الخاص من حياته أو بالجانب السياسي، ويكفي القول إنَّ اسم شهرته الذي أطلقه عليه أصدقاء طفولته وصاحبه إلى اليوم هو المجنون، ومثّل عنوانَ كتاب عن سيرته، تمّ تأليفه مؤخرًا، من أحد المهتمّين بدراسة شخصيته. إضافة إلى أنّ اسمه سجّل أرقامًا قياسية في مجالات عديدة، من بينها تصنيف لقائه التلفزيوني مع المذيع الأمريكي تاكر كارلسون، بالحوار الأعلى مشاهدة في التّاريخ، متغلبًا بذلك على حوار الرئيس الأمريكي السابق ترامب مع نفس المذيع خلال حملته الانتخابية. على صعيد آخر، مثّل اقتحام ميلاي السباقَ الرئاسي في الأرجنتين، صدمةً لأنصار القُطبية التي حكمت البلاد عدّة عقود، والمتمثلة في تيّار البيرونيزمو، رائد سياسات اليسار الاجتماعيّ وخصومه اليمينيين، وأثبت صعود شعبيته الصاروخي، ارتفاعَ حظوظه في الفوز، وكسر تلك القُطبية، باعتبار أنّ الأفكار التي يروّج لها تسعى لنسف كل أفكار ما سبق من تيارات حكمت البلاد، بل يتوعّدها بأقسى العقوبات منذ أول يوم يتولّى فيه السلطة، ودون الحاجة حتى للمرور بالبرلمان. وأكّد حصوله على المركز الأوّل في الانتخابات التمهيدية في أول مشاركة له، أنّ خطابه الشعبوي الفائق، نجح في إقناع الناخبين بأنّ الشّر والإفلاس وانهيار الأرجنتين كان بسبب فكرة الدولة، التي أدارتها الحكومات السابقة، وبالتالي فإن الدولة هي المشكل وليست الحلّ حَسَب رأيه، وأنه وفريقه، القادرون وحدَهم على إنقاذ البلاد، تأكيدًا لشعار حملته الحلّ الوحيد. ويراهن ميلاي على أنَّ اختزال دور الدولة- من خلال إلغاء جميع الخدمات التي تدعم دور الدولة الراعية للمواطنين- سوف يساهمُ في توفير 14 من الناتج المحلي الإجمالي. إضافةً إلى أنه يعتبر أنَّ مؤسسات مثل البنك المركزي، هي مجرد خديعة من قِبل الحكومات للتغطية على الاستحواذ على المال العام لفائدة أشخاصِها. كما يرى أنَّ الدولة تحتاج ثماني وزارات فقط، والباقي يمكن اختصاره في فروع إدارية لهذه الوزارات، من بينها وزارة المرأة أو البيئة، التي يعتبرها نكتة لمغازلة الثقافة النسويّة والبيئيّة الرائجة. أمّا الوعد الذي مثّل استثناءً في برنامج ميلاي الانتخابي- مقارنة بغيره- فهو الاستغناء عن عملة الأرجنتين، البيسو واستبدالها بالدولار الأمريكي، خلال السنة الأولى من حكمه، علمًا أن قيمة البيسو انهارت خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة من مستوى كان فيه 1 بيسو يساوي 1 دولار إلى 1.000 بيسو يمكن أن يساوي 1 دولار في بعض الأوضاع؛ نظرًا لأنّ أسعار الصرف تختلف باختلاف الهدف، كما حدّدتها الحكومة. الغريب أنّ الانقلاب الذي حصل على مستوى النتائج- وجعل وزير الاقتصاد ماسا يحتلّ المركز الأوّل في بلد يعاني من ثاني أعلى معدّل تضخم في العالم، بنسبة 140، ومعدل فقر طال 40 من المجتمع- أكّد أنّ أصحاب الأصوات الجديدة التي اكتسبها، يفضّلون وزيرًا يمكن اعتباره أهمَّ مسؤول عن الانهيار الاقتصادي المذكور، على مرشّح غريب الأطوار والأفكار، يمكن أن يذهب بالبلاد إلى الهلاك. وفي هذا السياق، ذهبَ بعض المحللين إلى أن جزءًا كبيرًا من الأصوات التي ذهبت لميلاي في الجولة التمهيدية، كانت بمثابة صرخة غضب أو تحذير للحكومة الحالية والتي سبقتها، ولم يكن أصحابها يتوقّعون أنَّ ميلاي سيحصل على تلك النسبة التي بلغها، لذلك تراجعوا عن دعمه في الجولة الأولى. ويرى آخرون أنّ الجولة التمهيدية، لم تمثّل يومًا اختبارًا جدّيًا، لتحديد شعبية المرشحين، وبالتالي فإنّ التصويت العاقل والوفيّ لتيّار البيرونيزمو لايمكن أن يستغني عن دعم مرشّحيه، في المحطات الصعبة، وهو واعٍ بأنّ حكومة فرنانديز وكيرشنر ليست المسؤولة الوحيدة عن الأزمة المالية والاجتماعية التي تعيشها الأرجنتين، وإنما وجب الوثوق في المستقبل، لأنّ الأسوأ قد مضى، حَسَب تعبير سرخيو ماسا. رغم كل ما ذكرناه، يبقى احتمال فوز ميلاي بالرئاسة في الجولة القادمة، واردًا في حال استجابة أكثر من ثلثي أنصار باتريسيا بولريتش، مرشّحة المعارضة ووزيرة داخلية حكومة الرئيس الأسبق ماكري، وإن كان ذلك أمرًا مستبعدًا نسبيًا. لكن في كل الأحوال، يبقى طوفان الأقصى، وما تّرتب عنه من تعقيدات عسكرية وسياسية لدى الحكومة الإسرائيلية، أكبر حدث غير منتظر بالمرّة شغل هذه الأخيرة عن مواصلة دعم ذخرها المحتمل لاسترجاع الأرجنتين، من الحِضْن الصيني. سرخيو ماسا الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/10/24/%d9%87%d9%84-%d8%aa%d8%a8%d8%ae%d9%91%d8%b1-%d8%ad%d9%84%d9%85-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%88%d8%b2-%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%81%d9%87%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-10-24T11:45:14
2023-10-24T11:45:14
مقالات
2,378
غزة.. الشجرة التي صعد عليها الجميع
المشهد الحالي يُظهر المقاومة كأكثر أطراف الصراع استعدادًا للتخلي عن السُّلم. أما في جانب الاحتلال فالنزول عن شجرة غزة بالنسبة له هزيمة لا تبدو حقيقتها موضع نقاشٍ كبيرٍ بعد فشل تحقيق أهداف الحرب.
بعد أكثر من 100 يوم على الحرب، تبدو غزة كالشجرة التي صعد عليها الجميع دون أن يرتب أحدٌ سُلمًا للنزول. ويبدو أن البدايات كانت لدى الجميع مرهونةً بضغط اللحظة التي ينبغي أن تبدأ، فيما النهاية جزءٌ من ترتيبات لاحقة. خاضت حماس عمليتها في السابع من أكتوبر وهي تعي تمامًا أن ردة الفعل لن تكون أي شيء معتاد، لكن رغم ذلك يبدو أن التصورات لم تصل درجة اللامعتاد الحالي الذي نعايشه. تستند الرواية الفلسطينية، حتى دون أن يرويها أحد، إلى أن الفعل من جنس الواقع. فلم يكن واقع غزة لائقًا بحياة البشر بسبب إستراتيجيات العقاب الجماعي التي اعتقد أصحابها أن العصا تجلب الأمن. يقولون في علوم التربية؛ إن العنف العقابي يُوقف الفعل لكن لا يمنعه، بل قد يحفزه عند فرصة ما. خالف الاحتلال، ومِن ورائه الفاعلون الدوليون والإقليميون في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، قواعدَ التفاعل البشري وديناميات الفعل وردّه التي تقررها الطبيعة، وذهبوا جميعًا إلى سياسة الضغط حتى النهاية، فكان السابع من أكتوبر تلك النهاية. والمقاومة الفلسطينية بفعلها تبدو واعية لإمكانية معركة طويلة ومدمرة، لكنه يبقى وعيًا لم يجب عن سؤال السُّلم، سُلم النزول. إلا أن المشهد الحالي يُظهر المقاومة كأكثر أطراف الصراع استعدادًا للتخلي عن السُّلم، والقفز من أعلى، على قاعدة أن الموت السريع بكل مأساويته خيرٌ من البطيء، الذي لا خير فيه إلا اعتياد الألم والتعايش معه. أما في جانب الاحتلال فهو الفاعل الأكثر تورطًا، والذي لا يسعفه وزنه للقفز بدون سُلم. النزول عن شجرة غزة بالنسبة للاحتلال هزيمة لا تبدو حقيقتها موضع نقاشٍ كبيرٍ بعد فشل تحقيق أهداف الحرب، رغم كل هذا الوقت والتحشيد وعمليات التقتيل والإبادة الجماعية. هزيمة الاحتلال الإستراتيجية ناجزة بغض النظر عن النتيجة المنتظرة على الأرض. ومن هنا يبحث الاحتلال عن طريقة نزول مشرّفة، مدفوعةٍ بالهيبة المُهرقة على رمال غزة وغِلافها، وبالبقايا التي يحاول نتنياهو لملمتها من حياته السياسية التي وصلت حلْقتها الأخيرة في هذه الحرب. نتنياهو سببٌ كبيرٌ في استمرار الحرب؛ بحكم المستقبل الحرج الذي ينتظره، إلا أنه يمتلك قوةً تتمثل بالضعف الكلي لدولته، مجتمعًا وجيشًا وحكومةً. فالإجماع الإسرائيلي على استمرار أطول حربٍ إسرائيلية بلا أفق هو ضعف، لكنه يمنح نتنياهو قوته الخاصة للاستمرار في محاولاتٍ حثيثة لتجميع فرصٍ تُمكّنه من البقاء في حرب البقاء الأشمل والأخطر لهذا الكيان. إلى أن ينكسر إجماعُ المذبحة الإسرائيليُّ، فنتنياهو بخير، وحربه في استمرار، وباقي المواقف الدولية تفاصيل مهمة، لكنها ليست حاسمة. يستند الإجماع الإسرائيلي اليوم إلى عاملين؛ الأول هو انكسار هيبة الردع، وفشل الجيش في استعادتها حتى الآن، وليس ممكنًا التساهل في هذا الجانب كونه من عقائد الدولة التي تقوم على أساس بناء الأمن. والثاني هو وجود أسرى إسرائيليين لابد من تحريرهم كأقل نتيجة للحرب. هنا، ومن باب التفكير بصوتٍ عالٍ، ولأهل الميدان ظروفهم وتقديراتهم، قد يكون مهمًا التفكير بشكلٍ مختلفٍ في سياق المفاوضات القائمة لأجل صفقةٍ تُنزل الجميع من الشجرة خطوة خطوة. قد يكون القبول بصفقة تبادل كبيرة مقابل هدنة تمتد لأسابيع أو شهرين أو ثلاثة، دافعًا إلى إلغاء فاعلية العامل الثاني من عوامل الإجماع الإسرائيلي. فعودة أسرى الاحتلال تجعل الحرب تستمر بأهداف نتنياهو فقط، بعد زوال واحد من عوامل إجماعٍ إسرائيليٍ يحمل معه مصلحة نتنياهو الشخصية في استمرار الحرب حتى يجد هذا الأخير سُلّمه الخاص للنزول. أما العامل الأول المتعلق بالردع والأمن، فإن كافة الأطراف وصلت مرحلةً باتت فيها مستعدةً لإعطاء شعور تحقيقه ولو مؤقتًا، سواء في جبهة غزة، أو في جبهة الشمال ومثيلاتها. إن تحقيقَ صفقة كبيرة- يخرج فيها رموز من الأسرى الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، مثل مروان البرغوثي، وأحمد سعادات قد يسمح بإنتاج فاعلية فلسطينية من نوع جديد. وهنا لابد من تذكر الخلل الإستراتيجي الذي يلف الحالة الفلسطينية المتمثل بالانقسام بين حماس وفتح، والذي يمكن التقدير أن أسبابه الموضوعية لا تلغي مخاطره الإستراتيجية. إن استعادة جبهةٍ فلسطينيةٍ موحدةٍ أمرٌ ممكنٌ بالرمزيات، والساحة الفلسطينية متوثبة لوحدة سياسية وميدانية، وهي نسيجٌ مولعٌ بالرمزيات، التي يعكس حضورها مكانةً سياسيةً قد تكون الكبرى قياسًا على التجربة التاريخية. كل ما سبق يستدعي الاتفاق مسبقًا على صفقة تتم من خلال بلورة مشروع سياسي فلسطيني واضح المعالم، وتصوّرٍ مُشبعٍ بالنقاشات الوطنية مع جميع الفاعلين الفلسطينيين. فهذه لحظة اجتماعٍ فلسطيني، والحرب هيّأت الجميع لتجاوز الفئويات لصالح مشروع وطني كبير، قد تكون هذه الدماء الطاهرة في غزة بوابته. إن تفكير المقاومة الفلسطينية في استدعاء الاجتماع الوطني كطريق متعرج لتحقيق وقف الحرب من جهة، والبناء على نتائجها، الإيجابية والسلبية، هو المسار الأفضل، وربما الأقصر، والأهم؛ لأنه الأكثر جدوى وطنيًا على المديَين القريب والبعيد معًا. نأخذ بعين الاعتبار وضع الصاعد الثالث على شجرة غزة، وهي الولايات المتحدة الأميركية. فواشنطن لم تعد قادرة على محاكاة شروط موقفها في الأسابيع الأولى للحرب، خاصةً مع مشهد محكمة العدل الدولية التي صدر حكمها الأخلاقي والدعائي ضد الاحتلال في الصورة التاريخية للمجرم في قفص الاتهام، قبل أن يصدر حكمها القانوني أيًا كان. وهي صورة مست سمعة المجرم وداعميه بطبيعة الحال. ولا يخفى على أحد التباعد الذي يتسع بين نتنياهو وبايدن الذي يواجه استحقاقات موقف دعم الحرب محليًا ودوليًا. فواشنطن التي تفكر بعقلها الإستراتيجي في كل بقاع العالم، تلبس عقل إسرائيل الأمني عندما تصل الشرق الأوسط. مشكلة واشنطن اليوم أنها مطالبة بالتفكير بعقلين معًا العقل الأميركي تجاه حرب روسيا وأوكرانيا، وتأهب بكين الذي يزداد كل يوم لضم تايوان للبر الصيني من جهة، والعقل الإسرائيلي الذي يعبث بمصالح وسمعة أميركا والغرب كله في المنطقة والعالم، من جهةٍ أخرى. وما جعل الله لرجلٍ من قلبَين في جوفه. صحيح أن الحرب الحالية تمثل معضلةً للجميع، لكنها لم تصل نقطة النضج الكلية، التي تجعل انتهاءها مطلبًا للجميع. فهناك طرفٌ لايزال يرى إمكانية الاستمرار، مدعومًا بإجماع أصحاب المصالح في سياقه، وهو الاحتلال الإسرائيلي. وإستراتيجية وقف الحرب تستدعي إيصال الجميع إلى نقطة النضج، التي يشكل الإجماع الإسرائيلي حائطًا لابد من تجاوزه في الخطوة ما قبل الأخيرة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/16/%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%ac%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%b5%d8%b9%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d9%8a%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-16T05:53:15
2024-01-16T05:58:34
مقالات
2,379
السنوار.. الميت الحي على رأس القائمة السوداء
يستخدم الإعلام الغربي علم النفس كطقس من طقوس الشعوذة، يُريك صورتك في مرآة عدوك، وصورة عدوك في مرآتك، يُطبّق النظرية على الشيء ونقيضه في الوقت نفسه.
إنهم موتى أحياء يمشون على الأرض، هكذا يصف الشاباك المقاومين الفلسطينيين والنخبة المستهدفة لقادة حماس سكاي نيوز في حديثها للقائم بأعمال المتحدّث باسم جيش الاحتلال جوناثان كونريكوس، أكدت أن قادة حماس- الذين استهدفهم الموساد مرارًا لا يزالون على قيد الحياة، وعلى رأسهم السنوار، والضيف، العدوّان رقم واحد على قائمة الموت، واللذان أطلقت عليهما العقل المدبر لأحداث السابع من أكتوبر، وهو مصطلح تتناقله وسائل الإعلام الغربي بشكل ببغائي، ولكن ما دلالته؟ وهل يُعدُّ إساءة أم إشادة؟ إذ الملاحظ أنّ الإعلام الصهيوني حاله حال الشيطان كلما فشل بالتسرب إلى ضمير العالم، استعان بالإعلام الغربي ليقوم بشطف العقول- أي غسل الأدمغة- عبر خطاب تحريضي ينزع عن المسلم والفلسطيني صفتهما الإنسانية، ببروباغندا ممنهجة، تتدرجُ من الأسفل إلى الأعلى، في هرم الكراهية الذي تُشكِل المشاعرُ العنصرية قاعدته الأساسية، وتحتل الإبادة العِرقية رأس قمته يَعتبِرُ العربي -الذي يُعاد تدويره استشراقيًا- أن من يؤمن بنظرية المؤامرة مصابٌ بالوهم والارتياب من كل ما هو غربي.. ولكن ها هي الحرب ضد شعب بأكمله في غزّة، تفضح مختبر المؤامرات في العقلية الغربية المهووسة بالفبركة، وتُلحق الخزي بأهل النفاق؛ إذ يُشاهدون كيف يستخدم الغربُ السرديات نفسها النمطية عن الإسلام، لإرهاب العالم واستقطابه نحو حرب صليبية جديدة تبرر الإبادة الجماعية، كما حدث مع صدام والسلطان عبد الحميد الثاني وغيرهما نحن، جميعًا، مُستهدفون ومُستخدمون، ولوحة استهدافنا هي إسلامنا -عقيدة الفضيلة التي منحتنا الأفضليّة بين الأمم- ما أشعلَ الكيدَ الذي اتّقدت به شرارة المدنيّة الحديثة، فأخذت تشوّه الفضيلة وتُزينُ الرذيلة، وتحارب الإسلام على اعتباره النواة لأكبر خطرين على الحضارة الجهل والتخلف، ثم الإرهاب والتطرف، فكان تشويهه قناعًا يُخبئ به الغرب قُبحه، ومرآةً يختبئ فيها من وجهه المشوّه خلق العقلُ الغربي التآمري عقلًا إرهابيًا غير واقعي فانتازيًّا، ليُفرّغ فيه سمومه، جاعلًا منه عُبوّة ثقافية ناسفة، يهدّد بها أمن البشرية، وهو بهذا ينسُب الدور التآمُريّ- الذي يقوم به عقله المُدبر الحقيقي- إلى العقل المدبر الوهمي الذي اخترعه.. فهل ستُساير الكذاب، أم تُحلّفه، أم تصدق كذبته التي لا يصدقها هو عادة تُطبّقُ نظرية العقل المدبر، على العباقرة والعظماء والرموز البطولية في الغرب، حيث تُعتبر Mastermind، عبارة مديح. ولكن، حين تستدعي الحاجة لخلق عدُوٍّ افتراضي جديد يُناسب القائمة السوداء، يُهرع الإعلام الغربي للتلويح بـ العقل المدبر كفزاعة يروّع بها الجماهير من خطر إرهابي مسلم أو عربي أو فلسطيني؛ فأي حضارة مريضة ومختلة هذه التي تحيك وتُدبّر المؤامرة، وتنفذها على مرأى العالم، ثم تعاقبك وتتهمك بالجنون والإرهاب إن لم تشكك بالدسيسة وتنكرها يستخدم الإعلام الغربي علم النفس كطقس من طقوس الشعوذة، يُريك صورتك في مرآة عدوك، وصورة عدوك في مرآتك، يُطبّق النظرية على الشيء ونقيضه في الوقت نفسه. فالمُؤشّر على عبقرية عدوك، هو نفسه ما يستخدمه العدو كمؤشرعلى خطورتك، بحيث يبدو مجرموه أبطالًا، وأبطالك مجرمين؛ إلباس الحق بالباطل والعكس، ومن هنا تأتي ازدواجية المعايير؟ الظروف القاهرة جعلت عظماء الغرب مقدّسين في ذاكرة شعوبهم، فلماذا تصبح معاناة أبطالنا مادة للسخرية والتشويه اربط الحزام أيها القارئ.. فعدمُ إدانة السنوار، خروجٌ سافرٌ عن السياق الوحدوي لـ أمة العالم الحر يقع المطبعون العرب في تناقض عجيب، فهم إذ يتباهون بتطبيعهم، ينشرون معلومات -تشويهية- يُخوّنون بها السنوار كعميل لليسار الإسرائيلي فهل تجادل الأحمق بحماقته ليظن أنه أحكمُ منك؟ التطبيع والتطويع بَرْزخان لا يلتقيان. من يُضطر للعيش مع عدوه إلى حد الالتصاق، لا بدّ أن يبتكر سُبلًا يُطوع بها هذا الالتصاق بما لا ينافي تنافره مع عدوه.. كأن تقاوم وجوده فيك، بفصلك عنه، وهذه تكتيكات فلسفية لا يفهمها سوى من اعتادوا السير على النهج النبوي الحكيم الذي يرى أن الحرب خدعة حسنًا إذن، كيف تُفهم الازدواجية؟ أولًا يصف الإعلام الغربي السنوار بـ جزّار خان يونس الذي لا يبتسم، أسس قُوّة المجد للقبض بيد من حديد على الجواسيس أين العيب؟ ألا يُعاقِب أي قائد عظيم الخونة والعملاء؟ كيف يُشوّهون مهمة الشرف في الأعراف القيادية؟ ألا ترى أنهم كلما حوّلوا الفضيلة إلى رذيلة، ازدادوا تشوُّها؟ ثانيًا قال مايكل ملشتاين ضابط المخابرات العسكرية لم نفهمه على الإطلاق، قدم لنا صورة كاريزماتية لرجل كلامُه قليل وحضوره قوي. أبو إبراهيم حسب فايننشال تايمز قائد أسرى حماس في السجون منصب مؤثر داخل التسلسل الهرمي للحركة- شخصيةٌ موثوقةٌ وأسطورية للفلسطينيين الذين يشعرون بالفخر تجاهه، لكن الفلسطينيين المعتدلين يعرفون أنه أعادنا إلى العصر الحجري. أليست هذه سمات شخصية استثنائية؟ أين الإرهاب في أن يكون موثوقًا مثلًا؟ هل تحس بنبرة إعجابهم به؟ ولكن ما هي حقيقته التي أخفاها عنهم؟ هل في كونه مصدرَ فخر لشعبه؟ طبعًا، هذه جريمة من وجهة نظرهم؛ لأن المشاعر الفلسطينية العقلانية التي يُمجدونها هي تلك التي تحتقر البطل، وانظر إلى اللغة التي يحاربونك بها، فـ العصر الحجري يرمز للإسلام، بالتالي فـ المعتدلون ليسوا إسلاميين ثالثًا العقلية التآمرية تضخم التفاصيل بتأويلات معكوسة وغير منطقية.. فاللاجئ ضحية الاحتلال ونهجه الترانسفيري، ولكن الجوويش كرونيكل تعتبر اللجوء خطيئة ومسؤولية السنوار وحده، وتبلغ الوقاحة حد مُعايرته به وبسجنه وفقره ورضاه بالقليل، ثم ينشرون أخبارًا عن سنوار -أقرب إلى النموذج الإيطالي صاحب أموال في بنوك فرنسا التي تقرر تجميدها كإجراء عقابي، يا للهول الظروف القاهرة جعلت عظماء الغرب مقدّسين في ذاكرة شعوبهم، فلماذا تصبح معاناة أبطالنا مادة للسخرية والتشويه من حقك الإنساني أن تحترم مناضليك، وترفض حرمانك من هذا الحق، وإلا ستبقى عاريًا أمام سرديتهم التعسفية، مكشوفًا أمام لوحة التهديف، لا يُسمح لك بإثبات براءتك من جريمة عدوك العقل التآمري لن يرضى عنك عدوك، حتى لو أدنت نفسك، فماذا يريد أكثر من تمييعك وقد منعك حتى من الحياد؟ وبما أنه لا يهتم بافتضاح حقيقته، فلماذا يكذب إذن؟ إنها عقيدة الشر، يفرضونها بالقوة، محولين الجريمة إلى مهمة حضارية، ترتقي بك من إرهابي إلى مُطبع، ووريث لغُزاتك تتبنى إداناتهم لأبطالك، وتمتنّ لهم على تشويهك.. هكذا يستخدمونك لتكون عدو نفسك وفريستها تُصور نيويورك تايمز وفرانس 24 الاحتلال بأنه رحيم أجرى للسنوار عملية جراحية وعالجه في السجن حيث تعلم العبرية، وقرأ أعمال الصهاينة الأوائل، وأصبح يرتدي القمصان بأزرار.. فهل شر البليّة مضحك إلى هذا الحد يُظهرُ الغربُ الاحتلالَ صاحبَ الفضل وليس صاحب الجريمة، يقتبس تصريحات السنوار للصحافة الغربية التي قال فيها؛ إن الحرب ليست من مصلحة أحد ليثبت أن عقوبة السجن مُستحقة للفلسطيني، ورادعة، تحوله من إرهابي إلى داعية للهدنة. أما وقد منح الاحتلال تصاريح عمل في إسرائيل لبعض الجواسيس الذين رسموا خرائط اقتحمَ المظليون بها الغِلاف، بعد هدنة اختفاء طويلة للسنوار تمويهًا وكسبًا للوقت- مستفيدًا من المعونات القطرية، لإنشاء فلسطين إسلامية، فهذا اعتراف صريح بفشلهم، وتحريض يجعل الاطمئنان والتعايش مع الفلسطيني جريمة بحق أنفسهم، وبهذا يجردون الفلسطيني من دواعي وجوده، ما يستدعي قتله والفتك به في كل مكان.. يا الله يصرّحون لا بد من التكفير عن هذا الخطأ الاستخباراتي الفادح الذي مرّغ أنف إسرائيل، وأي مظهر للاعتدال يبدو سخيفًا، العواقب ستكون توراتية، وأما السنوار فلن يستسلم، سيموت هناك في غزة. القائمة السوداء التي ستحل بها العقوبة التوراتية حزقيال 9 5-7، تضم أيضًا الضيف- يلقبونه بابن الموت- ثم إسماعيل هنية، ومروان عيسى رجل الظل واليد اليمنى للضيف- هدف رئيسي لوحدة نيلي التعقبية التي أنشأها الشاباك بعد 7 أكتوبر- ثم صالح العاروري الذي تقدم أميركا 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.. ولم يزل خالد مشعل ضمن قائمة الموتى الأحياء، كما أطلق عليهم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت . الحرب فكريّة، وأنت كمقاوم، تُباد وتُعاقب وتتعرّض لأبشع أشكال العنصرية والتشويه؛ لأنك تملك مقومات القيامة والحياة. ما يُرعب عدوك منك أنك إنسان البعث والخلود، فكيف نتوقع أن يهزمك من يراك الميت الحي، غير القابل للموت أو لإعادة التدوير؟ أراد لك عدوُّك سوءًا حين اعتبرك العقل المدبر و الميت الحي، ولكن إساءته انقلبت إليك ثناءً، إنه يعرفك جيدًا، يعرف أنك خطر عليه؛ لأنك نقيض شره.. لم ينجح بتحويلك إلى ضحية مريضة مهووسة بجلادها. أبطلت بصمودك علمه الزائف المُشوّه حين خلقت منطقك النفسيّ السويّ والسليم، كضحية قوية أجبرت الجلاد على تقمّصها إلى درجة الهوس. يصبح رجال المقاومة إذن، عُقدة عدوهم وقد هزموا عقيدته، وأوقعوه في عقله المتآمر فقلبوا عليه شرّهُ.. يعيشون وهم يتوقّعون موتهم دون أن ينتظروه.. يذهبون إليه ليس لأنه هدفهم، بل لأنهم أهداف حيوية للحياة الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/18/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b1%d8%a3%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%85%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2023-12-18T11:13:14
2023-12-18T11:13:14
مقالات
2,380
عملية رفح.. ورقة تفاوضية وضرورة عسكرية للاحتلال
رغم مرور أكثر من 4 أشهر، فشل الاحتلال في تحقيق أيٍّ من الأهداف الكبيرة التي وضعها لعمليته العسكرية، فلا قضى على حركة حماس، ولا منع هجماتها الصاروخية، ولا قوض قدراتها العسكرية، ولا حرر أسراه من أيديها.
تؤكد التصريحات المتواترة للقيادات السياسية والعسكرية لدولة الاحتلال، أنّ الجيش يعدّ لعملية برية في رفح، أقصى جنوب قطاع غزة -رغم تحذيرات صدرت عن عدد من الجهات، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية ومصر- لدرجة عدّها شرطًا أساسيًا لإتمام الحرب بانتصار عسكري، وما دون ذلك هزيمة. ليس من المبالغة القول؛ إن الآلة العسكرية الإسرائيلية قد خاضت عدوانها على قطاع غزة بالطريقة التي تريد وبأريحية ملاحظة، متسلحةً بتوازن قوى مختل، بداهةً، مع المقاومة الفلسطينية، ودعمٍ غير محدود وغير مشروط لها من الولايات المتحدة الأميركيّة وعدد من الدول الغربية، وصمت عربي- إسلامي في العموم، وقواعد اشتباك مستجدة، ولكن منضبطة ومقروءة مع أطراف محور المقاومة،ولا سيما حزب الله في لبنان، وحالة شعبية دون المستوى في العالمَين العربي والإسلامي. ولذا، فقد أمطر الاحتلال القطاع بكَميات غير مسبوقة من القذائف والصواريخ، ثم خطّط للعملية البرية، ثم نفذها بشكل تدريجي بطيء مستهلًا من شمال غزة، ثم غزة، ثم المحافظات الوسطى،وصولًا لخان يونس، مستبيحًا خلال ذلك البشر والحجر وكل ما يمتّ للحياة بصلة، دون أي محاذير أو موانع سياسية أو قانونية أو أخلاقية. ورغم مرور أكثر من أربعة أشهر، فشل الاحتلال في تحقيق أيٍّ من الأهداف الكبيرة التي وضعها لعمليته العسكرية، فلا قضى على حركة حماس، ولا منع هجماتها الصاروخية، ولا قوّض قدراتها العسكرية، ولا حرّر أسراه من أيديها، وأيدي باقي الفصائل. لكنه تسبّب بمأساة إنسانية غير مسبوقة عن سابق تصور وتصميم؛ بهدف الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة ولي ذراع الأخيرة. إذن، فالتلويحُ المستمر بعملية برية وشيكة في رفح -في ظل تكدس النازحين فيها بأعداد كبير ورقةٌ تفاوضية قوية بيد الاحتلال يحاول من خلالها إضعاف موقف حماس وفصائل المقاومة الأخرى في نهاية المشهد، كان زهاء مليون وأربعمئة ألف مدني وفق تقديرات دولية قد تجمعوا في رفح ذات المساحة الجغرافية الضيقة في اكتظاظ مهول، بما يدق نواقيس خطر مجازر غير مسبوقة محتملة في المدنيين في أي عملية عسكرية ولو محدودة. في المقابل، سبق الحديثَ عن العملية البرية في رفح تطوراتٌ مهمة،في مقدمتها القرار الأوّلي لمحكمة العدل الدولية الذي عنى أن إسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية، وأنها تحت المراقبة والملاحظة، ومنها تراجع الحماس الغربي للعملية العسكرية في غزة، بل ووجود بعض الضغوط باتجاه إنهائها، ومستوى من الاختلافات في وجهات النظر مع الإدارة الأميركية لم تصل حد الخلاف والشقاق، فضلًا عن بدء مسار من المفاوضات لوقف إطلاق النار، وُصف بالجِدّي والواعد بعد اجتماع باريس. بَيد أن تراجع نتنياهو عن مسار التفاوض بعد رد حماس على ما سُمي اتفاق الإطار، وبل وما سرّب بأنه تراجع حتى عن اتفاق الإطار نفسه الذي كانت حكومته جزءًا منه، بالتزامن مع ازياد وتيرة تصريحات الأخيرة بالإصرار على العملية البرية في رفح جعل الأمر يبدو كورقة تفاوضية للضغط على حماس والأطراف الفلسطينية. وهو تحليل ذو وجاهة كما هو واضح، من باب حرص حركة حماس على تجنيب المدنيين في رفح مغبة وتبعات عملية برية، ومرونتها حتى اللحظة في محطات التفاوض المختلفة، وافتقادها للظهير العربي الإسلامي إلى حد كبير، والأوضاع الإنسانية المتفاقمة في عموم القطاع، وخصوصًا محافظتي شمال غزة وغزة، حيث يعاني الناس تجويعًا مقصودًا. ذلك صحيح وذو وجاهة، لكنه لا يكفي بمفرده من وجهة نظرنا -ليكون إطارًا تفسيريًا للإصرار الإسرائيلي. إذن، فالتلويحُ المستمر بعملية برية وشيكة في رفح -في ظل تكدس النازحين فيها بأعداد كبير ورقةٌ تفاوضية قوية بيد الاحتلال يحاول من خلالها إضعاف موقف حماس وفصائل المقاومة الأخرى. وقد أكد وزير دفاع الاحتلال يوآف غالانت، أنَّ تعميق العملية العسكرية في غزة من شأنه تقريب إسرائيل لما وصفه بـ اتفاق واقعي لتبادل الأسرى. لكن سلوك حكومة نتنياهو حتى اللحظة يعزز فكرة أن العملية ستشنّ حتى ولو أبدى الطرف الفلسطيني مرونة غير مسبوقة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى بين الجانبين. ميدانيًا، ورغم ما تقدم شرحه مما تسببت به آلتها العسكرية، فإن دولة الاحتلال ما زالت بعيدة عن الوصول لصورة نصر، بل وحتى عن ادعائها، رغم دخولها معظم مناطق القطاع ومحافظاته، وعشرات الآلاف من الشهداء وأكثر منهم من المصابين والجرحى، وتدمير البنية التحتية، وتحويل غزة لمكان غير قابل للحياة. ولذلك، ما زالت حكومة نتنياهو ومعها المؤسسة العسكرية والأمنية تؤمن بضرورة دخول وأو احتلال كافة محافظات القطاع للوصول لمرحلة إمكانية ادعاء النصر. يعني ذلك أن العملية في رفح حتمية بالنسبة لهم، ولذلك فقد رأى نتنياهو أن مجرد الامتناع عن دخول رفح يعني الاستسلام لحماس، بل وخسارة الحرب برمتها. فضلًا عن أن عملية عسكرية في رفح ستعني، نظريًا، ارتفاع احتمال الوصول لبعض الأسرى وتحريرهم، وقد ادّعى الاحتلال تحرير أسيرين في رفح في عملية عسكرية خاصة ذهب ضحيتها ما يقارب المئة شهيد، بغض النظر عن مدى دقة روايته. الأهم من كل ما سبق أن الاحتلال يرى أنه من الضرورة بمكان الاشتباك مع كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، في رفح. إذ من شأن هذا الاشتباك، وفق رؤيته، أن يوقع فيها الخسائر ويقوض من قدراتها، وبالتالي يضعفها مرحليًا وفي المستقبل، وأن يمنح نتنياهو فرصة الادعاء بأنه واجه حماس ودمر بنيتها العسكرية في كافة مناطق قطاع غزة. وهو المعنى الذي أكده بيان صادر عن مكتب نتنياهو، الذي قال إنه من غير الممكن القضاء على حماس مع إبقاء أربع كتائب لها في رفح. من جهة ثانية، ترى حكومة الاحتلال أنها ليست في متسع من الوقت بالنسبة للعملية، وأن من الأفضل لها أن تبدأها وتنهيها قبل حلول شهر رمضان بعد شهر تقريبًا من الآن؛ تفاديًا لردات فعل شعبية وانفلات أمني في الضفة الغربية تحديدًا وأو بعض الدول العربية. وبالتالي أن يُستغل رمضان في إعلان التهدئة وتبادل الأسرى حال التوصل لاتفاق وليس في العمليات العسكرية التي تزيد من التوتر. وعليه، بالنظر لكل ما سبق، تبدو العملية البرية في رفح حتمية بالنسبة للاحتلال، ولا يبدو أن ثَمةَ اختلافاتٍ عميقةً بين المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية بخصوص خطوطها العريضة، ولا حتى هناك اعتراضٌ أميركي حقيقي يمكن أن يحول دون حصولها. إذ أشارت تصريحات الرئاسة والخارجية الأميركيتين لمشاركة واشنطن، تلَّ أبيب أهدافَ القضاء على حماس وتحرير الأسرى، مع التأكيد على ضرورة وجود خُطة ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ لحماية المدنيين في رفح. ما لا يبدو واضحًا بشكله النهائي، في المقابل، هو سقف العملية وأهدافها الحقيقية ومداها، وهي أمور ستعتمد إلى حد كبير على أداء المقاومة في رفح وعموم القطاع، ومدى قدرة الاحتلال على تحريك المدنيين من رفح باتجاه خان يونس والمحافظات الوسطى وأو مصر، والموقف الأميركي الحقيقي من العملية بعد اتضاح تفاصيلها، ومدى قدرة نتنياهو على تسويغ العملية وتسويقها دوليًا. بَيدَ أنه من الواضح أن نتائج العملية المرتقبة في رفح لن تختلف بشكل جذري عن سابقاتها في المحافظات الأخرى؛ أي أنها أبعد ما تكون عن أن تسفر عن نصر ناجز للاحتلال، ما يعني أنها وإن أطلقت لأهداف سياسية وعسكرية وأمنية إضافة لملف التفاوض، إلا أن الأخير هو ما يمكن أن يحسم الأمر في نهاية المطاف. فالعملية ستجيّر في النهاية وتُقرأ كورقة تفاوضية وليس كمحطة لإنهاء العدوان بالضربة القاضية. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/14/%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%b1%d9%81%d8%ad-%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d8%aa%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-02-14T05:49:24
2024-02-14T11:17:34
مقالات
2,381
ما قصة بنوك التسليح الدولية التي تمول نتنياهو سرًا؟
يتناول تقرير إسباني تورط بنوك دولية، أبرزها سانتاندير وBBVA، في تمويل شركات أسلحة تستخدمها إسرائيل في عمليات عسكرية بغزة، مما يسهم في الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان.
أصدر مركز ديلاس لدراسات السلام في أكتوبر تشرين الأول 2024 تقريرًا تحت عنوان البنك المسلح ومسؤوليته المشتركة في الإبادة الجماعية في غزة تمويل الشركات التي تصنع الأسلحة المستخدمة في المجازر ضد السكان الفلسطينيين، وهو مركز إسباني يركّز في تقريره على دور البنوك في تمويل شركات تصنيع الأسلحة التي تُستخدم في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. أعد التقرير فريق من الباحثين ويستند إلى بيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI ومصادر أخرى. ويحلل التقرير 3,606 معاملات مالية تتعلق بشركات تصنيع الأسلحة والبنوك الممولة لها. ويحدد 12 مؤسسة مالية إسبانية، بما في ذلك سانتاندير وBBVA، كممولين رئيسيين لهذه الشركات المصنعة للأسلحة. وقال معدو التقرير إنهم حصلوا على البيانات المالية من خلال التعاون مع جهات مختصة بجمع وتحليل البيانات المالية مثل شركة Profundo، واستخدام قواعد بيانات مالية مثل Bloomberg وRefinitiv Eikon. وقد تم تحديث البيانات في أغسطس آب 2023، ويونيو حزيران 2024. يسلط هذا التقرير الضوء على العلاقة غير الأخلاقية بين البنوك وشركات الأسلحة، مشددًا على مسؤولية المؤسسات المالية في الجرائم المنهجية ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والتي يصنّفها الخبراء ومحكمة العدل الدولية كإبادة جماعية. كما يتضمن التقرير محاور توثق صادرات الأسلحة لإسرائيل خلال العقد الماضي. وهو يستعرض دور المؤسسات المالية، لا سيما البنوك الإسبانية وبعض البنوك الدولية، في تمويل شركات تصنيع الأسلحة وتأثير ذلك على غزة لجهة الخسائر البشرية والمادية المرعبة هناك. ويبحث في الآثار القانونية والأخلاقية لهذه السياسات المالية، وحثّ البنوك على وقف العمليات المرتبطة بجرائم الحرب وجرائم الإبادة. تم إعداد هذا التقرير في إطار مشروع من الأعمال المصرفية المسلحة إلى الأعمال المصرفية الأخلاقية.. نزع السلاح يبدأ هنا المرحلة الثانية، بتمويل من مجلس مدينة برشلونة. يتضمن التقرير المؤلف من 54 صفحة جداول تفصيلية توضح مدى تورط العديد من الدول والبنوك الدولية في تسليح إسرائيل وتمويل عملياتها العسكرية التي أثرت على المدنيين في غزة ولبنان. فعلى سبيل المثال، يعرض أحد الجداول صادرات الأسلحة إلى إسرائيل خلال السنوات العشر الماضية 2014-2023، بشكل يكشف حجمها ونوعياتها ومقدار التورط الدولي في هذا السياق. وهناك جدول ثانٍ يسرد أمثلة على استخدام تلك الأسلحة في الهجمات الإسرائيلية على غزة، ويحدد الشركات المصنعة لها، والبنوك التي قامت بتمويل هذه الشركات، مما يظهر الدور الحيوي الذي تلعبه هذه المؤسسات في دعم النزاعات المسلحة. وجدول آخر يُصنف أعلى 100 بنك دولي تورطت في المشاركة في تمويل تسليح هذا النزاع، مما يساعد في فهم الأبعاد المالية المتشابكة التي تساهم في زيادة جرائم الإبادة في غزة. يقدم التقرير نظرة شاملة حول مفهوم البنك المسلح، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المؤسسات المالية والبنوك التي تمول الشركات المصنّعة للأسلحة المستخدمة في النزاعات المسلحة. ويستعرض التقرير تاريخ هذا التمويل منذ عام 2008، موضحًا كيف أن البنوك ليست مجرد وسطاء ماليين، بل تشارك بشكل غير مباشر في تأجيج الحروب من خلال دعم الصناعات العسكرية. يشير التقرير إلى أن هذا النوع من التمويل، على الرغم من قانونيته في معظم الدول، يواجه انتقادات متزايدة من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية؛ بسبب دوره في استمرار النزاعات العنيفة. بحسب التقرير، تُعتبر الولايات المتحدة المزود الرئيسي للأسلحة لإسرائيل، حيث تشمل صادراتها طائرات إف -16 وإف -35 وصواريخ دقيقة مثل جي بي يو- 39، التي تُستخدم في الهجمات الجوية على المناطق السكنية في غزة. تلعب دول أخرى مثل ألمانيا، وإيطاليا أيضًا دورًا مهمًا في تزويد إسرائيل بمركبات مدرعة وأنظمة دفاعية وطائرات حربية، مما يساهم في ارتفاع عدد الضحايا المدنيين؛ نتيجة استخدام هذه الأسلحة في الهجمات على المناطق المدنية. يتناول التقرير تأثير الأسلحة المصدرة على المدنيين في غزة، مشيرًا إلى استخدامها في الهجمات الجوية التي تستهدف المدارس والمستشفيات والمناطق السكنية. يُقدم التقرير أمثلة تفصيلية على استخدام الطائرات الحربية من طراز إف -35 وصواريخ جي بي يو- 39، التي تُصيب المدنيين في الغالب رغم الادعاء باستهداف أهداف عسكرية. من أبرز الأمثلة الموثقة الهجوم على حي الشجاعية في غزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 70 مدنيًا، وتدمير عشرات المنازل. كما يُشير التقرير إلى أن الهجمات الجوية ليست الوسيلة الوحيدة لاستخدام الأسلحة الممولة من البنوك، حيث يتم أيضًا استخدام مدافع M109 Howitzer الممولة من بنك سانتاندير في تدمير البنية التحتية الحيوية. يركز التقرير في أحد أقسامه على التمويل المقدم من البنوك الدولية لشركات تصنيع الأسلحة المستخدمة في الحرب الإسرائيلية على غزة. يُظهر التقرير تورط بنكي BBVA وسانتاندير الإسبانيين في تمويل شركات مثل بوينغ ورايثيون ورينيه ميتال، التي تنتج الطائرات الحربية والمدافع الثقيلة المستخدمة في الهجمات على غزة. كما يشير إلى أن بنك BBVA قدّم تمويلًا يزيد عن 1.3 مليار دولار لشركة بوينغ، بينما قدم بنك سانتاندير تمويلًا بقيمة 933 مليون دولار للشركة ذاتها، مما ساهم في تطوير طائرات إف -15 وإف -35 التي استخدمت في العمليات العسكرية الإسرائيلية. يوثق التقرير صادرات الأسلحة الرئيسية إلى إسرائيل خلال العقد الماضي، باستخدام بيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI ومصادر أخرى. ويحدد 15 شركة رئيسية لتصنيع الأسلحة تزود إسرائيل، بما في ذلك بوينغ، جنرال دايناميكس، ولوكهيد مارتن. ومولت بنوك إسبانية أخرى مثل كايكسا وسانتاندير شركات تصدر قنابل جي بي يو المستخدمة من قبل الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. أدت عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، بما في ذلك استخدام هذه الأسلحة، إلى تدمير واسع النطاق وخسائر في صفوف المدنيين. تشير التقارير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أطلق حوالي 70,000 طن من المتفجرات، مما تسبب في استشهاد وجرح أكثر من 150,000 فلسطيني، فضلًا عن أضرار واسعة النطاق للبنية التحتية، بما في ذلك الجامعات والمستشفيات والأراضي الزراعية. كذلك أدت عمليات الاحتلال العسكرية إلى نزوح 90 من سكان غزة مرة واحدة على الأقل. ولكن ما الذي يدفع هذه البنوك لعقد مثل هذه الصفقات القاتلة؟ رفعت حكومة جنوب أفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر كانون الأول 2023، تتهمها فيها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، ثم انضمت دول أخرى لاحقًا، والقضية قبلت من حيث الشكل وهي لا تزال منظورة لدى قضاة المحكمة. كما أن الكثير من التقارير الصادرة عن منظمات أممية أو دولية وثقت جرائم الحرب وجرائم الإبادة، فضلًا عن طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إذنًا من قضاة الغرفة التمهيدية بإلقاء القبض على قادة إسرائيليين من بينهم نتنياهو يتهمهم فيها بارتكاب جرائم حرب، ما يعني أن هناك جرائم مروعة ارتكبت ولا تزال. ومع ذلك، لم تأخذ البنوك هذه المعطيات بجدية، بل أبرمت صفقات مالية. تسعى البنوك لتسهيل العمليات المالية لشركات تصنيع الأسلحة، والتي قد تساهم في جرائم حرب وجرائم إبادة مؤكدة، لعدة دوافع منها تحقيق الربح المالي في المقام الأول، حيث تحقق هذه المؤسسات أرباحًا ضخمة عبر تقديم قروض وشراء الأسهم في شركات الأسلحة، ما يعزز عوائدها المالية. كذلك، ناتجة عن شبكة العلاقات التجارية والاستثمارية التي تسهم في تعزيز مكانة البنوك في الأسواق وتوسيع فرصها الاستثمارية. كما أن نقص الشفافية وغياب المساءلة القانونية يوفران بيئة تسمح للبنوك بمواصلة تمويل هذه الشركات دون مواجهة تداعيات قانونية أو أخلاقية تُذكر. وفوق كل ذلك، فإن التعاون العسكري والإستراتيجي بين إسرائيل وكثير من الدول الغربية، مثلما هو الحال بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يسهم في تعزيز دور البنوك في تمويل شركات الأسلحة هذه. يقترح التقرير مجموعة من التوصيات للحد من تأثير التمويل المصرفي في دعم حرب الإبادة في غزة، تتضمن فرض حظر على تمويل الشركات المصنعة للأسلحة المستخدمة، كما يدعو إلى فتح تحقيقات دولية لفرض عقوبات على البنوك المتورطة في تمويل هذه الشركات، بما في ذلك فرض غرامات مالية وقيود على أنشطتها. علاوة على ذلك، يُشجع التقرير المؤسسات المالية على تبني سياسات استثمارية أخلاقية تركز على تمويل الصناعات المستدامة التي تسهم في التنمية البشرية والسلام. ومع ذلك، تواجه توصيات هذا التقرير عدة تحديات مرتبطة بالجشع المالي والمصالح السياسية للدول على حساب القيم والأخلاق وحقوق الإنسان. إذ يتطلب تطبيق هذه السياسات إرادة سياسية قوية وتعاونًا دوليًا، وقد يُواجه بمقاومة من قبل البنوك التي تعتقد أن هذه الإجراءات قد تُؤثر سلبًا على أرباحها. كما أن تحقيق الشفافية المطلوبة في الأنشطة المالية يُعدّ تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل وجود فجوات قانونية تتيح استمرارية تمويل الصناعات العسكرية دون رقابة كافية. بالتالي، فإن التوعية الجماهيرية والتحشيد الإعلامي سواء كان الرقمي أم العادي حول كيفية استخدام أموالهم في دعم الأنشطة العسكرية قد يساهمان في تعديل سلوك هذه البنوك. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/16/%d9%85%d8%aa%d9%88%d8%b1%d8%b7%d9%88%d9%86-%d8%b3%d8%b1%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%84%d8%a9-%d9%85%d8%a7-%d9%82%d8%b5%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-10-16T06:28:39
2024-10-16T22:51:29
مقالات
2,382
الاستثناء الإسرائيلي وخطره على الديمقراطية وحقوق الإنسان
من المثير للاهتمام أن أحداث العنف والقمع التي أثارت الأسئلة السابقة، والتي بدأت باعتقال عشرات من طلاب جامعة كولومبيا الأميركية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، كان وراءها جهات خاضعة للوبي الصهيوني.
ما تزال الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ نحو سبعة أشهر، تثير العديد من الأسئلة على مختلف المستويات الأخلاقية والسياسية والعسكرية والقانونية؛ إذ إننا أمام حدث نموذجي؛ لجهة الأسباب والذرائع التي قام عليها، ولجهة الفاعلين المنخرطين فيه، ولجهة ضحاياه وتكلفته الإنسانية، ولجهة الأسلحة المستخدمة فيه، ولجهة ما أفرزه من ردود أفعال متنوّعة جدًّا على مختلف المستويات. فهو حدثٌ انطوت فيه صورة نظام العالم الحديث ببُناه السياسيّة والعسكرية والقانونية والإنسانية والأخلاقية. ومن ثم شكّلت الحرب الجارية على غزة امتحانًا صعبًا للنظام الدولي برمته، كما أنها اختزلت مأساة أمة لنحو ثلاثة أرباع القرن، وكشفت عن موازين القوى وعن موقعنا في العالم الذي تَشَكل بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أدى العنف الإسرائيلي الفائق والمنفلت إلى ظهور حركة احتجاج واسعة داخل العديد من الجامعات الأميركية وبعض الجامعات الأوروبية، ولكنها قوبلت بأعمال عنف وقمع واعتقال، مارسته السلطات في أنظمة ديمقراطية، الأمر الذي أثار أسئلة نقدية حول أربعة أمور رئيسة وتقود هذه الأسئلة إلى سؤال آخر حول عالمية الديمقراطية وحقوق الإنسان في منظور الساسة الغربيين أنفسهم؛ لأن الاستثناء الإسرائيلي يكاد يضرب منظومة القيم الغربية والنظام الدولي ومؤسساته معًا؛ فإسرائيل التي ترفض الخضوع لأي معيار أو قانون من خارجها، تضرب بكل المؤسسات الدولية والقوانين والمبادئ الخُلقية، عُرضَ الحائط، لتظهر الاستثناءَ الوحيد الذي لا يجري عليه إلا قانونه هو فقط، ثم تجري بعد ذلك محاولة دؤوبة لإحاطة هذا الاستثناء الإسرائيلي بقداسة قانونية وأخلاقية؛ إذ يتم الدمج بين العداء للسامية أي لليهود كعرق أو ديانة وبين انتقاد سياسات إسرائيل، وهكذا يصبح العالم كله يدور في حلقة مفرغة؛ لأنه سيدافع حينها عن الشيء ونقيضه؛ لأن المطابقة بين انتقاد إسرائيل وتهمة العداء للسامية تعني استعمال القانون نفسه لنسف أسسه التي قام عليها وهي المساواة والتعميم. ومن المثير للاهتمام أن أحداث العنف والقمع التي أثارت الأسئلة السابقة، والتي بدأت باعتقال عشرات من طلاب جامعة كولومبيا الأميركية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، كان وراءها جهات ومؤسسات خاضعة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، وقد كشفت بعض الصحف الغربية عن جوانب من ذلك. فبالإضافة إلى التسريبات التي تمت عن مجموعة الواتساب بين عمدة نيويورك وبعض رجال الأعمال الصهاينة، ثمة موقع أطلق عام 2014 تحت اسم مشروع الكناري Canary Mission، كان له دور في اعتقال طلبة كولومبيا وبعض الأساتذة المنتقدين لإسرائيل. يتتبع هذا الموقع الأشخاص والمجموعات المنتقدة لإسرائيل والداعمة لفلسطين. يجمع بياناتهم ثم ينشرها ويحرض ضدهم ويكيل لهم التهم التي ترجع إلى مقولات ثلاث العداء للسامية، والترويج لكراهية اليهود، والإرهاب أو دعم منظمات إرهابية. وهذه المقولات أو التهم تعيدنا مجددًا إلى الأسئلة المثارة سابقًا، ولكنها تضعنا أيضًا أمام مشكلتين مركزيتين يمثل مشروع الكناري مثالًا نموذجيًّا لتأكيد مقولة الاستثناء الإسرائيلي والأخطار المتنوعة التي تمثلها. فهو يعتمد على وسائل مشكلة من الناحيتين القانونية والأخلاقية، تشمل جمع المعلومات الشخصية عن الأفراد المستهدفين ونشرها بشكل علني على الإنترنت، مما يؤدي إلى تشويه سمعتهم والتأثير على حياتهم المهنية والشخصية. فقد نشر الموقع ما يسميه القائمة السوداء ضمّن فيها أسماء الطلاب والأساتذة المشاركين في الاحتجاجات ضد الحرب على غزة، واتهمهم بعدد من التهم، من بينها العداء للسامية ودعم منظمات إرهابية، وبث الكراهية ضد اليهود، فضلًا عن أنه جرى في بعض الأحيان الاتصال ببعض المحتجين والتضييق عليهم وتهديدهم، والمطالبة بفصل الطلاب والأساتذة، والدعوة إلى منع توظيفهم مستقبلًا، بل بلغ الأمر إلى إرسال ملفات الطلبة والأساتذة المحتجين إلى الجهات الأمنية في إسرائيل. وهذا يعني أننا أمام حركة منظمة لخنق حرية التعبير داخل الجامعات، وإقصاء كل من له موقف سياسي نقدي تجاه إسرائيل من فضاء الجامعة وسوق العمل معًا، في الحاضر والمستقبل. يسعى مشروع كناري كما هو واضح- إلى تعميم فكرة الاستثناء الإسرائيلي وأن إسرائيل ليست مجرد مشروع سياسي أو دولة كسائر دول النظام الدولي الحالي، بل هي عقيدة دينية، ولذلك سعت إسرائيل باستمرار إلى تعريف نفسها بأنها دولة يهودية، لأن ذلك سيعني وبشكل لن يقبل الجدل إن تمّ- أن أي نقد أو عداء لإسرائيل الدولة سيكون عداء لليهود كجماعة دينية وعرقية، ومن ثم العداء للسامية وقد جرى تجريم العداء للسامية بعد الحرب العالمية الثانية بوصفه جزءًا من مكافحة العنصرية والتمييز، وإذا ما تم الاعتراف بيهودية إسرائيل فسنكون أمام تقنين حالة الاستثناء الإسرائيلي وشرعنة الخروج على النظام الدولي وقوانينه، وعلى كل المبادئ الأخلاقية التي طالما تبجحت بها دول الغرب. فأي انتقاد لما تقوم به إسرائيل الدولة وحكوماتها المتعاقبة سيعتبر مهددًا لسلامة اليهود أو مؤيدي إسرائيل، وتحريضًا على الكراهية تجاه اليهود أو تشويهًا لسمعة اليهود أو إسرائيل أو مؤيديها، وقد كال مشروع كناري تلك التهم للمحتجين ضد الحرب على غزة وتنطوي فكرة الاستثناء الإسرائيلي -في الواقع- على تحديين رئيسين تقود مقولة الاستثناء الإسرائيلي إلى أخطار عديدة تمس الأفراد، ففي حالة مشروع كناري وهو مثال نموذجي هنا نحن أمام استباحة تامة لمحظورات أخلاقية وقانونية لأغراض سياسية، وبدعم من اللوبي الصهيوني. من أبرز تلك المحظورات تشكل مقولة الاستثناء الإسرائيلي وتطبيقاتها على مختلف المستويات، بدءًا من النظام الدولي ومؤسساته، وانتهاء بمشروع كناري، تحديًا كبيرًا للنظام الدولي نفسه وللمبادئ الأخلاقية والقانونية المتعلقة بالديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/6/2/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84%d9%8a-%d9%88%d8%ae%d8%b7%d8%b1%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%89
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-06-02T06:11:59
2024-06-02T06:11:59
مقالات
2,383
الحداثة الغربية والأيديولوجية الدينية
لا نجد قطيعة بين الحداثة الغربية والدين، بل نجد الدين جزءًا أساسيًا في تشكيل الدول الغربية البروتستانتية. فحداثتهم مشبعة بالرجوع إلى التوراة والأيديولوجية البروتستانتية الصهيونية.
إن أول ما يبادرك به دعاة الأخذ بالحداثة الغربية، أو أول ما يعرِّفون به الحداثة، هو الانتقال إلى عصر العقل والعقلانية، والنهج العلمي، والابتعاد عن العقل الديني أو السحري أو الأسطوري. البعض يقول إن الحداثة هي الإنسان الصانع، لا الإنسان الساحر أو المؤمن بالسحر. وهناك من يبدأ بالعلمانية والمواطنة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة، كما في الحداثة الغربية. على أن هذه البداية، وهذا التعريف، لا يأخذان بعين الاعتبار فعلى سبيل المثال الطب، علم الفلك، الكيمياء، الرياضيات، والخوارزميات كلها بُنيت وتطوَّرت في ظل الحضارة الإسلامية. وبالتأكيد حدث مثل هذا في الحضارات الأخرى، وإلا كيف تمّت مكافحة البرد والقيظ وتطوَّرت الزراعة والملاحة ووسائل النقل وتربية الحيوانات وترويضها عبر العصور، قبل أن تبدأ الحداثة الغربية رحلتها. صحيح أن هناك كثيرًا من الخرافات، أو أعمال السحر، أو الاعتقادات الأسطورية، وجدت وتعايشت وتصارعت مع المؤمنين بالدين والعلم. وذلك مثل علماء المسلمين الذين أخذوا بالمنهج العلمي والاستقرائي قبل الحداثة الغربية بقرون. ويُعتبرون آباء كوبرنيكوس وجاليليو. راجع جورج صليبا حول العلوم في الحضارة العربية والإسلامية. هذا من ناحية عدم الدقة أو الصحة في تمييز الحداثة أو الحضارة الغربية عما قبلها من حضارات، باعتماد العقل والعقلانية. فالقول بتغليب العقل والعلم والصناعة، مقابل عقل خرافي أو وهمي، هو في الحقيقة اتهام لعقل وإنسان ما قبل الحداثة الغربية بالابتعاد عن الموضوعية وقوانين الحركة والحياة في مواجهة التحديات. وذلك لأن أول ما يميِّز الحضارة الغربية المعاصرة هو سيطرتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية على العالم، وقد بدأت ذلك منذ عصر الملوك والإقطاع والكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر. إبراز السمات المتعلقة بالعقل والصناعة والموضوعية العلمية لا يجوز أن يخفي البُعد المتعلق بالسيطرة العسكرية العالمية والنهب العالمي. ودعنا من الإبادة الجماعية للهنود الحمر في الولايات المتحدة الأميركية، وما تعرّضت له الشعوب الأصلية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية من مظالم ومجازر ونهب في القرن السادس عشر، قبل أن يُعتبر الأوروبيون، حاملي الأنوار والتنوير وحقوق الإنسان أي الإنسان الحداثي الأوروبي الأبيض. بكلمة أخرى، يجب قراءة التاريخ جيدًا وتتبع خطواته. فالبحارة المسلمون الذين قادوا سفينة كولومبوس أو غاما لتبدأ الحداثة الأوروبية، هل كانوا الإنسان الديني الأسطوري أم الإنسان الديني العالِم بالملاحة وأصولها؟ هذا البُعد التاريخي، شئتم أم أبيتم، يا دعاة الحداثة الغربية، لا تستطيعون تجاهله أو دحره إلى الخلف في مقابل تقديم جاليليو أو ديكارت أو داروين أو نيوتن. فبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والبلدان التي سادت فيها البروتستانتية هي ركائز الحضارة أو الحداثة الغربية. هنا لا نجد قطيعة بين الحداثة الغربية والدين، بل نجد الدين جزءًا أساسيًا في تشكيل الدولة، وفي أيديولوجية الشعوب الغربية الآخذة بالبروتستانتية. وهي الحداثة المشبعة بالرجوع إلى التوراة والأيديولوجية البروتستانتية الصهيونية الأكثر رجعية. بل حتى اليوم نجد الحداثة الغربية في الولايات المتحدة والغرب عمومًا، تعلن نفسها حضارة مسيحية بروتستانتية- يهودية، الأمر الذي يعني أن جميع التعريفات التي تبدأ بالعقل والعلمانية والحرية وحقوق الإنسان والتقدم، قد امتزجت بالبُعد البروتستانتي الصهيوني، قبل عصر التنوير وبعده. وإذا كان هنالك فكر يمكن اتهامه بالخرافة والأسطورية، والبعد عن العلمانية والعولمة وعصر العقل أو التنوير أو حقوق الإنسان، فهو البُعد البروتستانتي الصهيوني الذي يقود الحداثة الغربية. أما نكران هذا البُعد وتجاهله فهو عيب وتضليل أو قصور نظر. هل يُعقل إغفال هذا البُعد الأيديولوجي المندمج عضويًا في الحداثة الغربية، بزعامة الدول الأنجلوسكسونية أميركا وبريطانيا التي قادت وتقود الحداثة الغربية، بما في ذلك الاتجاه الفرنسي المعاصر؟ وهل يصحُّ أن تُقوَّم الحداثة على غير حقيقتها؟ وذلك عند الحديث عن العقل والعقلانية والموضوعية والعلمية والعلمانية وحقوق الإنسان أو القيم الأخلاقية العالمية، مع إخفاء علاقتها بالأيديولوجية الدينية. من هنا، وفي وقت يستعيد فيه الغرب أساطير مشوَّهة من التوراة ليجعلها في قلب الحداثة الغربية، مناقضًا روح تعريفه للحداثة، لا بد لنا من إعادة قراءة الحداثة الغربية من خلال بُعدها الأيديولوجي. فهذا البُعد الديني الأيديولوجي البروتستانتي الصهيوني، إضافة إلى بُعد السيطرة العسكرية العالمية والنهب يشكلان معًا اللحمة والسدى في الحداثة الغربية، ويبتعدان بها عن التعريف الذي يتناولها كقطيعة مع الدين والحضارات غير الغربية. وإذا أردنا أن نزيد من الشعر بيتًا، فسنسأل أليست إسرائيل درّة تلك الحداثة؟ ثم أليس ما يجري من إبادة بشرية مهولة في قطاع غزة يُرتكب برعاية دول الحداثة الغربيّة؟ فأين العقل والتنوير وحقوق الإنسان هنا؟ لهذا، من يريد البحث عن حداثة، فليبحث عنها بعيدًا عن الحداثة الغربيّة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/9/15/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%8a%d8%af%d9%8a%d9%88%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-09-15T06:00:00
2024-09-15T04:30:02
مقالات
2,384
مأزِق التخنْدق الدعائيّ الغربيّ مع حملة إبادة غزة
ارتضى القادة الغربيون أن يكون بنيامين نتنياهو قائد حملتهم الضارية التي ترفع لواء “الخير” في وجه “الشرّ” وقناديل “النور” التي تقتحم “الظلام”.
ليستِ الحربُ على غزّة عدوانًا حربيًا وحسْب؛ فهي حملة دعائية جارفة أيضًا، مكرَّسة لتبرير التطهير العِرقي وأعمال الإبادة التي تواطأت القوى الأوروبيةُ والغربية على مساندتها علنًا. تبنّت الولايات المتحدة وأوروبا السياسيةُ دعايةَ العدوان بحذافيرها، انطلاقًا من تضخيم سطوة اللحظة الأولى من حدث السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، وعزلها عن سياقِها، وتزييف مشهدها بعيدًا عن الوجهة العسكرية الواضحة لهجوم المقاومة الفلسطينية. ليست هذه خبرةً جديدةً على دعاية الاحتلال سوى في المنسوب والمدى، فقد كانت الدموع التي ذُرفت على مستوطنين ثلاثة قُتلوا في الخليل، مثلًا، مادة تعبئة لعدوان طاحن شنّه جيش الاحتلال على قطاع غزة في صيف 2014. تُوظّف هذه البكائيات في خدمة دعاية العدوان، وكلّما علا منسوب الافتعال فيها، ارتفعت حظوظ القتل الجماعي الوحشي الذي يُقدّم في هيئة ردّ فعل، وتعاظَمت بشاعة الجرائم التي تسوّق في صورة دفاع عن النفس. وعلى هذا الأساس، يتعيّن وضع الأيدي على القلوب، عندما يذرف قادة الاحتلال الدمع بمعيّة زعماء قوى النفوذ الغربي، فمن عادة هذه القَطرات المفتعلة أن يُؤتى بها توطئةً تبريرية للقتل الجماعي الذي قد يبلغ حدّ الإبادة التي وقعت شرعنتها مسبقًا. على هذا الأساس حاولت بكائية السابع من أكتوبر تجييش عواطف العالم وسكب الدموع على طرف محدّد من الجدار المحيط بقطاع غزة؛ أي جمهور الاحتلال المصدوم من انهيار جيْشه وهزيمة قوّاته وسقوط قواعده وثُكناته. جيء بهذا الافتعال العاطفي على منوال خبرة الحِداد العالمي ذات السطوة على الوجدان والمواقف، بعد 11 سبتمبر أيلول 2001، التي صارت مدرسة في الاستجابات المثلى تقمّصتها دول أخرى؛ خاصة فرنسا بعد اعتداء شارلي إيبدو وتفجيرات باريس 2015، ثمّ أعيد إنتاج مارد التعاطف المُرعب هذا ليسحق الشعب الفلسطيني، وكلّ مَن يحاول المساس بامتياز التفوُّق الممنوح لقاعدة الاحتلال الحربية في المنطقة. حاولت دعاية العدوان فرض هذه البكائية على العالم من خلال شحن الخطابات والتغطيات بروايات مُضلِّلة وأخبار مُزيّفة مع افتعال درامي محبوك أحيانًا، مع رسم صورة بريئة لواقع الاحتلال وجيشه ومستوطنيه. جرى، مثلًا، استحضار فتاة شقراء تتقن فنّ ذرف الدموع أمام الكاميرات لتسكب باسم شهود المذبحة قطرات متتابعة من عينَيها عند استقبال بايدن في فلسطين المحتلة؛ الذي سارع إلى إظهار شفقة انتقائية فوق العادة في هذا الموقف. لكنّ بايدن أظهر- مثل حلفائه الغربيين- برودًا واضحًا وتجاهلًا مُطبقًا إزاء الفواجع التي تلحق بالمدنيين الفلسطينيين على مدار الساعة، حتى إنّه تجاوز مقتضيات الحسّ الإنساني وحتى اللباقة الشكلية عندما شكّك بوقوع آلاف الضحايا من المدنيين الفلسطينيين 25 أكتوبر تشرين الأول، فكشف عن مكنونات موقف يحمل شبهة عنصرية؛ فهو لا يعترف بهم ولا يكترث بمصيرهم. نزع هذا المسلك الفجّ وما ماثله المصداقية الإنسانية عن بكائية السابع من أكتوبر تشرين الأول، فالتاريخ ابتدأ في خطابات قادة الاحتلال والمسؤولين الغربيين في صباح ذلك اليوم، ولم يسبقه سوى الهولوكوست، وعند صباح السبت توقّف الزمن إلى حين القصاص العادل من غزة. جرى هذا المروق من السياق رغم المستجدّات الفاجعة التي تتلاحق تحت أنظار العالم ساعة بعد ساعة بفعل آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا وأوروبيًا بتصميم ظاهر. إنّ إدارةَ الظهر بالكامل لهذه الأفواج المتلاحقة من الضحايا المدنيين كل يوم- الذين يُشكِّل الأطفال والنساء معظمهم، لمجرّد أنهم فلسطينيون من غزة- تضافرت مع دعاية هوجاء نزعت الصفة الإنسانية عن هذا الشعب باستعمال ذخائر لفظية ونعوت مدبّبة مثل الوحوش، أو حيوانات بشرية بالعبرية خايوت آدام، وهي حيلة نمطية لتسويغ الإبادة. يعني هذا، ببساطة، أنّ حكومة الاحتلال العنصرية الموسّعة- التي انتخبها في الأساس ناخبون متطرِّفون طابت لهم هتافات من قبيل الموت للعرب بالعبرية مافيت لعرفيم- جرّت العالم المتحضِّر خلفها بعد أن أعربت عواصم غربية عن عدم ارتياحها لهذه التشكيلة ابتداءً. ارتضى القادة الغربيون أن يكون بنيامين نتنياهو قائد حملتهم الضارية التي ترفع لواء الخير في وجه الشرّ وقناديل النور التي تقتحم الظلام. يمتثل نتنياهو وقادة جيشه لهذه الشعارات باقتراف أوسع حملة سفك دماء يشهدها العالم إيّاه تحت الأضواء وبالبثّ المباشر، دون أن تكفّ منصّات السياسة والإعلام الغربية عن تمجيد القاتل والتصفيق له وضمان حصانته من المساءلة والعقاب، وإمداده بالذخائر المادية والمعنوية. من مآزق دعاية العدوان أن يتسيّد نتنياهو تحديدًا المشهد السياسي الإسرائيلي في هذا الموقف المفصلي، فهو مَن يُلقي المواعظ على العالم باسم الحضارة والعالم المتحضر في مقام ذمّ وحوش العصر، كناية عن الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبصفة تمتدّ إلى ذمّ السياق الحضاري لفلسطين وأمّتها عمومًا. إنّ حقيقة وجود نتنياهو في مركز التعبير عن دولة الاحتلال والعدوان- التي تحظى بكل هذا العطف الغامر- تمثِّل مأزِقًا موضوعيًا لهذه الدعاية، حتى لو اضطرّته أزمته الداخلية المستعصية إلى الاستقالة خلال العدوان أو بعده. من المفيد التذكير بأنّ رئيس حكومة الاحتلال حظي بلافتات كرايْم مينيستر الشهيرة، أي الوزير الإجرامي، بدل برايْم مينيستر أي الوزير الأول، فقد شاهدها العالم شهورًا متعاقبة معلّقة في ميادين تل أبيب خلال تغطية الموجة الجماهيرية العارمة التي واصلت التنديد به حتى انفجار الموقف مع قطاع غزة. لم يقتصر التخندق الأميركي والأوروبي مع العدوان الإسرائيلي؛ على الدعم السياسي والعسكري، فقد تجلّى في تبنِّي مضامين دعاية الاحتلال وترويجها في المنصّات السياسية والإعلامية بصفة غير مسبوقة. يبدو أنّ حالة التلقٌّف الغربي هذه أغرَت الجهد الدعائي الإسرائيلي باستسهال التلفيق والترويج، فاتّخذت موادُّ مزيّفة وساذجة، إسرائيلية المصدر، سبيلَها بشكل انسيابي إلى منصّات سياسية مرموقة، بدءًا من البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، وافترشت وسائل إعلام غربية مرموقة ورصينة بلا عوائق مهنية أو أخلاقية. لكنّ الإسراف في ترويج مواد مزيّفة أوقع دعاية الاحتلال ومن تواطأ معها في مأزِق جسيم؛ لأنّ هذه الحبكات المنسوجة جاءت في زمن يعلو فيه النقد الشبكي وتتنامى فيه خبرات التمحيص ومنصّات التحقّق والتثبّت من المضامين. ثمّ إنّ ترويج مزاعم مضلِّلة وموادّ مزيّفة أوقع مصادر هذه الدعاية ومروِّجيها في أزمة مع الأوساط الصحفية، كما تبيّن، مثلًا، في مؤتمرات صحفية عقدها مسؤولون غربيون بشأن الحرب، وتتعالى في غضون ذلك موجة استقالات وانشقاقات واعتراضات في وسائل إعلام أوروبية وغربية، علاوةً على مواقع حكومية ودولية ترفض الإذعان لدعاية العدوان ومواصلة تبرير الفظائع بحقّ الشعب الفلسطينيّ. وإنْ استحوذت سردية العدوان الدعائية على الصناعة الإعلامية، المُعَولَمة جزئيًا، في الدول الغربية؛ فإنّها واجهت حرجًا بالغًا في الفضاءاتِ الشبكية التي يمتلك فيها كلّ فرد من جماهيرها فرصة تسديد نقد لاذع في أيِّ اتجاه يرغب به. فبعض المضامين الناقدة للعدوان على غزّة حظيت بمتابعات قياسية، واختصّها الجمهور حول العالم بتداول واسع في مواقع التواصل، وشكّل هذا المنحى المتعاظم ضغطًا على وسائل الإعلام التي تدرك ثمنَ استغفال الشعوب والاستخفاف بوعي الجماهير، وتخشى عواقب التضحية بمصداقيتها ومهنيّتها في أيام معدودات. ويبدو أنّ الموعدَ حان الآن مع موجات ارتدادية نقدية، قد تأتي لاذعة، بمجرّد أن يبلغ تسونامي البكائية على جمهور الاحتلال مداه ويخسر رصيده الذي استهلكه في الإجهاز على أطفال غزة ونسائها. لم يتردّد نتيناهو وكبار المسؤولين والمتحدثين الإسرائيليين في اللعب بورقة الإسلاموفوبيا وصراع الحضارات، في مسعى حشد القوى الغربية وتأليب شعوبها على فلسطين ومقاومتها. لم يتورّع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن استعمال خطاب إيحائي جسيم الأثر، يدّعي فيه أنّ دولة الاحتلال تدافع عن الحضارة والتحضُّر في وجه البربرية والتوحّش، أو أننا ندافع معًا عن ذلك، في إشارة إلى الاصطفاف الغربي الحاصل ضد الشعب الفلسطيني، وأنّ الاحتلال يمثِّل قوى النور في وجه قوى الظلام. إنّها إعادة إنتاج مُستهلكة لثنائية الأخيار والأشرار التي لجأت إليها إدارة جورج بوش الابن المتشنِّجة، بعد 11 سبتمبر أيلول 2001، في حملتها التي أحرقت أقاليم شاسعة من العالم الإسلامي، وقد عُدّت هذه خبرة سيئة السمعة في الاستعمال الدعائي لشنّ الحرب بذرائع مضلِّلة جرّت عواقب مريرة على الأميركيين والعالم؛ بدءًا من أفغانستان والعراق. يعزف نتنياهو وفريقه بهذه النبرة على أوتار الإسلاموفوبيا تحديدًا، وكأنّ قاعدة الاحتلال الحربية في فلسطين تخوض حملة صليبية في وجه العالم الإسلامي. ما ترغب قيادة الاحتلال والعدوان في إقناع الشعوب الأوروبية والغربية به نحن ندافع عنكم، نحن الجبهة الأمامية في الدفاع عن أوروبا والغرب في وجه الخطر الإسلامي أو هكذا تقريبًا. إنها المقولات التي تتبنّاها أحزاب اليمين الأوروبي المتطرِّف علنًا منذ سنة 2010، أي منذ أن تصالحت مع القوى الإسرائيلية الأكثر تطرّفًا وصارت تتصدّر المزايدات في أوروبا في وجه أي نقد للاحتلال. لكنّ مضامين الخطاب لا تعمل في وجهة أحادية، فمن شأن هذه النبرة المُغالية أن تفتك مثلًا بالخطاب الساذج الذي تروِّجه دعاية التطبيع الإسرائيلية نحو العرب والمسلمين، علاوة على الوقْع الصادم الذي تُحدثه مشاهد الإبادة الواردة من قطاع غزة في ذاكرة أجيال هذه الأمّة. يُدرِك القادة الغربيون الذين انزلقوا سريعًا إلى خندق الحرب على غزة، أنّ تقمُّص إيحاءات الإسلاموفوبيا- التي تستفزّ العالم الإسلامي وعشرات ملايين المسلمين في أوروبا والغرب- لا يخدم موقفهم، وستكون له ارتدادات غير مرغوبة لدى شعوب العرب والمسلمين وبعض المجتمعات الأوروبية والغربية، التي تلحظ الاصطفاف الأميركي الأوروبي المُعلَن مع العدوان على الشعب الفلسطينيّ. ليس من فراغ أن أفصح وزراء الخارجية العرب على هامش مداولات مجلس الأمن عن انزعاجهم من الصورة التي يرسمها هذا الاصطفاف في أذهان الجماهير العربية؛ بأنّها حرب الغرب ضدّ الشرق، كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، مثلًا، الذي سبق أن حذّر من ذلك لدى استقباله وزيرة الخارجية الألمانية أنّالينا بيربوك في عمّان. إنّ الثقة الزائدة بالنفس التي تتملّك القائمين على منظومة الاحتلال الدعائية ذات الحضور العالمي، تستدرجها إلى أخطاء جسيمة، خاصة عندما تستشعر أنّ رسائلها الساذجة وموادّها المضللة مضمونة الوصول إلى أبرز منصّات السياسة ووسائل الإعلام في الدول الأوروبية والغربية، فتغفل هذه المنظومة عن مفعول عامل المصداقية، ولا تأبه بمظاهر التناقض الواضحة بين القول والفعل أو حتى تضارب بعض الذرائع الدعائية. يبدو واضحًا أنّ مبالغة القادة والمسؤولين الإسرائيليين وأقرانهم الغربيين في التمسُّح بالإنسانية والحضارة- في سبيل حشد التأييد للعدوان على الشعب الفلسطيني في غزة- تلازمت مع تجريد الفلسطينيين بشكل غير مسبوق في شكله وتعبيراته وكثافته من الإنسانية، إلى درجة استخدام تعبير حيوانات بشرية خايوت آدام الذي برز به وزير الحرب غالانت ابتداءً، وقد أعلن 9 أكتوبر تشرين الأول في السياق ذاته عن قطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود وكلّ شيء عن شعب بحياله، ثم وصل المصطلح إلى منصّة الأمم المتحدة في نيويورك ذاتها على ألسُن المسؤولين الإسرائيليين الذين اجترؤُوا على التلفُّظ بها من أروقة الدبلوماسية الأبرز برعاية واضحة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية لهذا الخطاب إلى حدّ التقمّص الساذج. ثمّ إنّ دعاية مساندة العدوان، التي راجت في المنصّات السياسية والمنابر الإعلامية على جانبي الأطلسي، أوقعت أصحابها في مأزِق مع النقد الجماهيري عبر العالم، خاصة بعد افتضاح ما تنطوي عليه من مُفاضلة سقيمة بين أرواح البشر على أساس غير متكافئ، وانكشاف استسهالها ترويج أخبار مزيّفة دون تحقّق وتثبّت، والوقوف على مراوغات واضحة تحاول التستّر على جرائم حرب بشعة؛ كما جرى في قصف المستشفى المعمداني في غزة مثلًا 17 أكتوبر تشرين الأول. أوقعت الدعاية الأوروبية الأميركية الداعمة للعدوان ذاتَها في موقف حرج عندما بالغت في ترديد مقولات محدّدة في هيئة المحفوظات المقدّسة، من قبيل حق إسرائيل المطلق في الدفاع عن نفسها؛ بينما شاهد العالم أعداد الضحايا المدنيين في قطاع غزة وهي تقفز إلى معدّلات قياسية متصاعدة، بصفة تعزِّز الانطباع بأنّ ما يجري ليس إلا حملة إبادة. كان بعض المسؤولين الغربيين يطالبون في جولات سابقة بالتهدئة وضبط النفس ووقف إطلاق النار، خاصة مع ارتفاع مؤشِّرات الضحايا، لكنّهم الآن يؤجِّجون الموقف ويُلقون باللائمة على الجانب الفلسطيني على نحو يعبِّر بإخلاص عن نزعة لوْم الضحية. وفي النهاية؛ يبدو أنّ داعمي الاحتلال المتّشحين بالشعارات الأخلاقية يسقطون في أنظار العالم إلى القاع مع كلّ يوم تتواصل فيه المجازر الوحشية في قطاع غزة، ويتواطؤون على كنسها تحت بساط التجاهل، وينهمكون في تبرئة قاعدة الاحتلال التي يساندونها من أي مسؤولية واضحة عن هذه الفظائع. يرى العالم، وترى بعض شعوبهم أيضًا، كيف يستعملون فنون المراوغة اللفظية التي تمنح برنامج الإبادة والتطهير العرقي أفقًا زمنيًا رحبًا لمواصلة طريقه دون عوائق. خسرت أوروبا سلطتها الأخلاقية، بتعبير ممثل سياستها الخارجية جوزيب بوريل، وهي الخسارة الأولية فقط في رحلة السقوط الحرّ. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/11/2/%d9%85%d8%a3%d8%b2%d9%90%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ae%d9%86%d9%92%d8%af%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b9%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%91-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d9%91-%d9%85%d8%b9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-11-02T10:19:11
2023-11-02T10:20:22
مقالات
2,385
مركز تكوين وأصحابه.. ضجة سياسية مستمرة
ما هي أرضية السياسي -إذن- التي يتحرّك عليها الجدل حول مؤسسة “تكوين لتجديد الفكر العربي” التي أعلن عنها عدد من المثقفين المصريين مؤخرًا؟
علمتني خبرة أكثر من ثلاثة عقود من متابعة الجدل حول القضايا الدينية الثقافية سواء داخل البلدان العربية أو على المستوى الدولي أن أبحث عن السياسة الكامنة خلفها، ويرتبط بذلك تطور آخر برز على مدار العقد الماضي، وهو اندلاع صراع محتدم حول ما أطلق عليه روح الإسلام، وهي معركة تدور حول أنماط التدين التي يجب أن تسود داخل البلدان العربية، ويجري تصديرها دوليًا. إن الترويج لصور من التدين في المنطقة عن طريق مأسسة وتنظيم المجال الديني؛ يعني الوصول إلى صورة عن الإسلام تتماهى مع الكيانات النافذة وبقائها ونمط تحالفاتها، وشبكات امتيازاتها المالية والدولية، وليست صورة تعيد توزيع النّفوذ والثروة في المجتمع كي لا يكون دولة بين شبكات مصالح ضيقة- كما نصت سورة الحشر. ويضاف إلى ذلك إعادة تعريف العدو ليكون المقاومة -أيًا كان اسمها ورسمها- لا إسرائيل. رؤيتي -إذن- هي أن الصراع حول أنماط التدين المتعددة والجدالات الدينية والثقافية المحتدمة؛ هو صراع سياسي بامتياز يتلبس بلبوس ديني ثقافي. بعبارة أكثر وضوحًا السياسي اخترق الديني والثقافي ليعيد إنتاجهما على مقاسه تعبيرًا عن مصالح من يقف وراءه، وما نشهده هو أزمات وصراعات سياسية ذات أبعاد دينية وثقافية تختبر أطرافها توازنات القوى والمصالح فيما بينها في ظل امتزاج شديد للمصالح بالمشاعر الدينية والثقافية. مع غلبة السياسي -إذن- وتغوله يتم استدعاء الجميع على أرضيته، وهو ما يشعل خطوط التماسّ، ومن ثم فمن الضروري التمييز بين المستويات المتعددة خاصة بين السياسي والدينيالثقافي مع إدراك أرضية السياسي التي يتحرك عليها الديني والثقافي. ما هي أرضية السياسي -إذن- التي يتحرك عليها الجدل حول مؤسسة تكوين لتجديد الفكر العربي التي أعلن عنها عدد من المثقفين المصريين مؤخرًا؟ أرضية السياسة في الجدل الحالي تدور حول عناصر ثلاثة ففي الوقت الذي يجري فيه التعامل مع النقاش السياسي وإعادة هيكلة الاقتصاد بسياسات نيوليبرالية شرسة بمنتهى الحزم؛ يلاحظ احتدام الجدل الديني والثقافي في موجات متصاعدة لا تكاد تنتهي واحدة حتى تبدأ أخرى. صحيح أن احتدام الجدل الديني يعكس العجز العربي الرسمي عن السيطرة الكاملة على المجال الديني برغم النجاح -إلى حد كبير- في التحكم في المجالين السياسي والاقتصادي؛ إلا أن هذا الجدل يستخدم أيضًا لخدمة مزيد من تصحيرإفراغ المجال السياسي؛ حين يصرف النقاش العام عن انكشاف العجز الرسمي أمام الإبادة الجماعية في فلسطين. الزيطة وهي كلمة عربية فصيحة تعني الجلبة والضوضاء- من التعبيرات العبقرية التي يستخدمها المصريون عندما يجدون شخصًا أو مجموعة تستفيد مما يحدث أيًا كان بأن تشارك في الزيطة فترفع من صوتها أو تزيط دون أن يكون لذلك أثر حقيقي فيما تزيط منه أو له. يؤدي طغيان الديني على السياسي، والسياسي على الديني إلى إرباك الجميع، والأهم التغطية على أولويات الناس والقضايا؛ فالسقف المرتفع للجدل الديني لا يوازيه نفس السقف في السياسة، والجرأة على الدين لا تناظرها جرأة على انتقاد المواقف الضعيفة مما يجري من توحّش إسرائيلي. في الجدل حول المسائل الدينية، يبرز نمطان من الخطابات الدينية الأول يدفع بالتدين إلى مساحات الشأن الفردي الخاص بما يتطلبه ذلك من سيولة في تفسير النص المنزل، ويستخدم في أحد مداخله الانتقاء الجاهل من التراث والتعددية الفقهية التي تعد إحدى سمات الخبرة التاريخية الإسلامية- لا ليدفع بقيمة التعددية قدمًا؛ ولكن لملء مساحات الفراغ الديني التي يُعاد تشكيلها الآن. أظهر استطلاع الباروميتر العربي لعام 20222021 عودة إلى التدين بين المواطنين العرب. شهد المغرب انخفاضًا بنسبة 7 في عدد من وصفوا أنفسهم بأنهم غير متدينين بين كل الفئات العمرية، تليه مصر بانخفاض بنحو 6، ثم تونس وفلسطين والأردن والسودان بانخفاض بنسبة 4. هذه العودة للتدين تقابلها أزمة هوية وتشظٍ في الخطابات الدينية دفعت بها عوامل كثيرة، وأظن -وبعض الظن ليس بإثم- أن تكوين بشخوصها ومن يقف وراءها يقع في القلب من هذا التوجه. الثاني في مقابل هذا النمط الذي يستخدم الفقه والانتقاء من التراث لمزيد من السيولة الدينية؛ نجد نمطًا يتمركز حول غلبة القراءة التراثية للنص المنزل، وهو نمط يحركه الدور التاريخي الذي أنيط به وهو الحفاظ على التعاليم الإسلامية كما يدركها. أما لماذا يتشابه هذان النمطان من حيث طبيعة الموقف من مسائل التجديد، فهو ما نناقشه في النقطة التالية. إن خطابات الزيطة التنويرية تستثير في المقابل مساحات المحافظة الدينية والاجتماعية، وهو ما تنبه إليه كثير من رموز التجديد الديني حين حرصوا على الجمع بين التجديد في بعض المسائل والقضايا وبين المحافظة على المنهج التراثي في النظر؛ وهي مدرسة بدأت تظهر في النصف الثاني من القرن العشرين ولكنها تبلورت في الربع الأخير منه. هذه العلاقة تتحقق -في تقديري- من زاويتين تنبه إليهما تقرير صادر في 2017 عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى -ذي التوجه الداعم لإسرائيل والمحافظين الجدد- بعنوان الاسترداد سياسة ثقافية للشراكة العربية الإسرائيلية الملمح الأول يعلم الأشخاص الذين يدرسون المنطقة أن العمل الثقافي هو وظيفة أساسية للدول العربية. بالإضافة إلى دور وزارات الإعلام والتعليم والشؤون الإسلامية العربية في السعي إلى مواءمة الثقافة مع أجندة الدولة، فإن الجيوش العربية والكوادر الأمنية وأقسام المخابرات تشغل آلياتها القوية الخاصة بالغرس الثقافي في السراء والضراء فهل يمكن أن تتحرك المبادرة بعيدًا عن هذا التوجيه وفي هذا التوقيت؟ يضيف التقرير أنه على الرغم من اتساع المجال المعلوماتي العربي، إلا أنه يظل في الغالب سلطويًا في هيكله وتهيمن عليه في المقام الأول الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة -وأضيف وإسرائيل الآن أيضًا. الملمح الثاني ومن بين كبرى المؤسسات التعليمية والدينية في المنطقة، بدأ عدد قليل في تقديم أفكار تصحيحية للتحريض ضد اليهود... على سبيل المثال؛ حظيت بدايات محاولات تطهير محتوى الكتب المدرسية العربية من معاداة السامية باعتراف من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل وفق التقرير. تقدم بعض الأنظمة العربية مبادراتها المتعلقة بدور الدين في السياسة والحياة العامة على أنها دعوة للحداثة والتسامح بين الأديان ومحاربة التطرف، لكنها قد تكون في حقيقتها محاولة لبسط النفوذ وإحكام السيطرة على مجمل المجال الديني، وجميع المؤسسات الدينية، وفي نفس الوقت دمج النخب الثقافية أو قطاعات منهم في شبكات التحالفات السياسية والمالية -وطنيًا وإقليميًا، ومع الرعاة الدوليين. أختم بالإشارة إلى أن تسييل التعاليم الدينية من المسائل الصعبة، ولكنه حال تحققه يسهل إعادة تعريف العدو، وإعادة صياغة المجتمع والدولة وفق ما يراد؛ وهو ما يجري على قدم وساق في المنطقة من مداخل متعددة. التسييل مهمة مؤقتة غرضها احتلال المناطق المسيلة برؤى وتصورات النافذين بتحالفاتهم القديمة والجديدة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/5/31/%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2-%d8%aa%d9%83%d9%88%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a3%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d9%87-%d8%b6%d8%ac%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%85%d8%b1%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-05-31T20:50:10
2024-05-31T22:44:45
مقالات
2,386
مفاوضات باريس.. نتنياهو يناور والميدان لا يسعفه
لو رجعنا لمطالب المقاومة ذات السقف المرتفع، ومدى معقوليتها في ضوء الوضع الميداني، فإن جيش الاحتلال وباعتراف قادته أنفسهم يواجه حربًا شرسة، ويقول؛ إن مهمته على الأرض لم تنجز.
لا تزال المواقف متباعدة بين حماس التي تركّز على وقف إطلاق النار الشامل، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة وإغاثة المدنيين، وبين حكومة نتنياهو التي تسعى لإطلاق سراح أسراها لتستأنف بعد ذلك الحرب على غزة. وفي ظل هذا التباعد، انتهت جولتان أساسيتان من المفاوضات على أساس وثيقة مبادئ باريس دون تحقيق اتفاق المرحلة الأولى من الوثيقة المقسمة إلى ثلاث مراحل، وهو الأمر الذي أقرّ به الطرفان، فيما أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن الاتفاق لم يعد من الممكن أن يتم قبل الموعد المستهدف أميركيًا، وهو شهر رمضان المبارك. ويهمنا هنا تفكيك المواقف، وما إذا كان هناك من أمل لاتفاق في رمضان أو بعده، والشكل الممكن له في ضوء فهم مختلف أطراف المعادلة. بادر نتنياهو بإعلان بيان أصدره جهاز الموساد الإسرائيلي الذي يقود رئيسه ديفيد برنياع فريق المفاوضات الإسرائيلي الذي شارك باجتماعين في باريس. وجاء في البيان في هذه المرحلة حماس تتحصن بموقفها كمن ليست معنية بصفقة، وتسعى إلى إشعال المنطقة خلال رمضان. ورغم أن هذا الإعلان لا يعكس ما جرى، فإنه قد قصد به توجيه رسالة لعائلات الأسرى بإلقاء اللوم على حماس، وإقناع الإدارة الأميركية المتحمسة لإنجاز الاتفاق قبل رمضان، بأن إسرائيل بذلت ما في وسعها لإنجاح الاتفاق، وأن من أفشله هي حماس. وقد كشف الكاتب المعروف بن كسبيت زيف هذا الادعاء عندما كتب في معاريف بخلاف الانطباع الذي نشأ أمس عن بيان الموساد الذي نشره مكتب رئيس الوزراء، فلا يوجد توافق في كابينت الحرب في موضوع الاتصالات لصفقة المخطوفين. فضلًا عن هذا، سُمع في كابينت الحرب أمس هجوم مباشر، غير مسبوق وفظّ، على بيان الموساد وعلى نشر الرواية التي تقول إن حماس لا تريد صفقة قبل رمضان ولم ترد على مقترح باريس، وبالتالي ليس هناك ما يمكن الحديث فيه معها. وأضاف توجد هنا سلسلة من الأكاذيب، قال لي أمس مصدر رفيع المستوى مطلع على الأمور يتنمرون على العائلات، يكذبون على طول الطريق ويعرضون صورة مشوهة. سألته ما هي الصورة الحقيقية؟ فأجاب وضع مخطط لصفقة مخطوفين في باريس. الوفد عاد إلى البلاد وكان إجمال الأمر لرئيس الوزراء بأن ننتظر جواب حماس. الأميركيون وباقي الوسطاء وضعوا في هذه الأثناء مخططًا محسنًا. كان هذا هو المخطط رقم 2. موقف الكابينت كان أننا غير مستعدين لأن نقبل المخطط رقم 2 إلى أن يأتي جواب على المخطط رقم 1، بمعنى أن إسرائيل قالت لا. ويعني هذا أن إسرائيل هي التي تشددت ورفضت الاستماع لمطالب حماس وملاحظاتها على وثيقة باريس التي لم تلبِّ طموحات الفلسطينيين. وقد أتيح للكاتب الاطلاع على الوثيقة المعدلة التي أرسلها الوسطاء لحركة حماس بعد اجتماع باريس 2، وكان أبرز معايبها عدم النص على وقف إطلاق النار، وانسحاب الاحتلال إلى الخط العازل كمرحلة أخرى، وطالبت بالسماح فقط للنساء والأطفال بالعودة لقطاع غزة، فضلًا عن عدم النص الواضح على دخول المساعدات والوقود لغزة بالكَميات التي طالبت بها حماس، والاكتفاء بالتأكيد أن تصل هذه الكميات إلى الذروة المطلوبة بنهاية المرحلة الأولى التي تمتد لـ 42 يومًا. بالإضافة إلى أن الوثيقة قدمت معادلة تبادل الأسرى على أساس 10 إلى 1. ويشكل اعتماد مطالب حماس الإنسانية في هذه الوثيقة مكسبًا لحماس بإلزام الكيان بإدخال المساعدات وبكثافة بعد طول تشدد في الموضوع، هذا فضلًا عن رغبة نتنياهو في تخفيف الضغوط عليه من قبل إدارة بايدن. أما بخصوص وقف النار خلال المرحلة الأولى، فقد نصَّت الوثيقة على وقف تحليق طيران الاستطلاع خلال هذه المدة، لمدة 8 ساعات فقط، وهو ما رفضته حماس؛ لأنه يناقض الوقف الكامل للنار الهدنة. وقد قدمت حماس ردها على الوثيقة عندما زار وفدها القاهرة، وتضمن التأكيد على مطالب الحركة مع إبداء المرونة اللازمة في معادلة الأسرى، والتأكيد على السماح للراغبين في العودة للشمال دون تمييز، إضافة لمطلب التعهد بالانسحاب الكامل ووقف إطلاق النار. وقد أكد ذلك رئيس حركة حماس، إسماعيل هنية في خطاب متلفز على الجزيرة عن ضوابط المفاوضات، وهي التي لم تستجب لها حكومة نتنياهو حتى الآن، وأهمها وقف إطلاق النار، فيما أكد أن الحركة إذا تسلمت موقفًا واضحًا بوقف العدوان وعودة النازحين فسنبدي مرونة بشأن موضوع الأسرى، مشيرًا إلى عقبة استمرار الاحتلال في محور الشهداء، وتقطيع قطاع غزة نصفين. من الواضح أن المفاوضات لم تصل لخط النهاية، ولكنها لم تصل لاتفاق ضمن إطار المهلة الزمنية التي سعى لها الطرف الأميركي، وهو إطار مهم وحساس لإدارة بايدن في ضوء الضغوط التي تتعرض لها من قواعدها الانتخابية، خصوصًا في صفوف الشباب، ومؤيدي الحزب من المسلمين الذين تشكل أصواتهم في بعض الولايات بيضة القبان في المواجهة مع ترامب. وليس هذا فقط، فإن سمعة إدارة بايدن باتت على المحك، مع استمرار حكومة المتطرفين باستهداف المدنيين، وتوجه حكومة نتنياهو لاجتياح رفح والتسبب بمجازر ستدمر ما بقي لبايدن من سمعة، إذ تعتبر هدنة رمضان حساسة لمشاعر المسلمين الأميركيين. أما الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية عن ذلك، هو رغبة إدارة بايدن في تبريد الصراع خلال شهر رمضان، حتى لا يؤدي استمرار العدوان الإسرائيلي، بالإضافة لحملة التجويع لأهالي القطاع إلى استثارة الفلسطينيين في الضفة والقدس والـ 48، واستفزاز العرب والمسلمين، وتحفيز إيران وحلفائها في المنطقة لتصعيد الصراع، بما يشكل خطرًا حقيقيًا يهدد مصالح واشنطن في المنطقة، ويضر بإستراتيجيتها للانسحاب منها لصالح التصدي للخطر الصيني، والتعامل الكفؤ مع الحرب الروسية الأوكرانية. ولو رجعنا لمطالب المقاومة ذات السقف المرتفع، ومدى معقوليتها في ضوء الوضع الميداني، فإن جيش الاحتلال وباعتراف قادته أنفسهم يواجه حربًا شرسة، ويقول؛ إن مهمته على الأرض لم تنجز، وإن هناك كتائب مقاتلة لا تزال تعمل في خان يونس، فضلًا عن اشتداد الهجمات على قوات الاحتلال في شمال غزة والمدينة نفسها. بالإضافة للتقديرات العسكرية للمخابرات الأميركية نفسها بأن قدرات حماس وأنفاقها لا تزال تعمل بفاعلية. وهذا يعني أن قيادة حماس السياسية تقف على أرض صلبة عندما تفرض شروطًا عالية مع الاحتفاظ بالمرونة المناسبة، حيث لم تهزم قوات حماس في الميدان، فيما لا تزال قيادتها العسكرية تتمتع بالتحكم والسيطرة، في ظل فشل الاحتلال في قتل أي من قياداتها، أو فرض شروط الاستسلام عليها، أو دفعها للموافقة على الترحيل خارج البلاد. مع صعوبة التكهن بمصير المفاوضات، إلا أن نتيجتها سترتبط بميزان القوة على الأرض، والذي لا يزال غير راجح للاحتلال، بل ويشجع المقاومة على التمسّك بمطالب لا تتناقض مع أهداف طوفان الأقصى أما بالنسبة للاحتلال، فرغم أنه يحتفظ بحرية حركة في غزة، فإنه يفشل في تحقيق أهداف الحرب، فيما تواجه قواته إرهاقًا وحاجة لإعادة تنظيم صفوفها، فضلًا عن القيود الأميركية الغربية التي تحول دون الدخول سريعًا إلى رفح وتشكيل عامل ضغط على حماس لكي تخفف موقفها في المفاوضات. ولهذا، فإن عامل التشدد في الموقف الإسرائيلي ليس نابعًا من قوة على الأرض، وإنما بسبب قرار سياسي من نتنياهو الذي يؤيد استمرار الحرب بدون ثمن، ورضوخه لضغوط بن غفير وسموتريتش اللذين يهددان بإسقاط التحالف الحكومي إن تم التوصل لوقف النار بدون القضاء على حماس. لا تبدو المعادلة في الميدان راجحة للاحتلال بما يكفي لفرض شروط عالية على المقاومة، حيث تبدو المعادلة أقرب إلى التوازن بين جيش يحتل غزة، ومقاومة فاعلة تمنعه من تحقيق أهدافه، وتلحق به خسائر فادحة تمنعه من امتلاك السيطرة على الأرض التي يقف عليها. يبقى الموقف الأميركي عاجزًا عن ممارسة ضغوط على حكومة نتنياهو، رغم القناعة بأن الاحتلال فشل في تحقيق أهدافه، بل وإنه يمكن التعايش مع حماس، بما يتطلب إنجاز صفقة شاملة معها، تفضي في النهاية إلى انسحاب إسرائيلي كامل من غزة، والدخول في مرحلة ما بعد الحرب التي تقتضي تطبيق تصور الدولة الفلسطينية كهدية تقدم للسعودية لإقناعها بتطبيع العلاقات مع الكيان. لذلك، ترى واشنطن أن هذه الحكومة تشكل عائقًا أمام تطبيق هذه الرؤية، ولكنها تقف عاجزة عن إحداث تغيير في مواقفها. خلاصة المشهد، أن القتال مستمر على الأرض، فيما تستمر المفاوضات بدون توقف. ومع دخول شهر رمضان، فإن الصراع مرشح للتصعيد في الضفة والقدس، وهو ما يشكل رافعة لغزة لاستمرار المقاومة، بما قد يجعل من عدم إنجاز اتفاق الهدنة قبل رمضان إيجابيًا أكثر منها سلبيًا، وإن كان أيضًا يخدم خط نتنياهو المتشدد على المدى القصير. وقد يساهم الخط البحري الأميركي لنقل المساعدات للفلسطينيين على ما فيه من عيوب واعتبارات لا علاقة لها بمصلحة الفلسطينيين، في تخفيف عبء حاجات الناس التي دفعت المقاومة للتساهل في بعض المطالب مقابل تأمين الإغاثة والمساعدات للفلسطينيين كما أن استمرار الصراع وربما تصاعده، سيبقي قوات الاحتلال في شمال فلسطين في حالة اشتباك دائم مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية من لبنان، فضلًا عن استمرار إنهاك الأميركيين في البحر الأحمر، وكل هذا يجري عكس ما أرادته الإدارة الأميركية. ومع صعوبة التكهن بمصير المفاوضات، إلا أن نتيجتها سترتبط بميزان القوة على الأرض، والذي لا يزال غير راجح للاحتلال، بل ويشجع المقاومة على التمسّك بمطالب لا تتناقض مع أهداف طوفان الأقصى، وتؤدي إلى استمرار مفاعيل الخلافات داخل الكيان بين المستويين السياسي والعسكري، وتصاعد حالة الاحتجاج من قبل أهالي الأسرى الذين لا يزالون يقضّون مضجع نتنياهو ويضغطون عليه لإنجاز صفقة الأسرى، خصوصًا مع استمرار إعلانات كتائب القسام عن مقتل أسرى الاحتلال لديها؛ نتيجة القصف الإسرائيلي، حيث تحدثت عن مقتل نحو نصف الأسرى لديها حتى الآن وبدون شك، فإن استمرار تصاعد وتيرة الضغوط الأميركية، وارتكاب الكيان المزيد من المجازر، كما جرى في مجزرة الطحين بغزة أو نتيجة توسيع العدوان، والإعلان عن مقتل المزيد من الأسرى، سيزيد كل ذلك الضغط على نتنياهو لإنجاز الصفقة، أو مواجهة هزّة في حكومته قد تؤثر على مستقبله السياسي، ما لم يقم بمناورة جديدة تبقيه على رأس الحكم. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/3/13/%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6%d8%a7%d8%aa-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%b3-%d9%86%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d9%8a%d9%86%d8%a7%d9%88%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%af%d8%a7%d9%86
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-03-13T04:12:15
2024-03-13T04:12:15
مقالات
2,387
غزة وسؤال اليوم التالي؟
رغم أن الحديث عن مستقبل غزة السياسي برز إلى مقدمة النقاشات بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، إلا أن ذلك ليس دقيقًا بالضرورة. فمنذ العام 2007 ومستقبل غزة مثار اهتمام صامت إسرائيليًا وإقليميًا.
قبل أن تنتهي أربعٌ وعشرون ساعة على ما حدث في السابع من أكتوبر، سارعت واشنطن ومعها إسرائيل إلى الحديث عن اليوم التالي، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، بطريقة التفكير نفسها مع تطورات أخرى في منطقة الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين والتي تقوم على حذف الآخر. بدأ الحديث بالتركيز على غزة بدون حركة المقاومة الإسلامية حماس، ثم تطور المشهد إلى غزة بدون السلطة الوطنية الفلسطينية، التي قامت بموجب اتفاق أوسلو أو ما سُمي بإعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أو اتفاق غزة- أريحا للحكم الذاتي الفلسطيني في العام 1993، وهو خيار الحكم الذاتي الذي قبلت به إسرائيل، ومعها المجتمع الدولي آنذاك. تسعى هذه المقالة إلى تحليل السيناريوهات التي يجري طرحها لمستقبل غزة، ومدى إمكانية نجاحها في ظل الوضع الفلسطيني والإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك منطق الاستقطاب الذي يشير إلى حالة من التصدع في المشهد الدولي. رغم أن الحديث عن مستقبل غزة السياسي برز إلى مقدمة النقاشات بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، إلا أن ذلك ليس دقيقًا بالضرورة. فمنذ العام 2007 ومستقبل غزة مثار اهتمام صامت إسرائيليًا وإقليميًا. منذ سيطرة حماس على القطاع- في العام 2007 في أعقاب الانتخابات التشريعية للعام 2005- بدا واضحًا تصدُع مشروع السلطة الفلسطينية أو غزة- أريحا، كما بدا واضحًا صعوبة إعادة السلطة الفلسطينية في ظل الانقسام الفلسطيني الذي تعزّز بسبب عوامل إقليمية ودولية. وجد اليمين المتطرف في إسرائيل- بقيادة بنيامين نتنياهو- في ذلك فرصة لتمرير مخططاته التي تستند إلى رفض كلي لمشروع أوسلو، من هنا بدأ رواج مقولات من قبيل لا يوجد شريك فلسطيني للسلام، وأن السلطة لا تختلف عن حماس، من حيث إنهم جميعًا أعداء يريدون فلسطين التاريخية، وإنهم يتبعون في سبيل ذلك تكتيكات، وليسوا مخلصين في السلام مع إسرائيل. وخلال حوالي 17 عامًا، تم إضعاف مشروع السلطة في الضفة الغربية، ومرّ في مراحل؛ أهمها محاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم قتله في ظروف غامضة، ثم التدمير الممنهج لمؤسسات السلطة، وإضعافها اقتصاديًا وسياسيًا، وتحويلها إلى مزود للخدمات الأمنية لدولة الاحتلال. في السياق ذاته، استمرت حماس في إدارة شؤون القطاع في ظل حصار اقتصادي محكم يراقب دخول الإبرة إلى القطاع، ومع مرور السنوات ترسخت جملة من الحقائق الأولى أن السلطة الفلسطينية يجري إضعافُها إسرائيليًا وحتى أميركيًا. الثانية تسعى إسرائيل إلى استثمار كبير في الانقسام الفلسطيني، وإقامة واقع جديد يستند إلى توسيع المستوطنات، وزيادة دعم المستوطنين؛ بحيث يصبح عمليًا من الصعب أن يكون هناك سلطة فلسطينية؛ في ظل تغيير المعادلة السكانية، وبالتالي الدفع بخيار التهجير القسري، وإنهاء مشروع التحرر الفلسطيني برمته. الثالثة الدفع بأولوية التطبيع مع دول عربية بعيدًا عن البعد الفلسطيني، بحيث يتم دمج إسرائيل في المنطقة دون أن تقدم تنازلات للفلسطينيين الذين هم تحت الاحتلال. بهذا يتحول الفلسطينيون وقضيتهم إلى عبء على دول المنطقة، وهو الأمر الذي تريده إسرائيل، ومعها شركاء آخرون في هذا العالم. في الأسبوع الأول من الحرب الإسرائيلية على غزة، أخذت سيناريوهات غزة ما بعد الحرب الإسرائيلية تتزايد. فقد بدأت واشنطن تتحدث عن عودة السلطة وإحيائها في القطاع، لكن هذا المقترح أخذ يتراجع أمام الرفض الإسرائيلي الذي يبدو أنه أصاب التصور الأميركي في مقتل، حيث بدأت واشنطن تتحدث عن أن محمود عباس والسلطة في الوضع الحالي لن يكون بمقدورهم المساعدة في غزة. وهذا بدوره فتح شهية الطامحين بمنصب رئيس السلطة الفلسطينية. وبدأت التقارير تتداول أسماء من قبيل محمد دحلان، وسلام فياض كقيادات للمرحلة القادمة. لكن كل هذا يبدو مقترحًا ميتًا قبل أن يولد. وتتزايد القناعة بأن نتنياهو لا يريد للفلسطينيين أكثر من إدارة مدنية محدودة، مقابل تغوّل أمني إسرائيلي كامل. وهذا يعيد مشروع روابط القرى الذي بدأ تنفيذه في العام 1978- والذي تم استنساخه من تجربة الانتداب البريطاني السابقة؛ لخلق بديل سياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، تحت عباءة تحسين الأوضاع الزراعية والاقتصادية للفلسطينيين، لكن ذلك في الحقيقة دفعَ إلى تقسيم المجتمع الفلسطيني أكثر. كما قامت إسرائيل بتسليح البعض مما ساهم في ظهور نوع من المليشيات التي تعمل مع الجيش الإسرائيلي. ثم كانت الانتفاضة الفلسطينية في العام 1987. المقترحات التي تركز على حضور دولي أو إقليمي تبدو هي أيضًا في مأزق، حيث إن التصور الموجود حتى اللحظة أن نتنياهو يأخذ الجميع نحو المجهول، وأن دعم أي فكرة تعزز من إفشال أوسلو، سيكون له تبعات إقليمية تتعلق بالمعاهدات القائمة بين إسرائيل، وكل من الأردن ومصر. كما سيعقد ذلك من الترتيبات الأمنية التي توليها واشنطن ودول أخرى أهمية كبيرة. الأمر المهم في هذا السياق، أنه- وخلال العقدين الماضيين- لم تنجح أي من الحلول الدولية في نزع فتيل أي صراع في المنطقة، بل هي حلول أضعفت الدول، وزادت من حضور اللاعبين إلا الدولة، ولعل الأمثلة في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، وأفغانستان، خير دليل. يمكن القول؛ إن حالة طالبان في أفغانستان مثال واضح على فرض الحلول التي تقوم على تجاهل اللاعبين الفاعلين على الأرض، فبعد حوالي عقدين من الحرب على أفغانستان، وفرض حكومة هشّة، لم تجد الولايات المتحدة إلا خيار طالبان للتفاوض معها تمهيدًا لانسحابها والإذعان إلى أنها أصبحت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في أفغانستان. من الواضح أن هناك انقسامًا بين إسرائيل وشركائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة حول ما يمكن أن ينجح في غزة، لا سيما مع حالة الغضب لدى العديد من الدول حول ما يجري من إبادة في غزة. وهذا بدوره يجعل مقترحات بنيامين نتنياهو تواجه تحديات جمة؛ أبرزها شكل المشهد الإسرائيلي الداخلي، وتأثير هذه الحرب في ذلك. الأمر المهم في هذا السياق؛ هو أن الطريقة التي ستتوقف بموجبها الحرب في غزة، ستلعب دورًا حاسمًا في شكل الحل النهائي. وهذا من شأنه أن يؤثر على ترتيبات أخرى في المِنطقة برمتها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/30/%d8%ba%d8%b2%d8%a9-%d9%88%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%9f
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-30T10:49:43
2023-12-30T10:49:43
مقالات
2,388
الانتخابات الأميركية أين اختفى المرشحون؟
هل فقدت الولايات المتحدة قدرتها على تجديد نخبها السياسية المؤهلة للحكم والرئاسة! ولِمَ لا يتناوب على العرش البيضاوي غير الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما “لا شريك لهما” منذ خمسينيات القرن التاسع عشر
يُعدُّ كلٌ من بايدن وترامب شخصيتين سياسيتين مكروهتين تاريخيًا وبايدن نفسه هو الرئيس الحديث الأقل شعبية وغالبية استطلاعات الرأي تُظهر أنهما لا يستوفيان شروط القبول العام، وأن المقعد الرئاسي أكبر من حجمهما بكثير، وظل هذا الشعور حاضرًا، حتى قبيل أن يُخلي بايدن مكانه لنائبته كامالا هاريس. ووفقًا لأحدث استطلاع أجرته شبكة PBS News، قال ما يقرب من ثلثي الأميركيين إن بايدن لا يتمتع باللياقة العقلية اللازمة للعمل كرئيس، بينما شكك حوالي نصفهم في قدرة ترامب، وقال غالبية الأميركيين إن ترامب لا يتمتع بالشخصية التي تؤهله لتولي منصب الرئيس. وفي الأسبوع الأخير من شهر يونيوحزيران الماضي، كشف استطلاع لـمجلة إيكونوميست The Economist والذي سأل عن معدلات الموافقة لترامب وبايدن وهاريس أن ترامب مكروهٌ من قبل 57 من الأميركيين، ويحبه 39، وينظر إلى بايدن بشكل مماثل فهو لا يحبه 58 من الجمهور، ويحبه 39. وبالنسبة لهاريس فإن أرقامَ تأييدها وقبولها بشكلٍ عام لم تكن الأقوى؛ فقد حصل بايدن، بحسب موقع تحليل استطلاعات الرأي FiveThirtyEight، على موافقة بنسبة 37 من جميع الناخبين الأميركيين، بينما حصلت هاريس على 38، وسيُنظر إليها على أنها استمرارٌ لإدارة بايدن، مما يعني أنه يمكن ببساطة أن تُعتبر أكثر قليلًا من نفس الشيء من قبل الناخبين الذين ليسوا راضين عن السياسات أو المواقف التي تمثلها. خاصة أن استطلاعات الرأي التي أجريت في العام الماضي تُظهر أن الناخبين مهتمون بالتغيير وأعربوا عن استيائهم من الوضع الراهن، فيما يشكل التمييز الجنسي والعنصرية اللذان يستبطنهما الناخبون مصدرَ قلقٍ رئيسيًا، أشار إليه بعض الديمقراطيين. يقول كارتر لا أعلم أنَّ الكثيرَ من الناس يريدون الاعتراف بذلك، لكن أعتقد أنَّ هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يشعرون بالارتياح تجاه تولي امرأة سوداء منصب الرئيس. وتُظهر مجاميع استطلاعات تصنيفات الأفضلية شيئًا مشابهًا، وذلك في متوسط Real Clear Politics وهو موقع إخباري سياسي أميركي ومجمع بيانات الاقتراع حيث حصلت هاريس على تصنيفٍ يتطابق تقريبًا مع بايدن. وقال سون تشنغهاو، زميل ورئيس مركز الأبحاث الأميركي؛ إن هاريس لا تمتلك نفس المستوى من القدرة القيادية التي يتمتع بها بايدن لتوحيد أعضاء الحزب. وأضاف علاوة على ذلك، فإنّ سجلها العام كنائبة للرئيس لم يكن مثيرًا للإعجاب بشكلٍ خاص، ولم تحقق نتائج مرضية، واستدل على ذلك بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لعام 2020، حيث كان أداءُ هاريس متوسطًا، وانسحبت من الانتخابات التمهيدية في مرحلةٍ مبكرة، مما يشير إلى أن تأثيرها داخل الحزب محدودٌ نسبيًا. الآراءُ أو الأرقامُ هنا مهمةٌ، وتأملها أو فحصها، يشير إلى أنَّ هذا الثالوث بايدن، هاريس، وترامب، ليسوا أفضلَ الخيارات، بل بلغت حد الإدعاء أن ليس من بينهم من يستحق أن يكونَ سيدَ البيتِ الأبيض، فلِمَ إذن لا يتصدر المشهد بدائل جديدة وبكر وشابة وغير مستخدمة بلغة سوق البالة؟ فهل فقدت الولايات المتحدة قدرتها على تجديد نخبها السياسية المؤهلة للحكم والرئاسة؟ ولِمَ لا يتناوب على العرش البيضاوي غير الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما لا شريك لهما منذ خمسينيات القرن التاسع عشر؟ يُوجد بالتأكيد العديد من الأحزاب الصغيرة أو ما يسمى بـ الأحزاب الثالثة، مثل الإصلاح، والليبرتارية، والاشتراكية، والقانون الطبيعي، والدستور، والخضر، ولكنها أحزابٌ مهمشة ولا دورَ لها غير جر شكل مرشحي الحزبين العملاقين الديمقراطي والجمهوري أثناء عملية الاقتراع على من يكون الرئيس، وذلك على نحو ما حدث في انتخابات 2016 إذ امتصت التذاكر الأقوى لحزب الليبرتاريين وحزب الخضر بقيادة حاكم ولاية نيو مكسيكو السابق غاري جونسون وجيل ستاين، على التوالي، دعم هيلاري كلينتون وساعدت في انتخاب ترامب. بالإضافة إلى هذه الأحزاب الصغيرة، يوجد المستقلون مرشحون وناخبون، وعلى الرغم من استخدام مصطلح مستقل كمرادف لمصطلح معتدل أو وسطي أو ناخب متأرجح للإشارة إلى سياسي أو ناخب لديه وجهات نظر تتضمن جوانب من الأيديولوجيات الليبرالية والمحافظة على حدٍ سواء، فإن معظم من يصفون أنفسهم بالمستقلين يؤيدون، على نحوٍ مستمر، أحدَ الحزبين الرئيسيين عندما يحين وقت التصويت. على سبيل المثال، فإن المرشح المستقل، روبرت كينيدي جونيور ليس لديه فرصة كبيرة للفوز بالرئاسة فهو مؤهل حتى الآن ليكون على بطاقة الاقتراع في سبع ولايات فقط لكن استطلاعات الرأي تظهر أنه ربما يسحب الدعم من كل من هاريس وترامب، وقال خلال تجمع حاشد في فيلادلفيا الديمقراطيون خائفون من أنني سأفسد الانتخابات لصالح الرئيس بايدن. والجمهوريون خائفون من أنني سأفسدها للرئيس ترامب. وهو ذات الدور التأثير على النتائج النهائية الذي بوسع جيل ستاين حزب الخضر، وكورنيل ويست مستقل، وتشيس أوليفرالحزب الليبرالي، القيام به لاحقًا في نوفمبر تشرين الثاني القادم. وفي السياق، أظهر استطلاع أجرته جامعة ماركيت في فبراير شباط أنه في المنافسة المباشرة، حصل ترامب على 51 مقابل 49 لبايدن، وعندما أضيف كينيدي وويست وستاين من حزب الخضر إلى السؤال، تغيرت الأمور، وكان ترامب لا يزال في المقدمة بنسبة 42، وبايدن حصل على 39، وكينيدي على 15، وويست على 3، وستاين على 2 لقد سحب كينيدي المزيدَ من الدعم من الجمهوريين في ذلك الاستطلاع، بينما سحب ويست وستاين المزيد من الدعم من الديمقراطيين، وحافظ ترامب على نسبة أعلى من المستقلين مقارنة ببايدن عندما تم تضمين المستقلين. لا شك في أنه يوجد بالتأكيد من بين الديمقراطيين عدة بدائل واعدة، وهي بدائل أغلبها شابة وغير مسنة أو عجوزة، مثل حاكم جافين نيوسوم من ولاية كاليفورنيا 56 عامًا، وحاكم ولاية إلينوي جي بي بريتزكر 59 عامًا، وحاكم ولاية كنتاكي آندي بشير 46 عامًا، وحاكم ولاية ميريلاند ويس مور 45 عامًا، ووزير النقل بيت بوتيجيج 42 عامًا، وحاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو 51 عامًا، والسيناتور رافائيل وارنوك من جورجيا 54 عامًا، وأخيرًا حاكم ولاية كولورادو جاريد بوليس 49 عامًا. وفي الجانب الجمهوري يوجد بدائل لترامب، مثل السيناتور تيم سكوت، وسفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هيلي، ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي، وحاكم ولاية نيو جيرسي السابق كريس كريستي. ومع ذلك، يظل السؤال حاضرًا، بشأن المراوحة عند نقطة إعادة تدوير الأسماء المستعملة بايدن، هاريس من جهة، وترامب من جهة أخرى، فلِمَ إذن لا يطفو على وش القفص إلا تجريب المجرب وحسب لماذا لا نرى مرشحين جدد يتمتعون بقدر لا بأس به من الفرص بجوار هذه الأسماء؟ هذا يطرح سؤالًا آخر بشأن مَنْ له سلطة صناعة النجوم السياسيين الناخب أم شيء آخر، له من النفوذ والسيطرة والتفوق على أوعية وقنوات الاختيار الحر عبر عملية سياسية نظيفة وعادلة؟ منذ أكثر من مائة عام، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو مارك هانا عن السياسة الأميركية هناك شيئان مهمان في السياسة، الأول هو المال، ولا أستطيع تذكر الثاني، ولقد مرت أكثر من مائة عام، ولا يزال المال العملة الأقوى في توجيه السياسات الأميركية وحسب، بل أصبح أيضًا عنصرًا لا غنى عنه. وعلى سبيل المثال، في عام 2020، تم إنفاق ما يقرب من 14 مليار دولار على الحملات الانتخابية الفدرالية، مما يجعلها الحملة الأكثر تكلفة في تاريخها وأكثر من ضعف ما تم إنفاقه في انتخابات عام 2016، بل بات الرئيس المنتخب في جيب الأثرياء بعد حزمة قرارات المحكمة العليا Citizens United v. FEC والتي وصفت بالتاريخية لسنها تشريعات، تمنع الحكومة من تقييد النفقات المستقلة للحملات السياسية وتسمح للأثرياء جدًا بإنفاق مبالغ غير محدودة على الحملات من خلال لجان العمل السياسي، وتمنع الناخبين من معرفة منْ يحاول التأثير عليهم، أي المال المُظلم الذي يُخفي هويةَ المتبرع به، ما حمل مركز برينان للعدالة على القول إن الأموال الكبيرة تهيمن على الحملات السياسية الأميركية إلى درجة لم نشهدها منذ عقود وأنها تطغى على أصوات الأميركيين العاديين. في مارس آذار 2020، نشر روبرت رايش، أستاذ السياسة العامة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي ووزير العمل السابق، كتابًا بعنوان النظام، مَنْ تلاعب به، كيف نصلحه The System Who Rigged It, How We Fix It. ووفقًا له، تم اختطاف النظام السياسي الأميركي من قبل أقلية صغيرة على مدى العقود الأربعة الماضية، ويكاد يُنظر إلى التبرعات السياسية على أنها رشوة مشروعة، فهي تمكن الأغنياءَ من الحصول على المزيد من النفوذ السياسي. ويقول الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد ماثيو ستيفنسون؛ إن الولايات المتحدة ليست بأيِّ حالٍ من الأحوال الرائدة عالميًا في الحكومة النظيفة، وأنَّ بعضَ الممارسات المتعلقة بالضغط وتمويل الحملات التي قد تعتبرها الدول الأخرى فاسدةً، هي ليست مسموحًا بها فحسب، بل محمية دستوريًا في الولايات المتحدة. فيما خلصت دراسة حديثة، أعدها البروفيسور مارتن غيلينز من جامعة برينستون والبروفيسور بنيامين آي بيغ من جامعة نورث وسترن، إلى أن الأثرياء القلائل هم من يحركون السياسة، في حين أن المواطن الأميركي العادي لا يملك سوى القليلِ من السلطة. وقالت إن الأميركيين يتمتعون بالعديد من السمات الأساسية للحكم الديمقراطي، مثل الانتخابات المنتظمة، وحرية التعبير وتكوين الجمعيات، والانتخاب واسع النطاق، غير أن عملية صنع القرار السياسي خاضعةٌ لهيمنة منظمات الأعمال القوية وعددٍ صغيرٍ من الأميركيين الأثرياء. لم يعد خافيًا إذن على المراقبين، دور المال السياسي والموجه، بتغوله وتوحشه، في تقرير هوية البيت الأبيض، وأن المرشحين الأوفر حظًا بدخوله، هم في واقع الحال الأبناء الشرعيون لهذا المال، بما فيه المال المظلم الدولة الموازية التي تحرك مسرحَ العرائس الأميركي، وأحالت الرئيس المنتخب إلى مندوب علاقات عامة لكبار الممولين لحملته. فهل اقتضت مصالحُ وأشواقُ وأحلامُ القوى المالية، وجودَ رئيسٍ مسنٍ وعجوز؟ فإذا كان بايدن وترامب في العقد الثامن من العمر، فإن هاريس التي ينظر إليها على أنها الأكثرُ شبابًا منهما باتت على مشارف العقد السابع هي أيضًا. أم أن الدولة السوبر في العالم باتت تجري عليها سنن الحياة، وأن الميكبَ الديمقراطي لم يعدْ بوسعِه إخفاءَ تجاعيد الشيخوخة التي اتسعت لتشمل ولاياتها الخمسين بلا استثناء؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/28/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%81%d9%89
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-10-28T08:23:55
2024-10-28T08:29:22
مقالات
2,389
هذا هو العدو الأكبر المتربص بسوريا الجديدة الآن
لا شك أن التحول الكبير الذي حصل في دمشق بسقوط النظام وسيطرة المعارضة – وعلى رأسها هيئة تحرير الشام – شكل معضلة وهاجسًا في الآن معًا لعدد من الأطراف الخارجية.
كانت إسرائيل في مقدمة الأطراف المستفيدة ظرفيًا من سقوط نظام الأسد، مستغلة الفراغ الحاصل في دمشق لفرض أمر واقع باحتلال مناطق إضافية، وقصف أسلحة ومقدرات إستراتيجية؛ لخدمة عدة أهداف تجعلها العدو الأكبر المتربص بأي نظام في دمشق، ليس فقط من الناحية النظرية الإستراتيجية، ولكن كذلك من زاوية عملية حاليًا. منذ اتفاقية فض الاشتباك في 1974، بقيت جبهة الجولان هادئة بشكل شبه دائم بين النظام السوري ودولة الاحتلال. ومع انطلاق الثورة السورية في 2011، وضع النظام الأحداث في إطار مؤامرة كونية عليه، واتهم المعارضين الثوار بالتبعية للولايات المتحدة وإسرائيل، بينما رأت المعارضة أن بقاء النظام مصلحة جوهرية للاحتلال، وأن ذلك ما حافظ له على كرسيه طوال سنوات الثورة. مع بدء عملية ردع العدوان، قال وزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر إن إسرائيل تنظر بسلبية لكل من النظام والمعارضة، وإن حليفها الطبيعي الوحيد في سوريا هم الأقليات، في إشارة للدروز في الجنوب، والأكراد في الشمال. قبل ذلك، وخلال المواجهات البرية مع حزب الله في شمال لبنان، أزالت قوات الاحتلال السلك الشائك في الجولان، وتوغلت في الأراضي السورية، ومع فرار الأسد، أعلن نتنياهو انهيار اتفاق فض الاشتباك، لتتوغل قوات الاحتلال في المنطقة العازلة التي أنشئت كمنطقة منزوعة السلاح بين الجزء المحتل من هضبة الجولان، وباقي الأراضي السورية. وخلال أيام قليلة نفذت المقاتلات الإسرائيلية مئات الغارات الجوية، معلنة عن تدمير غالبية الأسلحة والمرافق الإستراتيجية السورية من طائرات ودبابات وسفن ومصانع ومعامل دفاعية في أكبر عملية جوية في تاريخ إسرائيل. بينما ذكر مصدر أمني وصول قوات الاحتلال إلى 25 كيلومترًا من العاصمة دمشق. وفي الـ 17 من الشهر الجاري، زار نتنياهو رفقة كل من وزير الدفاع كاتس، ورئيس الأركان هاليفي، ورئيس جهاز الشاباك بار، وقائد المنطقة الشمالية غوردين، مواقع جيش الاحتلال في قمة جبل الشيخ، حيث أكد كاتس على ضرورة ترسيخ الوجود في المنطقة؛ بهدف البقاء لفترة طويلة، مؤكدًا على أهمية السيطرة على المرتفعات. بنتيجة التوغل والقصف المستمر، حقق الاحتلال عدة أهداف في آن معًا، حيث فرض أمرًا واقعًا جديدًا، بحيث يزيد من قدراته التجسسية والعسكرية المباشرة وغير المباشرة في سوريا ولبنان بالتبعية، ويقوّي أوراقه التفاوضية مع أي قيادة مستقبلية لسوريا، فضلًا عن تدميره مقدرات تسليحية مهمة ساهمت في إضعاف سوريا الدولة لمدة غير محددة مستقبلًا، وإخراجها من كونها تهديدًا له ولو نظريًا ونسبيًا، إضافة إلى ضغطه باتجاه سعي العهد الجديد في سوريا لشراء السلاح من أطراف غربية، آملًا في تأثير ذلك على توجهات الدولة مستقبلًا. على مدى سنوات الثورة السورية، ولا سيما بعد تدخل إيران والمليشيات المرتبطة بها، وفي مقدمتها حزب الله إلى جانب النظام، انتشرت مقولة لدى المعارضة السورية بأن إيران هي العدو الأول مرحليًا للسوريين؛ بفعل المواجهة العسكرية، والتأثير الأيديولوجي، والتغيير الديمغرافي، بينما تبقى إسرائيل عدوًا إستراتيجيًا لكن مؤجلًا. ورغم أن سقوط النظام أدى لخروج إيران من سوريا بشكل شبه كامل، ومع انكفاء حزب الله في لبنان، وتصريحات محايدة بخصوص الوضع الجديد في سوريا، ورغم حالة شبه الإجماع الإقليمي والدولي على تقليم أظفار إيران في المنطقة، فإن بعض التصريحات ما زالت تصر على استمرار الخطر الإيراني وأولويته بالنسبة لدمشق ونظامها المستقبلي. لا تكتفي هذه النظرة بتجاهل الخطوات الخطيرة التي قام بها الاحتلال مؤخرًا والتي سبق الإشارة لها، ولكنها في الأساس تخلط بين منطق الثورة ومنطق الدولة. إذ من المتفهم أن تُعلن إيران عدوًا يُواجه في سنوات الثورة حين قاتلت المعارضة مع النظام، أما وقد سقط الأخير، وبدأ يتشكل نظام جديد، فينبغي للسياسة الخارجية أن تُبنى على مصالح البلاد الإستراتيجية وليس بالضرورة وبشكل كامل على استقطابات الثورة، ولا حتى بناء على من وقف مع الثورة المعارضة وضدها. لا شك أن التحول الكبير الذي حصل في دمشق بسقوط النظام وسيطرة المعارضة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام شكل معضلة وهاجسًا في الآن معًا لعدد من الأطراف الخارجية، ولكننا لا نبالغ حين نقول إن إسرائيل هي العدو الأكبر والأكثر تربصًا بسوريا الجديدة. يتمثل ذلك أولًا بجوهر مشروع الحركة الصهيونية منذ بداياتها الأولى كأداة لخدمة مصالح الدول الاستعمارية في المنطقة، وكتهديد لكافة دولها وشعوبها، كما في مبادئ السياسة الخارجية لـ إسرائيل بعد إعلان الدولة، والتي استلهم الكثير منها من تنظيرات ملهم نتنياهو زئيف جابوتنسكي صاحب نظرية الجدار الحديدي، والذي دعا لإقامة كومنولث عبري تكون إسرائيل فيه القوة الإقليمية العظمى والمسيطرة، وتقود دويلاتٍ عربية ضعيفة ومقسمة على أسس إثنية ودينية وطائفية ومذهبية. كما حدد أرييل شارون أمام الكنيست في 1982 المجال الحيوي لإسرائيل على أنه المنطقة التي تضم مصالحنا الإستراتيجية، وتضم مناطق العالم العربي المتاخمة لإسرائيل كافة، إضافة لإيران وتركيا وباكستان وشمال أفريقيا وحتى زيمبابوي وجنوب أفريقيا، وهي الرؤية التي وُسِّعت لاحقًا. وإذا كان ذلك قبل عقود شملت تطورات كبيرة على صعيد علاقة إسرائيل بالمنطقة، فإن خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر أيلول 2023 قسّم المنطقة إلى مناطق نعمة وأخرى لعنة تشمل سوريا بطبيعة الحال، فضلًا عن أنه يتحدث في الحرب الحالية عن سعيه لرسم خرائط المنطقة، وإعادة تشكيلها من جديد. وإذا كان كل ما سبق نظريات وتصريحات، فإن الفعل أتى مصدّقًا له ومؤكدًا لصحته، بدءًا من استمرار احتلال الجولان، مرورًا بالتوغل الأخير إلى مشارف دمشق، وتدمير السلاح السوري، وصولًا للحديث عن ضرورة البقاء طويلًا في المنطقة العازلة؛ لتأمين التفوّق العسكري والأمني ومنع 7 أكتوبرتشرين الأول جديدة، وليس انتهاءً بالتصريحات التي تتحدث عن القيادة الجديدة، وتحديدًا أحمد الشرع، وهيئة تحرير الشام كإسلاميين متشددين، وكلاعب جديد غير معروف التوجهات والسياسات تجاه إسرائيل في المستقبل. في المآلات، فإن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة إما أن تؤدي لاحتلال مستدام أو طويل الأمد بالحد الأدنى، أو تدفع نحو مسار الحديث السياسي والتفاوض من أجل الانسحاب من موقف أقوى هذه المرة، ومحاولة فرض تطبيع العلاقات ضمن حزمة التفاهمات المفترضة، أو تساهم في تقسيم سوريا من خلال دعم فكرة دويلات الأقليات، وبكل الأحوال إبقاء أي حكومة مستقبلية لسوريا تحت الضغط العسكري والأمني المباشر؛ بغية التأثير على سياساتها الإقليمية، وتحديدًا ما يتعلق بدولة الاحتلال نفسها. يوضح ما سبق أن إسرائيل لن تترك سوريا وشأنها ولن تراهن على انشغالها بملفاتها الداخلية وأولوياتها الكثيرة، وأنها لن تقتنع بتصريحات الطمأنة بأن سوريا لا تقوى على مواجهات عسكرية، وأنها ستبقى تنظر لسوريا الدولة والشعب كتهديد إستراتيجي. ويتطلب ذلك بالتالي الاهتمام بأولوية بناء عقيدة الدولة، الإستراتيجية والعسكرية والأمنية، التي هي أولى وآكد من أولويات الخدمات اليومية للمواطنين، على أهمية الأخيرة. فمن جهة، صحيح أن العهد الجديد ورث دولة متداعية وأن خبرته في إدارة الدول متواضعة، إلا أن مجرد وقف حالة الفساد السابقة والعمل بجد في المرحلة المقبلة سيكونان كفيلين بتحسن ملحوظ في الأوضاع الاقتصادية والحياتية في وقت قياسي. ومن جهة ثانية، فالدولة تبنى وفق رؤية إستراتيجية عسكرية أمنية، تبدأ بتعريف الذات والدور والمكانة، وتشمل العلاقات الخارجية ومنظومات التحالف والشراكة والتعاون والصداقة والخصومة والعداء، بما في ذلك مصادر التسليح والاتفاقات الأمنية والعسكرية، وليس على السياسات الاقتصادية التي تأتي تابعة لها. ومن البديهي أن ذلك لا يعني المواجهة ولا افتعال الحروب بالضرورة، وإنما رسم سياسات العهد الجديد بما يبقي سوريا كما يريد شعبها، وفي إطار دورها ومكانتها، ووفق مصالحها الحيوية، وليس معادلات المرحلة السابقة بالضرورة، فضلًا عن أنه يبقيها قوية وقادرة على صد العدوان إن حصل، فكيف به وقد بدأ ويبدو أنه سيستمر ويتعمق. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/12/25/%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%a8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b1%d8%a8%d8%b5-%d8%a8%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2024-12-24T23:20:04
2024-12-24T23:20:04
مقالات
2,390
خطوة أولى نحو الاستقرار في المنطقة
الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا بعد معالجة جذور الصراع. ووقف حرب الإبادة على غزة هو الخطوة الأولى. على جميع الدول المتصلة بالصراع أن تدرك خطورة الأمر وأن تبذل جهداً حقيقيا في هذا المجال.
في الأول من أبريل نيسان قصفت طائرات إسرائيلية مبنى قنصليًا إيرانيًا في دمشق، وفي 14 من الشهر نفسه ردّت إيران على إسرائيل مرسلة مئات الطائرات الانتحارية والصواريخ الباليستية التي قطعت مسافة تزيد على 1700 كلم، وعبَرت أجواء دول عربية قبل أن يصل بعضها لسماء دولة الاحتلال. حبس العالم أنفاسه؛ خوفًا من اندلاع حرب إقليمية. استنفرت القوى الغربية الكبيرة قواتها العسكرية والأمنية. ألغت الكثير من دول العالم رحلات الطيران إلى المنطقة. اتصالات مكوكية فوق الطاولة وتحتها؛ لمنع الانزلاق لحرب لا تبقي ولا تذر. بالتأكيد لا. ترتبط الأحداث الأخيرة بشكل مباشر أو غير مباشر بالصراع العربي الإسرائيلي، وبشكل أدقّ بحرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على شعب غزة. إن استهداف القنصلية الإيرانية هو محاولة إسرائيلية لتمييع جوهر الصراع، ورمي قنابل دخانية ولصرف الانتباه عن الحرب على غزة. وهل بدأت الحرب على غزة في السابع من أكتوبرتشرين الأول؛ أي بعد العملية الواسعة التي قامت بها المقاومة الفلسطينية على غلاف غزة؟ بالتأكيد لا. ثمة أسباب عميقة أدت وسوف تؤدي إلى حروب في المنطقة، وربما في العالم. هذه الأسباب تُختزل بكلمة واحدة البحث في جذور الصراع العربي الإسرائيلي، وأن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وأن يقرر مصيره بيده، وأن يبني دولته وعاصمتها القدس الشريف، وأن يعود اللاجئون المشردون في منافي الأرض إلى ديارهم وممتلكاتهم، استنادًا لقواعد القانون الدولي الآمرة. وهل القوة العسكرية المفرطة التي تستخدمها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود عجاف من الزمن، سوف تحسم الصراع؟ بالتأكيد لا. القوة المفرطة هي فعل، وسوف يتولد عنه رد فعل. ولو أن القوة غير المستندة للحق استطاعت أن تحسم الصراع لحسمته حين كان الفلسطيني لا يحمل غير الحجر. في الرابع والعشرين من أكتوبرتشرين الأول من العام الماضي، وأمام مجلس الأمن قال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ إن أحداث السابع من أكتوبرتشرين الأول لم تأتِ من فراغ. غضب الغرب وشنّت إسرائيل هجومًا حادًا عليه، متهمة إياه بأنه يتبنى الرواية الفلسطينية، وبأنه يشجع الإرهاب الفلسطيني. كان الأمين العام يقصد أمرًا واضحًا لا لبس فيه، هو أن إسرائيل دولة تمارس أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، كما تمنع إعادة اللاجئين الفلسطينيين بما يعمق الصراع ويطيل أمده، وأن هذه العملية جاءت رد فعل على هذه التراكمات الكبيرة. تبنى الغرب الرواية الإسرائيلية بالقول؛ إن قطاع غزة كان يعيش وضعًا أمنيًا مستقرًا قبل عملية طوفان الأقصى، وأن الهجوم الإسرائيلي يأتي كرد فعل منعزلٍ تمامًا عن أي أسباب أخرى إلا سبب الهجوم نفسه. ثم وفّر للاحتلال دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا غير مسبوق، كما حماه من أية مساءلة قانونية ممكنة. في الثامن من أكتوبرتشرين الأول انضمّ حزب الله بشكل جزئي للمعركة وسماها معركة دعم وإسناد. توترت جبهة الجنوب اللبناني بشكل واضح، وباتت ساحة حرب يتبادل فيها الطرفان إسرائيل وحزب الله اللكمات العسكرية ضمن قواعد اشتباك لا تزال مضبوطة حتى الآن، لكنها مرشحة للانزلاق في أية لحظة. خسرت إسرائيل أمنها في الشمال، وتضرر اقتصادها بشكل دراماتيكي. في الواحد والثلاثين من أكتوبرتشرين الأول، انضمّت جماعة أنصار الله الحوثي إلى الحرب، لكن على الطريقة اليمنية من خلال استهداف سفن إسرائيلية أو تحمل موادّ للإسرائيليين في البحر الأحمر. ثم وسعت نشاطها العسكري، فباتت ترسل طائرات انتحارية وصواريخ باليستية إلى إسرائيل. وأصبحت منطقة البحر الأحمر ساحة حرب حقيقية، ثم انضمت الولايات المتحدة وبريطانيا للحرب وباتتا تقصفان مواقع للحوثيين، ثم وسّع الحوثيون نشاطهم العسكري ليستهدفوا سفنًا عسكرية أميركية وبريطانية. شنّت إسرائيل حربًا لا أخلاقية ضد سكان قطاع غزة، اصطُلح على تسميتها بحرب الإبادة. قتلت المدنيين ودمرت الأعيان المدنية. وأظهرت قوات الاحتلال بطولة منقطعة النظير ضد المستشفيات وأمام قوافل النازحين أو أماكن تجمعهم. قتلت منهم أكثر من 34 ألفًا؛ معظمهم من النساء والأطفال، فضلًا عن التدمير المنهجي للتجمعات السكنية، وفرضت حصارًا خانقًا سمي بحرب التجويع مات الناس جوعًا، وبعضهم دفن حيًا، أو استُهدف بطائرة مسيرة، وهو يبحث عن الطعام. يشاهد العالم ما يجري في غزة أولًا بأول. قامت المظاهرات المنددة في كل دول العالم، بما فيها الدول الغربية نفسها؛ غضبًا وسخطًا على نفاق الدول الغربية ودعمها اللامحدود للاحتلال بالسلاح والذخيرة والمواقف. لكن الأخيرة لم تخجل من مواقفها واستمرت في الدعم بغض النظر عن خسائرها السياسية الداخلية. عجزت مؤسّسات الأمم المتحدة عن اتخاذ إجراءات تمنع حرب الإبادة؛ عجز مجلس الأمن، وعجزت الجمعية العامة، وعجزت محكمة العدل الدولية. هذا العجز عمّق الصراع ووسعه. كما عجزت المحكمة الجنائية الدولية، ولم يقُم مدعيها العام بدورٍ فعّال. قامت بعض الدول بمبادرات شجاعة منعزلة جنوب أفريقيا، نيكاراغوا ضد سلوك الاحتلال وداعميه. لم تستطع هذه المبادرات أن تخرق الجدار الصلب وأن تمنع الجرائم؛ لأنها كانت وحيدة، وكانت تتوقع دعمًا حقيقيًا من دول عربية وإسلامية، ومع ذلك فإن التاريخ قد دوّن هذه المبادرات بحبر من ذهب في سجلّ الشرف. بعد قيام إسرائيل باستهداف القنصلية الإيرانية ورد إيران على إسرائيل، يعيش العالم اليوم حالة من الترقب والحذر. وتعيش منطقة الشرق الأوسط حالة غليان. ثمة قلق حقيقي تعيشه بعض الدول التي تغافلت عن جوهر الصراع، واعتبرت أنّ رد إسرائيل الوحشي يأتي في إطار معركة سوف تنتهي عما قريب. وفوق ذلك كله تعيش المنطقة المحيطة بالصراع حالة من الركود الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. صحيح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأشد تطرفًا، لكن الصحيح أيضًا أن سلوك الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم يكن أفضل حالًا، وهي تنفذ سياسة منهجية ترسمها مراكز الدراسات والأبحاث قائمة على قضم الأراضي، وتوسيع الاستيطان، وتهويد القدس، وكبت أو تدمير أية قوة فلسطينية، بغض النظر عن فكرها السياسي. بمعنى أن الحكومات الغربية التي تعتقد أن الإطاحة برئيس الحكومة الإسرائيلية يمكن أن يخمد جذوة الصراع الحالي، هو اعتقاد قصير النظر. وما عملية السابع من أكتوبرتشرين الأول إلا حدث، على أهميته القصوى، كشف الوجع البشع للسياسة الإسرائيلية المزمنة. إن النظر إلى الصراع العربي الإسرائيلي وكأنه بدأ مع حكومة يمينية متطرفة ثم اشتد مع عملية طوفان الأقصى هو تقييم غير منطقي. فكل الأحداث التي حصلت وسوف تحصل في المنطقة هي انعكاس مباشر للظلم الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وهي انعكاس للخداع الذي تمارسه الدول الغربية التي قدمت مبادرات سلام أوسلو، حل الدولتين.. قائمة على تعزيز وجود الاحتلال ووأد القضية الفلسطينية وهي حية، وهي انعكاس لسياسة التضليل الإستراتيجي من خلال القول؛ إن القضية الفلسطينية باتت عبئًا على العرب، ولا بد من تجاوزها، وإقامة سياسات تطبيع مع إسرائيل، بما يحقق لكل دولة عربية مصالحها الخاصة. إن الأمن والاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يتحققا إلا بعد معالجة جذور الصراع. وإن وقف حرب الإبادة على غزة هو الخطوة الأولى في هذا المجال. على جميع الدول المتصلة بالصراع أن تدرك خطورة الأمر، وأن تبذل جهدًا حقيقيًا في هذا الاتجاه. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/19/%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A9-%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-04-19T07:08:15
2024-04-19T07:08:15
مقالات
2,391
إيران وإسرائيل.. خلف الكواليس وأمامها
عنوان المقالة يشير لحالة مستمرّة من الجدل حول إيران وأهدافها وأدوارها المختلفة وسلوكها السياسي والعسكري، حتى لا تكاد تجد تصورًا جامعًا لدى العرب عن أي شيء يتعلق بإيران مهما كان واضحًا.
عنوان المقالة يشير لحالة مستمرّة من الجدل حول إيران وأهدافها وأدوارها المختلفة وسلوكها السياسي والعسكري، حتى لا تكاد تجد تصورًا جامعًا لدى العرب عن أي شيء يتعلق بإيران مهما كان واضحًا مثل، مذهبِها الرسميّ الشيعي، الاثنا عشرية، فحتى هذا الواضح تجد العرب مختلفين حوله بين من يعده عقيدة محرّضة للعدوان والتوسع والتبشير، وبين من يعتبره مذهبًا خارجًا عن المذاهب السنية الأربعة مع اختلاف تعبّدي وفقط. والحال كهذه، يتبين مدى تعذّر أن تجمع هذه المقالة الموقف العربي وتصوّره من إيران، لكنها محاولة لطرح أحد التصورات على الأقل للنقاش، خاصة أنّ هذه المقالة تتناول قضية النقاش اليوم، وهي العلاقة بين إيران وإسرائيل، تلك العلاقة التي لم تخلُ من الجدل حولها عربيًا، بين طيف واسع من الآراء، يذهب بعضها يمينًا، فيرى تلك العلاقة مسرحية مكشوفة ظاهرها العداء وخلف كواليسها التعاون والانسجام، بل تصل لحالة عاطفية ودية تجمع النظامَين الإيراني والإسرائيلي، والآخر يذهب يسارًا فيراها علاقة عداء صفرية لا يقبل أحدهما بوجود الآخر أبدًا، وما بين هذين النقيضين من الآراء من التشتت ما لا يسع المقام لذكره. إيران لا تسعى للتوسع الجغرافي في المنطقة فما حددته لشخصيتها وهويتها غير ممكن التطبيع في المناطق العربية؛ لحواجز المذهب واللغة لقد حددت إيران هويتها الثقافية والدينية من خلال النص على ذلك في دستورها، ففي المادة الثانية عشرة منه تنصّ على أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الاثنا عشرية، كما تنصّ في المادة الخامسة عشرة على أن اللغة والكتابة المشتركة لشعب إيران هي الفارسية. لقد ميّزت إيران نفسها عن جوارها العربي ومحيطها الإسلامي بخَصِيصتين عازلتين عن هذا الجوار، وذلك المحيط، بكونها ذات مذهب مختلف، وذات لغة مختلفة، وبذلك وضعت محددين ثقافيين لهويتها القومية. لكنّها بالرغم من ذلك فقد أضافت بعدًا حركيًا تبشيريًا يتيح لها التحرك خارج ما وضعته من محددات لهويتها، فهي تسعى كما تنص في ديباجة دستورها إلى استمرارية الثورة داخل البلاد وخارجها مع سائر الحركات الإسلامية والشعبية، حيث تسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم . إيران لم تتخلَّ عن شعورها بأنها امتداد للإمبراطورية الفارسية القديمة ولا يجب عليها ذلك فهي تستصحب ذلك التاريخ، وتفتخر به، وتحنّ إليه من خلال فنونها وثقافتها الشعبية وأشعارها، رغم أن العرقية الفارسية تمثل 55 تقريبًا من المجتمع الإيراني فقط، إلا أن الهوية الفارسية حاضرة في الوجدان الإيراني. وقد أُدمج الإسلامُ في الهوية الفارسية ليكون جزءًا منها، فإيران تعتبر الإسلام مكونًا تحترمه، إلا أنه مكوّن وافد اقتحم حضارتها عنوةً في القرن السابع الميلادي، بخلاف العرب الذين قال قائلهم في أول مواجهة مع الإسلام خلّوا بين محمد والناس، فإن ظهر عليهم فعزّه عزّكم. فالاستقبال الشعوري للإسلام مختلف عند الإيرانيين عنه عند العرب، وهذه مسألة تتأكد حين يكون العامل الإسلامي بمنظور حضارة ما هو عامل هدم لتاريخ وقيام تاريخ آخر، أكثر من كونه مجرد نقطة تحوّل وبناء على عناصر موجودة أصلًا. هذه المحاولة لفهم هوية الدولة الإيرانية، أعتبرُه مدخلًا ضروريًا؛ لفهم تأثير هذه الهوية على سلوكها الثقافي والديني والسياسي والعسكري، وكذلك هي مسألة مهمة لمعرفة كيف ينظر الآخر لإيران سواء كان ذلك الآخر الغرب وأميركا عمومًا أو حتى إسرائيل، بعيدًا عن الاختلاف حول مسألة مسرحية أو جدية العلاقات الإيرانية مع الآخرين. إذن؛ نحن نتكلم عن دولة تمتلك هوية مختلفة متمايزة عن المحيط تاريخيًا وثقافيًا ودينيًا، وهذا التمايز انعكس على سلوكها وحركتها في جوارها في المنطقة العربية خصوصًا، والتعامل مع الآخر البعيد، وتعامله هو معها، وعليه لا يصح لنا أن نقيس أو نتوقع السلوك الإيراني بحسب مقاييسنا ومنطلقاتنا ونظرتها لأحداث المنطقة. إذا سألنا التاريخ عن سلوك الإمبراطورية الفارسية السياسي والعسكري، فسيخبرنا أن إيران الفارسية لم تكن دولة توسعية بمعنى الاحتلال المباشر والدائم للآخرين و فرسنة ثقافتهم، بل كانت تعتمد غالبًا إما على إرسال خبراء عسكريين لمعاونة أهل بلد ما للسيطرة على بلدهم، وذلك مثلما حدث في اليمن في القرن السادس الميلادي، عندما أرسل الساسانيون فرقة عسكرية لمساندة سيف بن ذي يزن؛ لاستعادة حكم اليمن من الأحباش الموالين للرومان المسيحيين، أو من خلال دعم حكومات موالية في المناطق المجاورة، مثل مناذرة العراق، لكن غزواتها البعيدة كانت عبارة عن فترات قصيرة غير مستقرة غرضها الأساسي ليس الاستقرار أصلًا، وإنما مواجهة التهديدات الإستراتيجية التي كان يمثّلها الرومان في تلك المناطق. لقد تعلّمت إيران الحديثة هذا السلوك الذي يمكن ملاحظته من خلال تحركاتها في المنطقة العربية في عصرنا الحاضر، فإيران لا تسعى للتوسع الجغرافي في المنطقة فما حددته لشخصيتها وهويتها غير ممكن التطبيع في المناطق العربية؛ لحواجز المذهب واللغة، كما أن الإمكانات المادية لإيران ومواردها لا تسعفها لتحقيق ذلك، فقد أدركت إيران الحديثة ما أدركته إيران القديمة من واقع محيط بها، وتعاملت معه التعامل نفسه. كما تعتقد إيران أنها متحصنة بموقعها الجغرافي الذي يعزل فيه الخليج العربي حدودها مع المحيط العربي إلا من بوابة عربية شرقية حرصت إيران عبر التاريخ على أن تعمل حسابها، إما بإضعافها حتى لا تسمح بأي انسياح عربي في هضبتها، أو باحتوائها من خلال من يواليها، وأما الذي تعتبره إيران خللًا تاريخيًا بتواجد عربي كبير في حدودها التاريخية في الأحواز ذات الغالبية العربية، فقد تم احتواؤه عبر إنهاء الحكم العربي لهذه المنطقة الذي استمر 1200 سنة؛ بإنهاء الدولة الكعبية سنة 1925 ميلادية، وضمها في إطار الدولة الوطنية الإيرانية. لقد اكتفت إيران عبر التاريخ وحتى اليوم بتواجدها الفارسي في هضبة إيران، وتحصنها في هذه الجغرافيا، والتحرك في المحيط تحركًا محسوبًا غير مباشر، يستخدم معطيات الجوار، ويلعب في هوامشه ويشغله بنفسه، ويستعمل موارده في تحقيق هدف الحماية لها عبر خوض المعارك بعيدًا عن الداخل الإيراني. في البداية لا يخفى على المراقب أنّ التعامل الغربي الأميركي مع إيران، بدأ من استضافة فرنسا مؤسس إيران الإسلامية -الخميني- حتى هبط بطائرتها في إيران فاتحًا، مرورًا بالمفاوضات النووية الإيرانية الغربية التي استمرت أكثر من عشر سنوات، وانتهاء مؤخرًا- بالتنسيق والإعلام الإيراني للغرب وأميركا باعتزامها توجيهَ ضربة عسكرية لإسرائيل قبل أيام. هذا التعامل يَظهر مختلفًا بشكل واضح عن التعامل الغربي الأميركي مع أي بلد عربي، ففي المثال النووي نفسه نجد الضوء الأخضر الغربي الأميركي لإسرائيل في المبادرة بضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1981، وقصف أميركا مصنع الشفاء في السودان سنة 1998، كذلك نزع أسلحة ليبيا في 2003، ليظهر لنا الفرق بين أسلوب التعامل الغربي الأميركي الصبور مع إيران، في مقابل المبادرة بالعدوان دون تمهّل مع أي بلد عربي. ذلك المثال لا يبيّن الفرق في تعامل الغرب مع الشأن الإيراني والشأن العربي فحسب، وإنما هو إشارة لاختلاف النظرة عند الغرب وأميركا لإيران، والعرب، فإيران في عيون الغرب هي تلك الحضارة الفارسية التي ناكفتهم وخاضت صراعها معهم في منطقتنا العربية منذ ما يقارب ثلاثة آلاف سنة. وهي دولة تسعى لتقاسم المنطقة رعايةً لمصالحها لا للاستئثار بها، وهي دولة أطّرت نفسها وميزتها عن محيطها العربي والإسلامي بعاملين محددين غير قابلين للتوسع والانتشار، كما أنها دولة حراكها التبشيري لم يستطع اختراق الوسط المسلم السني، فضلًا عن أن يشكل مشروعًا حضاريًا يمكن أن يمثّل تحديًا للغرب، كما كان العالم المسلم السنيّ طوال1400 سنة. وهنا نلاحظ أن الغرب يرى في إيران حقيقة ما ترى إيران في نفسها، دولة تسعى لمصالحها بهُوية مختلفة ومصالح مشروعة ، في ظل فراغ عربي، وفي حدود مقبولة يمكن التفاوض حولها. لا يمكن إنكار أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة لإيران وارتباطها بها لاعتبارات عدة، منها وبشكل رئيسي الاعتبار الديني، فإيران التي يمثّل الإسلام جزءًا رئيسيًا في هويتها وإن كان بمفهوم شيعي الاثنا عشرية- تعتبر القضية الفلسطينية، وفي قلبها المسجد الأقصى قضية مقدسة، لها ارتباط عقائدي، ولكن في نفس الوقت هذه القضية على أهميتها في المنظور الإيراني فإنها منقوصة لاعتبارين أساسيين بالنسبة لإيران أيضًا. فالبعد القومي الفارسي الحاضر بقوة في الهوية الإيرانية والمؤثر في تحركاتها السياسية والعسكرية والإستراتيجية يغيب في القضية الفلسطينية، ففلسطين شعبًا وأرضًا وتاريخًا وجغرافيةً وثقافة وحضارة- عربية خالصة، وهذه الهوية للقضية الفلسطينية ليست ضمن المكون الهوياتي لإيران، وبالتالي النظرة الإيرانية تضعف في هذا الجانب تجاه القضية الفلسطينية. وفي هذا الاعتبار يقع الإشكال الأكبر لخضوعه لموازين المصالح المتغيرة لا الثوابت العقائدية الثقافية، فإيران ثانيةُ دولة ذات أغلبية مسلمة بعد تركيا اعترفت بدولة إسرائيل، وأقامت معها علاقات متميزة لعقود في ظل حكم الشاه، لكن في حكم إيران الجمهورية بعد ثورة الخميني على الشاه، ساءت العلاقة حد القطيعة والتصريحات الرسمية المعادية بين الدولتين، كما وصلت إلى حد العمليات العسكرية المباشرة؛ إما بالأعمال الاستخباراتية والاغتيالات المتبادلة، وإما من خلال أدوات إيران وأذرعها أو حلفائها في المنطقة، وأخيرًا قبل أيام بقصف انطلق من أراضيها تجاه إسرائيل. إنّ هذا الاعتبار الثاني الذي يضفي حالة من عدم الوضوح والاستقرار في الموقف الإيراني تجاه إسرائيل، يظهر من خلال محاولة إيران التّوازن بين عداوتها العقائدية لإسرائيل وبين مصالحها الإستراتيجية، ففي الحين الذي تسلّح إيران وتدعم بكلّ قوّة ذراعها العربي العسكري حزب الله اللبناني والذي يظهر العداوة الواضحة لإسرائيل، نجد إيران عبر مساعد وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان يصرّح في أكتوبرتشرين الأول 2014 بقوله قمنا بنقل هذه الرسالة بصورة جيدة لأميركا، إذا كان من المقرر أن تجري سياسة تغيير النظام السوري عبر أداة مكافحة الإرهاب، فإن الكيان الصهيوني لن ينعم بالأمان، هذا الموقف الإيراني ينسجم مع الموقف الذي اتخذته إسرائيل من النظام السوري بقيادة بشار الأسد، حيث كان واضحًا الموقف الإسرائيلي بعدم الدعم أو التأييد بأي شكل إسقاطَ النظام السوري، بل إن نتنياهو وعبر صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 2018712 صرح قائلًا ليست لدينا مشكلة مع نظام الأسد، فعلى مدى أربعين عامًا لم يتم إطلاق رصاصة واحدة من مرتفعات الجولان. هذا المثال في التقاء المصلحة الإستراتيجية الإيرانية الإسرائيلية في المحافظة على نظام بشار الأسد في سوريا، يوضّح للمتابع أن العداء العقائدي، لا يمنع إيران أن تلتقي مصلحتها إستراتيجيًا مع إسرائيل في بعض الأحيان، وربما هذا مفهوم ومبرر في المجال السياسي وتوازناته، لكنه أيضًا يطرح سؤالًا مهمًا ما هي رؤية إيران الإستراتيجية تجاه إسرائيل؟ وما هي نظرة إيران الإستراتيجية للمنطقة العربية التي تسمح لهذه المصلحة المشتركة مع إسرائيل بأن تتحقق؟ بعد أن وضحنا العداء العقائدي الإيراني لإسرائيل مع اختلال هذا العداء في اعتبارَيه الثقافي والإستراتيجي، يجب علينا أن نحاول معرفة الرؤية الإستراتيجية الإيرانية التي تنظر من خلالها لإسرائيل في ظل واقع المنطقة العربية، ثم نبحث عن تلك المساحة المشتركة التي يمكن أن يلتقي عليها العدوّان . لا يخفى على إيران ولا على غيرها الطبيعة الاستعمارية للدولة الإسرائيلية، فإسرائيل هي كيان مصنوع صناعة في المنطقة العربية بأيدٍ استعمارية غربية ترعاها حتى اليوم، هذه الطبيعة الاستعمارية لدولة إسرائيل تحقق أهدافًا خاصة لليهود وغايات عقائدية بطبيعة الحال، وهي في الوقت نفسه قاعدة عسكرية واستخباراتية متقدمة للغرب عمومًا وأميركا خصوصًا في المنطقة العربية، ولا أدلّ على ذلك من تصريح قديم سنة 1986 كرره الرئيس الأميركي مؤخرًا- قائلًا إسرائيل أفضل استثمار فعلته أميركا في الشرق الأوسط بثلاثة مليارات دولار، ولو لم تكن هناك إسرائيل لكان على الولايات المتحدة أن تخلقها لحماية مصالحنا في المِنطقة. إن إيران تدرك تلك الطبيعة لدولة إسرائيل، وأنها ممثل للمصلحة الغربية عمومًا والأميركية على وجه الخصوص وإن كان لإسرائيل مصالح إضافية خاصة- وعلى هذه القناعة الإيرانية بالدور الإسرائيلي نجد أن الخطاب الإيراني ضد إسرائيل غالبًا ما يوجه لأميركا بالأصالة، ثم يذكر إسرائيل بشكل ثانوي، وهذا الخطاب السياسي الإيراني يعبّر عن حقيقة النظرة الإيرانية لإسرائيل، ومن ثم أسلوب تعاملها معه. ترى إيران أن وجودها التاريخي الأصلي في المنطقة يبرّر لها البحث عن مصالحها الإستراتيجية خارج حدوها في المنطقة العربية، وتقبل إيران أن تكون المنطقة العربية محل نزاع مع متنافسَين تاريخيَين آخرَين هما الغرب وأميركا، وهي بذلك تقبل الصراع معهما حول المنطقة، وتأخذ ما تستطيع منها، وتقبل بأن الآخر الغرب يأخذ ما يستطيع، لكنها غير متقبلة فكرة أن إسرائيل الدخيلة تكون جزءًا من هذه المنطقة أصلًا حتى تنافس أصالة عن نفسها لتحقيق مكاسبها. إذن، إيران تنظر لإسرائيل كأداة للمصلحة الغربية أولًا، وثانيًا كعنصر دخيل لا شرعية له في منطقة نفوذِها التاريخي، وهي نظرة استصغار لإسرائيل مهما بلغت مشاغبة إسرائيل وتحريضها ضد إيران، وعليه لا تستعجل إيران الحرب مع إسرائيل ولا يهمها كثيرًا التخلص منها، لكن يهمها بالدرجة الأولى والأخيرة أمران مهمان إن الأمة العربية ليست ممثلة بكيان سياسي يحمل رسالتها ومشروعها ويحمي مصالحها، والكيانات السياسية العربية التي تسمى دولًا مستقلة هي كيانات مشتتة متفرقة يهمها المصالح المتعلقة بالأنظمة الحاكمة بالدرجة الأولى والأخيرة، وقد نشأت تلك الدويلات في ظل الاستعمار الذي رسم حدودها ووضع أسسها الإدارية والقانونية والاقتصادية، ثم بعد سنوات من تنشئة طبقة من النخب السياسية والفكرية والعسكرية على عين المستعمر نفسه تم تسليمهم هذه الكيانات التي اعترف بها المستعمر وأعطاها استقلالًا ، واعترف بها عضوًا فيما يسمى المجتمع الدولي، ثم استمر المستعمر يراقب أبناءه المتصارعين على السلطة، ويتدخل بخبرته بينهم، ويرشد صراعهم حتى استقرت تلك الدويلات على ما يراعي مصالح المستعمر ومعاييره وأطماعه في المنطقة، كما أنه هو بنفسه من يحكمها لكن بكلفة أقل بكثير. تبرر الأنظمة العربية كل سلوكها المدمّر لأمّة العرب بتبريرات متنوعة، فهي مرة واقعية تعرف حجمها وحجم عدوها ولا تستطيع مواجهته، ومرة بأنها تهتم ببناء نفسها حتى تستطيع مواجهة التحديات المحيطة، ومرة بأن الوطن أولًا، ومرة بأن النمو الاقتصادي هو المدخل للقوة في بقية المجالات، وبعضها اتخذ الترفيه وسيلته العصرية لرسم هُويته الجديدة للعالم، واستمرّت الأنظمة العربية في اختلاق كل التبريرات الممكنة التي تصل لحرب بعضها بعضًا حتّى وصلت للدفاع عن العدو الإسرائيلي وإمداده بما يحتاج ومحاصرة إخوتنا الفلسطينيين تغليبًا للمصلحة الوطنية، ولا عجب أن إبليس الملعون أيضًا يبرر عصيانه وكِبره. لقد بات العرب وعالمهم الممتد من المحيط إلى الخليج والذي يعيش فيه ما يفوق 400 مليون عربي هم الفراغ المشترك الذي يتصارع فيه الجميع، هم الأمة التي تطير الصواريخ والطائرات فوق رؤوسهم وتسقط شظاياها عليهم وهم يختلفون على من يجب أن قفوا في صفه ويصفقون له إن إيران وإسرائيل، والغرب أوروبا وأميركا، والشرق روسيا والصين، جميعها تخوض معاركها في وطننا العربي المستباح على جميع المستويات، وما حالة التوهان والتشتت التي نعيشها كعرب اليوم إلا لافتقادنا المشروع والقيادة التي تقود الأمة لتحقيق ذلك المشروع، لا نملك رؤية كأمة تلتزم بهويتنا وحضارتنا وتستلهم منها الدور التاريخي الذي فقدناه منذ قرون حتى وصلنا لهذا الوضع المزري، لن تقوم لنا قائمة كأمة إلا بأن نناقش رؤيتنا الإستراتيجية وأهدافنا في المنطقة والعالم وأثر سياساتنا ودورها، أما قبل ذلك فسيكون النقاش والتحليل ضربًا من الوهم أو النكتة السخيفة التي لا تُضحك ولا يُستفاد منها. هذا الجزء الأخير من المقالة ليس عبارة عن خطبة تتأسف على حال العرب، بل هي نظرة موضوعية لوضع بائس لا يمكن أن يُعتمد عليه في تحديد رؤية ولا استحضار أهداف إستراتيجية، ولا يمكن من خلاله تحديد عدو ولا حتى حليف، وضع أشبه بشتات عرب الجاهلية إلا أنه لا نبي بعد محمد -صلى الله عليه وسلّم- الذي أخبرتنا أمُّنا عائشة رضي الله عنها، قوله لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا . الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/4/21/%d8%a5%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d9%86-%d9%88%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d8%ae%d9%84%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%b3-%d9%88%d8%a3%d9%85%d8%a7%d9%85%d9%87%d8%a7
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-04-21T14:13:15
2024-04-21T14:13:15
مقالات
2,392
الأمم المتحدة تعجز عن حماية نفسها من إسرائيل
تناقش المقالة الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد الأمم المتحدة، بما في ذلك استهداف الأونروا واليونيفيل، مستفيدةً من الدعم الأميركي لإفلاتها من العقاب وتحديها للقوانين الدولية.
دأبت إسرائيل على شنّ حملة متواصلة منذ سنوات عديدة، تستهدف الأمم المتحدة، على الرغم من أنها دولة عضو فيها، وذلك نتيجة العجز الذي يعتري أجهزة الأمم المتحدة حيال القيام بأي إجراء عقابي ضد إسرائيل على جرائمها وانتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني منذ نشأتها في عام 1948. وازدادت شراسة الحملة الإسرائيلية مع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها منذ أكثر من ثلاثة عشر شهرًا ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي وسعتها لتشمل قيادات وعناصر حزب الله اللبناني، وأماكن وجودهم، وحاضنتهم الاجتماعية، في كافة المناطق اللبنانية، حيث تعرضت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان اليونيفيل لهجمات إسرائيلية مباشرة ومتكررة. في الجانب السياسي، تعرض مسؤولون في الأمم المتحدة لتهجم وتوبيخ من قبل ساسة إسرائيل وجنرالاتها، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. إضافة إلى أن وزير خارجية إسرائيل السابق يسرائيل كاتس وزير الدفاع حاليًا، اعتبر في 2 أكتوبرتشرين الأول الماضي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شخصًا غير مرغوب فيه، ما يعني منعه من دخول إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يسلم من تهجم وتوبيخ نتنياهو، لأنه حاول تذكيره بأن الدولة العبرية أنشئت بقرار من الأمم المتحدة، في إشارة إلى تصويت الجمعية العامة على القرار 181 في نوفمبرتشرين الثاني 1947، الذي ينصّ على خطة تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية، وأخرى عربية. ليس غوتيريش هو المسؤول الأممي الوحيد الذي اعتبرته حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل شخصًا غير مرغوب فيه، ويتعرض لحملة استهداف إسرائيلية، بل سبق أن منعت السلطات الإسرائيلية المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، من الحصول على تأشيرة دخول في أبريل نيسان الماضي. وتعرضت بدورها إلى حملات استهداف إسرائيلية، لكنها ردت على حملات استهداف مسؤولي الأمم المتحدة بالقول إنه تهجم لا مبرر له، ويعبّر عن جبن أخلاقي. لعل أخطر الاستهدافات الإسرائيلية للمنظمة الأممية، هو تصويت الكنيست الإسرائيلي، في 28 أكتوبرتشرين الأول 2024، على قرارين يحظران أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا في الأراضي المحتلة، أحدهما يقطع علاقات جميع السلطات الإسرائيلية معها، والآخر يقضي بـمنعها من أن يكون لها أي تمثيل، وأن توقف خدماتها، وألا تقوم بأي نشاط بصورة مباشرة أو غير مباشرة داخل الأراضي التابعة لسيادة إسرائيل، الأمر الذي سيترتب عليه تداعيات سياسية وقانونية وإنسانية. يشكل هذا القرار تهديدًا خطيرًا لعمل الوكالة، كونه يحد من قدرتها على القيام بمسؤولياتها حيال ملايين اللاجئين الفلسطينيين، حيث تعتبر الهيئة الوحيدة التي تقدّم المساعدات الإنسانية، والرعاية الصحية، والتعليم للفلسطينيين القاطنين في مخيمات اللجوء في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، فضلًا عن أنها تعدّ رمزًا للحفاظ على ضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. السبب الأساسي في الحملة الإسرائيلية على الأمم المتحدة، هو ببساطة لأنها منظمة تمثل الشرعية الدولية، المحددة بمجموعة المبادئ والقوانين التي وضعها مشرّعون، كي تحكم وتوجّه العلاقات الدولية من خلالها، وبما تصدره أجهزتها وهيئاتها المكلفة بحفظ السلم والأمن العالميين. ولا تعترف إسرائيل بكل ذلك، كونها تعتبر نفسها فوق جميع المواثيق والقوانين الدولية؛ بسبب الدعم الذي تحظى به، وخاصة من طرف الولايات المتحدة وحلفائها في دول الغرب. ولم تنشأ إسرائيل بشكل طبيعي، فهي ليست كباقي دول العالم، التي تشكلت وفق سيرورات اجتماعية وسياسية بين مجموعات بشرية تسكن إقليمًا محددًا من الأرض، ويجمعها تاريخ وعيش مشترك، بل نشأت ككيان استعماري استيطاني. ودأبت على استخدام العنف ضد الفلسطينيين منذ نشأتها في عام 1948، وتمادت في استهداف الفلسطينيين، عبر الحروب، والتهجير القسري، إضافة إلى العقاب الجماعي المستمر. إن كانت الممارسات العدوانية الإسرائيلية تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، فإن تمادي إسرائيل في عدم الامتثال لقرارات المؤسسات الأممية، يفضح حقيقة كونها دولة مارقة، ودفعها الإفلات من أي عقاب إلى مواصلة تحديها للأمم المتحدة. ووصل الأمر إلى درجة أن سفير إسرائيل السابق في الأمم المتحدة، داني إردان، قام في 10 مايوأيار الماضي بتمزيق نسخة من ميثاق الأمم المتحدة أثناء وقوفه على منبر الجمعية العامة، وذلك ردًا على تصويت الجمعية العامة لصالح قرار يدعم طلب فلسطين الحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة. وسبق أن أصدرت أجهزة الأمم المتحدة عشرات القوانين التي تدين جرائم إسرائيل وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك على الرغم من الضغوط الممارسة عليها من طرف داعمي إسرائيل وحلفائها، وخاصة الولايات المتحدة التي أعاقت صدور أكثر من 50 مشروع قرار ضد إسرائيل. تسعى الأمم المتحدة إلى تعزيز احترام القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان، لكن ساسة إسرائيل يحطّون من شأنها، ويزدرون عملها ومساعيها، ويعتبرونها أداة متحيزة ضد سياسات بلادهم، وأداة طيّعة بيد الدول المعارضة لاحتلالها الاستيطاني للأراضي الفلسطينية، لذلك لم يتوقفوا عن استهدافها. ولم يخجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من نفسه حين وصف الأمم المتحدة، ومن على منبر الجمعية العامة في 27 سبتمبر أيلول الماضي، بأنها بالوعة من العصارة الصفراوية المعادية للسامية، ويتوجب تجفيفها، وأنها إذا لم تمتثل لما يريده، فلن تكون أكثر من مهزلة حقيرة. السبب الأساسي في الحملة الإسرائيلية على الأمم المتحدة هو ببساطة لأنها منظمة تمثل الشرعية الدولية، المحددة بمجموعة المبادئ والقوانين التي وضعتها لتوجيه العلاقات الدولية، وهو ما لا تعترف به إسرائيل ومنذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة في 8 أكتوبر تشرين الأول 2023، ارتفع منسوب الاستهداف الإسرائيلي لمنظمة الأمم المتحدة، عبر تلفيق اتهامات تهدف إلى تشويه سمعتها، وتصويرها على أنها منظمة تدعم الإرهابيين، وتمنع إسرائيل من ممارسة حقها في الدفاع عن النفس ضدهم. وركزت الحملة الدعائية الإسرائيلية على وكالة الأونروا، وحاولت تصويرها على أنها وكر للإرهابيين، حيث ادعى نتنياهو في 26 يناير كانون الثاني 2024 أن 12 موظفًا يعملون في هذه الوكالة شاركوا في الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023. ولاقت الحملة الإسرائيلية صداها لدى بعض دول الغرب الحليفة لإسرائيل، حيث صوَّت الكونغرس الأميركي في 23 مارس آذار 2024 على قرار يوقف التمويل الأميركي للأونروا حتى مارس آذار 2025، بالرغم من أن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل لم تقدم أي دليل مقنع يثبت ادعاءاتها الزائفة. إضافة إلى أن تقارير منظمات حقوقية دولية، أكدت أن الجيش الإسرائيلي تعمّد قصف مقرات تابعة للأونروا، بما فيها المدارس والمستشفيات والمنازل والمكاتب. وبلغ عدد ضحايا هذه الوكالة الأممية وفق مفوضها العام فيليب لازاريني ما لا يقل عن 223 موظفًا منذ اندلاع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، فيما قتل أكثر من 563 مدنيًا كانوا متواجدين في مقراتها. إضافة إلى أن إسرائيل قصفت المدارس والأماكن التي يتم تجهيزها كمراكز إيواء للنازحين، والتي ترسل الأونروا إحداثياتها كي لا يقوم الجيش الإسرائيلي بقصفها. وسبق أن قصفت المقاتلات الإسرائيلية في 18 أبريل نيسان عام 1996 معسكرًا لقوات اليونيفيل في بلدة قانا في الجنوب اللبناني، لجأ إليه مدنيون لبنانيون، وأسفر القصف عن مجزرة إسرائيلية قتل فيها 106 مدنيين. إضافة إلى أن قوات اليونيفيل خسرت 334 عنصرًا، قضى معظمهم في غارات إسرائيلية، وذلك منذ أن تشكّلت في 19 مارس آذار 1978، بناء على قرارَي مجلس الأمن الدولي 425 و426، ووصلت طلائعها إلى الجنوب اللبناني في 23 مارس آذار من العام نفسه. لعل السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا تُعلَّق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة إلى حين وقف حملة استهدافها؟ تصطدم الإجابة عن السؤال بأن أي إجراء عقابي يقضي بتعليق عضوية إسرائيل أو طردها من الأمم المتحدة مرهون بتوصية من مجلس الأمن. ومعروف أن الولايات المتحدة، التي تمتلك حق الفيتو فيه، لا تسمح بتمرير أي إجراء من هذا النوع، لذا ستواصل إسرائيل سياساتها وممارساتها، خاصة أن حكومة اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو تحركها نزعة فاشية باتت تتحكم بالعقل السياسي الإسرائيلي السائد. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/11/24/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d8%ac%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%ad%d9%85%d8%a7%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-11-23T21:14:10
2024-11-24T13:37:00
مقالات
2,393
أميركا.. لماذا تُنكِر قتل الاحتلال الصهيوني للمدنيين في غزة؟
وكأنّ “الإدارة الأميركية”، لا ترى هذا “الكّم الهائل من القذائف، والقنابل الحارقة، والخارقة للتحصينات”، أميركيّة الصنع، وربما المُحرّمة دوليًا، المُلقاة- من طائرات جيش الاحتلال
تواصل الولايات المتحدة الأميركية سقوطَها الأخلاقي المدوي؛ دعمًا كليًا وشاملًا، وشراكة للكيان الصهيوني في عدوانه البربري على قطاع غزة. الإمبراطورية الأميركية تمزق بنفسها قناع زعامة وقيادة ما يُسمى بـ العالم الحر؛ كاشفة عن تجرّدها من قيم الإنسانية، والتحضر، والمدنية، التي تأبى قتل المدنيين، وحصارهم، وتجويعهم، والإبادة الجماعية لهم وتهجيرهم. لذا، لم يكن غريبًا، أن تزعم وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها الاثنين، أنها لم ترَ أي دليل على قتل إسرائيل المدنيين عمدًا، خلال حربها على قطاع غزة. سبق بيانَ الخارجية الأميركية ، تصريحٌ لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الذي قال إن بلاده لن تسمح لحركة حماس، بالانتصار على إسرائيل. الوزير أوستن، وبيان الخارجية الأميركية، ومن قبلهما، الإدارة الأميركية بكل مكوناتها، سائرين على درب واحد؛ تأييدًا أعمى للكيان الصهيوني، وتبريرًا لجرائمه الوحشية، وحمايته من المُساءلة. وكأنّ الإدارة الأميركية، لا ترى هذا الكّم الهائل من القذائف، والقنابل الحارقة، والخارقة للتحصينات، أميركيّة الصنع، وربما المُحرّمة دوليًا، المُلقاة- من طائرات جيش الاحتلال، طوال 60 يومًا عدا أيام الهُدنة السبعة- فوق رؤوس سُكان القطاع، لتحصد أرواحهم، وتحيل أجسادهم أشلاءً، دون إغاثة أو دواء أو علاج للجرحى الناجين من الموت، ليلحقوا بمن سبقوهم شهداء عند ربهم. الولايات المتحدة، بهذا التعامي- عن الكوارث الناجمة من العدوان البربري، على المدنيين العُزّل من سكان القطاع، إضافة إلى دعمها العسكري، والاستخباراتي، والسياسي والمادي، والمعنوي، غير المحدود، للكيان الصهيوني- تثير السخط والغضب والنفور، وتجلب لنفسها البُغض والكراهية. تتذاكى أميركا على العالم، عندما يتساءل كُتّابها ومُنظروها في براءة مفتعلة لماذا يكرهوننا؟، وذلك عقب قيام تنظيم القاعدة بضرب رمز الحضارة الأميركية برجَي التجارة بمركز التجارة العالمي 11 سبتمبر أيلول 2001، الكائن بمدينة نيويورك. لكل تجربة درسان متناقضان؛ أحدهما إيجابي مُفيد، والثاني سلبي مُهلِك، يختار المرء- وكذلك الدول-، منهما، ما يراه الأصلح، والأنفع له. لكن الولايات المتحدة، لم تقرأ تجربة ودروس 11 سبتمبر 2001، على الوجه الصحيح، فقد أعمتها غطرسة القوة. فمثلما يفعل الكيان الصهيوني في قطاع غزة، اندفعت أميركا بشهوة انتقامية جامحة، كما الثور الهائج، تصبّ القنابل والحُمَم على الشعب الأفغاني، وقامت بغزو أفغانستان الذي استمرّ 20 عامًا 2001- 2021، لتجني في النهاية هزيمة ساحقة ومُهينة، ومزيدًا من الكراهية، وبقيت حركة طالبان التي توعّدوها بالاجتثاث والمحو. تجاهلت الإدارة الأميركية دلالات استدعاء وتداول الشباب الأميركي، قبل عدة أسابيع، رسالةَ زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن المنشورة في صحيفة الغارديان البريطانية عام 2002، التي شرح فيها تفصيلًا أسباب الكراهية للولايات المتحدة بموضوعية شديدة. تمركزت هذه الأسباب حول الانحياز والدعم الأميركي للكيان الصهيوني في جرائمه اليومية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني؛ قتلًا، وتشريدًا، وتهجيرًا، واعتقالًا، وإذلالًا وإهانة، وسرقةً لـ حقوقه المشروعة، المُعتَرف بها أمميًا. كان بوسع الأميركان التوقّف، والمراجعة لدعمهم الكيان الصهيوني، مثلما كان يمكنهم المصارحة مع النفس، عقب غزو أفغانستان، لتقصّي إجابة السؤال الشاغل لهم لماذا يكرهوننا؟، حتى لو استرشدوا برسالة عدوّهم بن لادن، وهي رسالة تنطوي على رؤية عميقة للصراع، لكنهم، في كل مرّة، لا يتعلّمون من تجاربهم. عام 2003 اخترعت أميركا أكذوبة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وقامت بغزوه واحتلاله 2003- 2011، بينما الغرض الحقيقي، كان استعماريًا؛ لنهب ثرواته، وتدميره، حتى لا يمثل إزعاجًا لها، أو للكيان الصهيوني المتوجِّس خيفةً منه، والذي لا يريد لأي دولة أخرى في المنطقة، امتلاك أي أسباب للقوة أو النهضة. قتلت القوات الأميركية والتحالف الغربي، خلال سنوات الاحتلال، نحو 150 ألف مدني عراقي إن لم يكن أكثر في بعض التقديرات- وتسبَّبا في هجرة 1.6 مليون شخص وَفقًا لتقارير أممية، ثم تركته أسيرًا للعنف الذي زرعت بذوره. لا يختلف الحال كثيرًا في حرب الولايات المتحدة على فيتنام الشمالية 1964- 1975، الشيوعية الموالية للاتحاد السوفياتي- تفكّك عام 1991، لترثه روسيا الاتحادية المنافس لأميركا وقتها. فقدت فيتنام نحو مليون شخص قتلوا في الحرب غالبيتهم من المدنيين، وارتكب الجيش الأميركي مجازر أيضًا هناك، قبل أن ينسحب مهزومًا، مدحورًا، مُهانًا. إن قتل المدنيين هو سلوك استعماري أصلًا، ويُعد عارًا، والولايات المتحدة الأميركية، لم تنجُ من هذا العار، فلها باعٌ طويل في هذا المسلك المشين أخلاقيًا، وإنسانيًا، على نحو ما فعلت في أفغانستان، والعراق، وفيتنام. كما أنّ عار قتل المدنيين، يلاحق جيش الاحتلال الصهيوني، الذي هو امتدادٌ للعصابات الصهيونية التي ارتكبت مجازر بشعة ضد الفلسطينيين عام 1947، أسفرت عن نكبة 1948، بتهجير مئات الآلاف منهم، مثلما يسعى هذا الجيش النازي، لتَكرار النكبة في قطاع غزة، بتمويل ودعم أميركي، ومشاركة فعليّة. الساسة الأميركيون والغربيون، يعتنقون الفلسفة البراغماتية في نسختها السياسية، التي تعني- باختصار- أن الأفكار، والقيم والمُثل، والمبادئ، ليست معيارًا، فالنفع العائد من تطبيقها، هو المعيار، فإن لم يكن لها نفع، أو عائد، فلا لزوم لها، ولا قيمة. هكذا، فالولايات المتحدة- وتفسيرًا لموقفها المشارك بالعدوان على غزة- ترى في الكيان الصهيوني حليفًا إستراتيجيًا، وأداة لها، وعصا غليظة، بالمنطقة، ومن ثَمّ تسانده بكل قوة. بقي أنَّ ما تزعمه أميركا عن رعايتها حقوق الإنسان، هو مجرد سيف تتسلّط به على رقاب الحُكام المستبدّين، لإرغامهم على السير فيما ترسمه لهم من مسارات. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/6/%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%83%d8%a7-%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d9%8f%d9%86%d9%83%d9%90%d8%b1-%d9%82%d8%aa%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2023-12-06T04:12:27
2023-12-06T04:12:27
مقالات
2,394
أردوغان يطلق معركة استعادة بلدية إسطنبول
في الانتخابات المحلية عام 2019، فازت المعارضة التركية- وتحديدًا حزب “الشعب الجمهوري” – ببلديتي أنقرة وإسطنبول وانتزعتهما من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بعد زهاء ربع قرن من سيطرة الأخير.
أعلن الرئيس التركي رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم- رجب طيب أردوغان، مرشحي حزبه للانتخابات المحلية المقبلة عن معظم المحافظات والمدن الكبرى، لكن الأنظار والاهتمام والنقاش توجهت بشكل أساسي نحو بلدية إسطنبول الكبرى، الأهم في البلاد، وذات الرمزية لأردوغان نفسه، الذي رشح لها الوزير السابق المعروف مراد كوروم. في الانتخابات المحلية عام 2019، فازت المعارضة التركية- وتحديدًا حزب الشعب الجمهوري ببلديتي أنقرة وإسطنبول وانتزعتهما من حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد زهاء ربع قرن من سيطرة الأخير، ومن قبله حزب الرفاه المحافظ عليهما. كان أهم أسباب هذا الفوز توحد المعارضة خلف مرشح واحد في المدينتين، حيث دعم مرشحَيْ الشعب الجمهوري فيهما أحزابُ؛ الجيد القومي، والسعادة المحافظ، والديمقراطي الليبيرالي بشكل رسمي، وحزب الشعوب الديمقراطي القومي الكردي بشكل غير رسمي، إضافة لاعتراضات بعض الشرائح على سياسات العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، فضلًا عن سوء اختيار مرشح الحزب الحاكم في حينه. ذلك أن مرشح العدالة والتنمية حينها لبلدية إسطنبول الكبرى، كان رئيس الوزراء السابق ورئيس البرلمان السابق بن علي يلدرم، فكان غير مناسب للمنصب لا سياسيًا ولا حتى عمريًا، حيث واجه مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو الأكثر شبابًا وحيوية وقدرة على التواصل الجماهيري والإعلامي في حينها، وخصوصًا مع فئة الشباب. اليوم وحزب العدالة والتنمية مصمم على استعادة البلدية الأهم في البلاد تبدو الصورة مختلفة جدًا عن الانتخابات السابقة. فتحالف المعارضة تشتّت، وأعلنت معظم مكوّناته انتهاءه إلى غير رجعة، وتحديدًا القوة الثانية فيه؛ أي حزب الجيد، الذي أعلن أنه سيخوض الانتخابات المحلية بمفرده وبمرشحيه، ولن يدعم مرشحي الشعب الجمهوري حتى في إسطنبول وأنقرة، كما كان الأخير يأمل. كما أن الأحزاب المحافظة الصغيرة وحديثة التأسيس- مثل السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم على خلاف علني مع أكبر أحزاب المعارضة، وعليه فلم يبقَ أمام الأخير إلا الدعم العلني أو الضمني لحزب الشعوب الديمقراطي أو باسمه الجديد حزب مساواة وديمقراطية الشعوب. وعليه، فقد خسر الشعب الجمهوري العامل الأهم الذي ساهم في فوزه ببلدية إسطنبول الكبرى في 2019، وبقي في انتظار العوامل المرتبطة بحزب العدالة والتنمية، وخصوصًا اسم مرشحه وبرنامجه الانتخابي، بعد أن أعلن عن ترشيح رئيس البلدية الحالي أكرم إمام أوغلو لرئاسة البلدية مجددًا. ولذلك كان شعار العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية المقبلة، والمعلن في الاحتفالية العدالة والتنمية مجددًا.. إسطنبول مجددًا، في إعلان واضح على عزم الحزب استعادةَ رئاسة بلديتها وجعلها المعركة الأهمّ في الاستحقاق المقبل في السابع من يناير كانون الثاني الجاري وفي احتفالية كبيرة في إسطنبول- أعلن أردوغان عن مرشحي حزبه للانتخابات المحلية في 26 بلدية، منها 11 بلدية كبرى، و15 محافظة، في مقدمتهم مرشحه لبلدية إسطنبول الكبرى الذي ترك الإفصاح عن اسمه للأخير؛ تعبيرًا عن الأهمية والرمزية، بينما ترك الإعلان عن المرشح لبلدية أنقرة الكبرى ضمن بلديات أخرى للأسبوع المقبل، بما يحمل تعبيرًا ضمنيًا عن أن اختيار مرشح أنقرة تكتنفه تعقيدات أكبر وحسابات أعقد. يخوض العدالة والتنمية الانتخابات المحلية المقبلة التي ستنظم في الـ 31 من مارس آذار المقبل بالتّنسيق مع حليفه الوثيق في السنوات الأخيرة حزب الحركة القومية؛ لأن قانون الانتخاب لا يسمح بتحالفات رسمية في الانتخابات المحلية على غرار الرئاسية والتشريعية. ويقضي التنسيق- الذي ناقشه الحزبان لمدة طويلة عبر لجان مختصة- بأن يدعم أحد الحزبين مرشحي الآخر في بعض البلديات التي يمكن للمنافسة بينهما فيها أن تجعل فرصة المعارضة في كسبها أكبر. وعليه، فقد توصل الحزبان لفكرة التنسيق والتعاون في 59 بلدية، 30 منها بلديات كبرى، و29 منها بلديات محافظات. وفي التفاصيل، سيدعم الحركة القومية مرشحي العدالة والتنمية في 52 بلدية، بينما سيدعم الأخير مرشحي الحركة القومية في سبع بلديات، ويتنافس الحزبان ضمن الأحزاب الأخرى في 22 بلدية. مرشحو العدالة والتنمية للبلديات الـ 26، الذين أعلن عنهم أردوغان في معظمهم أسماء معروفة وقوية، منهم 15 رؤساءُ بلديات حاليًا، جدَّدَ الحزب ترشيحهم، فضلًا عن رؤساءِ بلديات سابقين وبرلمانيين حاليين وسابقين، كما رشح الحزب برلمانيًا سابقًا عن منافسه حزب الشعب الجمهوري عن ببلدية موغلا التي يديرها الأخير حاليًا. من بين البلديات الـ 26 المعلنة كانت إسطنبول الأهم، كيف لا وهي المدينة الكبرى في البلاد، وذات الرمزية التاريخية التي لا تُجهل أو تُتجاهل، وفيها خُمس الخزان الانتخابي في البلاد، وينظر لرئاسة بلديتها على أنها أهم من عدة وزارات، وتتخطى ميزانيتها فعلًا ميزانية العديد منها، فضلًا عن رمزيتها وأهميتها بالنسبة لأردوغان نفسه الذي بدأ منها مشواره السياسي نحو قيادة البلاد لأكثر من عقدين متتاليين من الزمان. ولذلك كان شعار العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية المقبلة، والمعلن في الاحتفالية العدالة والتنمية مجددًا.. إسطنبول مجددًا، في إعلان واضح على عزم الحزب استعادةَ رئاسة بلديتها وجعلها المعركة الأهمّ في الاستحقاق المقبل. بل إن أردوغان وهو يعلن الوزير السابق والنائب الحالي في البرلمان مراد كوروم، مرشحًا لحزبه لإسطنبول، قال إن المدينة ستحصل أخيرًا على مرادها في تلاعب لطيف بالألفاظ مقصود لذاته، لا سيما أنه قد عدَّ السنوات الخمس التي أمضتها المدينة في عهدة الشعب الجمهوري المعارض بمثابة حقبة الفترة المعروفة في الإرث الديني. معايير كثيرة تم تداولها في الشهور الماضية، لاختيار مرشح العدالة والتنمية لإسطنبول، تؤدي في مجملها معنى أن يكون المرشح قويًا ومؤهلًا ومقنعًا، بحيث يمكنه الفوز على مرشح الشعب الجمهوري القوي رئيس البلدية الحالي إمام أوغلو، وكان كوروم منذ أشهر أحد أهم المرشحين المحتملين. يحقق كوروم عددًا من الشروط الأولية المطلوبة في المرشح المنشود. أولها أنه سياسي شاب وحيوي- على عكس مرشح الحزب في 2019 بن علي يلدرم وذو سيرة ذاتية ناجحة، وهو يجمع العمل البيروقراطي في مؤسسات الدولة، إضافة لعمله الحزبي، كما أنه ليس من الشخصيات الجدلية المنخرطة في المناكفات الداخلية وحالة الاستقطاب القائمة، وهذا أمر مطلوب في مدينة شديدة التنوع مثل إسطنبول، فضلًا عن أنه ليس شخصية مرفوضة من الشريحة الكردية تحديدًا. إلى ذلك، فسيرته المهنية تناسب مدينة مثل إسطنبول يشكل الزلزال الكبير المحتمل هاجسًا كبيرًا لسكانها، حيث أدار سابقًا رئاسة إدارة المباني الجماعية التابعة للحكومة، ثم وزيرًا للبيئة والتطوير العمراني والتغير المناخي لمدة ليست بالقصيرة. وقد كان أداؤه الميداني والسياسي والإعلامي خلال فترة الزلزال المدمر جنوب البلاد بداية العام الماضي جيدًا، وحاز على رضا شعبي مقبول. إلى ذلك، فالرجل مسقط رأسه في قونيا، المدينة المحافظة ذات الحضور القوي للتيار الإسلامي والمحافظ، ما يمكن أن يضمن له ليس فقط أصوات أنصار العدالة والتنمية، ولكن كذلك أنصار الأحزاب الإسلامية والمحافظة الأخرى، مثل السعادة والرفاه مجددًا والمستقبل والديمقراطية والتقدم. ولأنه لا يحمل لونًا أيديولوجيًا فاقعًا، فقد يستطيع الحصول على ثقة أنصار الأحزاب القومية التركية والكردية على حد سواء، وهو أحد رهانات أردوغان في شخص كوروم. بالنظر لما سبقَ، وبانتظار نشر إعلان البرنامج الانتخابيّ للحزب وإطلاق حملته الانتخابيّة وبعض العوامل الأخرى الأقلّ أهمية وتأثيرًا، يمكن القول بأريحية؛ إن فرص العدالة والتنمية باستعادة بلدية إسطنبول الكبرى بفوز مرشحه مراد كوروم تبدو عالية. بل ليس من قبيل المبالغة القول؛ إن فرصه أعلى من فرص منافسه إمام أوغلو، تحديدًا إذا ما بقيت خريطة التحالفات على شكلها الحالي، وافتقد الأخير لدعم أحزاب إضافية وازنة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/10/%d8%a3%d8%b1%d8%af%d9%88%d8%ba%d8%a7%d9%86-%d9%8a%d8%b7%d9%84%d9%82-%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a8%d9%84%d8%af%d9%8a%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-01-10T07:26:35
2024-01-10T08:24:47
مقالات
2,395
عبد الله البرغوثي.. أمير الظل الفلسطيني الذي جاء على آلة الزمن
فتحت خبرات البرغوثي في مجال الهندسة الميكانيكية والإلكترونية، آفاقًا جديدة للابتكار وإنتاج أفكار لحل المشكلات التي تواجهها كتائب القسام، حتى إن صديقه أيمن حلاوة سأله يومًا: “هل أنت تنتمي لهذا العالم!
مجددًا، نحن أمام رواية فلسطينية شقت طريقها متسللة من شقوق زنزانة مظلمة لتروي للعالم قصة أسير لعب دورًا كبيرًا في مسيرة نضال شعبه من أجل الحرية، فعاقبته إسرائيل بالسجن الانفرادي لبضعة آلاف من السنوات. ولئن كانت الرواية جاءت للرد على استفهام مشحون بالعواطف من بنت لأبيها، الذي تركها في السيارة لحظة اعتقاله ولم ترَه بعد ذلك، تسأله فيه من أنت؟ ولماذا أنت؟، فقد أجابت الرواية ليس فقط عن هذين السؤالين، ولكنها أجابت أيضًا عن سؤالين نسألهما جميعًا كيف وصلنا إلى هنا؟ وإلى أين نذهب؟ نحن هنا في حضرة الأسير القسامي المهندس عبدالله البرغوثي القابع في زنزانة انفرادية في معتقل رامون جنوب فلسطين المحتلة منذ العام 2003، وعنوانها الذي نشرت به بعد تسريبها عام 2013 هو أمير الظل مهندس على الطريق، وهو يوضح فيها أنه سكت عن كشف كثير من القصص والحقائق حتى لا يتمكن جهاز المخابرات الإسرائيلي من معرفة المقاومين الذين لم ينالوا الشهادة، أو يتعرضوا للأسر، وللمحافظة على أسرار المقاومة. ومع ذلك فإن ما نشره من تلك القصص يرسم صورة تدعو للفخر بهؤلاء الأبطال الذين يضحّون بحياتهم من أجل وطنهم. تفاصيل الرواية كما قلنا- تقودنا إلى فهم اللحظة التي نقف فيها في غزة حاليًا، بعد سنوات من النضال الدؤوب لتجاوز العقبات، وتعلُّم ما يحتاجه الأمر، وهو في هذا السياق يروي سِير الشهداء، وكيف قام بانتقاء وتدريب عناصر كتائب القسام على إنتاج الأسلحة والمتفجرات واستخدامها بكفاءة. وخبرته في هذا السياق أوصلته إلى قناعة لافتة وهي أن زراعة العقيدة صعبة جدًا، لكن اقتلاع تلك العقيدة بعد أن زُرعت أصعب ألف مرة، بل يكاد يكون مستحيلًا. يتحدث البرغوثي في الرواية عن برنامجه التدريبي الذي قام خلاله بانتقاء أفضل شباب كتائب القسام الذين يملكون القدرة على التعلم وعلى القيادة أيضًا، فيقول فكنا ندرب ونعد عددًا من قادة القسام، ليكونوا قادة المرحلة القادمة، حتى لا يكون هناك فراغ ونقص إذا ما استشهد قائد، خاصة أن القبضة الأمنية من أجهزة السلطة الفلسطينية ومن قوات الشاباك الصهيوني قوية وشديدة جدًا. فتحت خبرات البرغوثي في مجال الهندسة الميكانيكية والإلكترونية، آفاقًا جديدة للابتكار وإنتاج أفكار لحل المشكلات التي تواجهها كتائب القسام، حتى إن صديقه أيمن حلاوة سأله يومًا هل أنت تنتمي لهذا العالم؛ أم لعالم المستقبل؟ قل لي بربك هل أتيت إلى نابلس عبر آلة الزمن.. ألم تأتِ هنا من عام 2050 أو من عام 2100؟. ثار ذلك التساؤل في ذهن أيمن عندما رأى عبدالله وهو ينجح في تطوير الوسائل الإلكترونية لخداع جهاز المخابرات الإسرائيلي، وينتج أجهزة كهربائية، ويتمكن من تفجير عبوات ناسفة عن بُعد. لماذا سار عبدالله في هذا الطريق؟ يرد على ذلك قائلًا المعارك تختارنا ولا نختارها؛ وقد اختارته معركة القدس ليصبح مهندس المقاومة، وليقوم بدور مهم في تدريب كوادر القسام الذين اعتبروه شيخهم، وبذلك قاد ثورة العقول ضد الاحتلال، وعلم القساميين أن يصبحوا مهندسين وعلماء وقادة. كان يمكن أن يعيش حياة وادعة لا تخلو من رغد، فهو كفء علميًا، حيث درس وعاش في كوريا التي كانت في أوجها كنمر آسيوي، وأتقن لغتها، إضافة إلى اللغة الإنجليزية، كما أثبت كفاءة في مجال الأعمال في كوريا، والأردن، بل وفي نابلس التي دخلها بتأشيرة زيارة دون حق في الإقامة. كما أنه شاب يتمتع بقوة جسدية، يمارس الرياضة، ولا سيما الجودو منذ نشأته الأولى في الكويت، كما كانت له زوجة كورية محبة. كان يمكن ببساطة أن يعيش أبعد ما يكون عن القضية. ولكن ساقته عواطفه وأقداره إلى اتجاه آخر. لم تنجب زوجته الكورية، فلما فكر في الزواج بأخرى بعد عودته إلى الأردن، اختارت الطلاق، فشعر بالحزن لفراقها وعاف فكرة الزواج مجددًا، ولكن أمه أصرت عليه، فوضع شروطًا يصعب أن تتوفر في فتاة، لكن أمه وجدت من تنطبق عليها الشروط، وطلبت منه الذهاب لفلسطين لرؤيتها، فأطاعها إرضاءً لها. قبل أن يذهب لرؤية العروس زار القدس، وصلى في المسجد الأقصى؛ فعادت له روحه، وعادت الحياة تدب بجسده من جديد.. لقد أصبح حيًا، وعادت له ذاكرته وحبه لفلسطين. في القدس شعر بالرغبة في الحياة؛ وفي المسجد الأقصى شارك في الصلاة على الشهيد يحيى عياش، وسمع أحدهم يقول جملة أصبحت محور حياته القادمة الانتقام الانتقام يا كتائب القسام. يقول عبدالله غضبت وعشقت وصليت، وذقت لأول مرة الحب؛ فلقد أحببت القدس وقبة الصخرة المشرفة من أول نظرة.. وأحببت يحيى عياش مثلما أحببت القدس تمامًا؛ فعياش ذلك المهندس القسامي أعاد لي بما رووه عنه روح المقاومة والتصدي للظلم والطغيان. وتجول عبدالله في مدن فلسطين، وأقسم أن يحرر فلسطين.. كل فلسطين. ثم ذهب إلى بيت أبيه الذي ورثه عن جَدّ جَدّ جَده، وهو عبارة عن قلعة قديمة، استخدم بعد ذلك علمه وخبرته في تحويلها إلى قصر فاخر. ذهب بعد ذلك لرؤية العروس؛ إرضاءً لأمه المريضة ناويًا أن يجد مبررًا للاعتذار، لكنه عندما رأى عينيها وقع في حبها من أول نظرة.. لقد سحرته بعيونها الخجولة؛ فقرر أن يطلب يدها.. لكنه لا يعرف هل كان ذلك سحر الحب أم سحر فلسطين. هكذا تشابكت قصة الإنسان العاشق الثائر مع قصة شعبه الذي يكافح من أجل الحرية، واختارته المعركة، وكانت قصته الإنسانية تزيد قصة كفاحه جمالًا وبهاءً، فهو زوج محب مخلص، وأب حنون يتابع ابنته وهي تخطو خطواتها الأولى، وابن بارّ بأمه وأبيه، وأجمل أوقاته تلك التي يقضيها في قطف الزيتون في مزرعة أبيه. انطلق عبدالله في مرحلة جديدة من حياته بعد أن دنّس شارون المسجد الأقصى؛ فاشتعلت الانتفاضة الثانية؛ فعقد العزم على أن يبدأ المقاومة بالصلاة في المسجد الأقصى؛ لكن عسكر الاحتلال منعوه، وضربوه بأعقاب البنادق حتى سقط مضرجًا بالدماء. حمله بعض الفلسطينيين لبيت قريب وضمدوا جراحه.. بعد ساعات ودّعهم لعله يتمكن من عقاب المحتل الصهيوني على ألم النفس والروح.. ألم الكرامة.. ألم أن أُضرب، وأُمنع من أداء صلاتي لربي. انخرط في إعداد البنية التحتية للمقاومة، وعندما اكتشف أبوه المتفجرات شعر بالخوف عليه؛ فأجابه لقد آن الأوان لأخوض المعركة التي طالما حلَمت بها وتمنيتها.. ادعُ لي بالنجاح؛ فأنا يا والدي قررت أن أترك هذه الدنيا الفانية لأقاتل.. لعلي أسقط شهيدًا، أو أنتصر.. المهم يا والدي أنني واثق- بإذن الله أني قبل أن أصل لإحدى الحسنيين- أني سوف أسقط عشرات وعشرات من قتلى العدو. باع محلاته التجارية، وسحب ما كان يملكه من مال في البنوك لينفقه على شراء أدوات يستخدمها في صنع المتفجرات، لكن جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني قبض عليه، وصادر أمواله. وبعد خروجه من سجن السلطة أعطته زوجته ذهبها ليبيعه وينفقه على المقاومة. يستمر في سرد قصة ثرية بالأحداث، انتهت بتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من أسره بعد أن وشى به عميل حقير. كانت ابنته تالا في ذلك الوقت مريضة على يديه عرج بها لمعاينة عَقَار ينوي استئجاره قبل أن يزور بها مشفى العيون، وما إن وصل إلى موقف بلدية البيرة حتى هاجمه كلبان بوليسيان؛ فقذف ابنته إلى السيارة وأغلقها عليها محاولًا التصدي لهما، فيما بدأ أحدهما بنهش قدمه، والآخر بنهش السترة الشتوية التي كان يرتديها. قبل أن يتمكن من التخلص منهما كانت مجموعة من الاحتلال تحيط به مصوبة بنادق رشاشاتها نحوه فألقته على الأرض وكبلته واقتادته إلى سيارة كانت حولها عندما هاجمته. يقول عبد الله كنت أدرك أن مثل هذه اللحظة قد تأتي.. فلم يكن أمام من يقاوم الاحتلال سوى الشهادة أو الاعتقال أو النصر.. وكنت مستعدًا للشهادة عبر إخلاص النية لله وحده.. فالمقاومة لم تكن لسلطة ولا لجاهٍ؛ بل كانت لله لرب العزة رب فلسطين الذي كتب علينا الجهاد طريقًا لتحرير المقدسات. خاض في التحقيق معركة كسر الإرادة، حيث مارس الصهاينة كل الأساليب اللاإنسانية من أجل انتزاع المعلومات منه، فكسروا عظامه حتى وصل جسده إلى حافة الانهيار. يقول عبدالله كنت ميتًا يحمل بقايا أنفاس أجراها الله بجسدي.. وأقسم أني شاهدت الموت، وتحدثت معه وجهًا لوجه، صادقت الموت وصادقني مشفقًا عليّ مما حلّ بي من عذاب. بعد ذلك حُوكم، وعاقبوه بسبعة وستين مؤبدًا، بالإضافة إلى 5200 عام بتهمة قتل 67 جنديًا صهيونيًا في 188 عملية. في النهاية يقول لابنته إما عيشة تتوجها الكرامة والعزة، وإما ميتة يقصد بها وجه الله- عز وجل- ترتقي بعدها الروح صاعدة لله رب العزة.. إن فلسطين بأقصاها وقدسها تستحق كل ما قدمت لها ولأجلها.. ويشهد الله إذا ما ظل بجسدي نفس؛ فلن أبخل به على وطني السليب. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2023/12/29/%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d8%ba%d9%88%d8%ab%d9%8a-%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a
https://www.aljazeera.ne…C1280&quality=80
2023-12-29T05:55:48
2023-12-29T10:29:42
مقالات
2,396
ماذا ستفعل موسكو إذا استفزتها تل أبيب في سوريا؟
تصاعد التوترات بين روسيا وإسرائيل على خلفية هجمات إسرائيلية استهدفت مواقع قريبة من قاعدة حميميم الروسية في سوريا، ما يثير تساؤلات حول خيارات موسكو في حال تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء.
ما تناقلته وسائل إعلام عربية وغربية حول قيام الدفاعات الجوية السورية والروسية بالتصدّي لهجمات إسرائيلية استهدفت مواقع في مدينة جبلة السورية القريبة من قاعدة حميميم التي تتركّز فيها القوات الروسية، لا يثير فقط تساؤلات حول حقيقة هذا الخبر من عدمه، بل يفتح الأبواب على تساؤلات أهم ترتبط بالتطورات والتغيرات الدراماتيكية المتسارعة في المنطقة، تلك التبدلات التي يمكن أن تطال الدور الروسي السياسي والعسكري فيها. وبصرف النظر عن حقيقة مشاركة الدفاعات الجوية الروسية بالفعل في عملية التصدّي، أم كون الأمر لا يعدو عملية إثارة إعلامية تهدف لاستدراج موسكو أو إجبارها على تقديم موقف قد لا تكون معنية في الظرف الراهن بتوضيحه، فإن هذه الفرضيات تطرح على بساط البحث مقاربة صناع القرار في روسيا للتطورات الأخيرة في المنطقة، على ضوء توسع رقعة الاشتباكات والانخراط الإيراني المباشر فيها. يجب، بداية، الانتباه إلى أن هذا الخبر عمل على ترويجه ما يسمى بالمرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن، حيث أبلغ عن سلسلة من الانفجارات القوية في المدينة، سمعها السكان المحليون. وزعم المرصد أن صدّ الهجوم لم يقتصر على دور قوات الدفاع الجوي السورية فحسب، بل شارك فيه عسكريون روس، نظرًا لأنّ قاعدة القوات الجوية الروسية تقع على مسافة ليست بعيدة عن المدينة. وبحسب تقارير صحفية عربية وغربية، فإن هدف الطيران الإسرائيلي كان طائرة نقل عسكرية قامت بتسليم شحنة أسلحة من إيران لمقاتلي حزب الله اللبناني. ولكن ليس من نافلة القول إن بريطانيا، التي يعمل هذا المرصد انطلاقًا منها، لا تعرف كل شيء فحسب، بل إنها تعرف أيضًا متى ومن يجب أن تتهم. ولذلك، فعلى الأرجح، فإن الأمر لا يعدو هجومًا من قبل وكلاء بريطانيا الافتراضيين تحت علم إسرائيل التي بدأت منذ 7 أكتوبر تشرين الأول الماضي استنفاد شفراتها بشكل دمويّ لا يخلو من علامات الجنون المصحوب بالتخبط. في كل الأحوال يجب ألا نُخرج من الحسابات، التوتر الذي يحيط بالعلاقات الروسية الإسرائيلية في المرحلة الراهنة، والذي يبدو أن الطرفين لم يعودا يحرصان على إخفائه، خلافًا للتقليد الذي كان قائمًا حتى وقت قريب. يضاف إلى ذلك أيضًا أن الإسرائيليين لطالما تجنبوا تنفيذ هجمات في سوريا قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بالجيش الروسي المتمركز هناك حتى لا يثيروا صراعًا مع موسكو. فقد درجت العادة أن تتركز هجمات الجيش الإسرائيلي في الجبهة السورية على أهداف تابعة للحكومة السورية أو الإيرانيين. لكن بعض وسائل الإعلام تشير إلى أن هدف الهجوم كان مستودعَ ذخيرة روسيًا. ومع ذلك، هناك شكوك منطقية في أن الروس سيختارون تخزين عتاد بهذه الأهمية خارج قاعدتهم الكبيرة والمحمية جيدًا في حميميم، ويضعونها بدلًا من ذلك في مدينة جبلة القريبة. بمعنى آخر، لم تكن هناك ضربة لقاعدة حميميم نفسها. ومن حيث المبدأ، فإن الهجوم غير مرجّح في هذه المرحلة؛ لأنه سيؤدّي إلى تصعيد غير ضروريّ. لكن في الوقت نفسه، تزايدت أسئلة السوريين حول سبب عدم مساعدة الدفاع الجوي الروسي في صد هجمات الجيش الإسرائيلي على أهداف داخل البلاد؟ يمكن هنا الافتراض بأن هذه الحادثة قد تضيف حجرًا جديدة إلى جدار انعدام ثقة السوريين تجاه روسيا. فرغم أن الهدف كان جبلة، فإن الصواريخ الإسرائيلية شكلت خطرًا جسيمًا على المناطق المحيطة. فتفجير المستودعات التي كان يستخدمها الإيرانيون والسوريون في مكان قريب نسبيًا من حميميم يحمل بشكل أو بآخر مضمونًا غير سارّ لموسكو. ونظرًا لأن الإسرائيليين يتصرفون الآن دون عقاب، ولأن الجانب الروسي يقتصر على الدعوات لوقف تصعيد العنف والعودة إلى طاولة المفاوضات، فإن مثل هذه الحوادث قد تتزايد في المستقبل على نطاق واسع وتؤدي إلى عواقب أكثر مأساوية. علاوة على ذلك، فإن ضرب قاعدة جوية، تعد أرضًا ذات سيادة روسية داخل سوريا، بحجة وجود وفد أو طائرة إيرانية هناك، قد يشكّل شرارة اشتباك روسي إسرائيلي وإن بشكل غير مباشر. دعونا نتذكر أن الإيرانيين هم حلفاء روسيا تم التوقيع على اتفاق إستراتيجي منذ وقت ليس ببعيد، يفترض أن لدينا، من حيث المبدأ، عدوًا مشتركًا ومسارًا مشتركًا تجاه الإسرائيليين. لكن على أرض الواقع، ليست هذه إلا مجرد كلمات في الوقت الحالي، ولكن الأمور قد تتغير في حال تجاوز إسرائيل الخط الأحمر تجاه القوات الروسية في سوريا. يصبّ في صالح هذه الفرضية، تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق بأن موسكو قد تذهب إلى تزويد من وصفهم بأعداء الولايات المتحدة بأسلحة عسكرية وتقنيات صاروخية تعزز قدراتهم في مهاجمة المصالح الأميركية. فمن يضمن ألا تقوم موسكو بالشيء ذاته مع أعداء إسرائيل؟ هنا قد تعيدنا هذه الأحداث إلى حرب أكتوبرتشرين الأول عام 1973، والتي وإن ترافقت مع تردد القيادة السوفياتية في تلبية كافة احتياجات الجيش المصري، إلا أنها في النهاية كانت تقوم بذلك، وهو ما تشير إليه مذكرات كثير من القادة العسكريين المصريين. والأهم من ذلك هو ما تمّ الكشف عنه بعد عقود كثيرة من أن الطيارين السوفيات شاركوا مباشرة في إسقاط طائرات إسرائيلية خلال العدوان على مصر. فهل يعيد التاريخ نفسه الآن وفي نفس الشهر ولكن بعد 51 عامًا؟ أيًا ما يكن الأمر، يتم حاليًا إلحاق ضرر جسيم بسمعة القوات الروسية في سوريا. ولا شك أن الإسرائيليين يفترضون أنه إذا لم يتدخل الروس الآن، فسيمكنهم التمادي إلى أبعد من ذلك. ومن سيضمن أن الحكومة الحريدية لن تختار قاعدة حميميم الجوية لتكون هدفها التالي؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/10/9/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%b9%d9%84-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%83%d9%88-%d8%a5%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%b2%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d8%aa%d9%84-%d8%a3%d8%a8%d9%8a%d8%a8
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C675
2024-10-09T07:48:16
2024-10-09T07:48:16
مقالات
2,397
مثقف ضد السلطة
الجبرتي يختلف عن كل من جاؤوا بعده من رموز الثقافة المصرية في أنه جرّب مذاق الحياة في مناخ الحرية السلبية قبل أن يؤسس محمد علي الاستبداد المطلق، الحرية السلبية التي عاشها الجبرتي كانت نتاج سلطة هشة.
مثلما أنّ محمد علي باشا 1769 1849 م هو مؤسّس دولة الاستبداد الحديثة القائمة في مصر حتى اليوم والغد، كذلك فإنّ الشيخ عبدالرحمن الجبرتي 1753 1825م هو مؤسّس ثقافة الحرية بمعناها الحديث، أي البحث عن الحقيقة، مستهديًا بيقظة الضمير المتجرّد، دون التفات إلى ما قد ينال رضا الحكّام أو يغضبهم، ودون اعتبار لما قد يحظى بإعجاب النخب والعوام أو ما يسخطهم، أسّس الجبرتي سلطة الضمير الحرّ. الباشا في النصف الأوّل من القرن التاسع عشر أنجز أمرَين استثنائيَّين أولهما استقرار السلطة في بلد لم تعرف فيه السلطة معنى وحقيقة الاستقرار لقرنَين من الزمن، حيث ضعْف العثمانيين وتناحُر المماليك. وثانيهما مركزية السلطة وبسط القانون الموحّد على كافة التراب الوطني بالقدر الذي أنجزه مينا نارمر 3200 قبل الميلاد. حكم الباشا مصر منفردًا نصف قرن، ولم يحدث في القرون الثلاثة السابقة على ولايته أن حكمها أحدٌ أكثر من سنوات تعدّ على أصابع اليد الواحدة. لكن استقرار السلطة وما رافقه من أمن وأمان، ومركزية السلطة وما رافقها من تحديث وعمران، هذا وذاك تمّ إنجازهما بقدر عالٍ من الطغيان الذي أصبح مكونًا عضويًا أصيلًا في بنية السياسة المصرية حتى اليوم والغد، بحيث أصبح من البداهة ألا تصير حاكمًا حقيقيًا لمصر دون أن تُنتج طبعتك الخاصة من الطغيان، طغيان وظيفي يسمح للحاكم بأمرَين وضع أساسهما محمد علي الباشا الأمر الأول أن يبقى الحاكم في السلطة ما دام على قيد الحياة، الأمر الثاني أن يقبض بيد من حديد على كافة مفاصل ومفاتيح السلطة، ومعنى الأمرَين حكم فردي مطلق، مع عدة فوارق مهمة أولها أن الطغيان في عهد الباشا وذريته- على مدى قرنٍ ونصفٍ أي من مطلع القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن العشرين هو طغيان ساذج ومبتدئ وضعيف، إذا قُورن بالطغيان اللاحق عليه، الطغيان الأعنف من دولة 23 يوليو 1952 م وحتى اليوم. وثانيهما أن الباشا أسس جيشًا وطنيًا حديثًا أعفى مصر من الاعتماد على الجند المرتزِقة والعبيد المماليك من البيض كانوا أم السود، هذا الجيش هو الهيكل العظمي أو الشاسيه الحديدي أو التصميم الخرساني الذي قامت عليه واستندت إليه الدولة المصرية والمجتمع المصري والهُوية المصرية الحديثة . وثالث هذه الفوارق أن الباشا أسّس الجيش، لكن لم يحكم بالجيش، حكم حكمًا مدنيًا محضًا، الجيش فقط كان للقتال، لم يكن الجيش في عهد الباشا وذريته من بعده مؤسسة حكم ولا صانع قرار سواء في السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع، بل قرار الحرب والسلم ذاته لم يكن قرار الجيش، فقط كان قرار نخبة الحكم من المدنيين. رابع هذه الفوارق أن الجيش في عهد الباشا كان مثل غيره من جيوش القرن التاسع عشر في أوروبا مؤسسة محترفة يديرها المدنيون ولا تدير هي المدنيين. الجبرتي يختلف عن كل من جاؤوا بعده من رموز الثقافة المصرية في أنه جرّب مذاق الحياة في مناخ الحرية السلبية قبل أن يؤسس محمد علي باشا الاستبداد المطلق، الحرية السلبية التي عاشها الجبرتي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر لم تكن نتاج توازن فعَّال بين صلاحيات الحكم وحقوق المحكومين وحرياتهم، لم تكن نتاج حالة سياسية ناضجة ومستقرّة، لكن كانت نتاج أمرَين سلطة هشّة غير مستقرة وغير قابضة على أزمّة الأمور، يقابلها طبقة حضرية مصرية في العواصم والبنادر تتشكل من جمهرة واسعة من التجار والعلماء والصوفية وأصحاب الحِرف والمهن، وكلما ازدادت هشاشة السلطة، ازدادت هوامش الحريات والحقوق ومساحات المناورة والحضور السياسي التي تستمتع بها وتستفيد منها الطبقات الحضرية الناشئة. في مقدمة كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار، حدَّد موقفه وموضعه وموقعه كمثقف مستقل متحرر من أي التزام أو طاعة تجاه أي سلطة سياسية، وهو كذلك بالبداهة تحرّر من أي مسعى للمنافع المادية والأدبية من وراء الكتابة، كذلك التحرر من أهواء النفس وميولها مع أو ضد هذا أو ذاك. كتب يقول ولم أقصد بجمعه يقصد الكتاب خدمة ذي جاه كبير، أو طاعة وزير، أو طاعة أمير، ولم أداهن فيه دولةً بنفاق أو مدح أو ذم مباين للأخلاق، لميل نفساني، أو غرض جسماني، وأنا أستغفر الله من وصفي طريقًا لم أسلكه، وتجارتي برأس مال لم أملكه . سجّل الجبرتي تاريخ السنوات الأولى من حكم محمد علي باشا من 1805 1822 م، حيث توقف عن الكتابة بعد أن لقي نجله مصرعه، ويُقال إن الباشا ذاته كان وراء مقتله، توقف عن الكتابة 1822 م حتى مات 1825م، وتبقى عظمته في أنه رصد حجم العنف الذي تأسست عليه الدولة الحديثة، وهو العنف الكامن في طبعها وتحت جلدها وعمق تكوينها، وهو العنف الذي تستدعيه الدولة الحديثة كلما احتاجت إليه واستلزمه أمر إعادة تثبيتها من جديد، إذا تعرّضت لهزة أو تعثرت في كبوة، هو العنف الذي ميّز وما زال يميز علاقاتها برعاياها أو مواطنيها. في كتابه مصر في القرن الثامن عشر دراسات في تاريخ الجبرتي ، يذكر محمود الشرقاوي 1909 1971م أنه مما لا شك فيه، أنّ الباشا كان يعرف ما سجّله الجبرتي عن سيئاته ومساوئ حكمه، وأن الباشا جزع من ذلك، واستاء منه أكبر الاستياء، وقد أراد الباشا أن يرد على الجبرتي، من طريق غير مباشر، فطلب من شيخ الأزهر الشيخ محمد العروسي الذي تولى المشيخة بعد الشيخ الشنواني هذا تمييز مهم؛ لأن والده كان شيخًا للأزهر، ثم نجله كذلك جاء شيخًا للأزهر، أي الجَد والأب والحفيد تولوا المشيخة طلب محمد علي باشا من العروسي الأوسط أن يكلف أحد كبار العلماء بتأليف كتاب يعارض ما سجّله الجبرتي، فوقع التكليف على الشيخ خليل بن أحمد الرجبي الشافعي، الذي وضع كتابًا ملأه مدائح في محمد علي باشا والإشادة بذكره، وتوجد من هذا الكتاب نسخة خطية في دار الكتب المصرية تحت رقْم 585 تصنيف تاريخ. بعد ذلك، وبالخبرة التي كسبها من طول المكث في الحكم، تعرف الباشا على وسائل البروباغندا الحديثة، واجتذب عشرات من الصحفيين والمؤرّخين والرحّالة والجواسيس الغربيين الذين نسجوا بأمره سردية عبقريته كمصلح للشرق على خطى الغرب أو نابليون الشرق، كما كان يطيب له أن يوصف، وهؤلاء نسجوا السردية كمثال وليست كواقع، كتجربة نجاح عبقرية في المطلق، لا كتجربة تأسست على العنف والاستئصال وإرهاق المصريين في تحقيق مطامح فردية. عاش الجبرتي عمره بين عامي 1753 1825 م، النصف الثاني من القرن الثامن عشر والربع الأول من القرن التاسع عشر، وهي فترة اتسمت بدرجة عالية من عدم الاستقرار، وصراعات السلطة في داخل نادي الحكم المملوكي المغلق، واستهزاء المماليك الجدد بالسلطنة العثمانية في إسطنبول، حيث نجحت مغامرة علي بك الكبير 1728 1773 م في الاستقلال بمصر والشام والحجاز واليمن والبحر الأحمر، وحيث تجرأ الفرنسيون لأول مرة منذ الحملة الصليبية السابعة 1250م بقيادة لويس التاسع 1214 1270م على غزو الشرق الإسلامي من مصر في حملة نابليون 1798م، وحيث دخلت مصر في حزام الصراعات الأوروبية بين الفرنسيين والإنجليز على الاستعمار والسيطرة على تجارة العالم غير الأوروبي مَن في أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. وحيث باتت السلطنة العثمانية رجل أوروبا المريض، وحيث تفتَّتت السلطة في مصر وشهدت عقودًا عدة من السيولة والاضطراب كثرت فيها مظالم الحكام رغم ضعفهم، وكثر فيها احتجاج الشعب بصورة غير مسبوقة وغير ملحوقة، حقبة طويلة من الاحتجاجات الشعبية لم يوقفها غير تمكن الباشا بمساعدة أوروبا من تأسيس سلطة مستبدة تملك أدوات السيطرة الحديثة، وفي مقدمتها العنف المنظم الممنهج المشروع، عنف الدولة الوطنية المقدسة. امتاز الجبرتي بأنه وُلد في أعلى بيوت الأرستقراطية المصرية، والده الشيخ 1698 1774م كان من ألمع علماء الشرق سواء في مصر أو عموم الديار الإسلامية، جمع بين علوم الدين والطب والجبر والحساب والهندسة والموازين، بيته قِبلة لطلاب العلم يتوافدون عليه من كل الجهات بما في ذلك أوروبا، مكتبته من كبرى مكتبات الشرق، علاقاته واسعة بالأمراء المماليك في مصر والسلاطين العثمانيين في إسطنبول، ترك لولده ثروة ضخمة كانت سندًا له في التحرر من ربقة الحكام، فلم يبذل الجبرتي أيَّ جهد في التقرب من الحكام قبل أو بعد مجيء محمد علي باشا. ظل متحررًا من أي قيد يربطه بالسلطة، واحتفظ مع محمد علي باشا بالذات بخصومة سياسية وفكرية حافظ عليها حتى مات، ولم يشارك صديقه الصدوق الشيخ حسن العطار 1766 1835م في التقرب من الباشا، حيث ألّف العطار كتابًا تقرب به للباشا وأهداه إليه وتولى مشيخة الأزهر، علمًا أنّ العطار جدير بالمشيخة لعلمه ونبوغه حتى لو لم يتقرب للحاكم. كذلك، كان موقف الجبرتي، عندما انقلبت نخبة المشايخ ضد نقيب الأشراف عمر أفندي الأسيوطي الشهير في التاريخ بـ عمر مكرم 1750 1822 م تورّع الجبرتي أن يكون جزءًا من اللعبة الخسيسة، كانت الإطاحة بعمر مكرم بداية مشوار ممنهج من تخليع أسنان الطبقات الحضرية العلماء والتجار والأشراف والصوفية وأهل الحِرف، الذين اكتسبوا خبرات النضال السياسي في العقود الأخيرة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانت الإطاحة بعمر مكرم تأسيسًا لواحدة من أخطر قواعد الطغيان في الدولة الحديثة ضرب الرموز والقوى الشعبية والنخب بعضها ببعض عبر الترغيب والترهيب، ثم القضاء عليها جميعًا، هذه القاعدة معمول بها حتى اليوم والغد، وهي ضمان الحكَّام للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، ثم هي ضمان لهم من أجل الاستحواذ على أكبر قدر من السلطة المطلقة. الوحيد الذي وقف موقف الجبرتي من الباشا هو صديقه المقرب الشيخ أحمد الطحطاوي، وهو تركي الأصل، كان شيخًا لفقهاء الحنفية، وقد استدعوه للتآمر على عمر مكرم، لكنه خاف الله وتورع، فكاد له المشايخ عند الباشا حتى عزلوه عن مشيخة الحنفية، ثم أعاده الباشا للمشيخة في وقت لاحق. الجبرتي سبق منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني في رصد المظالم الاجتماعيَّة باعتبارها انتهاكًا لحقوق الإنسان. كما سبق المدارس التاريخية الحديثة في التركيز على التاريخ الاجتماعي قبل التركيز على التاريخ السياسي. هذه وتلك، هي جوهر الروح النضالية التي اتّصف بها الجبرتي كمثقف وكاتب ومؤرخ. وهذا مقال الخميس المقبل بمشيئة الله تعالى. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/1/25/%d9%85%d8%ab%d9%82%d9%81-%d8%b6%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%b7%d8%a9
https://www.aljazeera.ne…esize=1200%2C630
2024-01-25T11:40:44
2024-01-25T12:37:49
مقالات
2,398
سوريا الجديدة كيف تعيد ترتيب أوراق المغرب العربي؟
يقدم المقال الإطلالة على تعاطي دول المغرب العربي مع التطورات الجديدة والمتسارعة في سوريا، كيف تمت قراءتها؟ وكيف وقع التعامل معها؟ وبأي سيناريو ستواجه تداعياتها؟
يبدو الوضع السوري الجديد، بعد سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر كانون الأول الماضي، حمّال خيارات، ليس للسوريين فحسب، فهذا من تحصيل حاصل، إنما لمكونات المنطقة العربية برمتها، التي بدأت تتهافت على دمشق، سواء من باب الاستعداد للمستقبل، أم في سياق تقدير سياسي إستراتيجي، أو لجهة أخذ الحيطة، وتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في علاقة بالرجل الأول في سوريا، القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، واتجاهات الأمور لديه. ويهمنا في هذه الورقة، الإطلالة على تعاطي دول المغرب العربي مع التطورات الجديدة والمتسارعة في سوريا. كيف تمت قراءتها؟ وكيف وقع التعامل معها؟ وبأي سيناريو ستتم مواجهة تداعيات هذا الثائر السوري الجديد، بعد أن ظنّت دول المنطقة، أنّ الثورة السورية قبرت إلى الأبد، كما قبرت ثورات الربيع العربي؟ ففي الجزائر، بدأت مؤسسات بلد المليون شهيد، في التأقلم مع التطورات الجديدة في المشهد السوري، رغم ما ظهر في بيان وزارة الخارجية من هدوء، يخفي في رأي المراقبين بعض التوجس، بالنظر إلى أنّ سوريا كانت تمثل، دائمًا وأبدًا، حليفًا تاريخيًا للجزائر منذ سبعينيات القرن الماضي.. وهي لا تقبل اليوم، بأن تكون خارج السياق السوري الجديد، على الرغم من كل المياه التي جرت في الوادي الدمشقي، إبان نجاح الثورة الجديدة في نهاية العام المنقضي. حرصت الجزائر على امتداد العقود الماضية ولعلها ما تزال تراهن على ذلك إلى الآن على أن تكون سوريا، في قلب الملعب العربي، لاعبًا مهمًا، وقادرًا على إحداث التوازن، التكتيكي والإستراتيجي، سواء مع القاهرة، أو مع الكتلة الخليجية، أو في علاقة بقضايا ومشكلات المغرب العربي. ومن ثمّ لن تكون لديها خيارات كثيرة، في احتضان التطورات السورية الأخيرة، ربما السؤال الجزائري الأكثر إلحاحًا في هذه المرحلة، هو أي المداخل التي يمكن أن تتيح للجزائر، أن تكون ضمن السياق السوري القادم، خصوصًا مع الإشارات الإيجابية التي ما فتئ يبعث بها الجولاني إلى مختلف دول العالم. ولذلك، عجّلت الجزائر لحظة سقوط نظام بشار الأسد، بالإعراب عن وقوفها مع الشعب السوري الشقيق، الذي تربطه بالشعب الجزائري صفحات نيرة من التاريخ المشترك، القائم على التضامن والتآزر.. ودعت الأطراف السورية كافة، إلى الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، كما شدّدت على ضرورة الحوار بين أبناء الشعب السوري بأطيافه ومكوناته كافة، وتغليب المصالح العليا لسوريا الشقيقة.. بعيدًا عن التدخلات الأجنبية. ولا شكّ أنّ موقف الجزائر، مرتبط، بالإقليم، في محورَيه المغاربي والعربي، ومن هذه الزاوية، لا ترى الجزائر لسياساتها فكاكًا من الموضوع السوري، فالعلاقات البينية العربية، مهمة لسوريا، كما للجزائر على حدّ السواء. يمكن القول، إنّ التعجيل الجزائري بذلك الموقف، يأتي ضمن محاولة السلطة استباق أي إمكانية لحراك اجتماعي أو سياسي، يستثمر الوضع السوري الجديد، لاستئناف ما سمي بـالحراك الشعبي، الذي عرفته الجزائر، خلال العام 2019، بما يعيد الدولة إلى مربع الاحتجاجات، وهو ما جعل الرئيس عبدالمجيد تبون، يسارع إلى فتح حوار مع مكونات المنتظم السياسي الجزائري، لغلق الباب أمام المجهول الذي حذّرت منه أطراف سياسية ونقابية عديدة في الجزائر، الأمر الذي تلقفته السلطة وشرعت في التأسيس لحوار وطني مرتقب. هل تتأثر الجزائر مستقبلًا، بتفتت المحور السوري، الروسي، الإيراني، الصيني إلى حدّ ما، أم تراها قادرة على الاستمرار ضمن هذا المحور، من بوابة العلاقات الثنائية بهذه الدول، بعيدًا عن حسابات المحاور، التي لم تراهن عليها كثيرًا، بدليل علاقتها التي توصف بـ الإستراتيجية بالولايات المتحدة الأميركية، ودول الخليج، وبعض دول الجوار الإقليمي، خصوصًا تونس وليبيا. في المقابل، تبدو الجارة، المغرب، في موقف مريح إلى حدّ بعيد.. فقد استثمر الملك محمد السادس بذكاء، في الثورة السورية، وكانت لنظامه قراءة بدت مع الأيام دقيقة، حيث كان يرى في استمرار النظام السوري، أمرًا عسيرًا، لذلك استقبلت الرباط، قادة المعارضة السورية، واحتضنت في سنة 2012 اجتماعات مؤتمر أصدقاء الشعب السوري، الذي اعترف في مراكش، بائتلاف المعارضة السورية كممثل شرعي للشعب السوري. وكان ذلك إيذانًا بوجود حاضنة مغربية للمعارضة السورية، بل إنّ ملك المغرب، كان أول شخصية عربية في السلطة، تؤدي سنة 2012 زيارة لمخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، كما استقبلت الرباط الآلاف من هؤلاء. لقد كان احتضان مؤتمر أصدقاء سوريا في المغرب، بمثابة المسمار الذي دقّه ملك المغرب في نعش العلاقات المغربية مع نظام الأسد في سوريا، الباردة بطبيعتها منذ حقبة الستينيات، بحكم الخلاف الجوهري بين النظامين، على خلفية انقلاب وزير الدفاع آنذاك، حافظ الأسد، على الرئيس نور الدين الأتاسي، وهو أمر لا تستسيغه الرباط، الرافضة لأي انقلابات في تفكيرها السياسي، وهو ذات الموقف الذي اتخذته من الرئيس التونسي، الراحل زين العابدين بن علي، عندما قام بانقلاب على الرئيس بورقيبة، وظلت العلاقات التونسية لنحو 4 سنوات في شبه قطيعة، بل حتى عندما استؤنفت قبيل وفاة الملك الحسن الثاني، لم تتجاوز إطار البرود، إلى حين حدوث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر أيلول2001، حيث كانت الدوافع الأمنية، أحد أهم أسباب طي صفحة الماضي، ولو جزئيًا. ومثلما استوعب المغرب معارضين للرئيس بن علي، أقاموا هناك لسنوات طويلة، فعل الشيء نفسه مع رجال أعمال وسياسيين، فروا من بطش نظام حافظ الأسد، في ستينيات وسبعينيات القرن المنقضي، ما أثار حفيظة النظام السوري، قبل أن ينتهي الأمر إلى شبه قطيعة بين الطرفين. ولا شكّ، أنّ تنافر الأجندات والحسابات السورية والمغربية، تاريخيًا، حول العلاقة بالكيان الصهيوني خلال الصراع العربي الإسرائيلي، في فترة الستينيات، أو خلال المرحلة السابقة، منذ مفاوضات أوسلو، وصولًا إلى اتفاقيات أبراهام، وانتهاء عند الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، والذي أدى إلى فتح علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ستكون لها تداعياتها على العلاقات المغربية مع النظام السوري الجديد، بما يوفر للمغرب، أجنحة جديدة، على مستوى التموضع الإقليمي. حملت تونس على كتفيها، تراكمات موقف نخبة عروبية، استطاعت خلال عقود طويلة، أن تكتسح الموقف الرسمي، باتجاه استمالته لصالح العلاقة مع النظام السوري، مستفيدة من مئات الطلبة الذين درسوا بسوريا، وتأثروا بخطابها وسياساتها ورموزها، وشكلوا قوة ضغط على النظام التونسي، منذ مجيء بن علي إلى الحكم، أواخر الثمانينيات. تميّزت العلاقات بين سوريا وتونس، خلال عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة وحافظ الأسد، بنوع من الفتور، على خلفية مواقف سياسية وأيديولوجية متباينة بشأن إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ففيما كان بورقيبة، يدعو إلى حل الدولتين، من خلال ما يعرف بـخطاب أريحا الشهير في مارس آذار 1965، كان نظام حافظ الأسد، يطرح المواجهة مع إسرائيل، وهو ما لم تستسغه دمشق ولا قاهرة جمال عبد الناصر آنذاك، وكان أن اتخذ كل طرف موقفًا أشبه ما يكون بالقطيعة السياسية، وتم الاكتفاء بالتعاون الاقتصادي بين البلدين.. لكنّ بورقيبة، والحق يقال، كان ينظر بعين التوجس إلى نظام حافظ الأسد، لذلك كان يتعامل مع حزب البعث بحذر شديد، وتغلب على تعاملات النظام التونسي، المخاوف الأمنية، والقلق من الصبغة الأيديولوجية لنظام الأسد، وهو ما كان أمرًا غير مهضوم من النظام البورقيبي. ومع صعود الرئيس بن علي إلى الحكم، في العام 1987، إثر انقلاب على بورقيبة، تغيرت المعادلة، بتشجيع من النخبة العروبية واليسارية أيضًا، التي التحقت بالحزب الحاكم التجمع الدستوري الديمقراطي، وتغلغلت في مؤسسات الدولة، وخاصة على الصعيدين الأمني والدبلوماسي، ما أدى إلى استمالة موقف نظام بن علي باتجاه العلاقة مع سوريا، وكانت البوابة الأمنية، أبرز المداخل لهذه العلاقة، في علاقة بكيفية التعاطي مع ملف الإسلاميين، الذي يعني بالأساس ملف حركة النهضة. حيث حرص نظام بن علي على الاستفادة من أسلوب نظام الأسد في مقاومة التيار الإسلامي. وسرعان ما قطعت العلاقات بين البلدين، إبان الثورة التونسية خلال العام 2011، واستضافت الرئاسة التونسية، على عهد الرئيس المنصف المرزوقي، مؤتمر أصدقاء سوريا، بل إنّ الرئيس المرزوقي اتخذ قرارًا في فبراير شباط 2012، بقطع العلاقات مع سوريا احتجاجًا حينها على قمع النظام السوري للاحتجاجات في البلاد، كما قال بيان لرئاسة الجمهورية. لكنّ خروج حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية من الحكم، في العام 2013، عجل تحت ضغط اللوبي العروبي واليساري باستئناف العلاقات مع سوريا، مع رئيس الحكومة المؤقت، مهدي جمعة، سنة 2014، حيث تم الاتفاق مع السوريين على فتح مكتب للخدمات الإدارية والقنصلية لفائدة الجالية التونسية في سوريا، قبل أن تُعيّن وزارة الخارجية التونسية سنة 2015 قنصلًا عامًا دون رتبة السفير في دمشق، بقرار من الرئيس السابق الباجي قائد السبسي 2014-2019، وظلت العلاقات بين البلدين دون مستوى السفراء إلى حين مبادرة الرئيس الحالي، قيس سعيّد، في فبراير شباط 2023 بالترفيع في مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق، وهو نفس ما فعلته سوريا لاحقًا. ولئن بدا موقف الرئيس التونسي الحالي، منسجمًا مع اتجاهات التفكير لديه التي تقوم على المبادئ، وليس على الفعل السياسي التقليدي وإكراهاته، كما يقول دائمًا، فإنّ الدبلوماسية اليوم في العالم، تخضع لقراءات إستراتيجية، وسيناريوهات، وقراءة الوقائع والأحداث في أبعادها وأفقها وتقاطعاتها، واستشراف التوازنات والمصلحة القومية للدولة، وهو ما جعل الموقف التونسي من الأحداث السورية، مرتبكًا، وكلف النظام التونسي، إصدار بيانَين عبر الخارجية التونسية، التي يرسم الرئيس قيس سعيّد إطارها واتجاهها، حاول من خلالهما، تلافي الخطأ الذي وقعت فيه في الأيام الأولى. هكذا شدّدت وزارة الخارجيّة التونسيّة في بيانها إثر السقوط الرسمي لنظام الأسد، وهروبه إلى خارج البلاد، على ضرورة تأمين سلامة الشعب السوري، داعيةً إلى الحفاظ على الدولة السورية، دولة موحّدة كاملة السيادة، بما يحميها من خطر الفوضى والتفتيت والاحتلال، وعلى رفض أيّ تدخل أجنبي في شؤونها. كما ناشدت الخارجيّة التونسية، كافة الأطراف السورية، التلاحم وتغليب المصلحة العليا للبلاد، من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقلاله وسلامته واستقراره، وتأمين انتقال سياسي سلمي. هل يقدر النظام التونسي، على ركوب السفينة السورية الجديدة، بما يعني ذلك، التخلص من الإرث الأسدي في علاقات البلدين، الذي أضحى اليوم من الماضي، أم تنجح بعض النخب العروبية، في جرّ النظام التونسي، إلى الإبقاء على مسافة مع الوضع السوري الجديد، من خلال تخويف القيادة التونسية، من ملف التونسيين المقاتلين ضدّ النظام السوري السابق، والإبقاء على الهاجس الأمني في علاقة بسوريا الجديدة؟ المراقبون في تونس يرون، أنّ الدبلوماسية التونسية، وفي غالبها من التكنوقراط، لن تقبل بأن تبقى السياسة الخارجية التونسية، تتفرج على الوضع السوري الجديد، من أجل إرضاء لفيف من القوميين، الذين أظهرت الأحداث تهافت مقارباتهم في علاقة بالشأن السوري، حيث لم تستفد البلاد، لا سياسيًا، ولا اقتصاديًا، من سياسة الارتماء في الحضن السوري بلا أي حصاد، شعبي أو على مستوى النظام ذاته، وهو ما يرجح أن يتجه الرئيس التونسي في سياقه خلال الفترة المقبلة. ولن نضيف جديدًا بصدد الحديث عن الموقف الليبي من مجريات الأمور في سوريا، إذ تماهى مع بعض مواقف دول الإقليم، واعتبر المعارضة السورية المسلحة، جماعات إرهابية، ومعلنًا مساندته للنظام السوري، قبل أن تغير طرابلس موقفها، وتعرب خارجيتها، لاحقًا، انحياز ليبيا التام إلى مطالب الشعب السوري وتطلعاته نحو الحرية والعدالة، ووقوفها المبدئي مع ثورته ضد الطغيان. وأعربت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية، المعترف بها من الأمم المتحدة، عن أمل ليبيا في أن تُشكّل هذه التطورات انطلاقة حقيقية نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية، تُلبي آمال السوريين، وتُحقق العدالة لجميع أبناء الوطن. بل أكدت دعمها الثابت لنضال السوريين المشروع ضد الاستبداد، معتبرة أن هذه المرحلة تعد تتويجًا لمسار كفاح طويل من أجل الكرامة والحرية. وما إيفاد مسؤولين ليبيين إلى دمشق في الآونة الأخيرة، إلا دليل على أن العقل السياسي الليبي، يهدف إلى الخروج والقطع نهائيًا مع المقاربة القديمة مع الشأن السوري، بكل الثقل الذي تمثله تلك العلاقات. لا شكّ أنّ المنطقة المغاربية، مقبلة على مرحلة معقدة، في علاقة بالملف السوري، بحكم التداعيات الجيوستراتيجية التي سيطرحها الوضع الجديد هناك، ومآلاته السياسية والأمنية، وعلى مستوى العلاقات العربية والإقليمية، كما سوف يلقي بظلاله على التحالفات والصراعات في الإقليم، بما يجعل منظقة شمال أفريقيا، على فوهة تغيرات حقيقية خلال المرحلة المقبلة، لا يعرف المرء اتجاهاتها أو الريح التي ستتجه نحوها. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2025/1/21/%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%aa%d8%b1%d8%aa%d9%8a%d8%a8-%d8%a3%d9%88%d8%b1%d8%a7%d9%82
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2025-01-21T16:32:07
2025-01-21T16:32:07
مقالات
2,399
منعطف الديمقراطية السنغالية الخطير
فجأة تغير كل شيء في 3 فبراير عندما ألقى الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي سال خطابًا للأمة السنغالية، أعلن فيه أنّه قرر تأجيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها من 25 فبراير إلى أجل لاحق.
السنغال في منعطف سياسي خطير، مما جعل مستقبلَ البلاد السياسي مفتوحًا على كل الخيارات، بما في ذلك دخول البلاد في مواجهات حادّة يمكن أن تؤدي إلى استخدام القوة المفرطة التي قد تعصف بالتجربة الديمقراطية العريقة والمتميزة في هذا البلد، الذي ظل ومنذ الاستقلال، بمنأى عن الاضطرابات السياسية الكبيرة التي تشهدها منطقة غرب أفريقيا، والتي وصلت إلى مرحلة الحروب الأهلية الطاحنة في بعض دولها. حتى صباح الثالث من فبراير شباط، كانت الأمور تسير في هدوء، حيث أعلنت لجنة الانتخابات أسماء المرشحين العشرين الذين استوفوا شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وبعد الاطّلاع على قائمة المرشحين، اقتنع الجميع بأنّ الرئيس الحالي ماكي سال أوفى بعهده ولم يترشّح احترامًا للدستور الذي يحدّد ولاية الرئيس بدورتين فقط. أمام ثورة الشارع الغاضب عندما أعلن الحزب الحاكم أن الرئيس ماكي سال سيترشح لدورة ثالثة، وجرى الحديث عن تعديل دستوري يقره البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، اضطر الرئيس سال لمخاطبة الأمة مؤكدًا أنه سيلتزم بالدستور ولن يترشح مرة أخرى في الأول من فبراير شباط، بدأت رسميًا الحملات الانتخابية، والتي كان من المتوقع أن تنتهي في يوم الاقتراع المحدد له يوم 25 فبراير شباط. ورغم أن أحزابًا كبيرة اعترضت على استبعاد مرشّحيها من المنافسة، بما في ذلك الحزب الديمقراطي السنغالي، إلا أنها اتّبعت الطرق القانونية، ورفعت شكاواها للمحاكم المختصة التي حددها الدستور السنغالي. ولكن فجأة تغير كل شيء في الثالث من فبراير شباط عندما ألقى الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي سال خطابًا للأمة السنغالية، أعلن فيه أنّه قرر تأجيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها من 25 فبراير شباط إلى أجل لاحق، وأعلن أنه سيرفع قراره إلى البرلمان للنظر فيه، ومن ثمّ سيدعو إلى حوار وطني شامل حول مستقبل التجربة الديمقراطية العريقة في السنغال. اختتم الرئيس سال خطابه مؤكدًا ما سبق أن أعلنه والتزم به بأنه شخصيًا لن يترشح في الانتخابات القادمة، عملًا بأحكام الدستور. ربما يكون هذا الخبر عاديًا في أي دولة أفريقية أخرى تعاني تغوُّل الحزب الواحد أو تعدّي الجيش المتكرر على الديمقراطية، ولكنه شكّل صدمة كبيرة للرأي العام في السنغال، وهي البلاد التي لم تشهد أي انقلاب عسكري في تاريخها السياسي في مرحلة ما بعد الاستقلال. ليس ذلك فحسب، بل إن الممارسة الديمقراطية السلمية أصبحت الوسيلة الوحيدة التي يقبلها الشعب من أجل التداول السلمي للسلطة في البلاد. تعزّزت الديمقراطية في السنغال بشكل واضح في ربع القرن الأخير، وغدت العملية الانتخابية شفافة ونزيهة إلى حد كبير، والتزمت كل الأحزاب بقبول نتيجة الانتخابات أيًا كانت. ويشهد تاريخ السنغال السياسي المعاصر أن الرئيس السابق عبدو ضيوف، الذي حكم البلاد عشرين عامًا، اعترف بخَسارته في الانتخابات الرئاسية في عام 2000، وأقر بهزيمته أمام غريمه التاريخي عبدالله واد، واتصل به مهنئًا وسط دهشة الكثير من القادة الأفارقة. وفي عام 2012، اعترف الرئيس عبدالله واد، ولكن بمرارة كبيرة، بخسارته في الجولة الثانية للانتخابات واتصل بتلميذه ومنافسه الرئيس الحالي ماكي سال مهنئًا له بالفوز. في العام الماضي، شهدت البلاد تظاهرات شديدة عندما أعلن الحزب الحاكم أن الرئيس ماكي سال سيترشح لدورة ثالثة، وجرى الحديث عن تعديل دستوري يقره البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، وأمام ثورة الشارع الغاضب اضطر الرئيس سال لمخاطبة الأمة مؤكدًا أنه سيلتزم بالدستور ولن يترشح مرة أخرى. وربما لهذا السبب أكد الرئيس ماكي سال في خطابه للأمة، الذي أعلن فيه تأجيل موعد الانتخابات، أنه لن يترشح لدورة ثالثة، وذلك حتى لا يثور الشارع عليه مرة أخرى. هذا البلد ترسخت فيه الممارسة الديمقراطية، وعرف المواطن أن صوته الانتخابي ليس مجرد ورقة يضعها في صندوق الاقتراع، بل إنّ صوته له وزن وثقل، ويمكن أن يغيّر به مسار السياسة في بلاده. ولذلك فإنّه عندما لا يلتزم الرئيس أو عضو البرلمان بوعده الانتخابي، يصيح في وجهه المواطن بكل ثقة قائلًا ستعود إلينا بعد خمس سنوات، ولن أمنحك صوتي. عزا الرئيسُ سال والحزب الحاكم دوافع قرار التأجيل إلى الخلاف المحتدم بين البرلمان ولجنة الانتخابات، حيث اتهم البرلمان اثنَين من قضاة اللجنة بعدم النزاهة، وشكّك في مصداقية اللجنة وعدم احترامها نصوصَ الدستور فيما يتعلق بشروط الترشح. ورفع الرئيس قراره للبرلمان الذي عقد جلسة طارئة لمناقشة القرار، ورفض نواب الأحزاب المعارضة مناقشة الموضوع من حيث المبدأ، ومنعوا التصويت، مما اضطر رئيس البرلمان لإخراج نواب المعارضة بالقوة من الجلسة. جرى التصويت ووافق الأعضاء بأغلبية مريحة على قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية من 25 فبراير شباط إلى يوم 15 ديسمبر كانون الأول 2024، وحتى لا تدخل البلاد في فراغ دستوري بانتهاء فترة الرئيس الحالي في الثاني من أبريل نيسان القادم، قرر البرلمان تمديد فترة ولاية الرئيس ماكي سال حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية وتسلُّم الرئيس المنتخب السلطةَ بنهاية هذا العام. صوّت لصالح القرار نواب الحزب الحاكم ونواب الحزب الديمقراطي السنغالي الذين سبق أن اعترضوا على قرار لجنة الانتخابات برفض ملف مرشح الحزب كريم واد، نجل الرئيس السابق عبدالله واد، وطالبوا بتعديل جدول الانتخابات. بعد قرار البرلمان تأجيل الانتخابات حتى شهر ديسمبر كانون الأول وتمديد ولاية الرئيس سال قرابة العام، فيما تراه المعارضة مخالفة واضحة للدستور السنغالي، سيكون تحرك المعارضة والشارع السنغالي على مستويين المستوى القانوني الذي ستنظر فيه المحكمة الدستورية والأجهزة العدلية المختصة. المستوى السياسي والتعبوي وهو الأهم، والذي يتمثل في تنظيم حراك جماهيري كبير. بدأ الشارع السنغالي ينتظم، ومن المتوقع أن يكون له ما بعده. أثيرت تساؤلات مهمة حول الأسباب التي دفعت الرئيس سال لإصدار قراره المفاجئ بإيقاف العملية الانتخابية بعد أن بدأت رسميًا، ويرى كثيرون من المحللين أن السبب الرئيس وراء ذلك هو التقييم الذي أجراه الحزب الحاكم لنتائج الانتخابات المتوقعة، وتأكد له أن مرشحه للانتخابات رئيس الوزراء الحالي أحمدو باه ليست له حظوظ كبيرة في الفوز. وفي الواقع، فإن ترشيح أحمدو باه لم يكن محل إجماع وسط كبار قادة الحزب الحاكم، ولكن الرئيس سال فرضه على الحزب. وذلك لأن المرشح أحمدو باه جديد نسبيًا في مسرح السياسة السنغالية، حيث دخلها بشكل واضح في عام 2013 عندما عينه الرئيس سال وزيرًا للمالية، ثم تدرج وزيرًا للخارجية ليصل في عام 2022 لمنصب رئيس الوزراء، كما أنه ليس من مؤسسي الحزب الحاكم، وليس له التأييد الجماهيري الذي يحظى به أعضاء آخرون من مؤسسي الحزب. تأكيدًا لذلك، ظهر مؤخرًا تيار يقوده عدد من كبار قادة الحزب الحاكم بمساعدة زوجة الرئيس سال ينادي بتغيير مرشح الحزب. ومن شأن إيقاف العملية الانتخابية أن يتمكن الحزب الحاكم في مرحلة لاحقة من تغيير مرشحه للرئاسة. أما المعارضة، فترى أن إيقاف العملية الانتخابية وتمديدها لأكثر من عشرة أشهر هو مجرد حيلة من الرئيس الحالي ماكي سال للاستمرار في الحكم بشكل مخالف للدستور، وأنه في مرحلة ما قد يقدم تفسيرًا دستوريًا ملفقًا يسمح له بالترشح لدورة ثالثة. وهذا المنطق مقبول جدًا في الشارع السنغالي الملتهب؛ لأن الرئيس سال احتفظ بالصمت طوال العام الماضي بشأن رغبته في تعديل الدستور والترشح لولاية ثالثة، واضطر أخيرًا وبعد مظاهرات صاخبة في العاصمة دكار إلى الإعلان- ربما مكرهًا، كما تقول المعارضة- أنه سيحترم الدستور ولن يترشح. يبدو أن قرار تعديل تاريخ الانتخابات الرئاسية، وتمديد فترة ولاية الرئيس ماكي سال، سيدخلان السنغال في مرحلة من الاضطراب السياسي الخطير الذي يهدد سلمية العملية الديمقراطية التي عرفت بها البلاد منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960. ستقود المعارضة حملة واسعة ضد قرارات البرلمان، ومن المتوقع أن تتطور الأمور بشكل تصاعدي يبلغ ذروته في الثاني من أبريل نيسان 2024، وهو اليوم الأخير الذي يحدده الدستور لانتهاء فترة ولاية الرئيس ماكي سال. صرَّح عدد كبير من زعماء المعارضة وقادة الرأي العام والأكاديميين وقادة المجتمع المدني بأنهم لن يعترفوا بالرئيس ماكي سال رئيسًا بعد تاريخ الثاني من أبريل نيسان. وهذا يعني دخول البلاد عمليًا في فراغ دستوري، يمكن أن يؤدي إلى الفوضى. اقترح عدد من القانونيين أن يتولى رئيس البرلمان السلطة في الثاني من أبريل نيسان؛ منعًا لأي فوضى في البلاد، بينما صرّح عدد من قادة المعارضة بأنهم سيعلنون العصيان المدني المفتوح في الثاني من أبريل نيسان، ولن يعترفوا بالرئيس ماكي سال رئيسًا للدولة بأي حال من الأحوال. هذه التصريحات خطيرة جدًا في بلد ديمقراطي يشهد الشارع السياسي فيه احتقانًا كبيرًا ضد الحزب الحاكم. وقد لاحظنا ذلك في المظاهرات الشبابية العنيفة التي اندلعت في العاصمة دكار في عام 2021 عندما وجهت المحكمة اتهامات كيدية إلى زعيم المعارضة الشاب عثمان سونكو، وراح ضحيتها عدد من الأشخاص، مما اضطر المحكمة إلى إخلاء سبيله. كما شهدنا ذلك في المظاهرات الكبيرة التي اضطرت الرئيس سال في النهاية إلى الإعلان أنه لن يعدل الدستور ولن يترشح لولاية ثالثة. ولكن الأخطر من كل ذلك هو أن تغري حالة الفوضى والفراغ الدستوري -لا سمح الله- بعض ضباط الجيش المغامرين إلى الانقلاب على التجربة الديمقراطية العريقة في السنغال، كما فعل إخوان لهم من قبلُ في غينيا وبوركينا فاسو ومالي، وليس بعيدًا عمّا حدث مؤخرًا في النيجر. إنّ الديمقراطية السنغالية العريقة تمرّ بمنعطف خطير، وهي أحوج ما تكون إلى دعم العقلاء والحكماء لتفادي هذا الاختبار الصعب، ولتحافظ على مكانتها كنموذج للأمل في ظلام الانقلابات الدامس في أفريقيا. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/2/12/%d9%85%d9%86%d8%b9%d8%b7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%ba%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d9%8a%d8%b1
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-02-12T05:41:03
2024-02-12T05:41:03
مقالات
2,400
اليونيفيل تحت النار هل تحقق إسرائيل أهدافها من تعديل القرار 1701؟
يركّز المقال على محاولات إسرائيل تغيير دور قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان، سعيًا لتوسيع صلاحياتها في دعم أهدافها الأمنية وسط تصاعد التوترات.
في العام 2018، أطلقت إسرائيل عملية درع الشمال التي هدفت بحسب الاحتلال إلى الكشف والقضاء على أنفاق تابعة لحزب الله في جنوب لبنان، تمتدّ إلى مناطق مختلفة في الجليل من المطلة وصولًا إلى رأس الناقورة، داخل فلسطين المحتلة. آنذاك، أعلنت قوات الاحتلال أنها نجحت في إحباط مخطط غزو الجليل، وهو عملية سريّة كان يحضّر لها حزب الله لمفاجأة إسرائيل تقوم على الدخول إلى الجليل عبر الأنفاق السرية التي بناها الحزب، والتي تمركزت بشكل أساسيّ حسب الادعاءات الإسرائيلية في بلدات كفركلا وراميا وعيتا الشعب، الأمر الذي يمكّنه من شنّ هجمات، واختطاف جنود بدعم من قوته الصاروخية التي تعتبرها إسرائيل التهديد الأساسي لها. وتحت عنوان الدفاع عن النفس، أعلنت إسرائيل أنها مستمرّة فيما وصفتها بالجهود الدفاعية واسعة النطاق على الحدود باستخدام كافة الوسائل الحربية العسكرية والتكنولوجية والاستخباراتية. آنذاك، اعتبرت إسرائيل أنها أثبتت تفوّقها العسكريّ والاستخباراتي والتكنولوجي ضد الحزب من خلال هذه العملية. وهي وإن قلّلت من أهمية تأثير الأنفاق في أي حرب مقبلة، إلا أنها كانت حريصة على استثمار هذا الإنجاز من خلال نزع صورة النصر التي يعمل الحزب على تكريسها منذ العام 2006، ومن خلال العمل على استثمار ما اعتبرته تهديد حزب الله لأمن مستوطناتها للحصول على مكاسب تستطيع من خلالها تغيير الوضع القائم على المستوى الدبلوماسيّ وتتلخص بخمسة عناوين، وهي في العام 1978، طالب مجلس الأمن الدولي قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب الكامل من لبنان، وأعلن عن إنشاء ونشر قوات حفظ السلام الدولية، اليونيفيل للتأكد من الانسحاب الإسرائيلي، واستعادة الأمن، ومساعدة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية بناء على طلبها، استنادًا إلى القرارَين 425 و426. منذ ذلك الحين، أعربت قوات الاحتلال الإسرائيلي مرارًا عن اعتراضها على دور اليونيفيل وحاولت أكثر من مرة الضغط عليها عسكريًا وأمنيًا إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر عبر المليشيات اللبنانية التابعة لها؛ أي ما كان يعرف بجيش لبنان الجنوبي أو جيش لحد، وهو عبارة عن مجموعة عملاء بقيادة العميلين أنطوان لحد، وسعد حداد. ولعلّ تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز في العام 1986 خلال زيارة له إلى الولايات المتحدة، يختصر الرفض الإسرائيلي لقوات اليونيفيل حين قال في الوقت الراهن، لا نستطيع التوصّل إلى اتفاق مع قوات اليونيفيل. وكان المسؤولون في اليونيفيل آنذاك يتقدّمون باستمرار بالشكاوى ضد الاحتلال ويحذّرون من عدم توافر الظروف الملائمة لعملهم، ويطالبون بإمدادهم بالعتاد اللازم للدفاع عن النفس وإلا سوف تخسر مصداقيتها وشرعية وجودها. كما اتهموا إسرائيل بأنها من خلال استهدافها المستمرّ لهم، إنما تحاول تغيير طبيعة مهام اليونيفيل، من كونها قوات لحفظ السلام إلى ما يمكن اعتباره قوّة ذات مهام عسكرية تنفيذية بالطبع لضمان الأمن الإسرائيلي. وجدت قوات الطوارئ نفسها في ثمانينيات القرن الماضي عالقة بين الإسرائيليين من جهة، وبين تزايد العمليات العسكرية التي بدأ يقوم بها حزب الله بشكل مباشر بعد الإعلان عن انطلاقته في العام 1985. هنا، رأت إسرائيل فرصة لتغيير الوضع القائم، وذلك عبر اتهامها قوات اليونيفيل بالفشل في حماية وفي ضمان أمن حدودها الشمالية، وقدّمت اقتراحًا بإنشاء تحالف دوليّ لتبادل المعلومات الاستخباراتية، وبإنشاء وحدات متخصصة مكلّفة بمهام أوسع في جنوب لبنان. في المقابل، اعتبر المسؤولون في قوات الطوارئ الدولية أن الحلّ الوحيد لعودة الهدوء في الجنوب، وتقبّل وجود اليونيفيل في المجتمع اللبناني يتمثّل بتطبيق القرار الدولي الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية. ومع التحرير في العام 2000 ولاحقًا حرب يوليو تموز في العام 2006، وإصدار القرار 1701، زادت قوات اليونيفيل من عديدها وعتادها، كما تمتّعت بهامش معيّن في تطبيق مهامها بالتنسيق مع الجيش اللبناني. بيدَ أن السلطات الإسرائيلية السياسية والأمنية، كانت ترى أن اليونيفيل ما تزال متقاعسة وسلبية، وأن صلاحياتها ما تزال محدودة بفعل الواقع السياسي اللبناني الذي يجب تغييره. بعد أكثر من شهر على اندلاع الحرب الإسرائيلية الموسّعة على لبنان، ما تزال إسرائيل تعتبر أنها نجحت في تحقيق معظم أهدافها العسكرية، وأنها أثبتت مرّة أخرى، تفوّقها العسكريّ والتكنولوجيّ والاستخباراتيّ على حزب الله. هنا، نعود إلى العام 2018، أي إلى عملية درع الشمال وما لحقها في الأعوام التي تلت من تحضيرات عسكرية واستخباراتية للحظة المواجهة الكبيرة. فمعظم التقارير الأمنية والسياسية الإسرائيلية التي صدرت في السنوات القليلة الماضية، كانت تشير إلى أنه وعلى الرغم من الهدوء على الجبهة مع لبنان، فإن كل الظروف تؤشّر إلى إمكانية اندلاع حرب طاحنة مع حزب الله؛ بسبب عوامل عدة لا تقف عند الواقع العسكريّ بين الطرفين الذي وصل إلى ذروة الردع الحذر، والذي ينذر بالانزلاق في أي لحظة، بل أيضًا إلى عوامل أخرى تتعلّق بميزان القوى في المنطقة، لا سيّما بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى تداعيات المواجهة في سوريا بين حزب الله وإيران ضد إسرائيل. من هنا، وإذا ما أردنا ربط عملية درع الشمال في العام 2018 وما تلاها وصولًا إلى الحرب الدائرة اليوم، يمكن فهم سياق التصريحات الإسرائيلية لمحاولة تثبيت معادلة تناسب إسرائيل في الميدان وفي السياسة، وذلك عبر التأكيد المتكرّر على أن العمليات العسكرية ضد لبنان التي تنفذها في هذه الحرب هي معدّة ومخطط لها منذ سنوات وتعكس التفوّق الاستخباراتي والتكنولوجي والعسكري لديها إن كان في استهداف أجهزة الاتصال الخاصة بحزب الله، أو في اغتيال القادة، أو في ضرب أنفاق الحزب، وهو ما تعتبره ضرب البنية العسكرية لحزب الله، وصولًا إلى عملية الإنزال الأخيرة في شمال لبنان والتي يرجّح ألا تكون الوحيدة. وتشير المواقف الدولية التي واكبت الحرب الحالية على لبنان إلى أن إسرائيل نجحت إلى حدّ ما في مسعاها المستمرّ منذ سنوات للحصول على تأييد دوليّ لا سيّما من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا لعملياتها التي ما تزال تعتبرها ضد حزب الله حصرًا في لبنان، وذلك من خلال الحصول على شرعية لاعتداءاتها تحت عنوان الدفاع عن النفس ضد عمليات حزب الله التي تصفها بالمدمّرة والتي تهدد استقرار كل من إسرائيل ولبنان. في هذا الإطار، فهي تستكمل اليوم حربها على لبنان؛ لتحقيق مكاسب فشلت في الحصول عليها سابقًا تحديدًا فيما يخص تعديل القرار 1701، ومهام اليونيفيل تحت الفصل السابع، أو بالحدّ الأدنى وضع صيغة جديدة بدعم وإشراف الولايات المتحدة الأميركية. منذ بداية الحرب، زاد المسؤولون الإسرائيليون من وتيرة انتقاداتهم لعمل قوات الطوارئ الدولية، اليونيفيل، من خلال اتهامها، للمفارقة، بالفشل في تطبيق القرار 1701. وكما في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، يحاول الإسرائيليون توجيه الرسائل حول رفضهم طبيعة وجود ودور قوات اليونيفيل بالضغط السياسي أو بالنار من خلال الاستهداف المباشر لها. ولا بدّ من الإشارة في هذا الإطار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي حذّر من خلال تقارير عدة قوات اليونيفيل من خطر اندلاع الحرب في لبنان على وجودها، إذ اعتبر أن الأخيرة سوف تجد نفسها في حرب مدمّرة وفتّاكة الأمر الذي سوف يكشف فشلها وعدم مصداقية عملها في تطبيق القرار 1701 من جهة، كما أنها ستخسر عددًا كبيرًا من جنودها ذلك أنها تتواجد في واحدة من أكثر مناطق الصواريخ كثافة. طبّق الاحتلال تهديده المبطّن لقوات اليونيفيل عبر استهدافها بشكل متكرّر، إلا أن محاولاته لإرغام قوات اليونيفيل على الانسحاب قوبلت برفض معظم الدول الأوروبية المشاركة فيها. على الأثر، بدأ نتنياهو بممارسة الضغط السياسيّ لتغيير الوضع القائم، بحيث يجدد في كل خطاب مطالبته بوضع صيغة جديدة لضمان تنفيذ القرار 1701. غير أن الصيغة الجديدة التي يتحدّث عنها نتنياهو، هي تمامًا التغييرات نفسها التي يريد إدخالها على القرار 1701، وعلى شكل ودور قوات اليونيفيل منذ بداية الحرب ولكن بلغة دبلوماسية بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأميركية. يعتبر الإسرائيلي أن فشل اليونيفيل في لبنان يعود بالدرجة الأولى إلى المشكلة الجوهرية في القرار 1701، أو ما وصفوه بالأسس الهشة للقرار، أي إقراره على أساس الفصل السادس الذي ينصّ على التسوية السلمية للنزاعات، وليس على أساس الفصل السابع الذي يدعو إلى مواجهة التهديدات للسلام والانتهاكات بالقوة. وعلى الرغم من كل الاختلافات والخلافات الداخلية الإسرائيلية حول طريقة إدارة الحرب منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول، فإن نتنياهو يتمتّع بدعم كبير نسبيًّا في حربه على لبنان، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا بالإجماع السياسي والشعبي حول مطلبه بضرورة تطوير القرار 1701 دون إلغائه كونه يمتّع بإجماع دوليّ ولبنانيّ، أي إدخال تعديلات أو بنود إضافيَّة تحت عنوان صيغة معيّنة وإجراءات إضافية لتطبيقه. وتحت هذا العنوان، قد تناور سلطات الاحتلال من خلال ممارسة الضغط السياسيّ والدبلوماسي لتشكيل لجنة أو فرقة مستقلّة بمهام تنفيذية ذات صلاحيات واسعة بدعم وإشراف الولايات المتحدة الأميركية تحت عنوان ضمان تنفيذ القرار 1701، وهو ما يعني تطبيق المخطط الإسرائيلي بعنوان قانونيّ ودبلوماسيّ. أيضًا، تعتبر إسرائيل أنه لا يجب تغيير الدور العسكري لليونيفيل فقط، بل أيضًا تغيير الواقع الاجتماعي الأمني الذي نجحت قوات الطوارئ في تكريسه. فعلى مدى عقود، عملت القوات العاملة في اليونيفيل على الاندماج في المجتمع اللبناني بشكل عام والجنوبي بشكل خاص عبر نشاطات متنوّعة ثقافية وتربوية واجتماعية، بالإضافة إلى فتح المجال للمواطنين للعمل في صفوفها في المناصب الإدارية. لذلك، تطالب إسرائيل في أي تسوية مقبلة أيضًا تقليص عدد اللبنانيين العاملين في الأمم المتحدة، وتقليص عدد المشاريع التي تموّلها الأمم المتحدة؛ كونها بحسب الاحتلال تساهم بشكل مباشر في مساعدة المجتمع الذي يؤيّد حزب الله. على الرغم من النشوة الإسرائيلية واتجاه قيادتها السياسية إلى الاستمرار في الحرب؛ لاعتقادها بأنها تنجح في مراكمة الإنجازات العسكرية التكتيكية، فإنه ثمة رأي يتبلور ويتزايد في الآونة الأخيرة يدعوها إلى تطبيق مبدأ نقطة الذروة الإستراتيجية لضمان الحلّ الأمنيّ طويل الأمد، وذلك من خلال الانتقال من العمل العسكري، مستفيدة من لحظة الإجماع الدولي السياسي غير المعلن لحربها في لبنان، إلى التسوية السياسية والدبلوماسية عبر فرض شروطها لوقف الحرب، أي إدخال تعديلات على القرار 1701، وعلى دور قوات اليونيفيل، وإنشاء منطقة عازلة تحت مسميات مختلفة. فهل ستنجح إسرائيل بتغيير الوضع القائم على الجبهة مع لبنان في التسوية المرتقبة؟ الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/opinions/2024/11/12/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d8%ba%d9%84-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%81%d9%8a%d9%84
https://www.aljazeera.ne…size=1920%2C1440
2024-11-12T14:02:41
2024-11-12T14:51:24
مقالات